هل تستطيع أوروبا الدفاع عن نفسها؟

بقلم: مدونة العرب

| 14 سبتمبر, 2024

بقلم: مدونة العرب

| 14 سبتمبر, 2024

هل تستطيع أوروبا الدفاع عن نفسها؟

مع تزايد الدعوات في واشنطن لكي تتولى أوروبا مسؤولية دفاعها وأمنها، ترتجف بروكسل خوفًا من النتائج.. إن التحول في الكيفية التي ينظر بها كل من جانبي الأطلسي إلى موقف الآخر من شأنه أن يوفر الدفعة التي يحتاجها الاتحاد الأوروبي لكي يصبح حليفًا أقل اعتمادًا على الولايات المتحدة، وأكثر قدرة، وأكثر مساواة.

إن احتمال فوز دونالد ترامب يجعل زعماء الاتحاد الأوروبي يشعرون بالقلق إزاء أمن أوروبا مرة أخرى، ومن الواضح أن المناقشات التي جرت في الفترة ما بين 2016 و2021، حول الاعتماد الكامل على حلف شمال الأطلسي والولايات المتحدة في الدفاع عن الاتحاد الأوروبي، لم تصل إلى نتيجة مرضية.

ارتفع الإنفاق الدفاعي لحلف الأطلسي في 2016 كنسبة مئوية من الناتج المحلي الإجمالي لأول مرة منذ سبع سنوات، وأعادت السويد وليتوانيا، جارتا روسيا، فرض الخدمة العسكرية الإلزامية أو زيادة مدتها. وفي بروكسل، أظهرت مراجعة خطة الدفاع الأوروبية الحاجة إلى أن يتطلع الاتحاد الأوربي إلى “الاستقلال الاستراتيجي”، وضرورة زيادة الاتحاد الأوروبي إنفاقه العسكري، وإضفاء الطابع الرسمي على التعاون العسكري وفقًا لذلك.

لقد شملت التغييرات، التي طرأت على التعاون العسكري بين الدول الأعضاء، الخطوات الهادفة إلى تنسيق الإنفاق العسكري، وتحديد مشاريع السياسة الأمنية المشتركة. والواقع أن مثل هذا الاستعداد للتعاون، وزيادة الإنفاق، والخطط الملموسة للتغيير، يشير إلى تطلع الاتحاد الأوروبي لأن يصبح أكثر من مجرد “كلب أليف بيد أمريكا”، على الأقل في الوقت الراهن.

إن الظروف السياسية، التي حاول الاتحاد الأوروبي خلالها التحرك نحو استراتيجية أمنية مستقلة قوية، قد تفسر بعض الرؤى حول سبب عدم ترسيخ هذه الاستراتيجية.. لقد شهدت الفترة ما بين 2016 و2021 التهديدات الأكثر خطورة وتخوفاً من عواقب وخيمة على أمن الاتحاد الأوروبي منذ الحرب العالمية الثانية؛ فعندما ضمّت روسيا شبه جزيرة القرم عام 2014، أصبحت روسيا قوة مهددة واضحة بشكل متزايد، وظهرت بشكل واضح في الغزو الكامل لأوكرانيا عام 2022.

إن استمرار ترامب في وصف حلف شمال الأطلسي بأنه “عتيق”، وغير قادر على تلبية نفقاته، جعل التغيير في الترتيب الأمني الذي يبلغ من العمر سبعة عقود أمرًا محتملًا بشكل متزايد.

لقي فوز الرئيس جو بايدن في انتخابات 2020 ترحيبًا حارًا من بروكسل، و كان مترافقًا أيضًا مع توقعات بإعادة بناء الصداقة عبر المحيط الأطلسي، ومع عودة زعيم أكثر تعاطفًا مع الحماية الأوروبية إلى رأس الولايات المتحدة، وهو ما يمكّن الاتحاد الأوروبي من تحويل انتباهه إلى شيء آخر غير توفير أمنه. ولقد حدث ذلك بالفعل؛ ففي مايو/ أيار وديسمبر/ كانون الأول 2023، أطلق الاتحاد الأوروبي مهمة مدنية في مولدوفا لتعزيز قطاع الأمن في البلاد، ووافق على مبادرة أمنية ودفاعية لدعم دول غرب إفريقيا في خليج غينيا.

وافقت بروكسل في عام 2022 على “البوصلة الاستراتيجية”، وهي “خطة عمل طموحة لتعزيز سياسة الأمن والدفاع في الاتحاد الأوروبي بحلول عام 2030″، حيث تستمر الدول الأعضاء في زيادة الإنفاق الدفاعي، ومع ذلك يجب الاعتراف بأنه رغم وجود رئيس أمريكي أكثر ميلًا إلى أوروبا، فإن التهديد الذي يشكله الجار الطموح أصبح أكثر خطورة، ومع كل ذلك أظهر الاتحاد الأوروبي بوادر تراجع في زيادة قدراته الدفاعية.

إن هذا التقلب في الاهتمام بالقدرات الدفاعية يشير أولًا إلى أن التطور الأمني الأوروبي يظل ردة فعل على التهديدات التي تواجه أمن الاتحاد الأوروبي. وثانيًا، يشير هذا السلوك إلى أن عدم القدرة على التعرف على المناطق التي تحتاج إلى تحسين وتطوير ليس هو السبب الذي منع القارة العجوز من تطوير وسائل مهمة للحماية الذاتية، بل إن الاعتماد على الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي للحصول على ضمانات أمنية، هو أيديولوجيا راسخة في أذهان زعماء الاتحاد الأوروبي، وهي التي منعت بروكسل من تطوير وسائل مهمة للحماية الذاتية.

إن الاتحاد الأوروبي لا يحتاج إلى إنذار آخر للبدء في توفير قدرات الدفاع عن نفسه، بل يحتاج إلى تحول دائم في التفكير، وهو ما لا يمكن فرضه من خلال الرئاسة الأمريكية وحدها.

وفي هذا السياق، لا يتحمل الاتحاد الأوروبي المسؤولية وحده، بل يتعين على واشنطن أيضًا أن تعيد تقييم دورها في جعل أوروبا تابعة لها؛ فبعد انهيار الاتحاد السوفييتي عام 1991، المتزامن مع توقيع المعاهدة التأسيسية للاتحاد الأوروبي، والتي حددت أيضًا أهداف سياستها الخارجية والأمنية، كان بوسع واشنطن أن تسحب مشاركتها النشطة في الأمن الأوروبي. ولكن بدلا من ذلك، وحتى عام 2016، أعادت كل إدارة امريكية تأكيد التزامها بتوفير الحماية للاتحاد الأوروبي، وفي بعض الأحيان تثبيط الاستثمار في القدرات التي كان من الممكن أن تضمن أمن الاتحاد الأوروبي بشكل أكثر استقلالية عن الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي.

في عام 1996، أعلن الرئيس الأمريكي بيل كلينتون، في خطاب ألقاه بشأن توسيع حلف شمال الأطلسي في أوروبا، أن أمريكا “الأمة التي لا غنى عنها في العالم” وهي “تصنع في بعض الأحيان الفارق بين الحرب والسلام، وبين الحرية والقمع، وبين الأمل والخوف”. وفي عام 1998، رحبت مادلين أولبرايت، وزيرة الخارجية في عهد كلينتون “بشريك أوروبي أكثر قدرة، ولكن يجب على أي مبادرة أن تتجنب فك الارتباط بحلف شمال الأطلسي”.. ومن خلال الإدلاء بهذه التصريحات، أحبطت الإدارة الأمريكية عزيمة القادة الأوروبيين على اتخاذ إجراءات كبيرة، واتبعت إدارة جورج دبليو بوش خطًّا مماثلًا، وهو قبول قدرات دفاعية أوروبية أقوى، طالما أنها لا تتجاوز حلف شمال الأطلسي أو الولايات المتحدة.

كان النفوذ الأمريكي في القارة يهدف إلى استمرارية اعتماد الاتحاد الأوروبي على الولايات المتحدة، ومنعها من أن تصبح منافسًا قويًا، كما وصفت وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون في 2010 الأمن الأوروبي أنه “أكثر من مجرد مصلحة استراتيجية، وهو تعبير عن قيمنا التي لا يمكن ولا ينبغي أبدًا كسرها”.

بعد سنوات من الوعود الشاملة بحماية أوروبا، والتي كانت في بعض الأحيان مانعة لبناء القدرات الأمنية، يبدو من غير المستغرب أن يصارع زعماء أوروبا لتعزيز قدرة الاتحاد على حماية نفسه، والاعتماد بشكل أقل على الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي.

إن التحول الحقيقي في عقلية واشنطن بعيدًا عن الرغبة في إبقاء أوروبا تابعة، ونحو الدعم الحقيقي لتكون ذات قدرات أمنية متصاعدة، وبالتالي السماح للاتحاد الأوروبي بأن يصبح حليفًا أكثر قدرة ومساواة، قد يكون هذا ما يحتاج إليه الاتحاد الأوروبي ليتذكر أنه قادر على بدء عملية الاعتماد بشكل أكبر على نفسه في الدفاع والأمن.

وقد يكون هذا بمثابة هدية لواشنطن أيضًا، إذ يرى 60% من الناخبين الأمريكيين أن الاتحاد الأوروبي يعتمد بشكل مفرط على الدعم العسكري الأمريكي، ويعتقد 70% من البالغين أن الولايات المتحدة تنفق كثيرًا من الأموال على مساعدة الدول الأخرى، وأنها متورطة بالفعل في صراعات متعددة، كما أن النمو العسكري الصيني وأنشطته المتزايدة يتطلب تحويل اهتمام الولايات المتحدة إلى آسيا ومنطقة المحيطين الهندي والهادئ.

إن أوروبا الأقل اعتمادًا على الولايات المتحدة، والتي يدعمها التحول في العقلية الأمريكية، ستكون استجابة لمخاوف الناخبين، كما أنها تسمح أيضًا لواشنطن بأن تكون أكثر انتقائية في مشاركتها العسكرية، وبالتالي أكثر فعالية في المساعدات التي تقدمها. ومن الممكن تقاسم عبء أوكرانيا بطريقة أكثر فعالية.

إن الاتحاد الأوروبي الأكثر ثقة والقادر على توفير الأمن لنفسه؛ سيكون ذا مزايا لكلا جانبي الأطلسي.

المصدر: ناشيونال إنترست | لينا كلينك
تاريخ النشر: 07/09/2024

0 تعليق

إرسال تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابعنا على حساباتنا

مقالات أخرى

واشنطن تسعى لمزيد من الشفافية من إسرائيل بشأن خططها للرد على إيران

واشنطن تسعى لمزيد من الشفافية من إسرائيل بشأن خططها للرد على إيران

تتزايد حالة القلق في الإدارة الأمريكية إزاء عدم إطلاعها على تفاصيل العمليات العسكرية الإسرائيلية، خاصة فيما يتعلق بالرد المحتمل على إيران. وتأمل واشنطن في تجنب مفاجآت مماثلة لتلك التي واجهتها خلال العمليات الأخيرة في غزة ولبنان. كان من المقرر أن يجتمع وزير الدفاع...

قراءة المزيد
الحالة العامّة للأسرة والمرأة في الجاهليّة قبيل ولادة النبيّ صلى الله عليه وسلم

الحالة العامّة للأسرة والمرأة في الجاهليّة قبيل ولادة النبيّ صلى الله عليه وسلم

عند الإطلالة على حالة عموم النساء في المجتمع الجاهليّ، وما اكتنف الأسرة آنذاك، فيمكننا وصف وتقييم الحالة بعبارة واحدة، وهي: انتكاس الفطرة، وتشوّه معنى الرجولة، وغيبوبة الأخلاق. كان الزواج يتمّ على أنواع عدة، كلّها إلا واحدًا يظهر مدى الانحدار القيمي والظلام الأخلاقي،...

قراءة المزيد
ما بعد الاستعمار.. وفتح الجراح القديمة

ما بعد الاستعمار.. وفتح الجراح القديمة

من الملاحظ أنه في عصرنا، عصر العولمة، نجد أن الثقافات والهويات العربية أصبحت تتعرض لضغوط غير مسبوقة، لكي تكون مغمورة ومنسية ومجهولة، نتيجة الانفتاح الكبير على العالم، وتأثير الثقافة الغربية وغزوها للعقول العربية، لا سيما فئة الشباب؛ فتأثيرات العولمة عميقة ومعقدة...

قراءة المزيد
Loading...