
أنا والأشجار
بقلم: إبراهيم عبد المجيد
| 18 يونيو, 2024

مقالات مشابهة
-
أما آن للوزيرة الألمانية أن تهمد؟!
أخيراً تحقق لها المراد! فقد صافحت الوزيرة...
-
غزة وجدليَّتا النصر والهزيمة
على مدى ما يقارب ٤٧١ يوماً، وقفت غزة وحيدةً...
-
سوريا وثورة نصف قرن
سيسجل التاريخ أن يوم ٨ ديسمبر ٢٠٢٤م يوم مفصلي...
-
خطر الدوغمائية على مآل “الميثاق الغليظ” في المغرب!
يزداد انشغالي فكريًّا ووطنيًّا بما سيثيره مشروع...
-
ماذا عن القرار العباسي بإغلاق مكتب الجزيرة؟!.. يا لك من نتنياهو!
فعلها محمود عباس (أبو مازن)، وأكد عندما فعلها...
-
وقد استجاب القضاء لدعوة الرئيس.. ماذا ينتظر المستأجرون؟!
ذكّرني القول إن المحكمة الدستورية العليا في مصر...
مقالات منوعة
بقلم: إبراهيم عبد المجيد
| 18 يونيو, 2024
أنا والأشجار
لكل واحد فينا حياة مع الأشجار.. طفلاً يصحبه والداه أو أحدهما إلى الحدائق، ثم شابّاً يذهب إلى الحديقة مع حبيبته، ثم أباً يذهب إليها مع زوجته وأولاده. هذه الحياة مع الأشجار تشكل نمطا عاديا في الحياة، لا ينتبه أحد إلى ضرورتها إلا حين يتعذر الذهاب إليها؛ وتترك الحدائق أثرها في الأطفال أكثر حين تكون خاصة بالحيوانات التي يداعبها الأطفال، أو خالية من الحيوانات فيتفرجون على الزهور ويلعبون بها الكرة وغيرها، ويمضون يومهم مع أهلهم سعداء.
عرفت مبكرا ثقافة الحدائق، وكيف كانت مع الخديوي إسماعيل وأبنائه بعده في العصر الحديث.. صرت كلما ذهبت إلى باريس أزور حدائق التويلري، لا لأراها فقط وأستريح فيها، لكن لأتذكر أن حديقة الأورمان في مصر أنشئت على نظام وشكل التويلري في تنوع أشجارها وزهورها الكبير. يذكّرني ذلك بالثقافة التي سادت وقتها، وهي أن أوربا والبحر المتوسط هما وجهنا إلى العالم، وليس الصحراء شرقا أو غربا.. لم يأتِ هذا من فراغ، فحين احتل اليونان ثم الرومان مصر كانت الإسكندرية يونانية المنشأ هي عاصمة العالم ومركز ثقافته.
رغم أي قهر وقع على المصريين – وما أكثره- فلقد كانت أسرة محمد علي وأبنائه تعرف وجه مصر الحقيقي في الثقافة، الوجه المتوسطي الذي كتب عنه طه حسين كتابه الرائع “مستقبل الثقافة في مصر”، وهو الكتاب الذي طالما طالبتُ وزارة التربية والتعليم أن تقرره على طلبة المدارس الثانوية بلا فائدة؛ كانت تعرف أنه سياتي يوم لا تكون فيه مدارس، بل “سناتر” أو مراكز دروس خصوصية خارج المدارس، وهو ما يحدث الآن.
الحقيقة أن حكامنا أفضل منّا فهماً للمستقبل الذي يضيعونه تماما في الثقافة التي تهمني.. ما يحدث في السياسة من تراجع سيتم تصحيحه بقرارات في يوم ما، سيأتي مهما بدا بعيدا، لكن تصحيح المسار المعوج في الثقافة يحتاج عشرات السنين. الثقافة – للأسف- صارت غريبة في بلادنا بين الحكام .. لماذا أقول ذلك؟ الأسباب كثيرة، لكني سأعود إلى ما بدأت به، وهو الحدائق والأشجار.
تتعرض الأشجار في مصر منذ سنوات قليلة إلى مذابح كبرى لا يعرف سرها أحد، رغم ما نسمعه عن خطط زراعة الملايين منها.. انتشر الحديث عن هذا الآن بسبب موجة الحر الرهيبة التي تمر بالبلاد، والكلام عن أن أحد أسباب الحر هو قطع الأشجار، لما لها من قدرة عظيمة على امتصاص التلوث في الجو وترطيبه. طبعا هناك من يدافع عن الحكم بالقول إن تغير المناخ شمل العالم كله، لكنه لا يقول إننا أضفنا إليه بقطع الأشجار، بعد ردم البحيرات من قبل وإغلاق الشواطئ.
صور الأشجار القديمة التي يتم تقطيعها في المدن والقرى شمالا وجنوبا لا يمكن تخيلها، هذا بالإضافة إلى ما يجري في العاصمة.. طرق كاملة وشواطئ أزيلت أشجارها! أشاعوا في البداية أنها تحجب المجال أمام كاميرات التصوير، ولا أدري كيف، حتى وصلنا إلى أن الخشب يتم بيعه بعد حرقه إلى المقاهي بدلا من الفحم لاستخدامه في تدخين الشيشة.. كلام كثير لا يصدقه عقل، وليس هناك مسؤول يقدم سببا مقنعا، لكنها لجان حمقاء ترد بالحماقات والأكاذيب، فتنشر على سبيل المثال صورا لنخيل لا أعرف ما هي علاقته بالنخيل الذي عرفناه مورقا ومثمرا، أو حتى مورقا فقط.. نخلهم أشبه بصور الكاريكاتير! نقرأ أنه يتم إقامة أكبر حديقة في العالم بالعاصمة الإدارية، فهل يعني ذلك قطع أشجار بقية المدن مثلا؟! نحن ننتظر الآن تطوير حديقة الحيوان والأورمان بالقاهرة، وحديقة أنطونيادس بالإسكندرية.
لقد تم – كما يقال- تطوير حدائق قصر المنتزه بالإسكندرية، واتضح أن كثيرا من الأشجار العتيقة قد أزيلت من أجل طرق ومحلات.. حدائق المنتزه تعود إلى أواخر القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين، أقامها الخديوي عباس حلمي الثاني، وأضاف إليها الملك فؤاد ثم فاروق. لن أحدثك عن مساحتها ولا مساحة أي حديقة، فكل شيء متاح على السوشيال ميديا.
أما حديقة أنطونيادس التي يتحدثون عن تطويرها الآن، فهي أقدم حدائق العالم في الإسكندرية تعود إلى العصر البطلمي؛ كانت قد تدهورت فجعلها محمد علي باشا مثل حدائق قصر فرساي الفرنسي، وأضاف إليها أبناؤه، وأقيم بها القصر العظيم الذي آل إلى ملكية البارون اليوناني أنطونيادس فصارت باسمه، ثم صارت لمصر.. لن أحدثك عن زهورها التي لا تقل عن زهور حدائق الأورمان، ولا عن النشاط الفني الذي يتم فيها، وغيره كثير.
حديقة الحيوان بالجيزة بمصر تأسست عام 1891 وكانت تسمي جوهرة التاج لحدائق الحيوان في أفريقيا والشرق الأوسط، هي مغلقة الآن مثل الأورمان للتطوير، الكلمة التي صارت تعني كباري ومحلات فول وفلافل.
حياتي مع الأشجار لا تختلف عن غيري، لكني عام 1908 نشرتُ رواية بعنوان “قبل أن أنسى أني كنت هنا” عن الأشجار التي تركت البلاد في مصر.. كل شجرة وقف تحتها يوما شاب أو فتاة، أو زرعها في بلده بعيدا عن القاهرة، واستشهد في أيام ثورة يناير 2011، أو بعدها في أيام الجُمَع الصاخبة في شوارع مثل محمد محمود، طارت من البلاد حزنا على الشاب أو الفتاة اللذين وقفا تحتها يوما.. لم أرَ حزنا في الدنيا يفوق حزن الأشجار، حتى في الخيال.
في الحقيقة، نحن نعرف أن الشجرة عادة لا تثمر بعد موت صاحبها، عشنا ذلك ورأيناه وما زلنا نراه، خاصة حين يكون قد زرعها في بيته، فيراها وتراه كل يوم، يسقيها من الماء وتعطيه من الظل والسعادة والفاكهة؛ ثم يتوقف إنتاج الشجرة من الفاكهة وتذبل بعد وفاته.. ربما كان هذا وراء خيالي بصعود الأشجار إلى السماء حزنا على الشباب الشهداء الذين زرعوها، أو ظللتهم في أيام الحب والأمل. كان بطل الرواية شاعرا، ومما كتبه في الرواية:
وضعني الهدهد على أطراف مدينة لا أعرفها
ما إن دخلتها حتى صارت الأشجار تطير أمامي
لماذا تفعل بي ذلك أيها الهدهد؟
أنا لا أفعل بك أي شيء
الأشجار ستحمل الحزن معها
لا تحزن حين تترك الأرض ومن عليها
الإنسان لا يعيش على خطيئة
الأشياء تنتقم حين يعجز البشر
خراب في خراب في خراب بلادكم
لكنْ في الرواية، الأشجار هي التي تفارق البلاد حزنا على الشهداء ولا يخلعها أحد! أحيانا أقول لنفسي ساخرا لعل أحدا من قاطعي الأشجار قرأ الرواية، فقال نقطعها نحن قبل أن تتركنا ونستفيد من أخشابها، لكن يظل السؤال: كيف انتهت النظرة إلى حضارة البحر المتوسط إلى هذه النهاية؟
أعرف أن مصر انتهت من العمارة المتوسطية، وصارت العمارات الجديدة عشوائيات.. العشوائيات ليست في البنايات الفقيرة فقط، لكن حين يتم بناء عمارة من خمسة عشر طابقا في شارع عرضه ستة أمتار فهي العشوائية نفسها. يضحكون علينا فيقولون إنه هكذا تكون البنايات في دبي وإمارات الخليج، ولا يرون اتساع شوارع هذه البلاد رغم صغر مساحتها مقارنة بمصر أو حتى مدنها، ولا ما تفعله هذه البلاد من زراعة الأشجار.. أرى ذلك حين أسافر إلى إحدى الإمارات، وأشعر بالحزن علينا.. سياسة تخضير البلاد في المملكة العربية السعودية مثلا مذهلة، ولمن يشك في كلامي فلديه السوشيال ميديا ينظر ويرى.
للأسف، لا أحد يعرف سر قطع الأشجار في مصر، وليس من تفسير مقنع إلا أنه تخريب متعمد، فلا سعر أخشابها لو تم تصديرها سيسدد ديوننا، ولا المقاهي في حاجة إلى الأخشاب المحروقة لتناول الشيشة.
تابعنا على حساباتنا
مقالات أخرى
رسالة إلى أمريكا
وقف مراسل شبكة CNN الإخبارية بمنطقة "أيتون" شرقي مدينة لوس أنجلوس الأمريكية، مرتدياً قناعاً واقياً من الغاز، قام بإزاحته عن وجهه، بعد أن طلبت منه المذيعة في داخل الاستوديو أن يصف لها ما يحدث على الأرض. بعيون دامعة، ووجه شاحب مكفهر، تحدث بأسى عن جحيم مروع، تشهده ولاية...
أما آن للوزيرة الألمانية أن تهمد؟!
أخيراً تحقق لها المراد! فقد صافحت الوزيرة الألمانية أنالينا بيربوك الوزيرَ السوري أسعد الشيباني في الرياض، بعد الضجة الكبرى لعدم مصافحة أحمد الشرع لها، والاكتفاء بالترحيب بها بوضع يده مبسوطة إلى صدره! وكما كان عدم المصافحة في دمشق خبرَ الموسم في الإعلام الغربي، فقد...
غزة وجدليَّتا النصر والهزيمة
على مدى ما يقارب ٤٧١ يوماً، وقفت غزة وحيدةً صامدةً تواجه مصيرها، كآخر بقعة تتموضع عليها القضية الفلسطينية، بعد أن تم تدجين العالم العربي كله وصولاً إلى تدجين فلسطين نفسها بقيادة أكثر صهيونية من الصهيونية نفسها، لا هدف لها سوى أن تُنسي الفلسطينيين والعالم كله شيئاً...
0 تعليق