
خالد بن الوليد في غزة
بقلم: كريم الشاذلي
| 16 أغسطس, 2024

مقالات مشابهة
-
أما آن للوزيرة الألمانية أن تهمد؟!
أخيراً تحقق لها المراد! فقد صافحت الوزيرة...
-
غزة وجدليَّتا النصر والهزيمة
على مدى ما يقارب ٤٧١ يوماً، وقفت غزة وحيدةً...
-
سوريا وثورة نصف قرن
سيسجل التاريخ أن يوم ٨ ديسمبر ٢٠٢٤م يوم مفصلي...
-
خطر الدوغمائية على مآل “الميثاق الغليظ” في المغرب!
يزداد انشغالي فكريًّا ووطنيًّا بما سيثيره مشروع...
-
ماذا عن القرار العباسي بإغلاق مكتب الجزيرة؟!.. يا لك من نتنياهو!
فعلها محمود عباس (أبو مازن)، وأكد عندما فعلها...
-
وقد استجاب القضاء لدعوة الرئيس.. ماذا ينتظر المستأجرون؟!
ذكّرني القول إن المحكمة الدستورية العليا في مصر...
مقالات منوعة
بقلم: كريم الشاذلي
| 16 أغسطس, 2024
خالد بن الوليد في غزة
لا شيء أصدق من فراش الموت! وللكلمة الأخيرة في ميزان ذوي العقول أثر.. ووجاهة.
وعليه، ففهم الموت يحتاج- من جملة ما يحتاج- إلى أن نقف متأملين أمام كلمات من رحلوا، بعدما كان لهم في ملف الحياة والموت قول، الذين استقبلوا الموت بابتسامة، وتأملوا فيه أكثر مما انشغلوا به! وعلى رأس من نستدعيهم، القائد العسكري خالد بن الوليد..
قد يختلف الناس على خالد، غير أن الواقع يقول إنه رجل لم يترك سيفه قط، قائد استثنائي، صاحب حيلة وتدبير، ويملك ملكات فطرية جعلته نموذجاً للقيادة والشجاعة والإقدام.
بعد عمر مديد من الحروب، يقابل خالد الموت بشكل مؤكد بعدما تقابل مع شبحه في الماضي كثيراً، يقابله متكئاً على فراش، بين الأحبة والأصحاب، مستقبلاً القبلة، منتظراً في ملل.. وكأن خالداً يسأل: أهذا هو الموت الذي طالما خشيه الناس؟ لا أحد غيري استقبله في كل مناسبة كما فعلت، ولطالما تهيأت للقاء الموت فأخلفني!.
لم يؤخره الحرص، ولا دواعي السلامة، لم يبعده الأمن وبُعد المعركة.. بالعكس، كل هذا لم يعرفه، ورغم ذلك تأخر كثيراً!!.
ينظر خالد إلى من حوله ويقول: “لقد شهدت كذا وكذا زحفًا، وما في جسدي موضع شبرٍ إلا وفيه ضربةٌ بسيف أو رمية بسهم أو طعنة برمح، وهأنذا أموت على فراشي حتف أنفي كما يموت البعير، فلا نامت أعين الجبناء”.
وهذا التصريح من خالد لا يرسله لجنوده على خط المعركة، إنه يبعثه لنا من على فراش الموت..
خالد يقول- مستشهداً بدوران الزمان عليه- أن الموت ليس مخيفاً كما نظن، وقد يتأخر حينما تطلبه، وقد يقتات على روحك فيستعبدك!!
خالد ليس فيلسوفاً ولا حكيماً، لكنْ- كما قلنا- فراش الموت له حكمته، ولقد أنطق خالداً ليقول: إن الأكابر يموتون مرة واحدة، بينما يموت الأصاغر كل ساعة ..
ولعل مارك توين- الكاتب الساخر- لم يسمع بخالد وهو يتقلب على فراشه هو الآخر محتضراً، وهو يقول بفلسفته الساخرة: ما هذا؟ أيعقل أن أكثر الأشياء التي خشيتها في حياتي لم تحدث؟!.
ثم يرسل إشارة تحذير تليق بمودع، وهو يقول لنا: لا تظنوا وأنتم على فراش الموت أنكم ستندمون على الأشياء التي فعلتموها، صدقوني، مهما كانت سيئة، ومهما كانت تستحق الندم فعلاً، فإن الندم الحقيقي سيكون على الأشياء التي لم تفعلوها، أو- بمعنى أدق- كان ينبغي أن تفعلوها ومنعكم الجبن، وأوقفكم عنها الخوف، وكبلكم عن التصريح بها، أو الوصول إليها أو نيلها، ضعف وانكسار.. ورهبة.
مارك توين هو الآخر، يخبرك أن الأكابر يموتون مرة واحدة، حينما يتعاملون مع الموت على أنه مواجهة حتمية ليس فيها ما يخيف، بينما الأصاغر يموتون بموت كل حلم قتلوه خوفاً، وكل حكاية اختصروها هلعاً، وكل مشوار وجدوا أن القعود إيثاراً للسلامة خير من المضيّ فيه!.
وعليه، فإن موت الأكابر آية!. الحالة الوحيدة التي لا ترى للموت فيها هيبة، عندما يقتنص منا كبيراً.. إذ يطغى نور الكبير، وهيبة الأكابر، حتى على مشهد الموت نفسه ورهبته.. نودعه بالزغاريد لا بالنواح، وقد تُنصف صفحات التاريخ فتخلد ذكره، أو تتولى المهمة ضمائر الخلق.. المهم أن الأكابر لا يموتون بسهولة، ولا يرحلون برصاصة أو صاروخ موجه!
خالد بن الوليد اتَّخذ قراراً أصبح على إثره فارساً ينظر في عين الموت ولا يخاف، ماذا لو أراح خالد عنان فرسه على بحر غزة ليرى كيف يولد الأطفال كبارا؟!
ومارك توين حذرنا من عدم الفعل بسبب الخوف، أتراه سيفهم كيف يخيم الموت على الناس دون أن يترك لهم خياراً يندمون عليه؟.
لم يرَ مارك توين غزة، لا يعرف- وقد ظن أنه رأى الكثير لينصحنا به- أن هناك من يختارون الموت وقوفاً لأن خيار العيش- أي عيش- لم يعد متاحاً!.. أكابر رغم أنوفنا.. وأنوفهم..
بلا شك يخافون، يحيط بهم ما أحاط بصحابة النبي محمد يوم الخندق، الرعب والخوف والتعب وانعدام الحيلة أمور لا يمكن المزايدة عليها، أو انكارها، حتى في نفوس الأكابر..
أعلم أن مقالتي تلك قد تبدو من جملة مقالات التعازي، أسطر أخرى نحيي فيها المظلوم ونلوح له بها من بعيد، ربما هي كذلك ..
ولكن، من يلوحون لنا وهم راحلون تبدو رسائلهم أصدق، جسد خالد الشاهد على بطولاته، وتجربة مارك توين الثرية، سيقفان يقيناً أمام الموت، إذ يبدو صغيراً في أعين هنية ورفاقه..
جيفارا، ومانديلا، وغاندي، لم تُمحَ آثارهم.. والقوة مهما كان منطقها ستتعثر يقيناً أمام منطق قوي، طالما آمن بمنطقه.
وأهل غزة، الظاهر منهم والباطن لا زال يمتلك منطقاً قوياً، عين هنية المنهكة لم تكن تبحث عن عزاء، الرجل الذي ودّع أولاده وأحفاده تباعاً كان يركض ليس هرباً من الموت، وإنما طلباً له، لم يختلف مشهد موته عن مشهد الجعبري، والرنتيسي، وياسين..
تمزق الرجل وهو يركض في سبيل قضيته.. أليس هذا موتاً كبيراً..
ألا يشبه موت هنية موت الأكابر ..
لا تعزية في كلامي يا بن غزة.. يا بن الأكابر..
فدماء صغيركم قبل كبيركم- ولا صغير في غزة- قد ختمت كل مقالة .. وأنهت كل حديث.
1 تعليق
إرسال تعليق
تابعنا على حساباتنا
مقالات أخرى
رسالة إلى أمريكا
وقف مراسل شبكة CNN الإخبارية بمنطقة "أيتون" شرقي مدينة لوس أنجلوس الأمريكية، مرتدياً قناعاً واقياً من الغاز، قام بإزاحته عن وجهه، بعد أن طلبت منه المذيعة في داخل الاستوديو أن يصف لها ما يحدث على الأرض. بعيون دامعة، ووجه شاحب مكفهر، تحدث بأسى عن جحيم مروع، تشهده ولاية...
أما آن للوزيرة الألمانية أن تهمد؟!
أخيراً تحقق لها المراد! فقد صافحت الوزيرة الألمانية أنالينا بيربوك الوزيرَ السوري أسعد الشيباني في الرياض، بعد الضجة الكبرى لعدم مصافحة أحمد الشرع لها، والاكتفاء بالترحيب بها بوضع يده مبسوطة إلى صدره! وكما كان عدم المصافحة في دمشق خبرَ الموسم في الإعلام الغربي، فقد...
غزة وجدليَّتا النصر والهزيمة
على مدى ما يقارب ٤٧١ يوماً، وقفت غزة وحيدةً صامدةً تواجه مصيرها، كآخر بقعة تتموضع عليها القضية الفلسطينية، بعد أن تم تدجين العالم العربي كله وصولاً إلى تدجين فلسطين نفسها بقيادة أكثر صهيونية من الصهيونية نفسها، لا هدف لها سوى أن تُنسي الفلسطينيين والعالم كله شيئاً...
مقال اقل ما يقال عنه أنه عظيم