لحن العقل.. ولحن القول!

بقلم: علي المسعودي

| 30 أكتوبر, 2024

مقالات مشابهة

مقالات منوعة

بقلم: علي المسعودي

| 30 أكتوبر, 2024

لحن العقل.. ولحن القول!

وإن كنت من أشد المتحمسين للمتنبي، إلا أنني لا أميل كثيراً لعبارة إن الشعر (افتُتح بكِِندي وانتهى بكِندي) وإن كنت أستأنس بها لإغاظة بعض حسّاد أبي الطيّب..

وقد قال بعض النقاد إنّ من سقطاته قوله:

‏(وضاقت الأرضُ حتى صار هاربُهم

‏                       إذا رأى غيرَ شيءٍ ظنّه رجلا)‏

‏و “غير شيء” معناه المعدوم، والمعدوم لا يُرى!

لكن وجهة النظر الأخرى تقول، إن الخائف يتخيل الفراغ شيئا.. فأحسن أبوالطيب حين جعل الانسان يشعر بالمعدوم من شدة اليأس

وقال آخرون:

إنّ العرب تعبّر عن الشيء ليس له قيمة بأنه (لاشيء) ‏

 المهم أن لكل شاعر جمهور محب، ونقّاد.. وحسّاد، ومن أساسيات تذوق الشعر وتلمّس جمالياته.. تقبل الآراء المخالفة، والنظر من زوايا عدة.. فبيت الشعر مثل بيت السكن له إطلالات على جهات مختلفة.. ولايمكن الإحاطة بالمعنى إلا بالدوران الكامل حول المكان (المعنى).

والشاعر قد يقول شيئا.. فيخرج في معناه أشياء أخرى لايعنيها أو لم ينتبه لها بل فرضها الوعي الباطن، حتى إنّ المتنبي نفسه قال :

(“ابن جنّي” أعلم بشعري منّي)

ومن ذلك أنّ أبا نواس مرّ على معلّمِ يشرح لطلابٍ أبياته التي مطلعها (ألا فاسقني) ..

‏فتعجب أبونواس وقال:

(والله لقد فهم أبياتي أكثر منّي)

وقد يهمّ الشاعر بقريض يخبئ فيه ماهو وبال عليه، فالعقول الراصدة تراود الكلِم حتى تستخرج منه معنى باطناً لم يكن ليظهر لولا تلك المراودة.

قال صالح بن حسان، للهيثم بن عدي: أعلمت أن النابغة الذبياني كان مخنّثا؟
فقال: ما علمت ولا سمعت!

قال: فكيف قلت؟ قال لقوله: سقط النّصيف ولم ترد إسقاطه، (البيتين) والله ما يحسن هذه الإشارة إلا من فيه طباع أنثى!! فسمع ذلك رجل من قيس فقال:
بل صاحبك الأعشى هو المخنّث حيث يقول:

قالت هريرة لما جئت زائرها:

ويلي عليك وويلي منك يا رجلُ!!

.. 

وهذا من النقد الجائر ، وإن كان على الشاعر أن يحصّن نفسه من كل الجهات ويضع المتاريس حول معناه من كل الجهات، فإن لحن العقل أشد وقعاً من لحن القول..

وربما قصّد الشاعر مديحا، فاتّفق منه هجو، ومنه أنّ شعروراً جاء إلى زبيدة  فأنشدها يقصد مدحها:

(أزبيدة بنت جعفر 

طوبى لزائرك المثاب

تعطين من رجليك ما 

تعطي الأكفّ من الرغاب)

فوثب إليه الخدم ليضربوه فمنعتهم، وقالت: إنه قصد مدحاً وأراد ما يقول الناس “شمالك أجود من يمينك”، فظنّ أنه إذا ذكر الرّجل كان أبلغ، وقد حمدنا ما نواه وإن أساء فيما أتاه.

لكن شعراء القلطة الشعبيين يلجؤون إلى حيل كلاميّة ظاهرها المدح وباطنها الذم. ومن ذلك قول الشاعر فيصل الرياحي لأحد منافسيه:

( خلك غالي خلك غالي

وانزل في منزالٍ عالي)

وكذلك قول أحد شعراء قبيلة المرة لشاعر قابله في الملعبة:

(ياشاعر بين جمع الناس بنت)

ففي الكلام معنى مُعلن ومعنى خفيّ لا يخفى على ذي لب!

علي-المسعودي

كاتب له مؤلفات في الشعر والنقد والقصة

0 تعليق

إرسال تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابعنا على حساباتنا

مقالات أخرى

رسالة إلى أمريكا

رسالة إلى أمريكا

وقف مراسل شبكة CNN الإخبارية بمنطقة "أيتون" شرقي مدينة لوس أنجلوس الأمريكية، مرتدياً قناعاً واقياً من الغاز، قام بإزاحته عن وجهه، بعد أن طلبت منه المذيعة في داخل الاستوديو أن يصف لها ما يحدث على الأرض. بعيون دامعة، ووجه شاحب مكفهر، تحدث بأسى عن جحيم مروع، تشهده ولاية...

قراءة المزيد
أما آن للوزيرة الألمانية أن تهمد؟!

أما آن للوزيرة الألمانية أن تهمد؟!

أخيراً تحقق لها المراد! فقد صافحت الوزيرة الألمانية أنالينا بيربوك الوزيرَ السوري أسعد الشيباني في الرياض، بعد الضجة الكبرى لعدم مصافحة أحمد الشرع لها، والاكتفاء بالترحيب بها بوضع يده مبسوطة إلى صدره! وكما كان عدم المصافحة في دمشق خبرَ الموسم في الإعلام الغربي، فقد...

قراءة المزيد
غزة وجدليَّتا النصر والهزيمة

غزة وجدليَّتا النصر والهزيمة

على مدى ما يقارب ٤٧١ يوماً، وقفت غزة وحيدةً صامدةً تواجه مصيرها، كآخر بقعة تتموضع عليها القضية الفلسطينية، بعد أن تم تدجين العالم العربي كله وصولاً إلى تدجين فلسطين نفسها بقيادة أكثر صهيونية من الصهيونية نفسها، لا هدف لها سوى أن تُنسي الفلسطينيين والعالم كله شيئاً...

قراءة المزيد
Loading...