دعونا نخبركم بما فعلناه بهم
بقلم: هديل رشاد
| 26 أغسطس, 2024
مقالات مشابهة
-
الشكر.. دوامٌ للنعم في الدنيا وفوزٌ في الآخرة
أنعم الله تعالى وتفضّل على عباده بالكثير من...
-
الترامبية المتجددة وأمْوَلَة نظام الحكم في الولايات المتحدة
منذ أن بلور حكماء الإغريق قديما فكرةَ...
-
السياسة الخارجية المتوقعة لإدارة ترامب.. تداعياتها على الشرق الأوسط
خلال حملته لاستعادة رئاسة الولايات المتحدة، قال...
-
ترامب وهاريس.. وجهان لعملة واحدة
نجح دونالد ترامب.. فاز مرشح الحزب الجمهوري...
-
السؤال الكوني وعجز الغرب الفلسفي
كمدخل فلسفي مبسط، يعود السؤال هنا على الفرد...
-
لهذه الأسباب فاز ترامب
استيقظنا صباح الأربعاء، 6 نوفمبر/ تشرين الثاني...
مقالات منوعة
بقلم: هديل رشاد
| 26 أغسطس, 2024
دعونا نخبركم بما فعلناه بهم
عشرون عاماً مضت على فضيحة سجن “أبو غريب”، عشرون عاما تفصلنا عن أشكال التعذيب التي كان يمارسها الجيش الأمريكي على السجناء العراقيين في ذلك السجن، فأدمغتنا لا تزال مختزنةً تلك الصور والمشاهد المصورة التي سُرّبت من داخل سجن أبو غريب، وكانت تكشف عن الفظائع التي كان يمارسها عناصر الجيش الأمريكي على المعتقلين.
وهؤلاء كان 90% منهم قد اعتُقلوا دون محاكمات، بالاستناد إلى “إريك فير”، وهو مؤلف كتاب “المغزى.. مذكرات محقق سابق في سجن أبو غريب”، وأحد المحققين في سجن أبو غريب، والذي وثق توثيقاً منهجياً ارتكاب العسكريين الأمريكيين حوادث انتهاكات إجرامية ووحشية، وصنوف تعذيب جسدي وجنسي ونفسي، قاد بعض الذين تعرضوا لهتك عرضهم واغتصابهم من الرجال والنساء أن ينهوا حياتهم انتحاراً، خشية العار الذي كان سيلحق بهم، وخاصة النساء اللاتي كنَّ يحملن في أرحامهن نطفاً إثر تعرضهن للاغتصاب مرات عدة.
هذه الفضيحة، رفض القاضي الأمريكي جيرالد بروس القضية بشأنها في ذلك الوقت، مستنداً إلى ثغرة حدوثها خارج حدود الولايات المتحدة الأمريكية!. ومع مرور هذه السنوات اعتقدنا أنَّ ملف تعذيب المعتقلين بهذه الوحشية والسادية قد أُغلق، إلا أنَّ معتقل “سيدي تيمان”- الواقع في صحراء النقب- كان الوجه الأقبح، ليس للكيان الإسرائيلي بل للولايات المتحدة الأمريكية، التي عادة ما تغض الطرف عن ممارسات الكيان الإسرائيلي، كما أنها لا تستطيع بأي حال من الأحوال ردع حكومة الاحتلال، أو إنفاذ أي عقوبة بحقها، فالعلاقة التي تربط الولايات المتحدة الأمريكية بالكيان المحتل سمحت له بضرب الاتفاقيات والمعاهدات الدولية عُرض الحائط، وسمحت له بأن يصف ساديته وانحطاطه الأخلاقي والقيمي بحق الفلسطينيين بأنه في سياق الدفاع عن النفس!.
وما نكأ جراحنا للحديث عن معتقل سيدي تيمان هي شهادة لأحد الأسرى المحررين، بثتها قناة الجزيرة بالأمس، وفيها حديث عن طريقة اعتقاله، وكيف تم ابتزازه بنجله ابن الأعوام الثلاثة ليسلم نفسه لجيش الاحتلال، دون أن توجه له أي تهمة! فكان هذا الأسير أحد الشهود على فظائع سجن سيدي تيمان، فخلال دقيقة- هي زمن الفيديو المصور- روى فظائع يشيب لها شعر الولدان، ويصعب على العقل أن يصدقها لولا أنها تُروى على ألسنة المعتقلين بالتفاصيل عينها، إلى جانب ما تسرّبه عدسات الكاميرات من داخل المعتقل على يد بعض الجنود، سواء كان سهواً أم عمداً.
فقد روى الأسير المحرر قصة تعذيب الأسير الغزي خليل سلامة، وكيف بتر عدد من الجنود المسؤولين عن حراسة السجن إحدى قدميه تعذيبا بالإزميل (أداة معدنية ذات حافة مائلة تستعمل لقطع الحجارة أو الخشب) والشاكوش، غير مكتفين بما قد يكون شفاء غليلهم، لينهالوا عليه ضربا بالعصي مخلفين له كسوراً بأضلعه، لا سيما وأنَّ تعذيب المعتقلين من قطاع غزة له بداية، أما نهايته فهي مرهونة بأنفاسهم التي عادة ما تزهق تحت وطأة التعذيب ضرباً أو شَبْحاً أو اغتصاباً.
فسجن سيدي تيمان- أو “غوانتانامو النقب”، كما أطلق عليه- هو سجن يقع في قاعدة عسكرية على بعد 30 كيلو مترا من قطاع غزة، وأُنشئ مباشرة بعد أحداث السابع من أكتوبر خصيصاً لمعتقلي غزة، ويمتد على مساحات واسعة، وهو مقسم إلى 4 أقسام لاحتجاز واعتقال الأسرى الغزيين، وفي كل قسم هناك 4 بركسات من صفيح وزينك أشبه بالحظيرة، وفي كل منها يتم احتجاز مئة معتقل، ويقبع المعتقلون في ظروف صعبة مقيدي الأيدي والأرجل ومعصوبي الأعين، في ظروف تنعدم فيها مقومات الحياة، ويرتفع فيها صوت اللاإنسانية واللاقيمية والانحطاط والسادية، ما يكشف عن كذب ادعاء إسرائيل بأنها دولة سلام، في ظل الممارسات الوحشية التي يمارسها الجنود بحق المعتقلين الفلسطينيين، فضلا عن الإهمال الطبي.
وخلال الإعداد للمقال وقع تحت يدي تحقيق بعنوان “دعونا نخبركم بما فعلناه بهم”، أعدته صحيفة هآرتس الإسرائيلية، ونقلت من خلاله شهادات مرعبة ومروعة من داخل سجن “سيدي تيمان” على ألسنة الجنود أنفسهم، إلا أنَّ ما لفتني هي الطريقة التي يتم فيها استدعاء جنود الاحتياط أو المتطوعين للعمل في هذا السجن، حيث يتم نشر إعلان إما عبر الفيسبوك أو عبر مجموعات تطبيق الدردشة “واتس آب”، ويقع قبول الشخص المتطوع عند اختبار مدى قدرته على ضرب وإهانة المعتقل، وبعدها يصدر إذن أحد المسؤولين بتعيينه هناك!.
من الشهادات التي تضمنها التحقيق، حديث أحدهم عن تجربته في الانضمام إلى الجنود في سيدي تيمان، عندما قرأ إعلاناً على الفيسبوك يدعو للانضمام إلى السجن، ليكون أحد المتطوعين للعمل به، إذ قال: “رغم خوفي، فإنني رغبت بخوض التجربة”، ليشير إلى مدى المتعة التي شعر بها عندما علم أنه يحق له تعذيب المعتقلين كيفما شاء، وأينما شاء، ومتى شاء!.
فهذه واحدة من مئات الشهادات التي جاءت على ألسنة المتطوعين أو جنود الاحتياط، يكشف صاحبها حقيقة مجتمعهم المريض والمتعطش للإرهاب والسادية، كما كشف انهيار منظومة القيم الغربية المنادية بمبادئ حقوق الإنسان، وكشف وجههم الحقيقي أمام العالم الذي امتثل لقانون الغاب في الحكم على الجرائم المقترفة الواحدة تلو الأخرى بحق الفلسطينيين، معتقلين كانوا أم طلقاء.
ختاما..
شهد سجن سيدي تيمان 36 حالة استشهاد لمعتقلين تحت التعذيب، كما واقتيد أكثر من 4500 غزي إلى هذا السجن، في ظروف اعتقال مخالفة للقانون الدولي، ورغم التنديد بالاعتداءات التي يتعرض لها الأسرى الفلسطينيون والمطالبة بإغلاقه، فإنَّ إسرائيل لا تزال تدعي النظر بالتماس قدمته إحدى المؤسسات الحقوقية لإغلاق السجن، وتماطل في أخذ القرار في ظل منعها عدداً من الوفود الحقوقية الوقوفَ على أوضاع المعتقلين، الأمر الذي ينمّ عن أنَّ ما خفي أعظم، وأنه ما زال هناك ما يخفيه الكيان المحتل خلف قضبان هذا السجن.
2 التعليقات
إرسال تعليق
تابعنا على حساباتنا
مقالات أخرى
خرافة اسمها الحب!
من البديهيات أن المشاعر جزء أصيل لدى الإنسان.. البعض قسمها إلى مشاعر إيجابية: كالحب، والسعادة، والرضا؛ وأخرى سلبية: مثل الغضب، والاشمئزاز، والخوف. غير أن علم النفس ذهب ليؤكد أن كل المشاعر لها جانبان، واحد سلبي وآخر إيجابي؛ فالغضب -مثلاً- يعد أحد أسوأ المشاعر الإنسانية...
الشكر.. دوامٌ للنعم في الدنيا وفوزٌ في الآخرة
أنعم الله تعالى وتفضّل على عباده بالكثير من النعم والأفضال؛ فمنها ما هو متعلق بالدين، ومنها ما هو متعلق بالدنيا.. وقال العلماء إن أعظم نعم الله -عز وجل- على الإنسان هي نعمة الهداية إلى الإسلام، وهو دين الله الذي اختاره وارتضاه للخلق في رسالة الرسول محمد ﷺ. ومن نعم...
الترامبية المتجددة وأمْوَلَة نظام الحكم في الولايات المتحدة
منذ أن بلور حكماء الإغريق قديما فكرةَ الديمقراطية قبل ستة وعشرين قرنا، وعزّزها فلاسفة التنوير بضوابط الحداثة السياسية في القرن الثامن عشر، ظلّت الحِكامة السياسية تتحرك داخل مثلث محتدم، يجمع بين الفضيلة السياسية وبقية أخواتها من الأخلاقيات والأهلية المعرفية من ناحية،...
لا حول ولا قوة الا بالله وحسبنا الله ونعم الوكيل.. مقال مؤلم يا أستاذه هديل
كلما شاهدنا أو قرأنا عن فظاعة ما يعانيه الأسرى في سجون الإحتلال نعتقد أن هذا الأسوأ و الأبشع على الإطلاق ، و لكن يبقى هذا العدو المتغطرس يتفنن في أساليب العذاب و الترويع لهذا الشعب الأعزل ، من أين لهم هذا الجبروت و هذه الغطرسه؟؟
كيف لا و مازلنا نغلق أعيننا و نصك أذاننا عن كل ما هو دائر على أرض المعركة .
لا أعرف إلى متى سيمتحن الله إيمان هؤلاء المرابطين ، و لكن أكاد أجزم بأنهم نجحوا في اختبارهم و نحن من أخفق ، أسأل الله أن يستعملنا و ألا يبدلنا .