الهجرات الجماعية بين الأمل والألم

بقلم: د. جاسم الجزاع

| 25 أغسطس, 2024

مقالات مشابهة

مقالات منوعة

بقلم: د. جاسم الجزاع

| 25 أغسطس, 2024

الهجرات الجماعية بين الأمل والألم

لا يمر يوم إلا ويعبر فيه مئات اللاجئين البحار والمحيطات بحثًا عن حياة آمنة ووظيفة، مثل ما يعانيه أغلب العرب من ترحال إلى دول الخليج وأوربا والغرب الأمريكي بحثاً عن فرصة وظيفة، وحياة تحفظ للإنسان حريته وكرامته، أو هروباً من جحيم الحروب والصراعات. وتعتبر هجرة اللاجئين السوريين، وما يعانيه الفلسطينيون في غزة وغيرها، من الأمثلة الواضحة على تلك المعاناة. ولكن، كيف يتوحد السلوك الجمعي الذي يدفع الجماعات إلى المخاطرة بالحياة، بحثًا عن حياة جديدة في مكان بعيد؟

منذ فجر التاريخ وحتى اليوم، والإنسان يرتحل من مكان إلى آخر، لذلك فإن الهجرات الجماعية هي ظاهرة قديمة قدم التاريخ الإنساني، وهذه الهجرات الجماعية تحركها دائمًا مجموعة من العوامل؛ منها العوامل الاقتصادية مثل الفقر والبطالة، ما يدفع الأفراد إلى البحث عن فرص عمل أفضل لتحسين مستوى المعيشة. وقد تكون لها أسبابها السياسية مثل الحروب والصراعات والثورات والانقلابات، كما يؤدي الاضطهاد الديني والعرقي إلى الهجرات الجماعية خارج البلاد، هروبًا من بطش السلطات الحاكمة.

كذلك كان للكوارث الطبيعية منذ العصور القديمة وحتى اليوم دور في حدوث الهجرات الجماعية، فقد تؤدي الزلازل والبراكين والفيضانات والسيول إلى انهيار المساكن وتدمير البنية التحتية، ما يجبر الناس على ترك منازلهم، والبحث عن أماكن أخرى أكثر أمانًا .

وفي ظل ما تشهده الكرة الأرضية الآن من احتباس حراري يؤدي إلى ارتفاع درجات حرارة الأرض، وذوبان الجليد، وارتفاع منسوب البحار، وتدهور قدرة الأرض على الإنتاج، قد يندفع الناس إلى البحث عن أماكن أكثر اعتدالًا، وأراضي أكثر خصوبة، وأماكن أكثر أمانًا واستقرارًا من غيرها.

والمتتبع لحركة الهجرات الجماعية يجد أن التاريخ العالمي قديمًا وحديثًا شهد العديد من الهجرات الجماعية، ومنها الهجرات اليهودية عبر العديد من قارات ودول العالم، بدءًا من خروج بني إسرائيل من مصر، والهجرة إلى بابل، والهجرة إلى بلاد الشام، وأوربا، والأميركتين.

ولقد شهدت الجزيرة العربية قبل وبعد الإسلام سجلًا حافلًا بالهجرات الجماعية؛ فقبل الإسلام كانت الهجرات الجماعية أمرًا شائعًا بسبب الظروف المناخية القاسية، والبحث عن الماء والكلأ، والصراعات القبلية، لذلك هاجرت قبائل عديدة من جنوب شبه الجزيرة العربية إلى الحجاز ونجد والشام والعراق. وبعد ظهور الإسلام شهدت الجزيرة العربية حركة هجرات واسعة، ويأتي على رأسها الهجرة النبوية المشرفة إلى المدينة المنورة، وبعد الفتوحات الإسلامية هاجرت قبائل عديدة من الجزيرة العربية إلى بلاد الشام والعراق ومصر وشمال أفريقيا وبلاد الأندلس.

وفي القرنين السادس عشر والسابع عشر الميلاديين، شكلت هجرة الأوربيين إلى الأميركتين واحدة من أكبر الحركات السكانية عبر التاريخ، فقد هاجر ملايين الأوربيين إلى الأميركتين بحثًا عن الثروات، وتأسيس المستعمرات، وهروبًا من الاضطهاد الديني. ويُعتبر تهجير الأوربيين للأفارقة إلى الأميركتين للعمل في المزارع الأوربية كعبيد واحدة من أكبر الهجرات القسرية في التاريخ.

وقد أدت الحرب الأهلية في سوريا إلى هجرة ملايين السوريين إلى دول الجوار مثل الأردن ولبنان وتركيا وبعض الدول الأوربية. وشكلت الصراعات المسلحة والحروب الدامية في الصومال وجنوب السودان دافعًا لهجرة ملايين الأفارقة إلى أوربا.

ومن خلال استقراء ما جرى نجد أنه من واجب الأجهزة النافذة والفاعلة معرفة ما لهذه الهجرات من مآسٍ و كوارث على المسيرة الإنسانية، ومعرفة الأوجب المتمثل في الدعوة إلى تطبيقات عادلة تحد من هجرة العقول والأيدي العاملة الوطنية من البلد الأم، وأن تبقى فائدتهم لأوطانهم .

0 تعليق

إرسال تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابعنا على حساباتنا

مقالات أخرى

البنتاغون يتوقع اضطرابات كبيرة مع عودة ترامب إلى البيت الأبيض

البنتاغون يتوقع اضطرابات كبيرة مع عودة ترامب إلى البيت الأبيض

تتزايد المخاوف في أوساط البنتاغون بشأن عودة الرئيس المنتخب دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، حيث يُخشى أن يسعى لتنفيذ وعود انتخابية قد تؤدي إلى تداعيات خطيرة على الجيش الأمريكي، الذي يُعرف بحياده السياسي. من بين هذه المخاوف، توجيه الجيش للعمل داخل الولايات المتحدة،...

قراءة المزيد
اِجعل لكَ خبيئة!

اِجعل لكَ خبيئة!

خرج المسلمون يوماً لقتال الروم، فلما التقى الجيشان خرجَ فارس من جيش الروم يطلب المبارزة، فخرج له رجل ملثَّم من جيش المسلمين فبارزه حتى قتله! ثم خرج فارس آخر من جيش الروم يطلب المبارزة، فخرج إليه الرجل الملثم نفسه من جيش المسلمين فبارزه حتى قتله! ثم خرج فارس ثالث من...

قراءة المزيد
خرافة اسمها الحب!

خرافة اسمها الحب!

من البديهيات أن المشاعر جزء أصيل لدى الإنسان.. البعض قسمها إلى مشاعر إيجابية: كالحب، والسعادة، والرضا؛ وأخرى سلبية: مثل الغضب، والاشمئزاز، والخوف. غير أن علم النفس ذهب ليؤكد أن كل المشاعر لها جانبان، واحد سلبي وآخر إيجابي؛ فالغضب -مثلاً- يعد أحد أسوأ المشاعر الإنسانية...

قراءة المزيد
Loading...