
إسماعيل هنية و”الحشاشين”
بقلم: د. جاسم الجزاع
| 4 أغسطس, 2024

مقالات مشابهة
-
أما آن للوزيرة الألمانية أن تهمد؟!
أخيراً تحقق لها المراد! فقد صافحت الوزيرة...
-
غزة وجدليَّتا النصر والهزيمة
على مدى ما يقارب ٤٧١ يوماً، وقفت غزة وحيدةً...
-
سوريا وثورة نصف قرن
سيسجل التاريخ أن يوم ٨ ديسمبر ٢٠٢٤م يوم مفصلي...
-
خطر الدوغمائية على مآل “الميثاق الغليظ” في المغرب!
يزداد انشغالي فكريًّا ووطنيًّا بما سيثيره مشروع...
-
ماذا عن القرار العباسي بإغلاق مكتب الجزيرة؟!.. يا لك من نتنياهو!
فعلها محمود عباس (أبو مازن)، وأكد عندما فعلها...
-
وقد استجاب القضاء لدعوة الرئيس.. ماذا ينتظر المستأجرون؟!
ذكّرني القول إن المحكمة الدستورية العليا في مصر...
مقالات منوعة
بقلم: د. جاسم الجزاع
| 4 أغسطس, 2024
إسماعيل هنية و”الحشاشين”
في عام 492هـ، قامت مجموعة القوى الأوروبية الغربية ذات المذهب الكاثوليكي، مثل الفرنسيين والألمان والإنجليز ومن عاونهم، بإرسال حملات عسكرية “بلطجية” إلى المشرق العربي، وتحديدًا إلى القدس التي نادى إليها البابا أوربان الثاني قائلاً للأوروبيين إن العرب- أو “عبيد سارة” على حد قوله- قد قاموا بالاستيلاء على ميراث المسيح، ودنسوا الكنائس في القدس، وعلينا واجب الاسترداد من هؤلاء العرب الهمج.
والعجيب أن الباحثين المعاصرين من الأوروبيين والنقاد التاريخيين قد قرؤوا رسالة البابا أوربان الثاني قراءة أخرى تتعلق بالاقتصاد، فقد ذُكر أن الملكيات والإدارات الحاكمة في أوروبا قد ضاقت ذرعاً بمطالبات الشعوب الأوروبية، التي عانت معاناة كبيرة من تسلط الباباوية والملكية على مقدرات الشعوب الأوروبية، فوجد البابا- ويدعمه في ذلك رؤساء وملوك أوروبا- أن توجيه الرأي الأوروبي العام إلى مظلومية المسيحيين في القدس، وشيطنة العرب، هو الوسيلة الوحيدة للخروج من المآزق الاقتصادية الحادة، التي كانت تجتاح الرقعة الأوروبية في ذلك الزمان.
لقد كان للخلاف الحاد بين الإمارات العربية، في دمشق وحلب ومصر وجزيرة العرب وبغداد العاصمة في ذلك الزمان، دورٌ كبير في ضعف القوى العربية العسكرية في الدفاع عن المقدسات؛ فلم تكن جهود المقاومة العربية الإسلامية تجاه الزحف العسكري الأوروبي الزاحفة إلى بلاد الشام إلا محاولات بائسة لا تسمن ولا تغني من جوع. وكانت الكارثة الإنسانية في الهمجية المتوحشة التي مارسها المحتلون للقدس، من سفك لدماء الأبرياء، وهدم للبيوت والمرافق العامة، وتحطيم لدور العبادة والمساجد، وإتلاف للممتلكات والزروع، حتى تم للمحتلين الأمر فأقاموا مملكتهم المزعومة، مملكة القدس اللاتينية، التي تمتد حدودها من بيروت حتى خليج العقبة في الجنوب الأردني، ثم أقاموا ممالك أخرى في طرابلس الشام وأنطاكية والرها.
مرت أعوام وأعوام، وبقيت الخلافة العباسية تعاني صراعاً عربياً تركياً بين خليفة عربي وحكومة تركية، وتذبذباً في الخلافات على أرض العراق. وأما بلاد الشام، فإن حكامها في دمشق وحلب قد بدلوا استراتيجية المواجهة والمقاومة إلى الحلف والهدنة، و”التطبيع” مع الكيانات الصليبية في القدس وغيرها، وفتح جسور الإمدادات التموينية والبضائع، وبدء حركة التبادل التجاري بينهم وبين الكيان المحتل.
وأما مصر، وما أدراك ما مصر؟ فالجميع كان يعول على الحكومة المصرية أن تقوم بشيء ما تجاه هذا الاحتلال لبيت المقدس، ولكن المحاولات المصرية العسكرية وقفت عند حد الدفاع عن سيناء، وإن كان البعض يرى أنه كانت هناك إمدادات من الحكومة المصرية الفاطمية لتسهيل حركة الحملات العسكرية مقابل الاستحواذ على بيت المقدس من حكام سوريا والأردن إلا أن الصليبيين قلبوا الطاولة وخدعوا الإدارة المصرية.
مرت الجغرافيا العربية بحالة ركود وشلل عن أي محاولة جادة لتشكيل جبهة لمقاومة المحتل الصليبي، إلا أنه في عام 503هـ تحرك أمير وقيادي إسلامي كان على رأس السلطة في مدينة الموصل، فقام بترتيب الأوراق ووضع الخطط من أجل تشكيل جبهة عربية إسلامية شاملة لمواجهة المحتل الصليبي، منطلقاً من الآية الكريمة {واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرَّقوا} [آل عمران: 103].
وبتحرك الزعيم مودود شرف الدين بن التونتكين تحركت معه بوادر من أمراء أقاليم إسلامية في سوريا والجنوب التركي، بل حتى الإدارة المصرية، فكان أول تحرك فعلي هو الهجوم على مدينة الرها (عاصمة الإمدادات العسكرية الصليبية في الشمال)، وحصل احتكاك بين القوات الإسلامية بقيادة مودود وحلفائه من جهة، والملك بلدوين دي بورج أمير الرها من جهة أخرى، فتعرضت الرها لسلسلة من الهزائم المدوية، والتي وصلت إلى الأصقاع، فانتاب ملوك القدس وأنطاكية الرعب من قيام هذا المارد الإسلامي.. مودود .
وكانت المواجهة الثانية بين مودود والملك بالدوين الأكبر ملك القدس في معركة الصنبرة، فكانت الهزائم تتوالى على رأس الملك الصليبي، إلا أن إمدادات كبيرة من الجيوش الصليبية وصلت إلى ميناء عسقلان وغزة، فآثر مودود السير إلى دمشق حيث أميرها طغتكين، الذي أدخله إلى دمشق ليلبث عنده حيناً من الوقت لإعادة ترتيب الجيوش الإسلامية، إلا أنه في يوم جمعة من شهر ربيع الأول 507هـ، وبعد صلاة الجمعة، قام رجل من الحشاشين باغتيال القائد مودود عند بوابة جامع دمشق.
تم القبض عليه من قبل الأمير الدمشقي طغتكين، وإعدامه فوراً وحرق جثته، ليسدل الستار على عملية اغتيال غامضة لقيادة إسلامية عسكرية مقاومة للمحتل، دون معرفة من وراء ذلك الاغتيال.. قيل إن الصليبيين قد دفعوا الحشاشين مقابل أموال ضخمة لاغتياله في دمشق، وقيل إن الإدارة المصرية الفاطمية قد خططت لذلك الأمر، وقيل إن حاكم دمشق هو من رتب لاغتيال القائد مودود لإنهاء صراع إسلامي صليبي مبكر مقابل تثبيت حاكم دمشق على السلطة في بلاده.
كان ديدن وهدف القوى المعادية والأذرع الفاتنة هو اغتيال القيادات الفاعلة ذات التأثير الاستثنائي، الذي يشبع أفئدة الشعوب الطامحة للحرية والعدالة، ومواجهة الطغيان العالمي القائم على العنصرية والطائفية المقيتة، والطامع بسلب ثروات الشعوب العربية والإسلامية.. ولا يعلمون أنهم باغتيال مودود قد أخرجوا ألف مودود بعده، وكانت ثورة الزنكيين بقيادة عماد الدين، الذي كان ملازماً للقائد مودود في معاركه، وموافقاً له في منهجه، فالرسالة لا تموت بموت أبطالها وقياداتها.
وما اغتيال إسماعيل هنية عن تلك الصورة والحادث القديم في تاريخ الأمة ببعيد في المقاربة والمطابقة، إلا أن الظروف والأزمنة نعلم اختلافها. فالأشخاص والتيارات والأحزاب لهم ما لهم وعليهم ما عليهم، إلا أن من يحمل فكرة مقاومة صليبي محتل أو صهيوني قاتل يجب أن يُعاوَن، ويتم الوقوف بجانب فكرته وعدم تركه بين مطرقة بالدوين وسندان الحشاشين، وفوق ذلك خيانة المقرّبين.

أكاديمي كويتي
تابعنا على حساباتنا
مقالات أخرى
رسالة إلى أمريكا
وقف مراسل شبكة CNN الإخبارية بمنطقة "أيتون" شرقي مدينة لوس أنجلوس الأمريكية، مرتدياً قناعاً واقياً من الغاز، قام بإزاحته عن وجهه، بعد أن طلبت منه المذيعة في داخل الاستوديو أن يصف لها ما يحدث على الأرض. بعيون دامعة، ووجه شاحب مكفهر، تحدث بأسى عن جحيم مروع، تشهده ولاية...
أما آن للوزيرة الألمانية أن تهمد؟!
أخيراً تحقق لها المراد! فقد صافحت الوزيرة الألمانية أنالينا بيربوك الوزيرَ السوري أسعد الشيباني في الرياض، بعد الضجة الكبرى لعدم مصافحة أحمد الشرع لها، والاكتفاء بالترحيب بها بوضع يده مبسوطة إلى صدره! وكما كان عدم المصافحة في دمشق خبرَ الموسم في الإعلام الغربي، فقد...
غزة وجدليَّتا النصر والهزيمة
على مدى ما يقارب ٤٧١ يوماً، وقفت غزة وحيدةً صامدةً تواجه مصيرها، كآخر بقعة تتموضع عليها القضية الفلسطينية، بعد أن تم تدجين العالم العربي كله وصولاً إلى تدجين فلسطين نفسها بقيادة أكثر صهيونية من الصهيونية نفسها، لا هدف لها سوى أن تُنسي الفلسطينيين والعالم كله شيئاً...
0 تعليق