
انهيار النظام النووي
بقلم: مدونة العرب
| 20 سبتمبر, 2024

مقالات مشابهة
مقالات منوعة
بقلم: مدونة العرب
| 20 سبتمبر, 2024
انهيار النظام النووي
إن خطر اندلاع حرب نووية هو الأكثر قربًا منذ نهاية الحرب الباردة، ويرجع السبب في ذلك إلى التهديدات والتدريبات النووية المستمرة التي تطلقها روسيا أثناء الحرب في أوكرانيا، إلا أن روسيا ليست وحدها السبب في ذلك، فقد تدفع التوترات في الشرق الأوسط إيران إلى تسريع سعيها المشبوه إلى برنامج للأسلحة النووية.
وتستمر كوريا الشمالية في تحديث وتوسيع ترسانتها النووية، وكذلك فإنه في حالة فوز دونالد ترامب بولاية ثانية، قد تعود الولايات المتحدة إلى إجراء التجارب النووية أيضًا، حسب اقتراح مستشار الأمن القومي السابق لترامب روبرت أوبراين هذا الصيف. إن هذه التطورات مجتمعة تمثل تحديًا للمؤسسات والقواعد، والمحرمات التي منعت استخدام الأسلحة النووية منذ قصف هيروشيما وناغازاكي في عام 1945.
تآكل النظام النووي لا يحدث بصورة تلقائية، فالزعماء الاستبداديون -خاصة في الصين وإيران وكوريا الشمالية وروسيا- غالبًا ما يعملون بتنسيق، كجزء من السعي إلى تقويض النظام الدولي القائم، وتحدي المعايير المتعلقة بحقوق الإنسان والحدود الدولية، ومعايير الأسلحة النووية، وعلى الرغم من نجاح الجهود الدبلوماسية العالمية الرامية إلى إرساء معايير استخدام الأسلحة النووية، لم يعد بوسع العالم أن يفترض أن الأسلحة النووية لن تُستخدم في صراع تقليدي.
الانهيار النووي
إن معايير الأسلحة النووية هي في الأساس خارطة طريق، ويمكن تجسيدها من خلال هيئات، مثل معاهدة منع الانتشار النووي لعام 1968، ومعاهدة الحظر الشامل للتجارب النووية لعام 1997، ومع ذلك فهي تتعرض للانتهاك بشكل مستمر.
في النظام النووي، يمكن للمعايير أن تمنع الدول من استخدام الأسلحة النووية من خلال آليات مقيدة، تعتمد على الرفض الأخلاقي والسياسي واسع النطاق للأسلحة النووية لتثبيط استخدامها، ويمكن أيضًا للمعايير إجبار الدول على الالتزام بموجب المعاهدات المتضمنة آليات واضحة.
وجدت دراسة حديثة أن المعايير التي تحظر إجراء التجارب النووية، والتي كانت راسخة منذ منتصف القرن العشرين، تتعرض لتحدٍ متزايد بسبب مجموعة من العوامل، كما توجد نقطة ضعف متعلقة بالترابط بين المعايير؛ فإذا انتهكت إحدى المعايير، مثل تلك التي تحظر إجراء التجارب النووية، فقد تتعرض معايير أخرى، بما في ذلك عدم استخدام الأسلحة النووية وعدم انتشارها، للانتهاك أيضًا، وعلى هذا فإن رفض معيار نووي واحد قد يحفز رفض النظام النووي بأكمله.
وعلى الرغم من أن غالبية الدول الـ(187) الموقعة على معاهدة الحظر الشامل للتجارب النووية تلتزم بقاعدة منع التجارب النووية، فإن المعاهدة لم تدخل حيز النفاذ حتى الآن، لأن بعض الدول ذات القدرات النووية لم تصدق عليها حتى الآن، بسبب المخاوف الاستراتيجية والتكنولوجية، بما في ذلك المخاوف من أن ضمان الالتزام بها سيكون صعبًا، وأن بعض الموقعين قد لا يلتزمون بشروط المعاهدة.
وإذا استمرت الأعراف النووية في الانهيار، فقد يصبح العالم مكانًا أكثر خطورة، فالتجارب النووية المتكررة- على سبيل المثال- قد تؤدي إلى نتائج إنسانية وبيئية مدمرة، ولنتذكر هنا أن التجربة الأمريكية لسلاح نووي عالي القوة في عام 1954 على جزيرة بيكيني أتول في جزر مارشال أدى إلى اختفاء ثلاث جزر، وتلويث خمس عشرة جزيرة أخرى، وتسبب في ظهور أورام الغدة الدرقية بين السكان.
عمل جماعي
إن الدول الأربعة، روسيا والصين وكوريا الشمالية وإيران، المشتركة بمعارضتها للنظام العالمي الذي يهيمن عليه الغرب، مصرّة على تحدي المعايير النووية الرئيسية الثلاث، وهي تعتمد على الأسلحة النووية -والخوف من تلك الأسلحة- لتحقيق أهدافها الإقليمية والاستراتيجية، وكلها على استعداد لتقويض النظام النووي للقيام بذلك.
هدّدت كل من روسيا وكوريا الشمالية باستخدام الأسلحة النووية في السنوات الأخيرة، إذ صرّح الرئيس بوتين في فبراير/شباط 2024 أن الدول الغربية “يجب أن تدرك أننا نمتلك أيضًا أسلحة يمكنها ضرب أهداف داخل أراضيها”. كما هدد زعيم كوريا الشمالية كيم جونغ أون مرارًا وتكرارًا باستخدام الأسلحة النووية بشكل استباقي، وكذلك تعمل الصين على توسيع ترسانتها النووية بسرعة بينما تعارض محادثات ضبط الأسلحة.
وقد عارضت إيران قواعد منع الانتشار النووي، حيث طورت مكونات رئيسية لبرنامج أسلحة نووية، يناقض مزاعم طهران عن برنامج نووي سلمي، وأصبح من الصعب إيقافه بعد انسحاب الولايات المتحدة عام 2018 من الاتفاق النووي، والذي كان يهدف إلى الحدّ من برنامج الأسلحة الإيراني مقابل تخفيف العقوبات.
كما رفضت كوريا الشمالية القيود المفروضة على الانتشار النووي من خلال انسحابها من معاهدة حظر الانتشار النووي عام 2003، وتطويرها اللاحق للأسلحة النووية وتكنولوجيا الصواريخ، وتجربتها النووية الحرارية في عام 2017، وتحديها للعقوبات الدولية.
ومن الجدير بالذكر أن الأنظمة الاستبدادية ليست الوحيدة التي تحدت المعايير النووية، فقد خالفت الولايات المتحدة أيضًا المعايير العالمية عندما رفضت التصديق على معاهدة الحظر الشامل للتجارب النووية عام 1999، كذلك فإن المستشارين السياسيين في كوريا الجنوبية اقترحوا تطوير برنامج مستقل للأسلحة النووية.
على حافة الهاوية
إن النظام النووي في خطر، ولا يمكن لأي دولة أن تحافظ عليه بمفردها، لذلك يجب على الولايات المتحدة أن تعطي الأولوية لمجموعتين من الشراكات الدولية القادرة على فرض المعايير النووية في هذه البيئة المتشابكة.
أولًا، يتعين على واشنطن أن توسع علاقاتها مع بلدان الجنوب العالمي، حيث إن العديد منها ستكوّن شركاء مستعدين لمواجهة الدول المنتهكة لمعايير الأنشطة النووية، إذ إن بلدانًا مثل المكسيك أعربت عن مخاوفها بشأن التآكل الأخير للنظام النووي، بما في ذلك مخاطر انتشار السلاح النووي. وسعى كل من الرئيس الصيني شي جين بينغ ورئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي إلى تقييد بوتين، وتذكير الرئيس الروسي بأن استخدام الأسلحة النووية في الحرب مع أوكرانيا سيكون غير مقبول.
إن التهديدات للنظام النووي توفر فرصة لبناء الإجماع الدولي، وقد يتطلب بناء الإجماع محادثات صعبة حول المخاوف من أن الولايات المتحدة لا تفي بمسؤولياتها تجاه النظام النووي، فهي من بين مجموعة من الدول التي وقعت على معاهدة الحظر الشامل للتجارب النووية ولكنها فشلت في التصديق على المعاهدة. ومع ذلك، ينبغي أن يكون أحد أهداف هذه الحوارات إثبات أن الدول التي تمتلك الأسلحة النووية ليست متساوية، ولا ينبغي التعامل معها باعتبارها كتلة واحدة في الدبلوماسية الدولية.
إذ تلوم العديد من الدول غير النووية جميع الدول النووية على قدم المساواة في تآكل المعايير النووية، دون الانتباه إلى السلوكيات الأكثر خطورة، مثل تهديد روسيا بالسلاح النووي في أوكرانيا. حيث إن التعامل مع الدول النووية بشكل فردي يمكن أن يساعد في عزل السلوكيات المسؤولة عن السلوكيات غير المسؤولة، وتشكيل ضغط على تلك الدول التي تتحدى معايير النظام النووي بشكل مستمر.
ثانيًا، يجب دعم المعايير النووية القائمة من خلال تعزيز الشراكات مع حلفاء الولايات المتحدة في حلف شمال الأطلسي وفي منطقة المحيطين الهندي والهادئ، كذلك فإن الخطوات الرامية إلى تعزيز معيار واحد قد تضعف بشكل غير مباشر معايير أخرى. على سبيل المثال، قد يعمل الردع النووي ضد التصعيد على تعزيز عدم الاستخدام وعدم الانتشار لأن زيادة الأمن تقلل من حاجة القوى غير النووية لتطوير قدرات نووية مستقلة، كما يمكن للولايات المتحدة على سبيل المثال أن تشجع اليابان -الدولة الوحيدة التي شهدت دمارا بالأسلحة النووية في الحرب العالمية الثانية- على تسهيل الحوار بين الدول المسلحة نوويًا والدول غير النووية لصالح الحفاظ على معايير الأنشطة النووية.
وأخيرًا، يجب على الولايات المتحدة أن تستمر بالاستثمار في تحالفاتها، وتوسيع التزامها بالردع، والانخراط في حوار صادق مع الدول النووية وغير النووية على حدّ سواء، وتوضيح المخاطر إذا استمر الانزلاق الحالي. إن النظام النووي ينهار بهدوء، وأي خرق في أحد ركائزه قد يؤدي إلى تقويضها جميعا بشكل كارثي.

كاتب ومحرر
مهتم بالقضايا العربية والإسلامية
تابعنا على حساباتنا
مقالات أخرى
رسالة إلى أمريكا
وقف مراسل شبكة CNN الإخبارية بمنطقة "أيتون" شرقي مدينة لوس أنجلوس الأمريكية، مرتدياً قناعاً واقياً من الغاز، قام بإزاحته عن وجهه، بعد أن طلبت منه المذيعة في داخل الاستوديو أن يصف لها ما يحدث على الأرض. بعيون دامعة، ووجه شاحب مكفهر، تحدث بأسى عن جحيم مروع، تشهده ولاية...
أما آن للوزيرة الألمانية أن تهمد؟!
أخيراً تحقق لها المراد! فقد صافحت الوزيرة الألمانية أنالينا بيربوك الوزيرَ السوري أسعد الشيباني في الرياض، بعد الضجة الكبرى لعدم مصافحة أحمد الشرع لها، والاكتفاء بالترحيب بها بوضع يده مبسوطة إلى صدره! وكما كان عدم المصافحة في دمشق خبرَ الموسم في الإعلام الغربي، فقد...
غزة وجدليَّتا النصر والهزيمة
على مدى ما يقارب ٤٧١ يوماً، وقفت غزة وحيدةً صامدةً تواجه مصيرها، كآخر بقعة تتموضع عليها القضية الفلسطينية، بعد أن تم تدجين العالم العربي كله وصولاً إلى تدجين فلسطين نفسها بقيادة أكثر صهيونية من الصهيونية نفسها، لا هدف لها سوى أن تُنسي الفلسطينيين والعالم كله شيئاً...
0 تعليق