عبيد المنازل وعبيد الحقول!
بقلم: أدهم شرقاوي
| 17 أغسطس, 2024
مقالات مشابهة
-
السياسة الخارجية للرئيس ترامب تجاه الشرق الأوسط
لم تمرّ إلا ساعات فقط بعد إعلان الرئيس الأمريكي...
-
“العرب العثمانيون”.. كيف جسّد الإسلام عمومية النظام السياسي لجميع الأعراق؟
خلال زيارتي لنائب مدير جامعة السلطان محمد الفاتح...
-
في موقعة أمستردام.. لم تسلم الجرّة هذه المرة !
تقول العرب في أمثالها: "ما كل مرة تسلم الجرة".....
-
عمر بن عبد العزيز والتجربة الفريدة
حين ظهرت له أطلال المدينة المنورة، أيقن الشاب...
-
هيكل: حكايات من سيرة الأستاذ الكاهن (2)
هيكل والسادات مضت السنوات وابتعد محمد حسنين هيكل...
-
أعرني قلبك يا فتى!
أعرني قلبك يا فتى، فإن الأحداث جسام، والأمور على...
مقالات منوعة
بقلم: أدهم شرقاوي
| 17 أغسطس, 2024
عبيد المنازل وعبيد الحقول!
في أيام الرِّق في أمريكا قديماً، كان العبيد ينقسمون إلى قسمين: عبيد المنازل وعبيد الحقول!.
عبيد الحقول كانوا يُعاملون كالدواب، مجرد مخلوقات للحراثة والبِذار وقطف المحاصيل، بلا أي حقوق وبلا احترام، بلا إجازات، ولا أيام عطلة ولا استشفاء.. بل ويُجلدون بالسياط عند أول تقصير، وربما قطع السيد إصبعاً من أصابعهم، لأن المحصول لم يكن وافراً كما تمنى!
أما عبيد المنازل فكانوا يعتبرون أنفسهم من طبقة العبيد المرفهة! يأكلون بقايا طعام أسيادهم، ويلبسون ثيابهم القديمة، ويخدمون في البيوت، وينظرون إلى عبيد الحقول على أنهم أقل منزلةً منهم!
وكلما اجتمع عبيد الحقول لتحرير أنفسهم، كان عبيد المنازل ينقلون أخبارهم إلى أسيادهم، الذين يسارعون في إنزال أشد العقوبات بهم!
وإنكَ لو تأملت هذا المشهد، لوقفتَ على الحقائق التالية:
1. أول من يقف في وجه ثورة العبيد ليس السادة، وإنما العبيد الذين يعتبرون أن امتيازاتهم مرهونة ببقاء السادة!
2. بعض العبيد يعتبرون أنهم ليسوا مربوطين، لمجرد أن الحبل الذي رُبطوا به أطول مما رُبط به غيرهم!
3. إذا قضى الإنسان زمناً طويلاً في العبودية، فإنه يستمرئ هذه العبودية، ويقنع بها، ويعتبر أن كل مُطالبٍ بالحرية هو خائن!
4. البعض يكرهون من يحاول أن يتحرر، لأنهم في قرارة أنفسهم عاجزون عن أن يكونوا أحراراً، لقد ألفوا أن يكونوا تابعين، والحرية تلغي هذه التبعية، والذي قضى في القيد سنوات طويلة تفسدُ فطرته تجاه الحرية، لهذا فإنهم لا يقفون مع السيد لأنه سيد، ولا ضد العبيد لأنهم عبيد، كل ما في الأمر أنهم يخافون من المسؤولية!
ثم إنك لو تأملتَ حالنا اليوم، لوجدتَ أننا نعيش شيئاً من ثنائية عبيد الحقول وعبيد المنازل!
إذا طالبتَ بوظيفة، واشتكيتَ من البطالة، فإن من يردّ عليك ليس السيد وإنما عبيد المنازل، الذين يتهمونك بأنك تكره وطنك!
وإذا طالبتَ بالعدالة الاجتماعية اتهموكَ بأنك تسعى إلى الفتنة!
وإذا سألتَ عن مسجونٍ لِمَ سُجن، اتهموكَ بأنك مدعوم من الخارج!
وإذا سألتَ العبيد الذين يلبسون العمائم: لِمَ تُنكرون كُلَّ منكرٍ ولو كان في القطب الشمالي، وتغضُّون الطرفَ عن منكرٍ هو منكم على رميةِ حجرٍ؟ فأنتَ خارجيّ!
وإذا سألتهم: أليس إنكار سفك دماء المسلمين أولى من إنكار تقصير الثوب؟ رموكَ بالعمالة!
لم يبقَ إلا أن يتخذوا الحكام آلهةً يعبدونها من دون الله، حتى إنكَ لو انتقدتَ جملةً في خطاب رئيس قاموا إليكَ على قلب رجلٍ واحد كأنكَ هدمتَ المسجد الأقصى!
ليس من حقك أن تسأل من يريد النّصر أو الشهادة: كيف سيأتي أحدهما إذا كنت لا تُحارب؟! كيف سينتصر من ألقى بندقيته منذ زمن؟!
إن معادلة النّصر أو الهزيمة تقتضي أن تكون في حرب، أما ما دمتَ قد ألقيتَ بندقيتك فأنتَ خارج المعادلة أساساً!
وكيف سيستشهد- حسب الشريعة طبعاً- من يُفكك عبوات المقاومين ويلاحقهم ويعتقلهم، لأنه- الثائر القديم- قد صحا بين يوم وليلة فوجد نفسه موظّفاً عند مُحتلّه؟!
وكيف ستقاوم سلمياً جيشاً يقصفك بالطائرات، وإلى أين ستفضي السلميّة غير العيش تحت بساطير الاحتلال؟!
مع أنّ هذه كلها أسئلة منطقية وجوهرية، فليس لك أن تسأل، سيخرجون إليك كما خرج الجاهليون الأوائل ويقولون: “من هذا الذي يسبُّ آلهتنا؟”.. والسبب أنك ضربتَ على وتر عبوديتهم!
اللص يكره الأمين لأنه يذكّره بنقصه، والعاصي يكره الطائع لأنه يضعه في مواجهة مع نفسه، فيشعر بصغره!
كل حر يثور في أي بقعة في العالم، يعاديه كل عبيد المنازل في أي بقعة في العالم! بعضهم لا يعرف إلا أن يكون ذيلاً تابعاً، ومنقاداً ذليلاً!
لا أضعُ حرف الدال قبل اسمي، أنا من الذين تكفيهم أسماؤهم!
جاهل وإن بدوتُ عكس ذلك،
عاصٍ وإن كان في كلامي رائحة التقوى،
وعلى ما فِيَّ من نقصٍ أُحاولُ أن أدُلَّ الناس على الله، أُحاولُ فقط!
2 التعليقات
إرسال تعليق
تابعنا على حساباتنا
مقالات أخرى
وقد استجاب القضاء لدعوة الرئيس.. ماذا ينتظر المستأجرون؟!
ذكّرني القول إن المحكمة الدستورية العليا في مصر استجابت لدعوة الرئيس في إصدار حكم، بما مضى. فدائما تذكّرنا القدرات المتواضعة الآن بعهد الرئيس مبارك، فلا يعرف قيمة أمه إلا من يتعامل مع زوجة أبيه، وكثيرون صار شعارهم "رُبّ يوم بكيت منه، فلما مضى بكيت عليه". ولست من هؤلاء...
السياسة الخارجية للرئيس ترامب تجاه الشرق الأوسط
لم تمرّ إلا ساعات فقط بعد إعلان الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب نيته تعيين حاكم أركنساس السابق "مايك هاكابي" ليكون سفيرًا للولايات المتحدة لدى إسرائيل وهو المعروف بدعمه منقطع النظير للاستيطان، خاصة في الضفة الغربية التي يعتبرها جزءاً من أرض الميعاد كما يقول،...
“العرب العثمانيون”.. كيف جسّد الإسلام عمومية النظام السياسي لجميع الأعراق؟
خلال زيارتي لنائب مدير جامعة السلطان محمد الفاتح في إسطنبول، البروفيسور المؤرخ زكريا كورشون، كنت أتحدث معه عن آخر إصداراته، فحدثني عن كتابه "العرب العثمانيون"، ومقصد الكتاب تبيان عمومية النظام السياسي في الإسلام لجميع الأعراق والأجناس في ظل الدولة الواحدة . فالإسلام...
مقال قرأته سابقا لكن كتابته جديده وعجبتنى بالاضافات
هنيئا لكم أستاذنا الكريم على هذا النفس، ماذا يمكنني أن أقول عنه ؟
صدق أبو الطيب المتنبي
وإذا كانت النفوس كبارا * تعبت في مرادها الأجسام
بوركتم أستاذ.