أبناء الله وأحباؤه

بقلم: كريم الشاذلي

| 13 سبتمبر, 2024

بقلم: كريم الشاذلي

| 13 سبتمبر, 2024

أبناء الله وأحباؤه

يروى أن رجلاً كان لديه خاتم الحكمة، فقرر إذ مرض مرضاً رأى فيه الموت أن يعطي الخاتم لأحب أبنائه إليه، غير أنه خشي من حسد وغيرة الابن الآخر، فقرر أن يصنع خاتماً شديد الشبه بخاتم الحكمة، ويعطيه لولده الثاني على أنه الخاتم الأصلي.

وأمضى الرجل قراره ثم مات، غير أن خلافا وقع بين الأخوين حينما انتبها إلى وجود نسختين من الخاتم ذاته، وقد ظن كل منهما أنه الوحيد الذي يملك خاتم الحكمة، واتهم كل منهما أخاه أنه قد استغل مرض أبيهما وقام بتزوير الخاتم، ورفعا شكواهما إلى القاضي، فما كان من الرجل إلا أن قال لهما: امضيا في شؤونكما، واضربا في الأرض لمدة عام، ثم سنسأل الناس عن أحوالكما وتصرفاتكما فمن شهد له الخلق بالحكمة، ففي إصبعه يسكن الخاتم المنشود! 

هذا هو مربط الفرس، إذ على من ادعى الحكمة أن يُظهرها، ومن سابق الأكارم فالمضمار فاضحه!

إذا أردت أن تختبر القيم فطالع السلوك، وطالما ادعى منهجٌ صلاحيتَه فعليه أن يثبت لنا ذلك على أرض الواقع.. وكما فعل القاضي يا صاحبي عليك أن تفعل!

لا تسمح لأحد أن يطيل الكلام في صحة دعواه، انظر إلى أثر القافلة تعرف ثقل ما تحمله، ولسان الحال أشد حسماً من لسان المقال، وأكثر صدقاً.

في كتاب ربنا يروي- سبحانه- قصصاً عن أقوام سابقين، في يقيني أن هذه القصص ليست من باب التسلية، ولا ذكرها ربنا لنمصمص الشفاه، وإنما لنرى جليا مواضع الخلل في الناس والمجتمعات ونتجنب تكرارها، ومما ذكره ربنا من قصص أبناء الرسالات السابقة أنهم أقوام عريضو الادعاء، يرون أنفسهم في مرتبة أسمى لا لسبب إلا لأنهم هم! مجرد كونك مؤمناً بالله يعني أنك مميز دون جهد يُذكر.. ببساطة، إنهم يرون أن “خانة الديانة” لها قيمتها في ميزان الحساب يوم القيامة!

يقول ربنا واصفاً دعواهم: {وقالت اليهود والنّصارى نحن أبناء الله وأحبّاؤه}، وهذا ادعاء بالامتياز لمجرد كونك على دين تؤمن بصحته، فيرد رب العزة رافضاً هذا الادعاء بقوله جل اسمه: {قل فلِمَ يعذّبكم بذنوبكم بل أنتم بشرٌ ممّن خلق يغفر لمن يشاء ويعذِّب من يشاء}. ويضع سبحانه الخطوط العريضة لهذا الأمر بقوله: {لیس بأَمانیِّكم ولا أمانيِّ أهل الكتاب من یعمل سوءࣰا یُجزَ به ولا یجد له من دون ٱللَّه ولیࣰّا ولا نصیرࣰا}.

ليس على أحد أن يدعي الوصل بالسماء، على الجميع أن يثبت هذا الوصل بعمله، ومن يعمل سوءًا- مهما كانت قبلته- فسوف يجزى به، ويحاسب عليه.

ارفع السماء من العبارة السابقة وضع كل قيم الدنيا، فليس لأحد أن يدعي وصله بالعدالة وهو ظالم، ولا بالوطنية وهو خائن، ولا بقبول الآخر وهو متصادم مع أي بوادر للاختلاف معه..

الله يرفض التنظير!!

الله – جل اسمه – لا يعترف بادعاء الأفضلية الأجوف، سبحانه لا يحترم إلا الجهد المبذول..

أنت لست مميزاً لأنك ولدت بيدين وعينين وأقدام تحملك إلى غايتك، أنت مُطالب بأن تُري من رزقك بما تراه شرفاً أو نعمة أو تميزاً أثر هذا الأمر عليك، وأن تبرهن للناس هذا التفوق الذي تدعيه.

كما أنك لست مميزاً لكونك مسلماً، أنت مطالب طوال الوقت بتحمل ثِقل هذه الرسالة عليك، ودفع ضرائب إيمانك بها سلوكاً طيباً صالحاً في دنيا الناس. ولا يجب أن تكون أبلهاً – حاشاك – وتسلم بصحة كل قول زخرفه صاحبه على مهل، وأحسن صياغته..

الإسلام علمك هذا يا صاحبي، غير أنك مثلي ذاهل.. إياك أن تقبل قولا ليس عليه برهان، أو تشتري بضاعة لم تعاينها، أو تؤمن برأي لم تقلبه على كل الوجوه، ولا تبايع أحداً- أي أحد- على بياض!

الكل سيدعي وصلاً بالصلاح والتقوى، لا راية للشيطان يا صاحبي في دنيانا رغم ملايين السنين.. أتدري لماذا؟

لأن الشيطان يرفع راية بيضاء كالخير تماماً! الشر لا يرفع راية تشبه راية القراصنة المخيفة، والشيطان ليس له ذيل، لا يحمل شوكة، وليس له- إن كنت لا تدري- قرون.

الشيطان يدعي الصلاح، ويلبس لباس الصالحين، ويخبرك بكل جميل.. والحل الوحيد معه أن تقف لترى بعدما سمعت، ترى برهان القول في العمل..

إسلامي لا يطبق قيم الإسلام في تعاملاته وخصومته، وليبرالي لا يحترم حرية الناس ويتهمهم بالجهل، وعلماني يتطرف في عداوته مع خصومه، واشتراكي يحرض الناس على الثورة وهو يقضي الصيف في يخته الخاص!. الكل يتحدث بصدق وحرارة، لكن الأثر كما نرى!.

ولك أن تشد الخط على استقامته، وتقلب في دنيانا!

 ونصيحتي يا صاحبي- إن حق لي ذلك- أن تتبع أمر ربك، وتقيم ميزان عقلك، وتضبط رمانته على المنتصف، حيث لا امتيازات تُعطى للمدعين، ويجب ألا تخيِّل على أذهاننا حيل أهل التنظير، فمن أثبتت المواقف والأحداث واختبارات الحياة قدرته على فرض فِكَره في دنيا الناس، فسهّلت عليهم حياتهم، وحفظت من الذل ماء وجوههم، وغذت فيهم شعور المحبة والشجاعة والرحمة وغيرها من مكارم الأخلاق، سلمنا بصحة موقفه ورفعنا قدره فينا.. وإلا فخاتمه مزور، وقصته بائسة!!

وقد جاءكم بصائر من ربكم، فمن أبصر فلنفسه.. ومن عمي فعليها.

0 تعليق

إرسال تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابعنا على حساباتنا

مقالات أخرى

واشنطن تسعى لمزيد من الشفافية من إسرائيل بشأن خططها للرد على إيران

واشنطن تسعى لمزيد من الشفافية من إسرائيل بشأن خططها للرد على إيران

تتزايد حالة القلق في الإدارة الأمريكية إزاء عدم إطلاعها على تفاصيل العمليات العسكرية الإسرائيلية، خاصة فيما يتعلق بالرد المحتمل على إيران. وتأمل واشنطن في تجنب مفاجآت مماثلة لتلك التي واجهتها خلال العمليات الأخيرة في غزة ولبنان. كان من المقرر أن يجتمع وزير الدفاع...

قراءة المزيد
الحالة العامّة للأسرة والمرأة في الجاهليّة قبيل ولادة النبيّ صلى الله عليه وسلم

الحالة العامّة للأسرة والمرأة في الجاهليّة قبيل ولادة النبيّ صلى الله عليه وسلم

عند الإطلالة على حالة عموم النساء في المجتمع الجاهليّ، وما اكتنف الأسرة آنذاك، فيمكننا وصف وتقييم الحالة بعبارة واحدة، وهي: انتكاس الفطرة، وتشوّه معنى الرجولة، وغيبوبة الأخلاق. كان الزواج يتمّ على أنواع عدة، كلّها إلا واحدًا يظهر مدى الانحدار القيمي والظلام الأخلاقي،...

قراءة المزيد
ما بعد الاستعمار.. وفتح الجراح القديمة

ما بعد الاستعمار.. وفتح الجراح القديمة

من الملاحظ أنه في عصرنا، عصر العولمة، نجد أن الثقافات والهويات العربية أصبحت تتعرض لضغوط غير مسبوقة، لكي تكون مغمورة ومنسية ومجهولة، نتيجة الانفتاح الكبير على العالم، وتأثير الثقافة الغربية وغزوها للعقول العربية، لا سيما فئة الشباب؛ فتأثيرات العولمة عميقة ومعقدة...

قراءة المزيد
Loading...