المسيح منكم بريء

بقلم: محمد ياسين صالح

| 4 أغسطس, 2024

بقلم: محمد ياسين صالح

| 4 أغسطس, 2024

المسيح منكم بريء

ما أشبه الليلة بالبارحة، وما أليق فرنسا – حين قررت أن تخون المسيح عليه السلام –  بكلمات الشاعر العراقي الكبير محمد مهدي الجواهري:

فرنسا وما أقبح المدّعَى

كذابا وما أخبث المدّعِي 

لك الويل فاجرةً علّقت 

صليب المسيح على المخدعِ 

تهدّم بستيل في موضعٍ 

وتبني بساتيل في موضعِ 

لم تأتِ خيانة فرنسا للسيد المسيح من مجرد استهزائها بالعشاء الأخير ورمزيته وشخوصه بمن فيهم المسيح عليه السلام والحواريون، إنما جاءت الخيانة ضاربة في عمق المبادئ والأخلاقيات التي لا يمكن لدين فوق الأرض ولا تحت السماء إلا أن ينص عليها ويرتكن إليها. ألم يقل سيد الخلق صلى الله عليه وسلم “إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق”؟ لقد كانت مكارم الأخلاق سائدة بين ظهراني العرب حتى وهم في جاهليتهم يعبدون الأصنام. ثم جاءت رسالة الحق من السماء فتممت مكارم الأخلاق. والعارف في اللغة العربية يدرك الفرق بين الإتمام والإكمال. فالإكمال يعني بلوغ الغاية بما لا مزيد عليه. أما الإتمام فيحتمل الزيادة كلّ حين. يقول الله تعالى: “اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا” وقد اكتمل الدين بلا مراء، إذ لم يلتحق الرسول الأمي بالرفيق الأعلى إلا بعد أن ترك أمته على المحجة البيضاء، ليلُها كنهارها. وأما النعمة التي تمت فهي في زيادة تحكمها الأحوال والأقدار، يقول تعالى “لئن شكرتم لأزيدنكم”.

قبل أيام كنت في بث مباشر على بعض مواقع التواصل فطلب مني شاب أن أسمع قصيدته وأقيّمها. أعطيته المجال، ثم تبين لي حين بدأ القراءة أنّ المسافة الفاصلة بين فرنسا والأخلاق تكاد تكون أقصر من المسافة الفاصلة بينه وبين الشعر. أنزلته عن البث ونصحته أن يقرأ ويحفظ الكثير من الشعر قبل أن يفكر في الكتابة. لم أدخل معه في التفاصيل فالخرق أوسع من أية رقعة، غير أنه لم يستحسن إنزالي له من البث فبدأ يعاتب ويتذمر. لم أجد حينئذٍ بدّا من أن أقول له: يابن أخي، لقد هممت في أن تكشف عورتك للناس. وقد أدركتك قبل أن تضع ما بقي من ثيابك، فحقي أن تشكرني لا أن تعاتبني. 

تذكرت هذا الأمر لأنني رأيت فرنسا وهي تكشف عورتها دون أن يوقفها أحد وينزلها من البث. يقول الجواهري في القصيدة ذاتها: 

فيا سوأة الدهر لا تطلعي

ويا بؤرة الغدر لا تنبعي

ويا قرحة في صميم الشعوب

قيئي صديدك واستبضعي

أقف هاهنا حائرا، تتخطفني الكلمات، لقد أساء المنظمون على الحفل المشين إلى الذوق وإلى الرياضة وإلى الأديان وإلى الأخلاق وإلى الأنبياء. فهل الفكرة استفزاز كل أحد؟ لقد أساؤوا إلى التاريخ القديم والتاريخ الحديث. أذكر أنني سمعت الدكتور أحمد داوود في برنامج تاريخ الحضارة يشير إلى معنى كلمة (ألمبيا) مؤكدا أنها كلمة عربية قديمة تنقسم إلى جزأين: إيل بمعنى الله، وأمبيا أو أمبيو بمعنى المبوّأ وهو العرش. فيكون معنى الكلمة (رب العرش) لقد أراد العرب القدماء على السواحل السورية أن يسموا ألعابهم تلك باسم (رب العرش) تماما كما نسمي بطولاتنا اليوم بأسماء من قبيل “بطولة الملك” أو “تصفيات الأمير” أو ما شابه ذلك. هذه الحلقة التي أشير إليها من برنامج تاريخ الحضارة كانت في التسعينيات وفيها أكد الدكتور أحمد أن رفوف المكتبة في جامعة السوربون تحتوي على كثير من الدراسات التي تنص على وجود أول ملعب أولمبي عرفته البشرية في منطقة عمريت السورية الواقعة قرب طرطوس. 

ثم وقفت فرنسا وقفتها البلهاء أمام العالم، فلا هي تعلمت من تعاليم الدين ولا من تعاليم الأخلاق. وإذ هي فاتها أن تدرك التأسي بالتاريخ العربي القديم المقيم على رفوف مكتباتها، ليتها استدركت على نفسها بالتعلم من التاريخ العربي القريب الذي كشفت عنه قطر في مونديال 2022 فأدهشت العالم وأعادت التعريف الأخلاقي للحضارة، ورسمت التعريف العربي للفخامة والإتقان بسطور من ذهب يفتخر المرء أن يستذكرها أمام الناس، وأن يباهي بها الأمم. شتان بين مشهد تكرره أمام أبنائك فخرا ودهشة وتبتسم كلما عادت بك الذاكرة إليه، وبين مشاهد لا تملك إلا أن تخجل من ذكرها أمام أهل بيتك لما فيها من خدش للذوق والأخلاق والفطرة البشرية السليمة التي تتفق عليها كل أديان الأرض. 

يقول محدثكم مضمّنا شطر الفرزدق:

إن الذي سمك السماء بنى لنا

بيتا من المجد المؤثل في قطر

بيت يبيت العز في أركانه

وإذا أقام وليمةً وسع البشر

جمع الجهات، هنا الحضارة وجهةٌ 

الغرب نحو الشرق يلتمس الممر

كانت إلى روما الدروب تقودنا

اليوم تتجه الدروب إلى قطر

كلماتٌ ليست مأثورة:

  • لقد خانت إسبانيا نبي الله المسيح عليه السلام وخانت الكنيسة عندما فعلت بالمسلمين ما فعلت إبان محاكم التفتيش، ثم جددت الخيانة فأذنت لأصحاب الأعلام الملونة أن يتخذوا من مدنها جحورا لهم.
  • إنها لمفارقة عجيبة أن تكون إسبانيا ذاتها التي أعدمت شاعرها لوركا بتهمة المثلية صارت ملاذا كبيرا لمثليي العالم. 
  • تعتقد فرنسا أنها في سباق محموم مع العالم للتفلت من الأخلاق ولخيانة الكنيسة.
  • جميل أن تفخر بوطنك، والأجمل أن يفخر بك الوطن. 
  • لا يعرف الشرف ولا يستحق الاحترام من يرضى بالإساءة إلى نبي من أنبياء الله تعالى.
  • شاء الغرب أم أبى، نحن الذين علمناه القراءة والكتابة والحضارة.. اسأل “ول ديورانت” إن كنت ريب من قولي. والفضل ما شهدت به الأعداء.

1 تعليق

  1. كاميليا

    ياسلام مقالة تبث الثقة في النفس العربية وتذكرنا بالماضي المجيد

    الرد

إرسال تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابعنا على حساباتنا

مقالات أخرى

وقد استجاب القضاء لدعوة الرئيس.. ماذا ينتظر المستأجرون؟!

وقد استجاب القضاء لدعوة الرئيس.. ماذا ينتظر المستأجرون؟!

ذكّرني القول إن المحكمة الدستورية العليا في مصر استجابت لدعوة الرئيس في إصدار حكم، بما مضى. فدائما تذكّرنا القدرات المتواضعة الآن بعهد الرئيس مبارك، فلا يعرف قيمة أمه إلا من يتعامل مع زوجة أبيه، وكثيرون صار شعارهم "رُبّ يوم بكيت منه، فلما مضى بكيت عليه". ولست من هؤلاء...

قراءة المزيد
السياسة الخارجية للرئيس ترامب تجاه الشرق الأوسط

السياسة الخارجية للرئيس ترامب تجاه الشرق الأوسط

لم تمرّ إلا ساعات فقط بعد إعلان الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب نيته تعيين حاكم أركنساس السابق "مايك هاكابي" ليكون سفيرًا للولايات المتحدة لدى إسرائيل وهو المعروف بدعمه منقطع النظير للاستيطان، خاصة في الضفة الغربية التي يعتبرها جزءاً من أرض الميعاد كما يقول،...

قراءة المزيد
“العرب العثمانيون”.. كيف جسّد الإسلام عمومية النظام السياسي لجميع الأعراق؟

“العرب العثمانيون”.. كيف جسّد الإسلام عمومية النظام السياسي لجميع الأعراق؟

خلال زيارتي لنائب مدير جامعة السلطان محمد الفاتح في إسطنبول، البروفيسور المؤرخ زكريا كورشون، كنت أتحدث معه عن آخر إصداراته، فحدثني عن كتابه "العرب العثمانيون"، ومقصد الكتاب تبيان عمومية النظام السياسي في الإسلام لجميع الأعراق والأجناس في ظل الدولة الواحدة . فالإسلام...

قراءة المزيد
Loading...