يوميات بائع كتب عربي في إسطنبول (5)
بقلم: محمد عبدالعزيز
| 26 أكتوبر, 2024
مقالات مشابهة
-
هيكل.. حكايات من سيرة الأستاذ الكاهن (1)
علاقتي مع كتابات الصحفي الكبير محمد حسنين هيكل...
-
اِجعل لكَ خبيئة!
خرج المسلمون يوماً لقتال الروم، فلما التقى...
-
خرافة اسمها الحب!
من البديهيات أن المشاعر جزء أصيل لدى الإنسان.....
-
الشكر.. دوامٌ للنعم في الدنيا وفوزٌ في الآخرة
أنعم الله تعالى وتفضّل على عباده بالكثير من...
-
الترامبية المتجددة وأمْوَلَة نظام الحكم في الولايات المتحدة
منذ أن بلور حكماء الإغريق قديما فكرةَ...
-
السياسة الخارجية المتوقعة لإدارة ترامب.. تداعياتها على الشرق الأوسط
خلال حملته لاستعادة رئاسة الولايات المتحدة، قال...
مقالات منوعة
بقلم: محمد عبدالعزيز
| 26 أكتوبر, 2024
يوميات بائع كتب عربي في إسطنبول (5)
المؤلفون في المكتبات
كان عباس محمود العقاد معروفًا بشخصه في شوارع القاهرة، لا تكاد تخطئه عين، ولو أنه سار في العتبة الخضراء وسط الزحام لعُرف بقامته المديدة وطربوشه وكوفيته التي كان يلفها حول عنقه في الصيف والشتاء، وإذا سار مع صديقه المازني قصير القامة أطلق عليهما الناس “نمرة عشرة”.
وكنت كلما قرأت شهادات عن حياة كثير من المثقفين الكبار، رأيت في خلفية حياة كل منهم الذهاب إلى المكتبات والعلاقة مع الكتب.. افتح مقدمة نجيب محفوظ لرسائل طه حسين، تراه يحكي لك عن العقاد في مكتبة الأنجلو، ونجيب كان رجلًا منزويًا كما يصف نفسه، يحب المؤلفين من بعيد، فهو يحب العقاد حبًّا يفوق كل وصف، وكان نجيب يذهب إلى مكتبة “الأنجلو” لشراء الكتب، وكان يرى العقاد جالسًا يقلب في الكتب، ولكن نجيب محفوظ لم يجرؤ قط على الاقتراب منه والتسليم عليه، مقدِّرًا انهماكه في ما هو فيه، فلم يضع يده في يد العقاد طوال عمره رغم إكبار نجيب محفوظ العظيم له، واعتباره نفسَه واحدًا من تلامذته، لكن لا يفعل كالعقاد بشرائه كل النسخ من الكتاب الذي يعجبه ويمنع وصول القراء إليه، كما يروي عبد المنعم شميس في كتابه “شخصيات مصرية”.
ونعمان عاشور في كتابه مع الرواد يحكي أنه دخل مكتبة الأنجلو كذلك، ورأى العقاد وهو يشتري الكتب ويقلب العناوين، ويهمس أحد رفاق العقاد ويقولون له: “هذا الشاب هو الذي هاجم كتابك عن جورج برنارد شو”، وقد عرف نعمان عاشور أن العقاد العملاق لن يرضى بالنقد، واندفع العقاد يشتم نعمان عاشور بأقذع العبارات، وقد سبق وقال العقاد عن نعمان عاشور عندما نقد كتاب برنارد شو، “إنه ينتمي إلى مجموعة من العيال الذين يلعبون في أوساخهم”.. عرف نعمان العبارة ممن حضر الندوة، والتصقت في ذهنه لأنها لا تُستبعد على لسان العقاد إذا غضب… هذه بعض من حكايات العقاد في مكتبة الأنجلو، حيث كانت المكتبة مسرحًا للعديد من معاركه.
وفي مكتبة إسطنبول، وفي إحدى المرات زارتنا كاتبة فرنسية، وتعرفت عليها، لإجراء التصوير في المكتبة مع إحدى القنوات.. أخبرتني أن لها كتابًا عن تجرِبتها في إيران حيث زارت أهلها، ثم سمعت اسمها “دلفين مينوي”، وبالصدفة عثرت على كتابها مُترجَمًا إلى العربية بعنوان “أكتب إليكم من طهران”، وعندما رأت غلاف كتابها أسعدها ذلك، وقد أتت إلى المكتبة لتصوير جزء من وثائقي عن شباب سوريين كتبت عنهم، وعن إنقاذهم الكتب والمكتبات في مدنهم المنكوبة؛ ففي ظلّ القصف والحصار اللذين شهدتهما المدينة الثائرة “داريا”، أسّس مجموعة من الشباب مكتبة، وقد سجلت “دلفين” تجربتهم في كتاب بعنوان “جامعو الكتب في داريا: مكتبة سوريا السرية (Les Passeurs de livres de Daraya. Une bibliothèque clandestine en Syrie).
نقاشات مع القراء
إذا كان العقاد يمارس سطوته المعرفية في مكتبة الأنجلو، فقد كانت المكتبة في إسطنبول تضمّ نقاشات جانبية مع القراء، يدخل إلى المكتبة باحث- مثلًا- ويسألني عن كتب المؤرخ الفرنسي فرنان بروديل، ساعتها أدرك أنه مهتمّ بمدرسة الحوليات الفرنسية في التاريخ وأنه باحث متخصص في التاريخ، نستعرض عناوين الكتب وأعرف أنه باحث جزائري اسمه د. خير الدين سعيدي، يعمل على أطروحة دكتوراه عن “المجاعات والأوبئة في الجزائر خلال العهد العثماني”، ونتحدث عن المؤرخ خالد فهمي وكتابه “الجسد والحداثة” ودراسته للأوبئة في مصر، ونتبادل أرقام الهواتف، وأتابع ما يكتبه من أبحاث ودراسات.
هذا النوع من الباحثين كنت ألتقطه من بحثه عن كتاب متخصص، كان صديقي عبد القدوس يقف باحثًا بين الرفوف عن أحد الكتب، وسألته: عمَّ تبحث؟ فقال لي إنه بصدد بحث مطول عن السيرة الذاتية في التراث العربي.. ذهبت إلى رف دار “كلمة” وناولته كتاب “ترجمة النفس.. السيرة الذاتية في الأدب العربي”، وهو من تأليف مجموعة من أساتذة الأدب في أمريكا، تحرير دويت راينولدز وترجمة سعيد الغانمي، وقد رصد الكتاب 140 سيرة ذاتيّة في هذا التراث، بدأت من القرن الثاني الهجري/ الثامن الميلادي، وانتهت بالقرن الرابع عشر الهجري/ العشرين الميلادي.
يقول عبد الوهاب المسيري في رحلته الفكرية: وعرَفتُ مكان المكتبة الحجازية، وكان صاحبها رجلًا مثقَّفًا يُساعدنا على اختيار الكتب (على عكسِ بائعي الكتب في هذه الأيام الذين يتَّسمون بالجهل المطبق، فاهتمامهم بالكتاب ينتهي عند سِعره ولونه!).. وهذا يدل على أهمية النقاش مع بائع الكتب.
ويحكي الكاتب فهد بن عسكر الباشا عن تجربة شخصية له في معرِض الرياض الدولي للكتاب سنة 1438هـ، كان في جَناح دارٍ لبنانية شهيرةٍ جدًّا، ومن عادة الكاتب فهد ممازحةُ البائع وفتحُ حوارٍ معه، وذلك لأنه يحرِص دائمًا على خلقِ جوٍّ من التعاملِ الإنساني في هذا العُرس الثقافي؛ لكي لا يكونا مجرَّدَ آلتَين مطحونتين في عصرِ المادة البغيض.. سأله: بكم هذا الكتاب؟. – بـ 60.. – تفضل.. ثم فراق صامت بلا وداع.
وهنا سأل فهد البائع عن كاتبٍ مشهورٍ كُتبه لا تُطبَع إلا عند هذه الدار، وذكر له كتابًا من كتبه ذكَر فيه فكرةً أراد النقاش فيها من بابِ الإثراء المعرفي، ولكن قبل أن يبدأ سأله: هل قرأتَ الكتاب؟ فأجاب البائع: لا. فقال فهد: قرأت أيَّ كتاب له؟ (المؤلِّف يُكرِّر الفكرة في كل كتبه تقريبًا) فأجاب البائع- وهذهِ كلماته بلا تحريف-: “لا، ما لي في وَجَع الراس!”.. “فأوجعَني رأسي من قوله، ولم أبتَعْ من هذه الدار في تلك السنة” (كما يقول كاتبنا في كتابه “الناطق الأخرس: حديث القراءة والكتب”)، وهذا يدلّ على حب زبائن الكتب النقاش حول الكتب والقراءة، ورغبتهم في النقاش مع بائع مثقف.
المكتبة تجربة جمالية
مع انتقال أعداد كبيرة من العرب إلى إسطنبول، وفي فضاء الغربة، كانوا يعثرون على المكتبة، ويشعرون أنهم أمام مكان صديق لهم، يُرحَّب بهم فيه ويُتحدَّث بالعربية بلا خوف الخطأ في اللهجة، فكما تقول مونيكا علي في روايتها “بريك لين”: “إن لغة المهاجر مليئة بكلمتَي: شكرا وآسف”! يعلّق د. الأحمري في مقالة له: “فهو يشكرهم على معروف القبول به داخل المجتمع الجديد، ويأسف لوجوده أو خطأ وجوده أو لثقافته”.
وامرؤ القيس يقول:
أَجَارَتَنا إِنَّا غَريبَـانِ هَا هُـنَا وكُلُّ غَريبٍ لِلْغَريبِ نَسِيبُ
وكانت المكتبة لكثير من العرب تجربة جمالية، خصوصًا مع روعة التصميم الداخلي، وبرودة المكيف الداخلي مع الجوّ الحارّ في شوارع إسطنبول، ولوحات الخط العربي الجميلة على الحائط بيد الخطاطة أسيل كوجان، وعبارات أدبية على الأكواب، منها كوب مكتوب عليه: “داخل المكتبة خارج العالم”، ولعل الهدوء والصمت المهيب الذي تحسّ به داخل المكتبة يطمئنك أنه لا شيء سيفوتك من الثرثرات التي يعجّ بها العالم خارج المكتبة.
ونرى على كوبٍ شطرَ بيت “إن الشجا يبعث الشجا”، ومما أذكره أن أحد القراء أمسك الكوب وقال لي: “يعني الفرح يأتي بالفرح”.. سكتُّ وأطرقت ونويت التصحيح، لكن قلت: ماذا لو لم أصحح له المعلومة، وكلما نظر إلى الكوب قال “الفرح يجلب الفرح”، وابتسم؟!
لذلك تركتُه يفسِّر معنى شطر البيت الحزين كما يودّ، والبيت لمتمِّم بن نُويْرة، يرثي أخاه مالكًا الذي قتله خالد بن الوليد:
فقـال أتبـكي كلَّ قـبــر رأيـتَــه لِقَبْر ثوى بين اللِّوى فالدكادك؟
فقلتُ له إن الشجا يبعث الشجا فـدعـني فهــذا كلُّه قـبـر مـالك
وكوب عليه عبارة: “إلا وجدت خيالًا منك في كاسي”، وكوب آخر عليه عبارة بورخيس: “وهبني الله الليل والكتب”، وكوب مكتوب عليه “أي زهو يبعث المطر”، و”قليلك لا يُقال له قليلُ”، و”قف على ناصية الحلم وقاتل”، و”أراك في كل شيء”، وكوب مكتوب عليه “اسقِنيها لا لتجلو الهمّ عني، أنت همي”.. وكلها عبارات رقيقة تنمّ عن ذوق من اختارها مع براعة التصميم وجمال الألوان، وقد كانت هذه الأكواب بضاعة مغرية للهدايا، يشتريها القراء، ويبحثون عنها حتى يرسلوها إلى رفاقهم في البلاد البعيدة.
ومن المفارقات محاولتي ترجمة أبيات الشعر على أكواب المكتبة إلى التركية والإنجليزية، ساعتها أشعر بصعوبة ترجمة الشعر إلى أي لغة أخرى، وتذكرت قول الجاحظ: “إن الشعر لا يُستطاع أن يُترجم، ولا يجوز عليه النقل، ومتى حُوّل تَقطَّع نظمه، وبطل وزنه، وذهب حُسنُه، وسقط موضع التعجب فيه، لا كالكلام المنثور”.
ومما يثير انتباه الزائر كثرة كتابة الأبيات الشعرية على جدران المكتبة بشكل كبير وبارز، وكذلك تتوفر في المكتبة حقائب يدوية، كُتِبَت عليها أبيات شعرية، مثل حقيبة مكتوب عليها شطر بيت لأحمد شوقي: “إن الحياة عقيدة وجهاد”، وهو شطر من بيت كتبه شوقي يقول:
قف دون رأيك في الحياة مجاهدًا إن الـحـيــاة عـقـيـــدة وجــهــــاد
وقد جعل توفيق دياب، رئيس تحرير جريدة الجهاد، هذا الشطر شعارًا للجريدة، وكان بين توفيق دياب رئيس تحرير جريدة الجهاد وأحمد شوقي مودة روحية، فقد أمضى أمير الشعراء آخر ساعات حياته في مكتب توفيق دياب قبل أن تفيض روحه إلى بارئها في بيته.
رفّ كتب السير الذاتية والمذكرات
أحَبُّ القراء إليَّ قارئُ السير الذاتية والمذكرات، فهنا حديثنا ينتقل من الخاص إلى العامّ بخفة ورشاقة، تبدأ بسيرة الأيام لطه حسين، وتجد نفسك تنزلق إلى سير هذا الجيل، تنتقل إلى “حياتي” لأحمد أمين، فاذا ذكرت أحمد أمين ذكرت جلال أمين وسِيَرَه الثلاث، وقد تقف عند مذكرات أخيه حسين أمين في بيت والده.
وقد تلمح موقفًا عابرًا من “رحلتي الفكرية” لعبد الوهاب المسيري، ثم تقف عند مذكرات شكيب أرسلان، فهي ليست مشهورة رغم قيمتها، وقد يكون السبب طبعتها غير المعروفة عن الدار التقدمية، وترى فرحة القارئ بسيرة وليد سيف “الشاهد والشهود”، إذا كان من محبي مسلسلات الرجل.
وليد سيف حوَّل نصوص المسلسلات إلى روايات مثل “مواعيد قرطبة”، و”التغريبة الفلسطينية”، وقد أعجبني روايته “ملتقى البحرين”، وهي رواية تدور حول عصر تاريخي متخيَّل من عهود حكم المسلمين، والبطل هو السلطان وجارية اسمها قمر، وفي الرواية حديث عن فلسفة السلطة والحكم، وخاطرات جميلة عن الحب والعشق والهوى في لغة بديعة.
وكم رأيت زهد الناس في مذكرات إحسان عباس- وعنوانها “غربة الراعي”- مع تكرارهم التعليق ذاته: “ما أجمل العنوان!”.. وتجد دائمًا حبًّا لمذكرات “الجمر والرماد” لهشام شرابي رغم حجمها الصغير، أما مذكرات الغربيين فنادرًا ما أجد حفاوة بها، لكن المذكرات التي تجذب الانتباه دائمًا هي مذكرات شارون، ولم أقرأها، لكني لاحظت أنها تلفت العين.
وفي إسطنبول لم أرَ حفاوة كبيرة بمذكرات السادات “البحث عن الذات”، أو شهادة زوجته جيهان السادات، وكم ظلت مذكّرات زوجة الشاه على الرفوف مدة طويلة!. وقد لاحظت أن مذكرات الوزراء والشخصيات التي تولت مناصب لا يهتم بها القراء: فمن يهتم بحكايات رئيس الوزراء المصري كمال الجنزوري أو حازم الببلاوي؟ وحتى السوريون، كانوا يقرؤون مذكرات فاروق الشرع بحثًا عن تاريخ بلادهم، لكن بلا كثير متعة.. وكذلك لم أرَ القراء العراقيين يهتمون بكتب مذكرات إياد علاوي، لكن الكتب عن صدام حسين كانت تجذب الانتباه دائمًا ويسأل عنها القراء.
هناك سيرة طبيب صدام، وكتاب حفيدة صدام، ومذكرات محقق صدام وكتاب بقلم السجان الأمريكي، وأيضًا شرائط تسجيلات صدام حسين، وكتاب يحتوي على لقاء مع طباخ صدام حسين، وكتاب عن قصة سقوط صدام حسين وانهيار حكمه، وكتاب عن تجربة حزب البعث… ويكاد يكون لصدام حسين مكتبة بمفرده، من زوايا متعددة وطريفة.
وسألني قارئ عن كتاب بثينة شعبان عن مفاوضات حافظ الأسد مع هنري كيسنجر، وهو يكاد يعتذر عن طلبه هذا العنوان لأن بثينة مقربة من نظام الأسد، وكم سألني القراء عن مذكرات السلطان عبد الحميد الثاني، وقد شكّك فيها عديد من المؤرخين!
وقابلت صديقًا تركيًّا يترجم مذكرات “الدعوة والداعية” لحسن البنا، ويسألني القراء عن مذكرات وزير الخارجية الأمريكي هنري كسينجر. وأخيرًا، لا أنسى تأثر عمي الشيخ يوسف وهو يقرأ مذكرات محمد نجيب، ووقف عند لحظة خلع الملك فاروق وهو يردد قوله تعالى: {قُلِ اللَّهُمَّ مالك الْمُلك تؤتي الْمُلْكَ من تشاء وتنزع الملك ممَّن تشاء وتُعِزُّ من تشاء وتُذلُّ من تشاء ۖ بيدكَ الخير ۖ إنَّكَ علىٰ كلِّ شيءٍ قديرٌ}.
في رثاء عقبة
من الشخصيات التي لا أنساها في المكتبة، الصديق عقبة عامر السيد علي، فقد كان ذا روح منطلقة وشخصية طريفة، يسأل عن عناوين غريبة في المكتبة لا يسأل عنها القراء، وقد فُجعت بموت عقبة في زلزال تركيا.
سألني عقبة عدة مرات عن كتاب “البطل” لجوزيف كامبل وكتاب “أبطال وطباع”، وسألني أيضًا عن كتاب “السيناريو” لـ”سد فيلد”، أكان هذا بسبب ميوله في حب السينما وكتب السيناريو التي كان يجمعها، أم بسبب مفهوم البطولة، وهو الذي عاش أهوال المعارك في الثورة السورية، وأحوال النفس البشرية بين الشجاعة والجبن؟ لا أدري.. لكنه كان مهتمًّا بالبطولة، مسّه شعاع من الحرية الطليقة، فلم يكُن يتحمل المدن المسوَّرة.
رحم الله الصديق عقبة، كان مُحِبًّا للحياة، يأتي إلى المكتبة ويسأل عن عناوين كتب السيناريو، ويطلب قصص أنطون تشيكوف، ونتناقش عن السينما والأفلام. كنت أتعجَّب كلما سمعت عن نزوله إلى شمالي سوريا وتركه تركيا، كان لا يحب إسطنبول، بيني وبينه ذكرى عزيزة، فهو الذي صمّم غلاف أول كتبي “مودة الغرباء”، طبعة جسور.. رحمه الله.
قلت ذات مرة لعقبة (رحمه الله): ما رأيك في أن أسجّل ذكرياتك ومشاهداتك عن الثورة السورية في كتاب؟ كان دافعي الأول ما قرأته عن أهمية التاريخ الشفوي لشهود العيان، والدافع الثاني جمال حكاياته وقصصه، وفيها تفاصيل الاشتباكات والقناصة، بعينه السينمائية يلتقط اختلاف الشخصيات.
فقد كان عقبة مُولَعًا بالسينما، وكنت أتمنَّى له أن يُخرِج أفلامًا تشبه ما شاهده وما عاشه، كان دائم المتابعة للكتب التي تصدر عن السينما، أتذكَّر فرحته بحصوله على سلسلة الفن السابع التي تصدرها وزارة الثقافة السورية، وكيف حصل عليها وهو يشعر بفرح طفولي، كانت طاقته الحماسية تملأ المكان عندما يحلّ به، فقد اشترى هذه السلسلة من سوريا.
ومن أصعب المواقف التي مررت بها جلوسي في عزاء عقبة، وسط شباب مثل الورد، ليس بيننا رجل كبير أو شخص مُسِنّ، شباب يودعون شابًّا، وقد أخذوا يتحدثون عن قصص صديقهم عقبة، وترددتُ في الكلام عنه.. ثم تحدثتُ وأنا أتذكر حضوره وغرابته، فقد كان يختفي كثيرًا ويغيب، ثم يظهر مرة أخرى في المكتبة بقصص وحكايات.. رحمه الله.
مهتم في مجال السير الذاتية والمذكرات
1 تعليق
إرسال تعليق
تابعنا على حساباتنا
مقالات أخرى
من زمزم إلى الذّبيح عبدالله.. إرهاصات بين يدي الولادة
"إنّي لنائمٌ في الحِجر إذ أتاني آت فقال: احفر طَيبة؛ قال: قلت: وما طَيبة؟ قال: ثمّ ذهب عني، فلمّا كان الغد رجعتُ إلى مضجعي فنمتُ فيه، فجاءني فقال: احفر برّة؛ قال: وما برّة؟ قال: ثمّ ذهب عني، فلمّا كان الغد رجعت إلى مضجعي فنمت فيه، فجاءني فقال: احفر المضنونة، قال:...
هيكل.. حكايات من سيرة الأستاذ الكاهن (1)
علاقتي مع كتابات الصحفي الكبير محمد حسنين هيكل معقدة، قد تأخذ موقفًا مما يكتبه وتتهمه بكثير، ابتداءً من التحايل على المعلومة وتعديل تفسيرها، إلى عدم إيمانه بالديمقراطية.. لكني أعود إليه كمصدر وشاهد عيان في قضايا تاريخية كثيرة، والأهمّ كواحد من أجمل الأقلام الصحفية في...
البنتاغون يتوقع اضطرابات كبيرة مع عودة ترامب إلى البيت الأبيض
تتزايد المخاوف في أوساط البنتاغون بشأن عودة الرئيس المنتخب دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، حيث يُخشى أن يسعى لتنفيذ وعود انتخابية قد تؤدي إلى تداعيات خطيرة على الجيش الأمريكي، الذي يُعرف بحياده السياسي. من بين هذه المخاوف، توجيه الجيش للعمل داخل الولايات المتحدة،...
[يوميات بائع كتب عربي في إسطنبول] نتمى ان يكون عنوان كتاب في المستقبل انشاء الله