وانتصرت إيران!

بقلم: سليم عزوز

| 27 أكتوبر, 2024

مقالات مشابهة

مقالات منوعة

بقلم: سليم عزوز

| 27 أكتوبر, 2024

وانتصرت إيران!

تريد الحق أم ابن عمه؟!

يمكن الوصول لابن عم الحق من طرق عدة، ستنتهي حتماً إلى التسليم الكامل إلى أن ما جرى كان مسرحية، قررت فيها إسرائيل أن تهدر كرامتها، وأن تتنازل عن دعايتها من أنها القوة التي لا تقهر، من أجل تثبيت أركان النظام الإيراني المحاصر منذ قرابة ربع قرن، بينما عواصم عربية تنعم بصداقة ظاهرة مع الولايات المتحدة الأمريكية، وأذرعها في العالم، وللدقة تنعم بالتبعية. لكن، حتى هذا الحصار يمكن اعتباره فصلاً من هذه المسرحية، التي تستهدف إدخال الغش والتدليس عليك، فتعتبر ما جرى حقيقة، ويومئذ سوف تتشيع، لكي تتنفس إسرائيل الصعداء لتشيعك.. ألا ترى أنك تبالغ كثيراً في تقدير قيمة نفسك وإثبات أهميتك؟!

الحق أنه لا يفل الحديد إلا الحديد، وعندما وعدت إيران بالرد على عملية استهداف الشهيد “أبو العبد” في عقر دار القوم، لم أتعامل مع هذا الوعد بجدية، بل سخرت منه، تماما كما لم أتوقع ضربة إسرائيلية هينة رداً على الهجوم الإيراني، وقد توقعت الرد، حفاظاً على كبرياء نتنياهو في المقام الأول والأخير، بيد أن هذا الموتور لا أرضاً قطع ولا ظهراً أبقى!

“تنظيم ابن عمه” ذهب يهون ويسخف من شأن الرد الإيراني، وقد جاء الرد الإسرائيلي لا يتناسب مع غرور نتنياهو، فقد اعتمدوا ذلك لإثبات أن ما يجري مسرحية، ولو حدث العكس تماماً لقالوا أيضاً مسرحية!

ثقافة الحروب:

ولأن هناك ما تسرب أن إسرائيل قد أرسلت الرسائل، وتلقت رسائل عبر وسطاء، بأن الضربة ستكون أقل من التوقعات، مقابل ألا ترد طهران، فقد تم التعامل مع هذا على أنه عمل درامي (يقول البعض إنه تمثيلية)، لنكتشف أن ثقافة الحروب غائبة عنا تماماً. فلا حرب تدار في المطلق إلا إذا كان عدواناً همجياً كالذي قامت به واشنطن في العراق وأفغانستان، وكالذي تقوم به إسرائيل ضد قطاع غزة، لكن عند امتلاك القوة بين طرفي الحرب، ولو بتفاوت، فإن السلاح هو للردع، وإن استخدامه يكون محكوماً بقواعد حتى لا ينفلت الموقف، فليس أخطر في الحروب من إحساس أحد الأطراف أنه ليس لديه ما يخسره!

بالحسابات العاقلة، لم يكن من المناسب أن يقوم نتنياهو بتوسيع دائرة الحرب، وباستهداف حزب الله في أمينه العام، وهو يخوض عدواناً مفتوحاً في غزة، لكن خياله المريض أوعز إليه أنه قادر على فتح أكثر من جبهة في وقت واحد، وبذات القوة، وكان غروره هو المحرض له، وقتل واستهدف قيادات من الحزب تماماً كما استهدف عسكريين إيرانيين، وكان الرد في الحالتين لا يتناسب مع حجم الجريمة، وغالباً كان يتم اعتماد الرد الخطابي الخشن، والسلام ختام، الأمر الذي دفع مجنون إسرائيل ليخطو خطوة للأمام باستهداف حسن نصر الله، وكأنه فتح على نفسه نار جهنم!

وفضلاً عن الرد الإيراني الذي مرغ كرامته في الوحل، فإن مقاتلي حزب الله أثبتوا بسالة منقطعة النظير في صد العدوان، وفي الهجوم، ولا يكاد يمر يوم دون أن يشحنوا عدداً من الجنود والضباط الإسرائيليين إلى مثواهم الأخير، ووصل الأمر إلى استهداف منزل نتنياهو نفسه، وغرفة نومه رأساً!

وإذا بالذي كان يعلن أنه من سيعيد تشكيل المنطقة بنفسه تتواضع أحلامه، ويصبح مثار سخرية في الداخل الإسرائيلي نفسه، فقط عليك التوقف عن مشاهدة قناة العربية وإخوتها من الرضاعة، وتابع الإعلام الإسرائيلي للوقوف على تحول نتنياهو إلى مسخرة!

ودُّوا لو انتصرت إسرائيل:

لقد ردت إيران فوضعت المذكور في حرج بالغ، لأن ردها لم يكن متوقعاً، وقد تم التحرش بها من قبل بدون صد أو رد، ومنذ ثلاثة أسابيع على هذا الرد، كان التهديد الإسرائيلي بالرد، الذي اعتقد كثيرون أنه لن يُبقي ولن يذر، فكان رداً خجولاً، وإذ اعتبر البعض الاتفاق عليه مما يؤكد ضعف إيران، فلماذا لم يعتمدوه أداة لتحقير نتنياهو؟!

لقد ودوا لو انتصرت إسرائيل في هذه المعركة، حتى ولو كان انتصارها سيدفعها إلى إزالة غزة من الخريطة، فإما أن تنتصر المقاومة الفلسطينية بمفردها، أو لا مانع من انتصار إسرائيل. وبحسابات عواصم أهل السنة والجماعة، فلا أمل في نصرة فلسطين من أي عاصمة، إذاً فلن يسرهم أن يكون التوازن- ولو في حده الأدنى- سبباً، فيه إيران وأذرعها في المنطقة!

نفس ما فعلوه مع الرئيس محمد مرسي، عندما كان متاحاً له تنوع العلاقات الخارجية، وإقامة علاقات مع الأضداد، فحشروه في الزاوية؛ إذ كيف يقيم علاقة مع الشيعة، الذين يسبون عائشة، والذين يرون أن علياً أحق بالخلافة من أبي بكر وعمر وعثمان؟!

وكانت النتيجة أنه عندما حدث التباعد واحتكره القوم، فإن المحتكرين هم من شاركوا في عزله، ودعموا المنقلبين عليه، وهم من حرّضوا على المذابح التي ارتُكبت في غزة وغيرها!

بغياب الدور الإيراني:

إن أي عاقل رشيد لا ينكر أن إيران انتصرت بهذا الرد الإسرائيلي الضعيف، وأن صمود جبهة الجنوب اللبناني، وقدرته على المبادرة هو نجدة للمقاومة الفلسطينية، وأنه بغياب الدور الإيراني كان الوضع في غزة سيكون مزرياً للغاية!

وتستشعر الولايات المتحدة الأمريكية كل هذا، لهذا فقد بدت كما لو كانت تسيطر على نتنياهو حتى لا تذهب به حماقته بعيداً، وهو الذي يستشعر الآن أنه أخطأ عندما طور المواجهة مع حزب الله إلى الحرب المفتوحة، والخوف في أن تستغل ضغوط الداخل اللبناني في عقد صفقة منفردة تحصل فيها إيران على بعض الامتيازات، ثم يتم تركيز المواجهة مع غزة لتمكين إسرائيل من تحقيق انتصار، يأمن استمرارها في المنطقة مهابة، كما كانت! فهل هي الغاية التي يتمناها البعض؟!

لماذا لا يكون تنديدك بالدور الإيراني في سوريا، وغضبك من أن تهيمن على العراق، وإقرارك بأن لها مشروعا يتلخص في تكوين نفوذ في المنطقة، مقترناً في الوقت ذاته، برفضٍ منك للهيمنة الأمريكية والإسرائيلية على المنطقة، وتنديدٍ بالدور الأمريكي والإسرائيلي في الحفاظ على بشار الأسد، وإدانة لعواصم أهل السنة التي شاركت وتواطأت في تدمير العراق.. ثم لا تجد في نفسك غضاضة في أن تؤيد موقف إيران المنحاز للمقاومة الفلسطينية؟.

ما المانع، أن تختلف مع إيران، وتقر بأنها انتصرت؟!.. ستموت ناقص عمر إن فعلت؟!

1 تعليق

  1. محمد رشيد

    بارك الله فيك . السعودية اعتمدت خطة تفسيخ العالم العربي عبر أدواتها الاعلامية والدينية
    .

    الرد

إرسال تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابعنا على حساباتنا

مقالات أخرى

من زمزم إلى الذّبيح عبدالله.. إرهاصات بين يدي الولادة

من زمزم إلى الذّبيح عبدالله.. إرهاصات بين يدي الولادة

"إنّي لنائمٌ في الحِجر إذ أتاني آت فقال: احفر طَيبة؛ قال: قلت: وما طَيبة؟ قال: ثمّ ذهب عني، فلمّا كان الغد رجعتُ إلى مضجعي فنمتُ فيه، فجاءني فقال: احفر برّة؛ قال: وما برّة؟ قال: ثمّ ذهب عني، فلمّا كان الغد رجعت إلى مضجعي فنمت فيه، فجاءني فقال: احفر المضنونة، قال:...

قراءة المزيد
 هيكل.. حكايات من سيرة الأستاذ الكاهن (1)

 هيكل.. حكايات من سيرة الأستاذ الكاهن (1)

علاقتي مع كتابات الصحفي الكبير محمد حسنين هيكل معقدة، قد تأخذ موقفًا مما يكتبه وتتهمه بكثير، ابتداءً من التحايل على المعلومة وتعديل تفسيرها، إلى عدم إيمانه بالديمقراطية.. لكني أعود إليه كمصدر وشاهد عيان في قضايا تاريخية كثيرة، والأهمّ كواحد من أجمل الأقلام الصحفية في...

قراءة المزيد
البنتاغون يتوقع اضطرابات كبيرة مع عودة ترامب إلى البيت الأبيض

البنتاغون يتوقع اضطرابات كبيرة مع عودة ترامب إلى البيت الأبيض

تتزايد المخاوف في أوساط البنتاغون بشأن عودة الرئيس المنتخب دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، حيث يُخشى أن يسعى لتنفيذ وعود انتخابية قد تؤدي إلى تداعيات خطيرة على الجيش الأمريكي، الذي يُعرف بحياده السياسي. من بين هذه المخاوف، توجيه الجيش للعمل داخل الولايات المتحدة،...

قراءة المزيد
Loading...