بلينكن.. غراب البين

بقلم: أسامة السويسي

| 24 أكتوبر, 2024

مقالات مشابهة

مقالات منوعة

بقلم: أسامة السويسي

| 24 أكتوبر, 2024

بلينكن.. غراب البين

جاء في تعريف “غراب البين” في المعجم القول: “الغراب الأبقع، الذي فيه سواد بياض، وهو يأكل الجيف.. ويتشاءم به بأنه نذير الفرقة”.

وهو بات عند العرب نذير شؤم.. والأسطورة تعود إلى العصور المظلمة، حيث كان هذا الغراب يحمل رسائل السحر التي توقع بين المتزوّجين، وتثير المشاكل في الأسرة كعقاب على ذنوب أحد الزوجين.

غراب البين في العهد الحديث هو بلا شك وزير الخارجية الأمريكي أنطوني بلينكن، الذي لا يحضر إلى المنطقة إلا وترافقه سلسلة من الكوارث، عكس كل ما يدلي به من تصريحات.

منذ طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر 2023، كان بلينكن واضحا وضوح الشمس، فكان أول مسؤول أمريكي يصل الأراضي المحتلة، ويتحدث بعلانية قائلا لمسؤولي الكيان الصهيوني: لقد حضرت إليكم بصفتي يهوديا، وليس بصفتي وزير خارجية الولايات المتحدة الأمريكية.

وفي كل مرة يزور المنطقة يكذب بلينكن، ويعرف أنه يكذب، ويدرك العالم كله أنه يكذب، ثم يستمر في الكذب.. وتتنافى أقواله مع واقع الأحداث، وبالأخص تلك التي يدلي بها خلال زياراته للكيان المحتل من تل أبيب، وقد قال نصًّا: “هدنة غزة تؤتي ثمارها ونأمل باستمرارها، وأطالب بتكثيف إيصال مساعدات إلى قطاع غزة، ويجب مراعاة الاحتياجات الإنسانية وحماية المدنيين في جنوبي القطاع قبل أي عملية عسكرية هناك”.

لم تمر ساعات على تلك التصريحات حتى استأنف الكيان الصهيوني حرب الإبادة الشاملة على قطاع غزة، وبعنف مضاعف قياساً إلى ما كان عليه الوضع قبل الهدنة الإنسانية، التي تم فيها تبادل الرهائن بين المقاومة الفلسطينية والجانب الإسرائيلي.. وعادت الدماء تسيل وبغزارة في كل بقاع القطاع، مع استخدامهم كل أنواع القنابل الفسفورية المحرمة دوليا، وكانت غالبية الشهداء من الأطفال والنساء.

ولم تكن المرة الأولى التي يزور فيها بلينكن الكيان الصهيوني، ويدلي بتصريحات من ذلك النوع، ثم قبل مغادرته يرتكب العدو مجازر رهيبة يخالف فيها كل الأعراف والقوانين الدولية.. وأتذكر منها ما حدث في المستشفى الأهلي المعمداني، يومها كان وزير الخارجية الأمريكي في زيارة للمنطقة، وبعد اجتماعه بمجلس الحرب الإسرائيلي قال إنه يتوجب حماية المدنيين عندما تقوم إسرائيل بتنفيذ حقها في الدفاع عن النفس، وبينما كان بلينكن في الطريق بين تل أبيب والضفة الغربية للقاء الرئيس الفلسطيني محمود عباس وقعت مجزرة المستشفى الأهلي، فقدم التعازي في شهداء المجزرة الذين زاد عددهم عن 700 شهيد، وأعرب في منشور عبر وسائل التواصل الاجتماعي عن “بالغ حزنه جراء الانفجار في المستشفى المعمداني الأهلي بقطاع غزة”.

ومع كل زيارة يقوم بها بلينكن ويدلي بتصريحات تدعو للتهدئة، تأتي جرائم الحرب من جانب الصهاينة مواكبة لها.. ولك أن تتخيل أن أنطوني بلينكن، وزير الخارجية الأمريكي قال في 17 نوفمبر الماضي إن بلاده تعمل على إطلاق سراح الأسرى الإسرائيليين و”الأمريكيين” لدى حركة حماس، مؤكدا ثقته بوجود مركز قيادة وأنفاق للحركة تحت مجمع الشفاء الطبي في قطاع غزة.

جاءت تلك التصريحات بمثابة صك موافقة على اقتحام جيش الاحتلال للمستشفى، وارتكاب المزيد من المجازر، دون أن يقدم دليلا واحدا على تلك الادعاءات الكاذبة، بل إن كل ما قدمه كان مثار سخريةٍ واستهزاء من وسائل الإعلام العالمية، بما فيها التي تقف معهم وتدعمهم بكل قوة مثل “سي إن إن” و “بي بي سي”، وقد قدّمت كل منهما تقريرا يكشف كذب وخداع الجيش الإسرائيلي تجاه ما قام به في مجمع الشفاء الطبي.. وتأكيدا على الكذب قال بلينكن في تصريحات سبقت الاقتحام: أدعو إسرائيل لحماية مجمع الشفاء.

يحدث هذا في كل مرة يتحدث فيها وزير الخارجية الأمريكي عن الإنسانية وحقوق المدنيين والأطفال والأبرياء، والكل بات على يقين أن كل زيارة يقوم بها الرجل إلى مجلس الحرب الإسرائيلي ما هي إلا تقديم دعم، وإعطاء ضوء أخضر لارتكاب المزيد من الجرائم والمجازر.

وفي زيارته الأخيرة هذا الأسبوع إلى المنطقة حث بلينكن إسرائيل على اقتناص فرصة سانحة لإنهاء الحرب بعد استشهاد يحيى السنوار، رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، وتفكيك أغلب قدرات الحركة على مدار أكثر من عام من الحرب في قطاع غزة (على حد وصفه). وقال بلينكن إن إسرائيل نجحت في ضمان عدم تكرار هجوم السابع من أكتوبر 2023، الذي بدأت على إثره حملتها العسكرية على قطاع غزة، وينبغي أن تسعى إلى تحرير 101 رهينة من الإسرائيليين والأجانب وإنهاء القتال.

وأضاف “حان وقت تحويل هذه النجاحات إلى نجاح استراتيجي مستدام.. التركيز يجب أن يكون على إعادة الرهائن، وإنهاء هذه الحرب، ووجود خطة واضحة بشأن ما سيلي ذلك”. وقال بلينكن إن إسرائيل بحاجة إلى بذل المزيد لإتاحة وصول إمدادات إنسانية كافية لمن يعيشون في ظروف مزرية.

وأكد بلينكن أن الولايات المتحدة رفضت أي احتلال إسرائيلي لقطاع غزة، وقال إنه تلقى تأكيدات من نتنياهو بأن إسرائيل ليس لديها مثل تلك الخطط على الرغم من ضغوط يمارسها كثيرون من أعضاء حزبه للسماح للمستوطنين بالعودة. وقال: “هذه سياسة الولايات المتحدة، وستظل كذلك، وهي أيضا على حد فهمي سياسة الحكومة الإسرائيلية، وهذا ما سمعته من رئيس الوزراء الذي يملك القول الفصل في هذه الأمور”.

وبعد كل ما سمعناه من تصريحات أدلى بها “غراب البين”، علينا أن ننتظر مزيدا من التوحش من الكيان الصهيوني في حرب الإبادة التي يشنها على قطاع غزة، والتي امتدت إلى الأراضي اللبنانية.

أمريكا هي الشريك الرئيس للكيان الصهيوني، فلا تصدقوا تصريحاتهم التي تحاول تحسين صورتهم التي انكشفت أمام العالم الحر.

0 تعليق

إرسال تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابعنا على حساباتنا

مقالات أخرى

خرافة اسمها الحب!

خرافة اسمها الحب!

من البديهيات أن المشاعر جزء أصيل لدى الإنسان.. البعض قسمها إلى مشاعر إيجابية: كالحب، والسعادة، والرضا؛ وأخرى سلبية: مثل الغضب، والاشمئزاز، والخوف. غير أن علم النفس ذهب ليؤكد أن كل المشاعر لها جانبان، واحد سلبي وآخر إيجابي؛ فالغضب -مثلاً- يعد أحد أسوأ المشاعر الإنسانية...

قراءة المزيد
الشكر.. دوامٌ للنعم في الدنيا وفوزٌ  في الآخرة

الشكر.. دوامٌ للنعم في الدنيا وفوزٌ  في الآخرة

أنعم الله تعالى وتفضّل على عباده بالكثير من النعم والأفضال؛ فمنها ما هو متعلق بالدين، ومنها ما هو متعلق بالدنيا.. وقال العلماء إن أعظم نعم الله -عز وجل- على الإنسان هي نعمة الهداية إلى الإسلام، وهو دين الله الذي اختاره وارتضاه للخلق في رسالة الرسول محمد ﷺ. ومن نعم...

قراءة المزيد
الترامبية المتجددة وأمْوَلَة نظام الحكم في الولايات المتحدة

الترامبية المتجددة وأمْوَلَة نظام الحكم في الولايات المتحدة

منذ أن بلور حكماء الإغريق قديما فكرةَ الديمقراطية قبل ستة وعشرين قرنا، وعزّزها فلاسفة التنوير بضوابط الحداثة السياسية في القرن الثامن عشر، ظلّت الحِكامة السياسية تتحرك داخل مثلث محتدم، يجمع بين الفضيلة السياسية وبقية أخواتها من الأخلاقيات والأهلية المعرفية من ناحية،...

قراءة المزيد
Loading...