هل آمن روسو بنموذج طالبان؟
بقلم: مهنا الحبيل
| 17 يوليو, 2024
مقالات مشابهة
-
ما بعد الاستعمار.. وفتح الجراح القديمة
من الملاحظ أنه في عصرنا، عصر العولمة، نجد أن...
-
اقتصاد الحرب.. ماذا يعني اقتصاد الحرب؟!
لم يوضح د. مصطفى مدبولي رئيس وزراء مصر ماذا يقصد...
-
انصروا المرابطين أو تهيؤوا للموت!
في كتاب الكامل في التاريخ لابن الأثير: عندما...
-
يوميات بائع كتب عربي في إسطنبول (4)
نساء يقرأن الروايات وحكايات عن الكتب الأكثر...
-
لينينغراد وغزة: بين جنون العظمة وتطلعات الحرية
هتلر، المنتحر، المندحر والمهزوم، دخل التاريخ...
-
التواضع في القرآن الكريم .. قيمة أخلاقية تقود إلى الرفعة في الدنيا والآخرة
التواضع من القيم الأخلاقية العليا التي يحضّ...
مقالات منوعة
بقلم: مهنا الحبيل
| 17 يوليو, 2024
هل آمن روسو بنموذج طالبان؟
ينجذب جان جاك روسو دوماً إلى تلك الروح القوية البسيطة في التاريخ القديم لا ينفك عنها، ولن نعيد نقدنا له من جديد، غير أن جاذبيته للطبيعة، وغضبه من التغول الملكي الكنسي في القرون الوسطى، وإعجابه بشراسة العقوبة على الملوك أو الحكام من طبقات المعارضة، تهيمن على مخيلته، وتتناقض في أحيانٍ كثيرة، مع إنجيله الدستوري، الذي قدمه كبديل لمجتمع مدني، تُحرر فيه قضايا الفرد والدولة تحت منظومة الفقه الدستوري.
ولذلك لا يتردد روسو في أن يعتبر حكمة الفلاحين البسطاء هي الأقرب لحفظ الإرادة العامة، حتى مع مستوياتهم المعرفية البسيطة، وأن قواعدهم السهلة في بيانات وبنود الإرادة العامة أقرب للتطبيق في مقابل باريس أو لندن، ويستدل بقادة ثوريين انحازوا إلى الشعب، وكانوا محل غضب من الجمهور الذي لو أدركهم لعلّقهم على أجراس الكنائس. ويحيل روسو الأزمة هنا إلى من أسماهم (النظريين)، وهو ما يؤكد أن روسو كان يضيق بقواعد التفكيك والدسترة الاجتماعية التي يراها معقدة، لأنها- حسب رأيه- اعتمدت على دول سيئة التكوين.
فالقلة الفلاحية الصارمة، أكثر تمثيلاً لحفظ الإرادة العامة، فهل يجوز أن نستدعي تجربة حركة طالبان الأفغانية هنا، في نموذج روسو؟
يبدو هذا الاستدعاء مثيراً للغضب أو الاستفزاز للبعض، خاصة أن روسو لديه حساسية ومعارضة كبيرة لقهر الذات باسم الدين، رغم إيمانه الروحي، غير أن المقصد هو أنه يُصدّر نسخة المبادئ البسيطة، والقوة الفطرية التي تحميها، ولا يرى سقف الديمقراطية أرجح عنده، إلا من خلال ضمانات حررناها سابقا، وقد لا تتفق هذه المعادلة مع كامل فكر روسو، ولكنها قابلة للمداولة عنده، وهو غائب عنا اليوم.
قد يؤخذ من تجربة طالبان وتقاطعها مع مرجعية الإرادة العامة لروسو، أن بنيانها الفلاحي (البدوي) الفطري، اجتمع على تعاقد مبسط، أخذ من الفقه الحنفي المحافظ، وبالذات نسخة الإقليم المنغلق، وعزل أي تأثير عليه، من خلال شخصية الملا عمر الكاريزمية، التي نجحت في تثبيت ميثاقها في أجيال من حركة طالبان، سخر شبابها دوماً من مصطلح الديمقراطية، ثم انتهت إلى انتصار تاريخي حرر أرضها، وانتصر على الولايات المتحدة الأمريكية، وهي حتى اليوم ثابتة في إدارة الدولة، وتعقد علاقات خارجية لمصالحها، دون أن تفتح الباب لشروط التحديثات الغربية.
ورغم أن طالبان تفتقد لفكر الشريعة نفسه، وترفض الحرية السياسية التي طبقها الراشدون، ولديها إشكالية عميقة في عصبيتها القومية؛ ورغم أنها في بلاد مسلمة يدين غالبية شعبها بمذهب أبي حنيفة النعمان، مع وجود أقلية شيعية من قومية الهزارة، ولكن لا تزال قضية الصراع مع هذه الأقلية قائمة.. رغم ذلك فإن نجاح طالبان في خفض معدلات الجريمة وانتشار المخدرات، وفي وضع الاقتصاد المحلي، لافت للنظر رغم أنهُ يدار عبر تلك المجموعة، وإن كانت قد انفتحت على الفضاء الاقتصادي الدولي الآخر.
فهل ستعبر طالبان من خلال شرط روسو، وهو أنه كلما سعى البعض إلى نقض ميثاقها البسيط نزل البدو المقاتلون من الجبال لحمايته، وأن مفهوم النزاهة الذي تحدث عنه روسو في نظام التمثيل الروماني لحكماء روما القديمة، يشابه مراقبة الحكومة في أفغانستان طالبان، من خلال سلطة إمارة مركزية يقوم عليها خليفة الملا عمر؟
فهل ستصل طالبان إلى نموذج دولة ذات تأثير حضاري إسلامي، توسع بعدها مدار الحكم فيما ضيّقته- بل حرمته من الشريعة- في المجالات المتعلقة بحقوق المرأة وغيرها؟
نموذج طالبان هنا، قد يتفق أيضاً مع قاعدة أخرى لروسو، فهو يقول نصاً “إن الدولة تهون، والرابطة الاجتماعية ترتخي، حين تؤثر المجتمعات الصغيرة على المصلحة العامة، فتتوسع المعارضة، فتسقط الإرادة العامة”.. وهو هنا يُصرّح بأن الإرادة العامة التي يقصدها لا تشمل الجميع، وهو ما قد يتناقض مع أصل فلسفته، ويتفق مع ما طرحناه سابقا من استحالة قيام إرادة عامة جامعة، إنما القصد هنا في تشديد روسو على انتزاع مساحة الفلاحين البسطاء، الذين أتوا بعقدهم الاجتماعي البسيط، وفرضوه من فوق الجبال.
ولسنا نشك لحظة في أن نظام الإسلام الراشد، في شخصية أئمة العدل لا فقه المستبدين، لا يمكن أن يُطرح نظام طالبان أمامه، غير أن النظر في المراحل الانتقالية للدولة، وما هيمن على العالم من حصرية النظام الديمقراطي المزعوم من الغرب، والملفق والتطفيفي بين الغرب والشرق، لم يكن حلاً، بل كان قنطرة لتمكين القوة الرأسمالية الدولية الظالمة من الهيمنة على عالم الجنوب، لكن ربما يبرز أيضاً فشل الحركات اليسارية حين حكمت، وخنقت الشعب في حريته فثار عليها، مع التسليم بوجود تآمر غربي عليها.
أفسيتكرر المشهد في أفغانستان، فيثور عليها الشعب الذي سيجد داعماً مصلحيا انتهازيا غربياً، رمي أفغانستان في دورة حرب أهلية جديدة هو مشروع مفضّل لديه، يعبر بعده درب الحرير الصيني، او درب المضيق الغربي، أم إن فقه الحركة سيتبع سنن الراشدين، ويعبر إلى زمن حضاري جديد، يصلح حاله مع شعبه أولاً؟.
ويستدرك روسو على أن من علامات زوال الدولة كثرة المراسيم، التي تفرض القوانين وتكون بعيدة عن الصلة الاجتماعية لقلوب الشعب، فهي تدعي الخير العام، فيما الأمر مقتصر على المصلحة الخاصة، وهذا يشمل كل بلد مسلم وغير مسلم.. هنا الضابط المختلف يتمثل في فساد طبقة الحكم، أو نزاهتها رغم غلوها، وأثر ذلك في بقاء الدول. ولذلك يتساءل روسو عن الإرادة العامة التي قام عليها العقد الاجتماعي الأصلي، هل فسدت بطبيعة مآل سياسة الحكام؟ ويقول: لا..
وهو يحرر هنا أمراً بالغ الأهمية والدقة، وهو ضمان أن يستمر حق التصويت، للعودة إلى الميثاق الاجتماعي، الذي لا يُفرَز منه أي مواطن، وهذا يقع خارج حالة طالبان كلياً.
لكن روسو يضعه في سياق بقاء الباب الذي يحمي به الشعب إرادته العليا، وسؤاله الكبير هو: كيف ينظم إطار الحماية لهذا الحق الشعبي العام؟
رئيس المركز الكندي للاستشارات الفكرية
تابعنا على حساباتنا
مقالات أخرى
واشنطن تسعى لمزيد من الشفافية من إسرائيل بشأن خططها للرد على إيران
تتزايد حالة القلق في الإدارة الأمريكية إزاء عدم إطلاعها على تفاصيل العمليات العسكرية الإسرائيلية، خاصة فيما يتعلق بالرد المحتمل على إيران. وتأمل واشنطن في تجنب مفاجآت مماثلة لتلك التي واجهتها خلال العمليات الأخيرة في غزة ولبنان. كان من المقرر أن يجتمع وزير الدفاع...
الحالة العامّة للأسرة والمرأة في الجاهليّة قبيل ولادة النبيّ صلى الله عليه وسلم
عند الإطلالة على حالة عموم النساء في المجتمع الجاهليّ، وما اكتنف الأسرة آنذاك، فيمكننا وصف وتقييم الحالة بعبارة واحدة، وهي: انتكاس الفطرة، وتشوّه معنى الرجولة، وغيبوبة الأخلاق. كان الزواج يتمّ على أنواع عدة، كلّها إلا واحدًا يظهر مدى الانحدار القيمي والظلام الأخلاقي،...
ما بعد الاستعمار.. وفتح الجراح القديمة
من الملاحظ أنه في عصرنا، عصر العولمة، نجد أن الثقافات والهويات العربية أصبحت تتعرض لضغوط غير مسبوقة، لكي تكون مغمورة ومنسية ومجهولة، نتيجة الانفتاح الكبير على العالم، وتأثير الثقافة الغربية وغزوها للعقول العربية، لا سيما فئة الشباب؛ فتأثيرات العولمة عميقة ومعقدة...
0 تعليق