لليسار دور.. ماذا عن اليسار العربي؟!

بقلم: سليم عزوز

| 9 يوليو, 2024

بقلم: سليم عزوز

| 9 يوليو, 2024

لليسار دور.. ماذا عن اليسار العربي؟!

إنها بشائر النصر القادم من الغرب هذه المرة!

فلم نكد نستوعب فوز حزب العمال (يسار الوسط) في المملكة المتحدة في الانتخابات العامة، حتى فوجئنا بفوز اليسار في فرنسا، بينما كنا نعتقد أنها مرحلة سطوع نجم اليمين المتطرف، وأنه لأسباب عدة سيكتسح الانتخابات هنا وهناك، بل وفي أوروبا كلها!

ليس شرطاً أن تكون يسارياً لتفرح بهذا الفوز الكبير لليسار، فاليسار الغربي هو الأقرب إلى القيم الإنسانية من غيره، ومن الأنظمة التي حكمت على مدى أزمنة طويلة، وهو الأقرب لفهم حقوق الشعب الفلسطيني، والأكثر قرباً من العرب هناك، ومن قضايا اللاجئين؛ أما الأكثر عداء فهو اليمين المتطرف بطبيعة الحال!

لقد سعدنا بانتصار “طالبان” في معركتها ضد الغزاة الجدد، ومن كل الأصقاع، وتحت راية القوى العظمى في العالم، وبحضور طاغ لحلف النيتو، لكن طالبان دحرت العدوان وفرضت شروطها عليه، وعادت للحكم من جديد، فكان هذا انتصاراً لكل أحرار العالم، باعتبار طالبان حركة تحرر وطني. وهذه السعادة ليس لازماً فيها أن يكون السعيد من “طالبان” أو منتمياً لفكرها الديني!

محل اليسار العربي من الإعراب:

ومن المملكة المتحدة إلى فرنسا، بدت الشعوب وقد ملت من عنصرية الأحزاب التقليدية الحاكمة، ومن الانحياز الأعمى لإسرائيل، وقد ارتكب ماكرون خطأ عمره بإجراء الانتخابات المبكرة، فاحتل تحالفه المرتبة الثانية، على غير ما كان ينتظر، إذ كان يظن أن المنافسة بينه وبين اليمين المتطرف، وأنه قادر على حسمها لصالح تحالفه، فإذا به يؤتى من مأمنه، وتكون نتيجة الانتخابات وبالاً عليه، وهي تبشر بأن المستقبل لليسار في الغرب.. لله الأمر من قبل ومن بعد!

والحال كذلك، فهل تمثل هذه النتائج المفاجئة دفعة لليسار العربي، أو قبلة حياة له؟!

اللافت هنا أن اليسار الغربي، لم يمارس التبعية كما اليسار العربي، والأخير ربط كل مشروعه بالاتحاد السوفيتي، وبالتطبيق وليس بالنظرية، فلما سقط الاتحاد المذكور وتفكك، انهار اليسار العربي، وفقد البوصلة تماماً، وعاش في ظلمات بحر لجّيّ، إذا أخرج الواحد منهم يده لم يكد يراها، ولأنه مشروع أُسّس على التبعية من أول يوم فقد اندفع ليكون تابعاً للأنظمة القائمة وضمن أدواتها، والمبرر المعلن أن هذه الأنظمة تواجه الإسلام السياسي وجماعات العنف الديني، خصم اليسار اللدود، ولم يخلُ الأمر من انتهازية، فباع بـ”الرخيص”!

قال واحد من كبارهم: “نحن البديل الثالث”، وكان الرجل يمارس النصب السياسي، فسرعان ما كشفت الممارسة أنه جزء من الحسابات الأمنية لنظام مبارك، وقبض الثمن، وكان بخساً، فقد عينته السلطة عضواً في مجلس الشورى، بينما كان ثمن قائده الحزبي عضوية مجلس الشعب بالتزوير، وقد فضحته أحكام القضاء في المرتين، وفي الثالثة لم يجد النظام نفسه متحمساً للتزوير له، فسقط سقوطاً مروعاً، أمام مرشح من آحاد الناس!

لقد عين مبارك رفعت السعيد عضواً في مجلس الشورى، وأقر له حراسة من باب الوجاهة الاجتماعية، وباعتباره مهدَّدا بالاغتيال، وكان الثمن تصفية اليسار كاملاً، وقبل خالد محيي الدين بكل تاريخه أن يبدد هذا التاريخ وينهي اسمه بعضوية برلمانية مزورة، وهو عضو الضباط الأحرار الذي انحاز في شبابه للديمقراطية، وصاحب الاسم الأهم من البرلمان، بل ومن رأس النظام نفسه، الذي لم يكن عضواً في تنظيم الضباط الأحرار ولم يفاتحه أحد في ذلك، استهانة به، وإدراكاً من التنظيم أنه لا يصلح لمثل هذا العمل!

عصابة الأربعة:

كان “عربون المحبة” من جانب حزب اليسار (التجمع الوطني التقدمي الوحدوي.. الخ الخ) هو التخلص ممن أسماهم كاتب النظام موسى صبري “عصابة الأربعة”، التي تدير جريدة الحزب “الأهالي”؛ وأفرادها حسين عبد الرازق رئيس التحرير وزوجته فريدة النقاش، وصلاح عيسى مدير التحرير وزوجته أمينة النقاش، وهم من قادوا الجريدة في اتجاه المعارضة الجادة، فكان قرار عزلهم، وإن بقيت فريدة وشقيقتها في الجريدة لا يرسمن سياسة، ولا يبدين موقفاً مهماً.

ثم تحول الرجلان بعد ذلك فصارا رفعت السعيد، وسعيا للتعلق بأهداب السلطة، وكان الثمن زهيداً، فرئاسة تحرير جريدة “القاهرة” الصادرة من وزارة الثقافة تكفي عيسى، فلما وقع الانقلاب العسكري كوفئ بمنصب الأمين العام للمجلس الأعلى للصحافة، وظل حسين عبد الرازق يدور في فلك رفعت السعيد، فقد فاته الميري فتمرغ في ترابه ليكون عضواً في لجنة الأشقياء التي أعدت دستور الانقلاب، قبل أن يغادر دنياناً منذ  ست سنوات، أما المناضلة السابقة فريدة النقاش فقد اصطفوها عضواً في مجلس الشيوخ، مجرد عظمة ألقيت للأولين، وكان ينتظرها الذين من دونهم!

مع انهيار الاتحاد السوفيتي، انهارت النفوس، فكانت التحولات الكبرى، فمن كان يتصور أن لطفي الخولي اليساري الكبير، الذي ترأس مجلة “الطليعة” الصادرة عن “الأهرام” كمنبر لليسار، وقاد خلالها العداء لإسرائيل، ورفض كامب ديفيد بدون “الطليعة” التي كانت قد أغلقت، ينتهي به المطاف مطبِّعاً، وداعية من دعاة التطبيع ومؤسساً جميعةً لهذا الغرض!

وانظر إلى من سلكوا هذا الطريق، ستجدهم من اليساريين المتقاعدين، الذين فقدوا اتزانهم بسقوط الاتحاد السوفيتي، ثم انظر إلى من أسس دكاكين حقوق الإنسان الممولة من الغرب الرأسمالي، ستجدهم من اليسار بتنويعاته المختلفة، سواء اليسار الماركسي، أو اليسار الناصري، وألَّفت اليسارية البريئة أروى صالح ضدهم كتاباً مهماً، أهم من كتابها “المبتسرون” عن التمويل الأجنبي لهؤلاء، كنت قد قرأته عقب صدوره، وإن نسيت اسمه، ولم أعثر عليه بالبحث عبر جوجل!

وإذا كان الشيء بالشيء يُذكر، فلا ننسى في التسعينيات، يوم أن أفسدت فريدة النقاش مؤتمراً نسائياً نظمته جمعية تضامن المرأة برئاسة نوال السعداوي، في اليوم الثاني له، فانتفض السامر، وكان مقرَّراً له أن يستمر ثلاثة أيام، وكان مؤتمراً كبيراً، يتجاوز إمكانيات نوال السعداوي وجمعيتها، بأن أمسكت فريدة مكبر الصوت وسألت سؤال التمويل، وطالبت نوال السعداوي أن تفصح عن الجهات التي تتحمل نفقات المؤتمر الباهظة، ورفضت الإجابة، وحدث عراك نسائي، انتهى بوقف أعمال ما وصفته النقاش بـ “المؤتمر المشبوه”!.

ويدور الزمن دورته، وتؤسس فريدة النقاش جمعية ممولة من الخارج، على النحو الذي كتبه الصحفي الناصري شفيق الطاهر، في ملف نشر بجريدة “الأحرار” في نهاية التسعينيات عن التمويل الأجنبي، واتصلت بي الزميلة النقاش، وفي مكالمة طويلة عريضة لم تنف الاتهام، وإن اعتصمت بحقوق الزمالة والانتماء لمهنة واحدة! ونشرنا لها رداً لم يقل شيئا!

الأقرب لمبارك:

وقد قامت الثورة، وحزبا اليسار الكبيران “التجمع” و”الناصري” أقرب إلى مبارك، وهذا لا يمنع من مشاركة شباب الحزبين في الثورة، لكن القيادة لم تكن معها، فلما سقط مبارك، وبدأ الاحتكام للشعب، لم يكن للتجمع أي رصيد في الشارع، فاندفع في تحالف يدعمه رجل الأعمال نجيب ساويرس بأحزابه المتناقضة مع اليسار فكراً وموضوعاً، وتم خوض الانتخابات عبر ما سمي بـ “تحالف الكتلة”.

ولأن اليسار لم يكن مستعداً لهذه المرحلة، فقد انصرف يثير المشاكل والأزمات مع التيار الديني، وكأن مشروعه قائم على أنقاض مقولات الإسلاميين، فلا كلام عن القضايا اليسارية التقليدية، مثل الاستقلال الوطني، ورفض التبعية، والانحياز لحقوق العمال والفقراء، حتى مثّل اليسار بهيئته هذه أحد معوقات التحول الديمقراطي، لأن المشكلة الكبرى في أنه لم يكن معنياً بقضية الديمقراطية، ومن هنا استدعى العسكر للانقلاب على إرادة الناس!

وهذا الدور قام به اليسار في بلدان الربيع العربي، وشاهدنا أكاديميا تونسيا يتحول إلى شبيح في مواجهة زملاء له في ذات الجامعة لأنهم ينتمون إلى النهضة، ولم يستقر لهم بال، ويهدأ لهم خاطر، إلا عندما انقلب قيس سعيد على المسار الديمقراطي برمته، وحل البرلمان، وعصف بمكتسبات الثورة واعتقل قادة النهضة!

لقد تأسست حركة “الاشتراكيون الثوريون” من شباب وطني لم يلبس استقامته بظلم، لكن المنتمين لها قلة، لا يمكنهم أن يمثلوا البديل المهم كما اليسار في الغرب!

وإن كان مشوار الـ”ألف ميل” يبدأ بخطوة!.

1 تعليق

  1. Taha Elmasry

    سليم بك
    اليسار عنده كله شمال وليس يسار
    تحياتي من هولندا

    الرد

إرسال تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابعنا على حساباتنا

مقالات أخرى

تسليح إسرائيل من مغارب الأرض عبر مشارقها!

تسليح إسرائيل من مغارب الأرض عبر مشارقها!

في الوقت الذي تسمح فيه قناة السويس بعبور سفينة حربية إسرائيلية، متذرعة بمعاهدة القسطنطينية الموقعة عام 1888، تقوم إسبانيا -وللمرة الثانية- بمنع رسو سفينتي أسلحة في طريقهما إلى إسرائيل من الولايات المتحدة الأمريكية محملتين بالأسلحة، لتستقبلهما المملكة المغربية! نعم...

قراءة المزيد
همام ليس في أمستردام!

همام ليس في أمستردام!

لم يكن استدعاء في محله! فعقب الموقف البطولي لأحرار المغرب في العاصمة الهولندية "أمستردام"، استدعى البعض عبر منصات التواصل الاجتماعي اسم فيلم "همام في أمستردام"، ولا يمكن قبول هذا الاستدعاء إلا من حيث أن "القافية حكمت"، فلم يكن هذا الترويج لفيلم خفيف كالريشة، إلا في...

قراءة المزيد
400 يوم من الحرب

400 يوم من الحرب

كيفَ تطحنُ الآلة العسكريّة في شعبٍ أعزلَ على مدى أربعمئة يومٍ ويبقى أهلُها على قيد الوجود؟ إنّ حريقًا واحِدًا شَبّ في روما أيّام نيرون قضى على أكثر من عشرة أحياء في روما من أصلِ أربعةَ عشرَ حَيًّا ودمّر كلّ ما فيها ومَنْ فيها. ليسَ صمودًا اختِيارًا وإنْ كان في بعضِه...

قراءة المزيد
Loading...