إسرائيل وشماعة التهديد الوجودي

بقلم: هديل رشاد

| 28 أكتوبر, 2024

مقالات مشابهة

مقالات منوعة

بقلم: هديل رشاد

| 28 أكتوبر, 2024

إسرائيل وشماعة التهديد الوجودي

تعاني إسرائيل من رِهاب اسمه “الوجودية”، رغم أنها الوحيدة في المنطقة التي تمتلك قوة نووية، ولا يُفوت ساساتها فرصة إلا ويستثمروا في حالات الرعب والفزع بالتهديدات “الوجودية”، لتبرير فشلهم عسكريا واستخباراتيا.

آخر ذلك كان في كلمة لرئيس وزراء الكيان المحتل بنيامين نتنياهو أمس، خلال ذكرى السابع من أكتوبر- وفق التقويم العبري- قائلا: “إنَّ إسرائيل في حرب وجودية صعبة، وندفع فيها أثمانا مؤلمة”.. وهذا مفاده أنَّ إسرائيل تواجه تحديات على كافة المستويات بشكل يومي، نتيجة تداعيات الحرب على قطاع غزة منذ عام وأكثر.

ورغم الدعم الذي تتلقاه إسرائيل من كبريات الدول، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية، فإنها تخشى التهديد الوجودي لكيانها السرطاني، الذي أقيم على أنقاض شعب خذلته أمته لأكثر من 76 عاما. ذلك أن التهديد يمس جوهر الكيان الصهيوني واستمراريته، وهو ما بدأت معالمه تنكشف مع كل فشل استخباراتي وعسكري، ودفعهم بالتالي لأن يغيروا خططهم ويعيدوا حساباتهم التي رسمت للقضاء على سكان قطاع غزة وإسكات صوت المقاومة.

لكن الحقيقة التي تؤرق مضاجع ساساتهم أن ما يحدث هو عكس ما يسعون إليه، لأن المقاومة التي حاولوا إسكاتها في قطاع غزة ارتد صداها في الضفة الغربية، وجنوبي لبنان، واليمن، والعراق، وسوريا، وإيران، التي تراها إسرائيل تشكل تهديدا وجوديا لها حتى بأسلحتها التقليدية وليس النووية.

ويرى محللون أنَّ حرب لبنان عام 2006 هي التي شكلت تحولا ومنعطفا تاريخيا في حروب إسرائيل في المنطقة؛ لا سيما وأنَّ معاركها مع تنظيمات لا دول، والتنظيمات المسلحة المولودة من الحراك الشعبي تصعب في الحروب هزيمتها أو القضاء عليها، لكونها إفرازا شعبيا رافضا للاحتلال.

وهذا الاحتلال هو الذي لم يتمكن خلال عام وأكثر أن ينكس راية المقاومة.. وكما ذكرت في مقال سابق، فإن انتصار الجنود في المعارك لايقاس بالمدنيين العزل الذين قُتلوا، بَل تقاس نتائج المعارك بنوعية العمليات العسكرية، وبحجم الخسائر التي دفعها العدو ثمنا، وبرزت في عدد قتلاه من الجنود، ودباباته التي أحرقت، وعتاده الذي أعيد إليه على طريقة كتائب عز الدين القسام.

وعلى الرغم من أنَّ التهديد الوجودي الخارجي لإسرائيل يعد كالسوس الذي ينخر في هذا الكيان المحتل، فإنَّ إسرائيل تواجه تهديدا وجوديا داخليا ينهش في جسدها الهش، وبالتالي يضعفها ويؤثر عليها في إبطال قدرتها على السيطرة، لا سيما وأن هذه التحديات تخلق أزمات حقيقية، ما يعرض فكرة وجودها للانهيار، ويزعزع استقرارها وبقاءها في ظل التحديات الخارجية.

والمواجهات على أكثر من جبهة تسهم في خلق حالة من التوتر، وتضاعف من عدائها وإصرارها على استخدام جرائم الإبادة الجماعية- لا سيما في قطاع غزة- كوسيلة للتفريغ من غضبها، وتلجم قدرتها على حل المشكلات الداخلية بسبب انقسام الأحزاب، وتعدد الرؤى والأهداف من الحرب على قطاع غزة، التي لم تحقق أيّاً من أهدافها لإعادة الثقة ببنيامين نتنياهو، الذي يلعب في الوقت بدل الضائع .

ومن بين التهديدات الوجودية النمو السكاني المضطرد في أوساط اليهود المتدينين، الذين لهم- ورغم عدم عملهم- امتيازات متعددة، كالحصول على الدعم والبدلات الممولة من دافعي الضرائب، دون أن يخدموا بالجيش، ولهم تمثيل حزبي سياسي من دون تدخل القانون. ويشكل اليهود المتدينون- أو ما يعرفون بـالـ”حريديم” نحو 13.3%، ورغم محدودية هذه النسبة فإن نفوذهم في الدولة كبير، حيث تستمد الأحزاب الدينية قوتها من حاجة الساسة الإسرائيليين إليها عند تشكيل الحكومات لنيل ثقة الكنيست.

لذا، تحاول الأحزاب الحريدية الرئيسية- مثل حزب “شاس” وحزب “يهودية التوراة”- الاستفادة من تأثيرها، للحصول على الميزانيات المالية لصالح مجتمعاتها دون أن يُستفاد منها. وبالتالي، يشكل اليهود المتدينون تهديدا داخليا لعدم مشاركتهم في الحياة العامة، في حين أنهم يثقلون كاهل الخزينة المالية، إلا أن الحكومة الحالية لا تستطيع إلا أن تنصاع لهم حتى يحافظ بنيامين نتنياهو على وجوده، وليمضي في كذبته بأنه يقاتل في غزة لأجل مصلحة إسرائيل.

ومن المهم الإشارة إلى أنَّ الحرب التي تشنها إسرائيل على قطاع غزة وعلى سكانه العزل منذ عام وأكثر، بدعم أمريكي وصمتٍ عربي مذل، أضعفت إسرائيل دوليا على مستوى تقبُّل الشعوب لها، فالحرب الإسرائيلية على غزة فندت سرديتهم التي تدّعي أحقيتها في أرض فلسطين، وأنها  تقاتل محور الشر- على حدِّ وصفها-.

فإنَّ ما ارتكبته من جرائم إبادة جماعية على مرأى ومسمع العالم، وممارساتها غير الأخلاقية في التطهير العرقي، والتهجير القسري، بل واستهداف مدارس الإيواء والمستشفيات، ومنع دخول المساعدات الإغاثية من دواء وغذاء، كل ذلك أكَّد لشعوب العالم دون زيف أو تضليل بأنَّ إسرائيل كيان محتل مجرم، ينفذ أخطر خطة استعمارية، تعتمد على إحلال شعب مرتزق آتٍ من هنا وهناك محل الشعب الأصلي.

هذه الحقيقة هي ما أوضحه جوزفيتيش، أستاذ علم الإنسان في الجامعة العبرية، والذي  أجرى عدة تجارب بيولوجية على المهاجرين اليهود إلى “إسرائيل”- الأراضي الفلسطينية المحتلة-، وسجل النتائج التي توصل إليها في كتاب، بيَّن فيه أن اليهود ليسوا شعبا واحدا بل طائفة دينية تضم جماعات مختلفة.

ختاما..

إنَّ التهديد الوجودي لإسرائيل يتشكل على هيئة عمليات استشهادية فردية، كعملية الدعس التي هزت تل أبيب أمس، وتمت على أعتاب قاعدة غليلوت، العمود الفقري للاستخبارات الإسرائيلية “الموساد”، وكانت ردا نوعيا على جرائم وإرهاب المحتل في ذكرى السابع من أكتوبر- وفق تقويمهم العبري-، كما أنها جاءت صفعة للمنظومة الأمنية والعسكرية الصهيونية، التي تجد أكثر ما يرعبها هذه العمليات الفردية لعدم قدرتها على التنبؤ بها وإحباطها.

وما زاد العملية ثقلا في ميزان المقاومة هو أنها لفلسطيني من عرب الداخل، يدعى رامي ناطور وهو سائق شاحنة.. فقد قاد رامي شاحنته حتى اصطدمت بحافلة قرب محطة ركاب بجوار قاعدة غليلوت العسكرية، وخلفت العملية قرابة 50 إصابة- منها 15 خطيرة- ومقتل إحدى المصابات، وكان أغلب أولئك من الجنود الذين كانوا يتجهون إلى قواعدهم العسكرية.

1 تعليق

  1. HUSSAIN MOHD

    بورك قلمك أستاذه هديل

    الرد

إرسال تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابعنا على حساباتنا

مقالات أخرى

من زمزم إلى الذّبيح عبدالله.. إرهاصات بين يدي الولادة

من زمزم إلى الذّبيح عبدالله.. إرهاصات بين يدي الولادة

"إنّي لنائمٌ في الحِجر إذ أتاني آت فقال: احفر طَيبة؛ قال: قلت: وما طَيبة؟ قال: ثمّ ذهب عني، فلمّا كان الغد رجعتُ إلى مضجعي فنمتُ فيه، فجاءني فقال: احفر برّة؛ قال: وما برّة؟ قال: ثمّ ذهب عني، فلمّا كان الغد رجعت إلى مضجعي فنمت فيه، فجاءني فقال: احفر المضنونة، قال:...

قراءة المزيد
 هيكل.. حكايات من سيرة الأستاذ الكاهن (1)

 هيكل.. حكايات من سيرة الأستاذ الكاهن (1)

علاقتي مع كتابات الصحفي الكبير محمد حسنين هيكل معقدة، قد تأخذ موقفًا مما يكتبه وتتهمه بكثير، ابتداءً من التحايل على المعلومة وتعديل تفسيرها، إلى عدم إيمانه بالديمقراطية.. لكني أعود إليه كمصدر وشاهد عيان في قضايا تاريخية كثيرة، والأهمّ كواحد من أجمل الأقلام الصحفية في...

قراءة المزيد
البنتاغون يتوقع اضطرابات كبيرة مع عودة ترامب إلى البيت الأبيض

البنتاغون يتوقع اضطرابات كبيرة مع عودة ترامب إلى البيت الأبيض

تتزايد المخاوف في أوساط البنتاغون بشأن عودة الرئيس المنتخب دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، حيث يُخشى أن يسعى لتنفيذ وعود انتخابية قد تؤدي إلى تداعيات خطيرة على الجيش الأمريكي، الذي يُعرف بحياده السياسي. من بين هذه المخاوف، توجيه الجيش للعمل داخل الولايات المتحدة،...

قراءة المزيد
Loading...