
العودة إلى وطن لم تغادره
بقلم: إبراهيم عبد المجيد
| 17 سبتمبر, 2024

مقالات مشابهة
-
أما آن للوزيرة الألمانية أن تهمد؟!
أخيراً تحقق لها المراد! فقد صافحت الوزيرة...
-
غزة وجدليَّتا النصر والهزيمة
على مدى ما يقارب ٤٧١ يوماً، وقفت غزة وحيدةً...
-
سوريا وثورة نصف قرن
سيسجل التاريخ أن يوم ٨ ديسمبر ٢٠٢٤م يوم مفصلي...
-
خطر الدوغمائية على مآل “الميثاق الغليظ” في المغرب!
يزداد انشغالي فكريًّا ووطنيًّا بما سيثيره مشروع...
-
ماذا عن القرار العباسي بإغلاق مكتب الجزيرة؟!.. يا لك من نتنياهو!
فعلها محمود عباس (أبو مازن)، وأكد عندما فعلها...
-
وقد استجاب القضاء لدعوة الرئيس.. ماذا ينتظر المستأجرون؟!
ذكّرني القول إن المحكمة الدستورية العليا في مصر...
مقالات منوعة
بقلم: إبراهيم عبد المجيد
| 17 سبتمبر, 2024
العودة إلى وطن لم تغادره
حكايات العودة إلى الوطن ساهمت في نضج العقل البشري، وأخذته إلى المعاني الكبرى للوجود!. صحيح أن أكثرها وأجملها كانت أساطير كتبها الإنسان القديم، أو رددها في حكاياته، لكنها أخذت مساحة عظيمة في عقل وروح البشر.
من أقدمها- مثلا- حكاية سنوحي المصري، الذي غادر مصر بعد موت إمنمحات الأول إلى فلسطين حتى كبر وشاخ، ثم عاد إلى مصر وروى حكايته التي ألهمت الأدب العالمي والسينما. ومن أشهرها أيضا حكاية أوليس- أو أوديسيوس-، الذي قطع الطريق من طروادة بعد أن انتهت الحرب إلى جزيرة إيثاكا اليونانية، موطنه وموطن حكمه، في عشر سنوات قابل فيها الأهوال في البحار، وفي الأرض بين الأشجار والمغارات والوحوش.
ويمكن أن تضيف إليها حكاية المسيح (عليه السلام) الذي هربت به أمه مريم إلى مصر طفلا من بيت لحم، التي أمر هيرودس الأول بقتل أطفالها حتى لا تتحقق نبوءة المخلِّص، ثم عادت به إلى القدس بعد موت هيرودس، وكان ما جرى له بعد ذلك من القرية الظالمة كما أسماها الدكتور محمد كامل حسين في روايته الشهيرة العظيمة، التي حملت عنوان “قرية ظالمة”.
في كل بلاد العالم أساطير جعل منها الرسامون لوحات خالدة، وجعلت منها السينما في العصر الحديث مادة لأجمل الأفلام التي شكلت وعينا وروحنا ولا تزال، ومن ذلك الفيلم الأسطوري “إي تي”، الذي أخرجه ستيفن سبيلبرج عام 1982، عن الكائن الفضائي الذي ضل طريقه إلى الأرض فوجده الطفل إليوت، ورغم حمايته له إلا أن “إي تي” لا يتحمل الحياة على الأرض ويشتاق إلى موطنه في الفضاء، ثم ينتهي به الأمر إلى أن يبكي، ويتضرع لمن جعلوه بينهم من الأطفال مرددا “هوم .. هوم”!. و”هوم” بالإنجليزية تعني البيت، لكنها أيضا تعني الوطن، فاطلقوا سراحه وغادر الأرض.
أتاحت لي الظروف الأدبية السفر إلى بلاد كثيرة من العالم، سواء العربي أو الغربي، وكنت- رغم جمال البلد الذي أسافر إليه وفتنتي به- لا يمر أسبوع حتى أشعر بالحنين إلى الوطن وأريد العودة.. تغير الحال فيما بعد، وأصبحت العودة لا تلح عليَّ إلا في موعدها، وكثيرا ما تمنيت البقاء في الخارج!. لا يأخذني الحنين بقوة كما كان في الماضي، رغم أن التقدم في العمر يبعث على الحنين أكثر.
لذلك طبعا أسباب، أقلها ما يحدث حولي في البلاد من فوضى في الشوارع وزحام وعشوائيات البناء، أضيفت إليها- للأسف- مظالم كثيرة، فلا سياسة اقتصادية أدت إلى تقدم في الصناعة أو الزراعة أو غيرها، بل لا يزال الباب مفتوحا لبيع أصول الوطن من مصانع وشواطئ وعمارات قديمة بنيت في عصر النهضة، بعد أن ذهبت البعثات الدراسية إلى أوروبا منذ عهد محمد علي وأبنائه، وعادت بطرز عمارة متميزة، هي عمارة البحر المتوسط، وأضيفت إليها أحيانا الروح الإسلامية.
الآن- للأسف- يطل سؤال العودة إلى الوطن على كثيرين لم يغادروه أصلا!. فالطعام والشراب في غلاء مستمر، تقف مذهولا أمامه إذا قارنته بالأسعار منذ عشر سنوات، ولن أقول منذ خمسين سنة مثلا، بل إن الأسعار تزداد كثيرا كل يوم. ومهما سمعت عن خير في السياسة الاقتصادية فالعبرة بالأسعار، لا سياسة اقتصادية يمكن وصفها بالنجاح والأسعار ترتفع كل يوم إلى حد الجنون. لن أحكي عما عرفته أنا من أسعار في حياتي، بل حتى من هم أصغر مني- وهم بالملايين- يشعرون بالنتيجة المجحفة، أو المضحكة. وحين السماع عن الأسباب مثل مشاريع كثيرة من الكباري، أو عاصمة جديدة لا تزال خالية، أو مدينة من الأبراج في الصحراء مثل أبراج مدينة العلمين، يملؤونها بالمهرجانات صيفا، بينما هي تنعى من بناها شتاء وفي بقية العام.
سياسيا، يقولون إنها من أجل مصر، فتنظر حولك وتتساءل: أي مصر يقصدون؟!. هل هي مصر الـ 15% من الأغنياء فقط؟ الحديث عن المظالم في الاقتصاد طويل، يبدأ بسعر قطعة الفلافل التي صارت تتجاوز الخمسة جنيهات.. مثلي كان يوما في الستينيات يشتري بدلة من الصوف الإنجليزي بخمسة الجنيهات!. لن أضرب الأمثلة طبعا لكل نوع من أنواع الملبس أو المأكل أو السيارات والبيوت والسكن، حيث صارت أسعار الشقق تقدر بملايين الجنيهات.
لذلك يشعر الإنسان العادي في مصر، والذي لا يهتم بالسياسة أو الرأي، أنه غريب عن الوطن.. يبحث وهو جالس يفكر كيف يعود إلى الوطن الذي رآه في الأفلام القديمة، ناهيك عن حكايات الأهل عنه، وكيف كانت الحياة في الوطن متاحة بأقل قدر من النقود، هذا إن لم يكن هو قد عاش ذلك. وفي الحقيقة، هو لا يحتاج الماضي، بل إنه يعيش ذلك كل يوم.. كيف يفكر الإنسان العادي في العودة إلى الوطن وهو يعيش فيه؟. صار هذا هو السؤال المعلق في الفضاء.
إذا أضفت إلى ذلك حالة الحريات، وإغلاق مواقع صحفية أو حجبها، وحبس الأعداد المهولة بسبب رأي أو رسم كاريكاتوري، ومحاولة جديدة مما يسمى مجلس الشعب لتعديل قانون الإجراءات الجنائية، ليعطي الشرطة حقوقا أكثر من المواطن، بل أكثر من النيابة نفسها أو المحامين.. إذا أضفت ذلك كله تفكر: كيف صارت الغربة في البلاد؟ كانت الغربة قديما مرتبطة بالسفر، كُتبت عنها أجمل الخطابات، وقيلت فيها أجمل القصائد والأغنيات التي يضيق عنها المقال، لكن الغربة صرت تعيشها وأنت جالس في بيتك بين أهلك وأولادك وأسرتك.
لا شك أن كثيرين يفكرون في وطن آخر يذهبون إليه، لكن ظروف الهجرة إلى أوربا تعقدت الآن أكثر، كما قلَّت فرص العمل في الدول العربية، وما دمت لم تسافر فلا عودة إلى الوطن، وهكذا صار البحث عن الوطن والعودة إليه حلما أو خيالا يراودك وأنت جالس. لو كتبتها قصة أو رواية فلن يصدق أحد أن شخصا يفكر في العودة إلى الوطن وهو جالس في بيته وفي بلدته، وسأجد أني مرغم على الإيضاح بذكر أسباب وأوضاع سياسية واقتصادية عامة أو خاصة مما يفسد القصة ويجعلها أقرب إلى المقال، ثم إني حتى لو نجحت في كتابة قصة فنية، فسأدفع بها إلى النشر، ولن يعرف أحد أنها أعادتني إلى بحر الآلام حولي.
لكن ماذا سيحدث حين ترى النساء أزواجهن شاردين، ويسألنهم: لماذا؟ فيقول الواحد منهم: “سافرت وأنا جالس في مكاني”!. وحين تسأله زوجته عن السبب وتعرف، ستعاتبه لأنه لم يأخذها معه!
سيظل معنى “الفقر في الوطن غربة، والغنى في الغربة وطن” يخايل المصريين العاديين، وهم الأغلبية.. لكن الغنى- للأسف- لن يكون إلا لحظات تشرد فيها خيالاتهم، فيتركون الوطن وهم جالسون في بيوتهم، وبسرعة يعودون، فهل سيساعدهم ذلك على الحياة؟
تابعنا على حساباتنا
مقالات أخرى
رسالة إلى أمريكا
وقف مراسل شبكة CNN الإخبارية بمنطقة "أيتون" شرقي مدينة لوس أنجلوس الأمريكية، مرتدياً قناعاً واقياً من الغاز، قام بإزاحته عن وجهه، بعد أن طلبت منه المذيعة في داخل الاستوديو أن يصف لها ما يحدث على الأرض. بعيون دامعة، ووجه شاحب مكفهر، تحدث بأسى عن جحيم مروع، تشهده ولاية...
أما آن للوزيرة الألمانية أن تهمد؟!
أخيراً تحقق لها المراد! فقد صافحت الوزيرة الألمانية أنالينا بيربوك الوزيرَ السوري أسعد الشيباني في الرياض، بعد الضجة الكبرى لعدم مصافحة أحمد الشرع لها، والاكتفاء بالترحيب بها بوضع يده مبسوطة إلى صدره! وكما كان عدم المصافحة في دمشق خبرَ الموسم في الإعلام الغربي، فقد...
غزة وجدليَّتا النصر والهزيمة
على مدى ما يقارب ٤٧١ يوماً، وقفت غزة وحيدةً صامدةً تواجه مصيرها، كآخر بقعة تتموضع عليها القضية الفلسطينية، بعد أن تم تدجين العالم العربي كله وصولاً إلى تدجين فلسطين نفسها بقيادة أكثر صهيونية من الصهيونية نفسها، لا هدف لها سوى أن تُنسي الفلسطينيين والعالم كله شيئاً...
0 تعليق