“هنية” بين الإشادة المطلقة.. والشماتة الوضيعة.. وغياب التقييم العقلاني!

بقلم: شريف عبدالغني

| 6 أغسطس, 2024

بقلم: شريف عبدالغني

| 6 أغسطس, 2024

“هنية” بين الإشادة المطلقة.. والشماتة الوضيعة.. وغياب التقييم العقلاني!

ما بين إشادة مطلقة بمشواره، وشماتة كاملة باستشهاده، انتهت الأربعاء الماضي 31 يوليو في طهران قصة القائد الفلسطيني البارز إسماعيل هنية (1962- 2024)، ليوارى بعدها الثرى في الدوحة يوم الجمعة 2 أغسطس، في موقف إنساني ليس جديداً على قطر.

أصبحت سيرة الرجل في صفحات التاريخ العربي ليحكم بما له وما عليه، وصارت مسيرته بقعة ضوء مشعّة في ليل “التغريبة الفلسطينية” الطويل، تنير الطريق أمام أمثاله من الشخصيات الاستثنائية لاستكمال مشوار التحرير.

ورغم أن هنية لقي ربه راضياً مرضياً، بعدما أدى رسالته بالشكل الذي اختاره، وبكاه الملايين على امتداد الأمة، وبعيداً عن شماتة الشامتين ووضاعة الوضيعين وجهل الجاهلين، وبعيداً كذلك عن حرب الإبادة الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني، المستمرة بأشكال مختلفة وبدرجات متنوعة منذ ما قبل الإعلان عن قيام كيانهم الاستيطاني العنصري سنة 1948 وحتى الآن، فإنه ليس من قبيل التقليل بالراحل الكبير أن يتم بعقلانية وهدوء تقييم دوره ومسؤوليته فيما حلّ بأهالي غزة من مجازر وتشريد وقصف وجوع، منذ عملية السابع من أكتوبر 2023، بصفته- رسمياً- المسؤول الأول في الحركة.

تقييم أراه ضرورياً من أجل المستقبل لتجنب أية أخطاء يكون قد وقع فيها هو وقيادات المقاومة، ولتفادي أية حسابات بُنيت على رهانات غير مضمونة، استكمالاً للفصول القادمة من مسارات القضية الفلسطينية والصراع مع الكيان الصهيوني.

لقد كتبتُ من قبل أنه يوماً ما ستتكشف الأسباب والحسابات الحقيقية لعملية “طوفان الأقصى”، والتي مازالت مآلاتها مستمرة على الأشقاء في غزة منذ عشرة أشهر، بحصد أرواح عشرات الآلاف من الشهداء، وتسوية مدن القطاع بالأرض، وإنهاء كافة مقومات الحياة فيه.

إن آلاف المقالات كُتبت عن الأمر، وملايين الآراء طُرحت بشأن حق المقاومة الفلسطينية في انتزاع حقوق شعبها، وأن “طوفان الاقصى” ليس فعلاً، وإنما رد فعل على عقود من العدوان الصهيوني على الشعب الصابر الصامد.

لكن..

من الصعوبة حالياً معرفة ما إن كانت شرارة “7 أكتوبر” قد آتت أُكلها أم لا وفق الحسابات الآنية- وليس المستقبلية- لـ”حماس”، وهي بكل حال ضمن حلقات المقاومة المشروعة لأي شعب تحت الاحتلال.

إن الشكوك تحوم حول ما إن كانت المقاومة الفلسطينية- وعلى رأسها الشهيد هنية – اتخذت قرار العملية بناء على حسابات واقعية تراعي الظرفين المحلي والدولي، وتتيح لها تحقيق الحد الأدنى من المكاسب لشعبها؛ إذ كيف يكون القرار بناء على قواعد المنطق وحسابات الدعم العربي، والواقع يقول إن غالبية أنظمة الأمة تريد في الأساس التخلص من صُداع المقاومة ومن وجود “حماس” وغيرها من المنظمات الجهادية.

الأنظمة ترى أن وجود منظمات بهذه الروح وذلك الفكر يشكل خطراً على الحكومات، باعتبار أن “مفهوم المقاومة” نفسه يُلهم الحركات المعارِضة العربية إمكانية مواجهة تسلط وديكتاتورية نفر من الحُكّام، هم أصلاً لا يرون إسرائيل عدواً، بل حليفاً، سواء علنياً أو مستتراً.

مؤكد أن رهان المقاومة و”هنية” لم يكن على الأنظمة، وإن كان من الحصافة والحكمة ضرورة وضعها في الحسبان، على الأقل لضمان حيادها، والثقة بعدم وقوفها في الصف الصهيوني، سواء فعلياً أو بالصمت على المذابح. كما كان واجباً على من قاموا بـ”طوفان الأقصى” الرهان على حركات المقاومة الشقيقة في المنطقة- وعلى رأسها حزب الله- لفتح جبهات أخرى على الصهاينة، بدلاً من أن تضع “حماس” ومن معها من الفصائل الفلسطينية أنفسها- وقبلهم أهل غزة- في وجه المدفع الإسرائيلي.

كل ما رأيناه من هذا الحزب وزعيمه السيد حسن نصر الله بعض الخطابات الرنانة، وقليل من المناوشات بين وقت وآخر على الجبهة الشمالية الإسرائيلية، وهي مناوشات لم تصل إلى درجة فتح جبهة جديدة تستنزف الإسرائيليين، وتخفف العبء عن غزة المكلومة. وقبل هذا وبعده، فإن المعطيات الإقليمية والدولية والوضع اللبناني الداخلي، كلها أمور لا تتيح لحزب الله فتح جبهة حقيقية نحو إسرائيل، تكون إضافة قوية للمقاومة الفلسطينية.

إن قرار “7 أكتوبر” في ظل كل هذه المعطيات، لا يُبعد إسماعيل هنية ورفاقه عن تحمل جزء كبير مما حلّ بغزة وأهلها من خراب.

هنية في النهاية بشر يخطئ ويصيب، وإذا كان تقييم “طوفان الأقصى” بشكل إجمالي، وتأثيرها إيجاباً أو سلباً على القضية الفلسطينية، أمر سابق لأوانه، فإن ما مضى من مواقف وأحداث، منذ تأسيس حركة حماس عام 1987، يشير إلى أن القائد الكبير وأركان الحركة قدموا للأمة وحُكّامها ومحكوميها دروساً في كيفية تحمل “القادة الرجال” مثل ما تعانيه شعوبهم.

فالشهيد هنية لقي وجه ربه وقد شعر بمرارة فقد الأبناء والأحفاد والأهل، مثله مثل عشرات الآلاف من أهالي غزة وفلسطين، كما أنه انضم إلى قافلة كبيرة تضم قادة سياسيين وعسكريين بارزين في الحركة، استشهدوا بفعل عمليات اغتيال واسعة نفذتها إسرائيل خلال العقود الماضية، والقافلة لا تبدأ من القائدين، الشيخ أحمد ياسين والدكتور عبد العزيز الرنتيسي، ولا تنتهي عند صالح العاروري وأيمن نوفل وجميلة الشنطي ورائد العطار وأحمد الجعبري ونزار ريان وصلاح شحادة.

هذا مصير قادة “حماس”.. يعيشون كما يعيش الشعب، لم يطالبوا مواطنيهم- مثلما يفعل كثير من المسؤولين العرب- بربط الأحزمة والتقشف، بينما كل معاناتهم تتمثل فقط في كثرة التنقل بين القصور والمنتجعات لكسر الملل. وعلى كل من اتهم الحركة وقادتها بأنهم “تجار نضال وحملة شعارات” أن يعتذر، لأن هذا الصنف من التُجّار على مرمى البصر، وظاهرون لأعمى البصيرة، سواء في “رام الله”، أو في هذه العاصمة أو تلك.

تبقى نقطة أخيرة..

 نقطة ربما لم يتوقف كثيرون عندها طوال الأيام الماضية عقب استشهاد هنية، وهي أنه لم يكن فقط قائداً لحركة مقاومة تحارب المحتل سواء بالعمل العلني أو السري، بل كذلك “رجل دولة” تولى منصب رئيس وزراء السلطة الفلسطينية، بعدما قاد قائمة “التغيير والإصلاح” في الانتخابات التشريعية التي فازت فيها “حماس” سنة 2006، ورفضت إسرائيل والولايات المتحدة- رغم كل ادعاءاتهما بعشق الديمقراطية- الاعتراف بحكومته، وأبقتا على العلاقات مع رئيس السلطة محمود عباس، الذي انقلب على حكومة هنية “المُنتخبة” في 14 يونيو 2007.

ما فعله عباس هو تكرار لما حدث مع جبهة الإنقاذ في الجزائر سنة 1992، تلك التي اكتسحت الانتخابات البلدية ثم النيابية، وكان عليها تشكيل الحكومة، فتم وأد التجربة في مهدها بدعوى أنهم ومن على شاكلتهم لو وصلوا إلى الحكم فسينقلبون على الديمقراطية، ومن ثم فمن الواجب الانقلاب عليهم، تجنباً لـ”احتمال” أن ينقبلوا على الصناديق التي أتت بهم إلى السلطة!.

وهذه قضية جدلية أخرى، من بين قضايا وشؤون وشجون ومساخر عديدة، تقسم وتقصم أمة العرب!.

1 تعليق

  1. Lady Gaga

    قضية القائد الكبير إسماعيل هنية ( رحمة الله عليه) ما هي إلا فرع صغير من قضايا كبيرة أخرى شائكة ؛ يطول فيها الجدل و الشجن .
    إن موقف قيادات حماس مواقف جلية و أهدافها واضحة كعين الشمس ، لكن الخلل في الكيان العربي المريض ،بمرض الزحف الإسرائيلي الذي استشرى و امتد في أوصاله ، و ما وصلنا إلى مثل هذه الحالة من العجز و الوهن إلا من وجود الخونة من أبناء هذا الجسد ..فهم كالخلايا السرطانية التي تنتشر في الظلام ..في غفلة من هذا الجسد الذي اعتاد على السيء والضار غير عابئ بتداعيات دخول مثل هذه الأشياء المميته للجسد والقلب قبل كل شيء .
    العقيدة هي خير علاج و خير رادع لمثل هذه الشراذم الحرة .. الطليقة .. العابثة في أرجاء هذا الكيان، وهو تماما ما تنادي فيه قيادات حماس .. عدم فصل الدين عن السياسة هو الحل .. اتخاذ القرآن دستوراً لنا كأمة إسلامية هو الحل ، كفانا مواربة و بعد عن الحقيقة.

    بوركت أستاذنا .. و بورك اجتهادك في البحث عن الحقيقة التي قد تكون غائبة عن البعض .

    الرد

إرسال تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابعنا على حساباتنا

مقالات أخرى

مع الهمجية ضد التمدن

مع الهمجية ضد التمدن

يراوح روسو نظرته النقدية الصارمة للتمدن مقابل التبسط، والفلاحة والريف مقابل التجارة والصناعة، وهكذا يُثني على قصة شعوب أوروبا البسيطة القديمة، بناء على مخالفتها للمدنية التي تحدث عنها في إميل، ولا بد من ربط رؤاه هنا، لوضع نموذج الشعب البسيط غير المثقف، في السياق...

قراءة المزيد
الطّفلُ المرعوب.. الجَمِيع يُشاهِدون

الطّفلُ المرعوب.. الجَمِيع يُشاهِدون

بجسدٍ نحيل، لطفلٍ لم يتعرّف إليه أحد، وببنطالٍ لا يُعرَف له لون لأنّ الطّين غَطّاه كُلَّه، وبجسدٍ عارٍ حال لونُه الطّبيعيّ إلى اللّون المُعفّر، وفي شارعٍ مُجَرّف جرى فيه صوتُ الرّصاص والقذائف فحوّله إلى خطٍّ ترابيّ تتوزّع عليها بقايا أبنيةٍ أو محلاّتٍ مُهدّمة، رفع...

قراءة المزيد
أطفال غزة يصافحون الموت

أطفال غزة يصافحون الموت

إنَّ الحرب الجائرة على سكان قطاع غزة لم تخلق أزمة إنسانية فحسب، بل أطلقت العنان أيضا لدوامة من البؤس الإنساني، الذي يدفع فاتورته بصورة يومية أطفال غزة الأموات مع وقف التنفيذ.. فإسرائيل في عملياتها العسكرية- جوية كانت أم برية- في قطاع غزة والضفة الغربية لا تستثني...

قراءة المزيد
Loading...