إسماعيل هنية.. وكلاب السكك!

بقلم: سليم عزوز

| 4 أغسطس, 2024

بقلم: سليم عزوز

| 4 أغسطس, 2024

إسماعيل هنية.. وكلاب السكك!

تذكرون يوم أن انبعث أشقاها، متنقلاً من محطة تلفزيونية إلى أخرى، وكأنه في مهمة مقدسة، يقول بثقة بالغة إن إسماعيل هنية، رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، أخرج أسرته من غزة قبل بداية طوفان الأقصى، وإنهم يعيشون الآن في قصور بقطر، وأن أبناءه يعملون بالـ”بزنس” في تركيا؟.

كان المتحدث يكذب ويتحرى الكذب، لكنه ضمن مجموعة من رفاقه يقدمون أنفسهم على أنهم يعرفون خبايا الأمور، وأسرار التنظيمات الفلسطينية؛ ولتصديق رواية يتم الترويج لها بأنهم من رجال المخابرات فإنهم يحملون اسمين، يطلع عليك أحدهم في كل مرحلة باسم مختلف، وله في ذلك مآرب أخرى، منها أن يخفي ديانته، فلا يكون اختلاف الديانة مدخلاً للتشكيك في روايته، الخاصة بتلويث سمعة قائد لحركة المقاومة (الإسلامية) حماس!

ما الذي جعل هذا الشقي يفعل ذلك؟ وما الذي أغاظه في طوفان الأقصى حتى تكون مهمته هي تشويه المقاومة؟ وما الذي يجعل القنوات التلفزيونية تستقبله على الرحب والسعة، لتكون برامجها منصة لإطلاق الأكاذيب؟!

إن الدوافع قد تكون واحدة، فالأنظمة المالكة لأجهزة الإعلام هذه، تحسب كل صيحة عليها، وترى في انتصار المقاومة، وهزيمة إسرائيل، وتغلب جيش غير نظامي على جيش محترف، هزيمة لها، ووضع حد لدعاية استُخدمت في تمكين الجيوش من أن تحكم، باعتبارها وحدها القادرة على حماية الشعوب، وجيوش المنطقة استمدت شرعيتها من حماية التراب الوطني، ومواجهة العدو، ولا عدو في أدبيات هذه المنطقة سوى إسرائيل!

فعندما تبدد المقاومة الفلسطينية هذه الدعاية، وتجعلها كعصف مأكول، وتجعل من الجيش الذي لا يقهر مسخرة، فإنها تنتقل بالمنطقة إلى شرعية جديدة! أما أشقاها فقد جاء ليتقرب لأهل الحكم بالنوافل، لعلهم يمنون عليه بعضوية البرلمان، التي حصل عليها في غفلة من الزمن لدورة كاملة، قبل أن يسحبوا منه هذا الشرف، فضلا عن أنه يربط نفسه وجوداً وعدماً مع السلطة الفلسطينية من قبل ومن بعد!

لقد تبين أن كل ما قاله هذا المتحدث بغضب، حتى خشينا أن يطق له عرق، هو أكاذيب يريد بها إسقاط الثقة والاعتبار، لكنه لم يتصرف كما ينبغي عندما تبين الرشد من الغي، واستشهد ثلاثة من أبناء إسماعيل هنية وعشرة من أحفاده على أرض غزة، فلم يكونوا يعيشون في قصور في قطر، ولم يكونوا يمارسون التجارة في تركيا، وإنما كانوا مع الناس على الأرض المباركة، يسري عليهم ما يسري على الجميع هناك!

الرجال في مثل هذه المواقف يعتذرون، والأكثر استقامة منهم يعتزلون الحياة العامة، ويستشعرون الحرج من أنهم كانوا ألعوبة في يد أجهزة جعلتهم مطية لترديد الأكاذيب.. فهل هي بالفعل معلومات أجهزة مخابراتية؟ أم تُراها من تأليف الراوي، لاختلاط الأمور في ذهنه، حتى ظن بالفعل أنه رجل مخابرات عالمي، وقد داهمته الخيالات التي يتم تسريبها عبر مقاهي وسط القاهرة؟!

في قوانين النشر ببعض الدول الغربية، يستوجب على الصحفي أن يعلن اسم مصدره إذا كان قد تم التلاعب به، أو تضليله بمعلومات غير صحيحة.. أهناك بالفعل من ضلل سمير غطاس- أو محمد حمزة- أم إنه صاحب مصلحة في نشر هذه الدعاية السوداء، بحكم انتماءاته السابقة لحركة فتح، والتي قد تكون مستمرة إلى الآن؟ وهل هذا الانتماء وحده ما جعله يظهر فظاً غليظ القلب يقطر غضباً وحقداً؟!

وإذا كان مروّج الأكاذيب ليس مشغولاً بمصداقيته، فلماذا لم تعتذر المنابر الإعلامية لاستخدامها منصات صواريخ، وقد ثبت أن ما قاله ضيفها الأثير ليس أكثر من ترّهات؟ إلا إذا كان هناك تعاون على الأمر منذ البداية، ضمن حملة تشويه المقاومة، ولم تحتج وسائل الإعلام هذه سوى لبوق وقد عثروا عليه!

الذمة المالية للشهيد:

إن ماكينة إنتاج الأكاذيب لم تتوقف حتى بعد استشهاد الرجل، بل إن استشهاده على يد العدو بعد كل هذا العدد من أسرته الصغيرة أزعج الخصوم، الذين هم أقرب للعدو، وإذا بمن يُطلَق عليه لقب “مفكر”- ويدفع بالإعلاميين أن يسبقوا اسمه بهذه الصفة- يكتب ترهات، مع أننا لا نعرف مجال تفكيره، وكتاباته باهتة، تفتقد لأي أهمية، وتشي بأن العقل الذي أنتجها يفتقد للانضباط الذي ينتج فِكَراً “عليها القيمة”، ويعبر عنها بشكل رصين!

كأي “ناشط سريح” كتبت المفكر، والكاتب، والجهبذ، طارق حجي منشوراً مراهقاً، فيه أنّ من يعنيهم أمر الوصول إلى ثروة إسماعيل هنية عليهم أن يذهبوا إلى جوجل! فمن أخبر المفكر الاستراتيجي أن جوجل مصدر معتمد لمثل هذه المعلومات؟ وهو ليس أكثر من وسيط لنقل الكثير من الغث، وبينما تحظر المنصة التي كتب فيها هذه التغريدة مجرد ذكر اسم إسماعيل هنية، يكون متاحاً لأمثاله أن يفعلوا، لأنهم يشككون في الرجل وفي شرفه!

إن الحديث عن ثروة إسماعيل هنية بدأ من الإعلام الإسرائيلي، وتلقفته همزات الوصل إلى عالمنا العربي، واندفعت كلاب السكك عبر منصات التواصل الاجتماعي من أصحاب الحسابات الوهمية، ومن المليشيات الإلكترونية، فروجوا بأن ثروته بلغت أربعة مليارات دولار.. وهناك من نسب هذا الكلام إلى الصحافة الغربية، وكأنها مصدر نزيه للمعلومات؟!

وقبل أن نغادر طارق حجي إلى كلاب السكك، نود التأكيد على أن المذكور أثبت فعلا أن كنوز الدنيا لا تصنع كاتباً، ولا يمكنها أن تصنع من الفسيخ شربات، ولا منه مفكراً.. فقد كان يشغل موقع مدير شركة “شل” في القاهرة، ومع أنها شركة بترول فإنها كانت تصدر مجلة لا تُطرح في الأسواق، ولكن توزع مجاناً على النخبة والمؤسسات، وهي مجلة بالألوان من ورق مصقول، الهدف منها جمع عدد من كبار الكتاب للكتابة فيها مقابل مبالغ بطبيعة الحال، ليكون الهدف من ذلك أن يطلقوا عليه المفكر؛ فيقال صدر كتاب للمفكر، وقال المفكر، وسافر المفكر، ونام المفكر، وذلك عبر منابرهم الأصلية!

وقد تبناه أنيس منصور بالكتابة عنه وعن أمجاده الفكرية، ننام ونستيقظ على عمود “مواقف” لأنيس منصور في “الأهرام” عن المفكر طارق حجي، ولا نتيجة تُذكر!

يا إلهي؛ إن الكاتب أنيس منصور، وإن المنبر هو “الأهرام”، ومع ذلك كان كمن يحرث في الماء، ويبدو أن الكاتب الكبير أنيس منصور، والمفكر الكبير طارق حجي، يئسا من تحقيق أي نتيجة، فكانت القطيعة، وتبادلا أسلوب التحقير، فنزع أنيس منصور اللقب الذي منحه إياه (المفكر)، ووصفه بالضحالة، في حين أن “المفكر سابقاً” قال إن أنيس منصور لا يجيد اللغة الإنجليزية كما يشيع عن نفسه!

ومع شغف الناس والأوساط الثقافية والفكرية بمثل هذه السجالات، فإن هذه المعركة لم تشغل القراء أو هذه الأوساط، وبقيت كما لو كانت وصلة ردح بين جارتين في حارة، وقفت كل واحدة منهما في بلكونة شقتها المواجهة للأخرى لتقول فيها العبر، بينما المارة من أسفل لا يكترثون بشيء.

هذا أنيس منصور، وهو كاتب كبير ولا شك، لكن كتاباته عن الأشخاص لا تثير الاهتمام إلا إذا اتصل اهتمام الرأي العام بهم، فما لنا لو تشاجر أنيس منصور مع عامل الخدمة في محطة الوقود- مثلا- لأنه زود سيارته ببنزين 92، وكان طلبه تزويدها ببنزين 90!

وعندما يشكك المفكر (سابقاً) في ذمة شهيد الأمة المالية، ويطلب الذهاب إلى جوجل، فإنه هنا يثبت قيمته الثقافية المنخفضة، وأنه من الطبيعي جداً مع كل هذا النفخ في اسمه أن يستمر ذكره، وعليه أن يتجاوز مرحلة “المفكر قام، والمفكر نام”، ليكون ناشطاً على فيس بوك، فربما جذب له هذا الذباب الإلكتروني، وقد قرأت لمن يشيدون بعمقه تعليقاً على هذه الخفة!

من يملك كلاب السكك:

أما كلاب السكك من المليشيات الإلكترونية فلا نعرف من يملكها، الأنظمة العربية أم نتنياهو؟ وقد بدا لي أن الأخير قام باستئجارهم للقيام بمهمة تخصه، وهي تشويه سمعة الشهيد إسماعيل هنية، فتم النشر أن ثروته بلغت 4 مليارات دولار، نسبة لمطبوعة أمريكية، ولم يثبت لي أن هذه المطبوعة نشرت ذلك، لكنهم هنا يخاطبون المصابين بعقدة الخواجة، حيث إن الحقيقة هي ما تنشره الصحافة الغربية!

يقولون: “إذا كان المتحدث مجنوناً، فليكن المستمع عاقلاً”.. فكيف أمكن لهذه الصحافة معرفة هذا الرصيد؟ أذلك لأن هذه المليارات هربها إلى بنوك سويسرا، أم إنهم عثروا عليها في خرائب غزة بعد الحرب؟!

إن هذه الحملة كاشفة عن أن الشهيد إسماعيل هنية، وقد رحل عن عالمنا، وترك لهم الدنيا يركضون فيها ركض الوحوش في البرية، هو حتى بموته يزعجهم!

إنها ميتة تسعد الصديق، وتكيد العدو!

0 تعليق

إرسال تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابعنا على حساباتنا

مقالات أخرى

وقد استجاب القضاء لدعوة الرئيس.. ماذا ينتظر المستأجرون؟!

وقد استجاب القضاء لدعوة الرئيس.. ماذا ينتظر المستأجرون؟!

ذكّرني القول إن المحكمة الدستورية العليا في مصر استجابت لدعوة الرئيس في إصدار حكم، بما مضى. فدائما تذكّرنا القدرات المتواضعة الآن بعهد الرئيس مبارك، فلا يعرف قيمة أمه إلا من يتعامل مع زوجة أبيه، وكثيرون صار شعارهم "رُبّ يوم بكيت منه، فلما مضى بكيت عليه". ولست من هؤلاء...

قراءة المزيد
السياسة الخارجية للرئيس ترامب تجاه الشرق الأوسط

السياسة الخارجية للرئيس ترامب تجاه الشرق الأوسط

لم تمرّ إلا ساعات فقط بعد إعلان الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب نيته تعيين حاكم أركنساس السابق "مايك هاكابي" ليكون سفيرًا للولايات المتحدة لدى إسرائيل وهو المعروف بدعمه منقطع النظير للاستيطان، خاصة في الضفة الغربية التي يعتبرها جزءاً من أرض الميعاد كما يقول،...

قراءة المزيد
“العرب العثمانيون”.. كيف جسّد الإسلام عمومية النظام السياسي لجميع الأعراق؟

“العرب العثمانيون”.. كيف جسّد الإسلام عمومية النظام السياسي لجميع الأعراق؟

خلال زيارتي لنائب مدير جامعة السلطان محمد الفاتح في إسطنبول، البروفيسور المؤرخ زكريا كورشون، كنت أتحدث معه عن آخر إصداراته، فحدثني عن كتابه "العرب العثمانيون"، ومقصد الكتاب تبيان عمومية النظام السياسي في الإسلام لجميع الأعراق والأجناس في ظل الدولة الواحدة . فالإسلام...

قراءة المزيد
Loading...