
بين الوزير القطري والسفير الأمريكي
بقلم: خليفة آل محمود
| 14 أغسطس, 2024

مقالات مشابهة
-
أما آن للوزيرة الألمانية أن تهمد؟!
أخيراً تحقق لها المراد! فقد صافحت الوزيرة...
-
غزة وجدليَّتا النصر والهزيمة
على مدى ما يقارب ٤٧١ يوماً، وقفت غزة وحيدةً...
-
سوريا وثورة نصف قرن
سيسجل التاريخ أن يوم ٨ ديسمبر ٢٠٢٤م يوم مفصلي...
-
خطر الدوغمائية على مآل “الميثاق الغليظ” في المغرب!
يزداد انشغالي فكريًّا ووطنيًّا بما سيثيره مشروع...
-
ماذا عن القرار العباسي بإغلاق مكتب الجزيرة؟!.. يا لك من نتنياهو!
فعلها محمود عباس (أبو مازن)، وأكد عندما فعلها...
-
وقد استجاب القضاء لدعوة الرئيس.. ماذا ينتظر المستأجرون؟!
ذكّرني القول إن المحكمة الدستورية العليا في مصر...
مقالات منوعة
بقلم: خليفة آل محمود
| 14 أغسطس, 2024
بين الوزير القطري والسفير الأمريكي
في لقاء مع إحدى الوكالات العالمية، صرّح الشيخ حمد بن جاسم آل ثاني، رئيس وزراء ووزير خارجية قطر السابق، أن المطلوب هو أن يكون العراق غير مستقر، وأضاف أنه لا يوجد أمل سريع لاستقراره بسبب وجود السلاح بيد ميليشيات خارج سيطرة الدولة.
هذا تصريح مهم في معناه وتوقيته، ومن شخص كان له منصب رسمي هام في فترة غزو العراق ومطلع على تلك الأحداث، يأتي هذا التصريح مذكّرًا بعدد من التصريحات الحالمة من قبل الإدارة الأمريكية قبيل غزو العراق، ليضع الجميع في حيرة أمام مشروع جديد يُسوَّق له في هذه الفترة، وكالعادة، الدول العربية ستكون فيه من المتفرجين: إدارة غزة ما بعد حماس؟
هذا التصريح تزامن مع قراءتي لكتاب “نهاية العراق”، الذي ألّفه السفير الأمريكي السابق بيتر غالبريث، وصدر عام 2007، ويبدو أن السفير، من خلال ما كتبه في المقدمة، كان يؤمن في فترة من الفترات بصدق نية الغزاة، وأنهم سيعملون على تحويل العراق ليصبح منبرًا جذابًا في تجربته الديمقراطية لدول المنطقة، ولكن ماذا حدث؟ وكيف سجل انطباعاته؟ أكتب هنا من خلال كتابه عن بعض مشاهداته وربطه الذكي بين التصريحات الرسمية قبل الغزو والواقع المرير بعد الغزو، لنكتشف أن تصريح الوزير والسفير ينطلقان من حقيقة واحدة أثبته بالواقع.
السفير في كتابه أعاد الذاكرة لتصريح شهير لوزير خارجية أمريكا (كولن بأول) في منبر الأمم المتحدة عن رغبة صدام حسين في تطوير أسلحة جرثومية، وأنه يجب على العالم العمل على إيقافه، الغريب أن مختبرات وزارة الصحة، والتي يعرفها بشكل دقيق مفتشو الأمم المتحدة، يوجد بها عدد من تلك الجراثيم التي تُركت بيد العراقيين تحت رقابة المنظمات الدولية لاستخدامات سلمية، القناني التي تحتوي على جراثيم الحمى السوداء، وشلل الأطفال، والإيدز، الكوليرا، تُركت تحت رحمة السارقين بعد الفوضى التي حدثت بعد الغزو، وما يهم الناس هو تلك القناني ليسلبوها ويرموا ما بداخلها، الغريب أن تلك الأحداث جرت تحت سمع وبصر الجنود الأمريكيين المرابطين بجانب المؤسسة الصحية، وذلك بعد أسبوع من سقوط بغداد.
بوش الابن في حالة الاتحاد ذكر شراء نظام العراق لمادة “الكعك الأصفر” من النيجر، وهو مصطلح يطلق على اليورانيوم غير المخصب، وحذّر أن ذلك يعني نية النظام العراقي لإنتاج القنبلة النووية، وتلك من الأكاذيب التي اكتُشفت بعد الغزو، لأن شراء العراق لتلك المادة كان للاستخدام السلمي وليس من خلال النيجر، وتُركت تحت الرقابة الدولية، وحين أكملت أمريكا استعدادها لغزو العراق، وقبل أربعة أيام من بدء الحرب، أرسل (محمد البرادعي) مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية، إحداثيات المخازن والكمية الموجودة من تلك المادة وضرورة السيطرة عليها حتى لا تقع في أيدي مجموعات تسيء استخدامها، تلك المخازن، مثلما حدث في كل الجهات الرسمية العراقية، تعرضت للسلب والنهب من مجموعات لا يعرفون قيمة وخطورة تلك المادة، هدفهم كان الحصول على البراميل ليقوموا ببيعها أو لتجميع الأمطار، والمادة التي كانت من أهم مبررات الحرب رُميت في الأرض من قبل مجموعات لا يعلمون بخطورتها، وهم يدهسونها بأحذيتهم، والغريب أن السفير أثار تساؤلاً خطيرًا بعد استقرار الأمور: اكتشف بعد الجرد الدقيق أن هناك طنين من تلك المادة اختفت للأبد، ولا يُعرف الجهة التي استولت عليها.
يقول المؤلف، والذي كان يتنقل بين مختلف أحياء العراق وطرقاتها، التي أُخليت إلا من مجموعتين: الجنود الأمريكيين وعصابات السلب والنهب، هناك ألفة بينهما ولم يحدث أي صدام بينهما، وجسّد ذلك بمنظر وكأنه يعرض مشهدًا سينمائيًا لفيلم خيالي: مجموعة من الجنود الواقفين مدججين بالسلاح الفتاك وخلفهم دبابة من أفضل ما أنتجته الصناعة العسكرية، يمر أمامهم أفراد خرجوا من إحدى الوزارات يحملون مسروقاتهم ويلقون على بعضهم التحية.
ثلاثة أسابيع قضاها المؤلف، كما يقول، متنقلاً بين المنشآت والمباني العراقية، لم يمنعه أحد من الدخول إلى أي مكان، فقد دخل وزارة التجارة، والقصر الملكي السابق، ومقر اللجنة الأولمبية العراقية، وجامعة الموصل، ومنزل عدي صدام حسين، وسجون، ومخازن أسلحة، ما استرعى انتباهه هو كمية الحاضرين والمشغولين بأخذ كل شيء ولا يثير انتباههم وجود رجل غربي يراقب، أرسل له بعضهم ابتسامته، وأحدهم طلب منه أن يصوره وهو يسرق، وكأنه يحرص على توثيق ذكرى جميلة.
تحدث عن خطابات الرئيس الأمريكي فيما يتعلق بصلات النظام العراقي بكثير من المجموعات الإرهابية وخاصة تنظيم القاعدة، وهي من المبررات الكبيرة لغزو العراق، بالتأكيد، تلك العلاقة لا يمكن إيجاد دليلها إلا من خلال وثائق وزارة الخارجية العراقية، وحين ذهب إلى مبناها وجد أنها لا تختلف عما يحدث في كل العراق، انشغل الموجودون بإيجاد شيء يحصلون عليه ليقوموا ببيعه، ذكر بمرارة تلك الوثائق التاريخية التي كان إحداها بتوقيع غاندي، وأخرى بتوقيع تيتو، وجدها في يد أحدهم قام بحرقها لتنير له مخزنًا مظلمًا يبحث فيه عن شيء يأخذه، شعر أن ذاكرة العراق كانت تلتهمها النار من خلال ذلك المشهد المؤلم، فأخذ أحد الملفات وذهب به إلى صديقه برهم صالح في كردستان ليقول له: “أريد أن أكتب لحظة تاريخية بأنني ساهمت في إنقاذ شيء ما في العراق الحزين السليب.”
ما سبب حرجًا للإدارة الأمريكية ليس كل تلك الأحداث، بل سرقة المتحف الوطني، والقيام بتدمير وحرق ما لا يمكن أخذه، النداءات العالمية تطلبت لأول مرة أن تتدخل الإدارة وتحاول معالجة ذلك الأمر الذي سبب كل تلك الضغوط عليها، حينها، عملت بجهد لترميم ما دمر وإعادة ما سُرق، الحقيقة المؤلمة هذه المرة ليست على العراق، بل تحملتها الحضارة الإنسانية بفقدان وللأبد 38 أثرًا يعتبر من أهم المقتنيات التاريخية العالمية.
الأحداث التي ذكرها السفير حدثت بعد دخول القوات الأمريكية بغداد بمشروع واحد ظاهر هو جلب الديمقراطية، ومستتر هو خلق الفوضى وجعل الدولة العراقية كلها تحت الضياع، ليكتب في خاتمة الفصل جملة آمن بها كأمريكي مؤمن بقيم الحرية والنظام: “أن أمريكا هُزمت في اللحظة التي دخلت فيها قواتها إلى بغداد.”
الإدارة الأمريكية مسؤوليتها قانونية وإدارية بعد الغزو، ما لم يذكره المؤلف هو أن القوات الأمريكية حافظت فقط على مبنى واحد، وهو وزارة النفط، وسورته بالأسلاك الشائكة وبـ 50 دبابة، ونشرت العديد من القناصة حول المبنى، ومن أخطر السرقات التي حدثت هي السطو على مبنى دائرة النفوس في بغداد من قبل إحدى المليشيات، لسرقة جميع الملفات لسكان العراق والتي يمكن من خلالها تغيير التركيبة السكانية لدولة العراق.
ختامًا، إن ما ذكره الوزير القطري هو تأكيد لحقيقة قام بتدوينها الكثير من المنصفين، منهم السفير غالبريث، في ظني أن النزعة الانتقامية كانت الدافع الأول لما حدث للعراق، نجحت المهمة وتم خلط جميع الأوراق وأعيدت العراق للعصور المظلمة من دون خارطة طريق أو نبراس يوضح معالم الخطوات، لتكون تحت رحمة سكاكين لا ترحم وهي تقطع أوصالها إلى عدة كيانات، وتمتص ثرواتها حتى الموت.
الحرب الأهلية التي حدثت هناك حصدت الآلاف من أهل العراق وعلمائه وكوادره، على أصوات ذلك الموت يخرج أحدهم من الإدارة الأمريكية ليحدثنا عن مبررات الحرب، ويقول بكل صلافة وغرور: “إن الواقع الحالي خير من ديكتاتورية الماضي.” ليقول أحد المحللين: “صحيح أننا أسقطنا ديكتاتورًا، ولكن استبدلناه بعشرات مثله.”
نعم، تغيرت المنطقة، لكن باتجاه الأسفل حسب قياسات البوصلة، ليستمر المشهد الأليم على الجميع.
تابعنا على حساباتنا
مقالات أخرى
رسالة إلى أمريكا
وقف مراسل شبكة CNN الإخبارية بمنطقة "أيتون" شرقي مدينة لوس أنجلوس الأمريكية، مرتدياً قناعاً واقياً من الغاز، قام بإزاحته عن وجهه، بعد أن طلبت منه المذيعة في داخل الاستوديو أن يصف لها ما يحدث على الأرض. بعيون دامعة، ووجه شاحب مكفهر، تحدث بأسى عن جحيم مروع، تشهده ولاية...
أما آن للوزيرة الألمانية أن تهمد؟!
أخيراً تحقق لها المراد! فقد صافحت الوزيرة الألمانية أنالينا بيربوك الوزيرَ السوري أسعد الشيباني في الرياض، بعد الضجة الكبرى لعدم مصافحة أحمد الشرع لها، والاكتفاء بالترحيب بها بوضع يده مبسوطة إلى صدره! وكما كان عدم المصافحة في دمشق خبرَ الموسم في الإعلام الغربي، فقد...
غزة وجدليَّتا النصر والهزيمة
على مدى ما يقارب ٤٧١ يوماً، وقفت غزة وحيدةً صامدةً تواجه مصيرها، كآخر بقعة تتموضع عليها القضية الفلسطينية، بعد أن تم تدجين العالم العربي كله وصولاً إلى تدجين فلسطين نفسها بقيادة أكثر صهيونية من الصهيونية نفسها، لا هدف لها سوى أن تُنسي الفلسطينيين والعالم كله شيئاً...
0 تعليق