هل تشكِّل أندية كرة القدم العربية الشهيرة حكومات المنطقة؟!

بقلم: شريف عبدالغني

| 20 أغسطس, 2024

مقالات مشابهة

مقالات منوعة

بقلم: شريف عبدالغني

| 20 أغسطس, 2024

هل تشكِّل أندية كرة القدم العربية الشهيرة حكومات المنطقة؟!

 وهكذا دخلنا موسم “الحرية” في العالم العربي.

 قبل أن تذهب الوساوس بأحدكم إلى الظن أن منطقتنا السعيدة تخصص موسماً في السنة للحرية، أو أن تصوّر لك نفسك الأمّارة بالسوء أن رياحاً مُحمّلة بالعطور على وشك الهبوب على أمة العرب، فتحيل قفرها نماءً، وظلامها نوراً، وجهلها علماً، واصفرارها اخضراراً، وانغلاقها انفتاحاً، وديكتاتوريتها ديمقراطية.. أشير إلى أنني أقصد أن موسم الحرية هو بدء الدوريات الأوروبية لكرة القدم، ومعها الدوريات المحلية في كثير من بلاد أمتنا الواحدة ذات المنافسات الكروية الخالدة.

هذا الموسم الذي تترقبه الأنظمة والشعوب على أحرّ من الجمر!

الأنظمة ترى فيه وسيلة تصرف الناس عن المذبحة الدائرة في غزة منذ 7 أكتوبر 2023، بينما تعتبره الشعوب الواحة التي تشعر فيها بإرادتها، وتنشلها من قيظ صحاري التسلط ولهيب دروب الاستبداد.

على مدى الموسم الكروي تلتف الجماهير من المنامة شرقاً إلى نواكشوط غرباً حول الشاشات، وبعضها يذهب إلى المدرجات، لمتابعة المباريات، تشجع هذا الفريق أو ذاك بكل أريحية ودون إكراه، ترفع من تلقاء نفسها صور نجوم، وتخسف الأرض بغيرهم دون أن تتلفت ريبة يميناً أو يساراً، قبل أن تلعن البعض الثالث بلا خوف.. إنها الديمقراطية في أبهى صورها، أن تختار لا أن يُختار لك!

ما يجري داخل ملاعب الرياضة من تشجيع وصخب وحب ونقد، نفتقده في حياتنا السياسية الجدباء.

ذات مرة سألت العالم النفسي الكبير، الدكتور أحمد عكاشة، عن تأثير كرة القدم على نفسية الشعب العربي، فتحدث عن بحث الجماهير عن أي انتصار حتى لو كان في اللعب، بعد الانتكاسات والوكسات التي تغمر حياتهم في مختلف المجالات.

وقال إنه يتمنى أن تنتقل عدوى الملاعب إلى ساحات السياسة، فالمدرب يختار التشكيلة المثالية لفريقه اعتماداً على الكفاءة وليس “أهل الثقة”، والجمهور يحدد بنفسه وحسب هواه الفريق الذي يشجعه، ويُعبّر عن رأيه بكل شفافية في المدرجات، سواء بصيحات إعجاب بمن يبدع، أو صيحات الاستهجان تجاه من يخطئ، فضلاً عن أن الفاشل في اللعب يخرج فوراً، وقد يكون بناء على طلب المتفرجين، ليحل غيره الذي يستطيع العطاء، وهو ما يُعدُّ ضرباً من الخيال في الحكومات، فلا وزير يرضخ لضغط  الرأي العام، ولا مسؤول يوصف أصلا بالفشل.

عندما رحل صالح سليم، رئيس النادي الأهلي المصري في مايو 2002، كتب الصحافي الكبير عادل حمودة مانشيتاً لافتاً: “رحيل زعيم أكبر حزب حقيقي في مصر”. وأوضح حمودة أن النادي الأهلي بمشجعيه- الذين يقدرون بعشرات الملايين- هو الحزب المؤثر في مصر، وليس الأحزاب الهلامية الموجودة حينذاك. وتحدث الراحل الدكتور وحيد عبد المجيد، المفكر السياسي المعروف، عن ثقافة “الاستغناء” عند صالح سليم، وكيف أن استغناءه عن كل الأطماع- سواء كانت منصباً حكومياً أو حاجة شخصية- هو سر خلوده، وأساس انتصارات الأهلي.

كما ذكّـر كثير من الكتاب السياسيين بمواقف عديدة لرئيس الأهلي الراحل في وجود مسؤولين كبار تدل على مدى هذا “الاستغناء”، ومدى حبه للصرح الذي ينتمى إليه، وإدارته وفق منظومة عصرية أسفرت عن احتكار النادي للبطولات المحلية والأفريقية، ووصوله إلى مستوى عالمي، وقبل هذا وبعده انتقال سلس للقيادة في النادي بعد صالح سليم، من حسن حمدي إلى محمود طاهر، وأخيراً الأسطورة محمود الخطيب، عبر انتخابات تحظى بكثير من الاهتمام الشعبي.

وتمنى أصحاب هذه الآراء أن يصيب “فيروس الأهلي” كافة الأجهزة والحكومات العربية، فتحقق إنجازات وانتصارات مثله تجلب الفرحة لأمة العرب، بعدما تخصصت فقط في التنكيد على الشعوب وجرهم من كارثة إلى مصيبة، ومن مأساة إلى ملهاة.

لكن.. 

قيادات العرب لم تأخذ من النادي الأهلي سر الإدارة، وإنما لعبت بخبث على إلهاء الناس بالكُرة، وجعل الأندية الرياضية بديلاً عن الأحزاب السياسية، وبالتالي تريح الحكومات الناس وتستريح هي منهم.. تريحهم بانتصارات معنوية تعوضهم عن الإخفاق في باقي المجالات، وترتاح بضمانها أن يبقى اهتمامهم داخل أسوار الملاعب، لا داخل قاعات الندوات التي يطرح المحاضرون فيها آراء هدّامة من عيّنة الإصلاح والشفافية وإعادة استنهاض قوة الشعوب.

وساعدت أحوال الأحزاب السياسية الجماهير على فقد الأمل في أي تغيير، فالأحزاب العربية الحاكمة تحتكر كل شيء ولا تسمح سوى بالفتات لغيرها من باب إبراز “ديكور ديمقراطي” أمام الخارج.  أما أحزاب المعارضة فتلهث وراء هذا الفتات، وتتصارع على أخذ نصيب من الديكور.

إزاء هذا الحال، وهو موجود بأشكال متنوعة في كثير من دول عالمنا العربي، كان طبيعياً أن نفتقد ذلك الاختراع العجيب المسمى “ديمقراطية”، فقد جربت منطقتنا كل أشكال الحكم.. من الملكي إلى الجمهوري، ومن الجماهيري إلى “الجمهوركي”، ومن الاشتراكي صباحاً إلى الرأسمالي بعد الظهر !

كل هذا والناس مغيّبة وغائبة عن المشاركة، بشكل يجعلنا غُرباء عن العالم الحر، ويدفع كثيراً من المنظمات الدولية للحديث عن غياب الإصلاح الحقيقي عن العالم العربي.

وبالتالي..

 أقترح على حكومات الأمة أن تُفعِّل أكثر عصا موسى التي تبتلع كل العصيّ الأخرى، وهي ورقة الأندية الرياضية؛ فالنادي الذي يفوز بالدوري في بلده يشكل فوراً الحكومة برئاسة “كابتن” الفريق، والتي تعمل وفق توجيهات السلطة.

ومن ثمّ تشكل أندية القمة حكومات المنطقة، ووقتها ستضمن السلطات تفاعل الجماهير مع الأحداث الجارية، وفي الوقت نفسه عدم التطرق لهذا الشيء المسمى “سياسة”، المُفسد للأخلاق والعقول.

لكن..

 الخوف من أن تنتقل صفات المسؤولين إلى رؤساء الحكومات الجدد من نجوم الكرة، فيغيّر حارس المرمى لقبه من “حامي عرين الفريق” إلى “حامي حمى الأمة”، وأن يتخلى اللاعب “الدفندر” عن وصف “قائد خط الوسط” ليصبح “القائد الملهم”، بينما يرد المهاجم كبير السن العاجز عن تسجيل الأهداف على الآراء، التي تطالبه بالاعتزال وإعطاء الفرصة لغيره، بأنه سيظل في الملعب “حتى آخر نفس، وما دام في صدره قلب ينبض”، ليس حباً بالسلطة، ولكن رداً لجميل الشعب!

1 تعليق

  1. Lady Gaga

    😂😂😂😂
    المقال من نوع المضحك المبكي ، سخرية من الواقع المؤلم بقالب فكاهي فذ ، خفيف على القلب و المعدة، لعل المقارنة بين الأندية و الحكومات تبدو للجميع و للوهلة الأولى بعيدة كل البعد ، لكن ( بنات الجنيه .. بنات أفكارك ) صنعن الفرق ، و وزنوا هذه المعادلة الصعبة بميزان الذهب.
    شكر كبير لكاتبنا صاحب العقليه الغير متوقعه ..سياسه معجونه بكوميديا .و بعض رذاذ السحر ،و لا أنسى أن أبارك للنادي الأهلي بوجود شخص مثلك يكن كل هذا الولاء و الإخلاص لناديه ، فيا بخت النادي الأهلي فيك.

    الرد

إرسال تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابعنا على حساباتنا

مقالات أخرى

رسالة إلى أمريكا

رسالة إلى أمريكا

وقف مراسل شبكة CNN الإخبارية بمنطقة "أيتون" شرقي مدينة لوس أنجلوس الأمريكية، مرتدياً قناعاً واقياً من الغاز، قام بإزاحته عن وجهه، بعد أن طلبت منه المذيعة في داخل الاستوديو أن يصف لها ما يحدث على الأرض. بعيون دامعة، ووجه شاحب مكفهر، تحدث بأسى عن جحيم مروع، تشهده ولاية...

قراءة المزيد
أما آن للوزيرة الألمانية أن تهمد؟!

أما آن للوزيرة الألمانية أن تهمد؟!

أخيراً تحقق لها المراد! فقد صافحت الوزيرة الألمانية أنالينا بيربوك الوزيرَ السوري أسعد الشيباني في الرياض، بعد الضجة الكبرى لعدم مصافحة أحمد الشرع لها، والاكتفاء بالترحيب بها بوضع يده مبسوطة إلى صدره! وكما كان عدم المصافحة في دمشق خبرَ الموسم في الإعلام الغربي، فقد...

قراءة المزيد
غزة وجدليَّتا النصر والهزيمة

غزة وجدليَّتا النصر والهزيمة

على مدى ما يقارب ٤٧١ يوماً، وقفت غزة وحيدةً صامدةً تواجه مصيرها، كآخر بقعة تتموضع عليها القضية الفلسطينية، بعد أن تم تدجين العالم العربي كله وصولاً إلى تدجين فلسطين نفسها بقيادة أكثر صهيونية من الصهيونية نفسها، لا هدف لها سوى أن تُنسي الفلسطينيين والعالم كله شيئاً...

قراءة المزيد
Loading...