بوتين لن يستسلم في حرب أوكرانيا

بقلم: مدونة العرب

| 5 سبتمبر, 2024

بقلم: مدونة العرب

| 5 سبتمبر, 2024

بوتين لن يستسلم في حرب أوكرانيا

بعد مرور عامين ونصف منذ غزو روسيا لأوكرانيا، تبقى استراتيجية الولايات المتحدة لإنهاء الحرب كما هي، فرض تكاليف كبيرة على روسيا حتى يقرر رئيسها فلاديمير بوتين وقف الصراع.

وفي محاولة لتغيير حسابات التكاليف والفوائد، حاولت واشنطن إيجاد أفضل موقع بين دعم أوكرانيا ومعاقبة روسيا من ناحية، والحدّ من مخاطر التصعيد من ناحية أخرى. وبقدر ما قد يبدو هذا النهج عقلانيًا، فإنه يرتكز على افتراض خاطئ، وهو إمكانية تغيير موقف بوتين.

تشير الأدلة إلى أنه لا يمكن إقناع بوتين ببساطة فيما يتعلق بأوكرانيا، لأنه متمسك بكل شيء. وبالنسبة له، فإن منع أوكرانيا من التحول إلى معقل متقدم للغرب يمكن استخدامه لتهديد روسيا يشكل ضرورة استراتيجية، وقد تحمّل المسؤولية الشخصية لمنع ذلك، ومن المرجح أن يرى أن تحقيق هذه النتيجة يستحق أي ثمن تقريبًا، ومحاولة إرغامه على الاستسلام ليست أكثر من ممارسة عقيمة لا تؤدي إلا إلى إهدار الأرواح والموارد.

لا يوجد سوى خيار واحد قابل للتطبيق لإنهاء الحرب في أوكرانيا بشروط مقبولة للغرب وكييف، وهو الانتظار حتى يرحل بوتين.. وفي ظل هذا النهج، سوف تتمسك الولايات المتحدة بالموقف في أوكرانيا، وتُبقي على العقوبات ضدّ روسيا مع تقليص مستوى القتال وحجم الموارد المنفقة إلى الحدّ الأدنى، حتى يموت بوتين أو يترك منصبه، وعندئذ فقط سوف تتاح الفرصة لإحلال السلام الدائم في أوكرانيا.

بوتين الانتهازي

عندما أمر بوتين باجتياح أوكرانيا كان قرار الحرب اختياريًّا؛ لم يكن هناك تهديد أمني عاجل لروسيا، يستلزم غزوًا واسع النطاق لجارتها. لاحظ كل من ويليام بيرنز، مدير وكالة المخابرات المركزية الأمريكية، وإريك جرين، مدير مجلس الأمن القومي لشؤون روسيا في ذلك الوقت، كيف بدا أن المسؤولين الروس الآخرين خارج إطار القرار الذي اتخذه بوتين.

ولأنها حرب اختيارية، فإن بوتين يملك القدرة على وقفها، وبعد أن أدرك أن المناورة أثبتت أنها أصعب مما توقع، فقد يقرر تقليص خسائره؛ فالحرب ليست وجودية بالنسبة لروسيا، ولن يهدد سحب القوات الروسية من أوكرانيا وجود الدولة الروسية، ولن يهدد حتى حكمه، وقد حرص بوتين على عدم ظهور أي خلفاء محتملين في الأفق. والآن مات الرجلان الأقرب إلى تحديه، زعيم المعارضة أليكسي نافالني والمتمرد يفغيني بيرغوجين.

لكن.. على الرغم من امتلاك بوتين القدرة على وقف الحرب، فهل هو مستعد للقيام بذلك؟ 

لقد أجاب صناع السياسات في الولايات المتحدة على هذا السؤال بشكل إيجابي إلى حدّ كبير، معتبرين أنه مع الضغط الكافي، قد يضطر إلى سحب القوات من أوكرانيا، أو على الأقل التفاوض على وقف إطلاق النار. ولتغيير حساباته، فرضت واشنطن وحلفاؤها عقوبات اقتصادية شاملة على روسيا، وزودت أوكرانيا بالمعدات العسكرية والدعم الاستخباراتي، وعزلت موسكو على الساحة العالمية.

إن هذه السياسة تخفي وراءها اعتقادًا مفاده أن بوتين رجل انتهازي في الأساس؛ فهو يستكشف الأمور، وعندما يكتشف الضعف يتقدم، ولكنه عندما يواجه القوة ينسحب.

الشعور بعدم الأمان

لكن الوقائع تظهر أن بوتين ليس انتهازيًّا، على الأقل في أوكرانيا. ولم تكن تحركاته الدولية الأكثر بروزًا حيلًا انتهازية لكسب ميزة بقدر ما كانت جهودًا وقائية لمنع الخسائر المتوقعة. كان العمل العسكري الروسي في جورجيا عام 2008 بمثابة ردّ على هجوم ذلك البلد على منطقة أوسيتيا الجنوبية الانفصالية، ومحاولة لتجنب فقدان السيطرة على منطقة اعتبرتها روسيا نقطة نفوذ، يمكن أن تمنع تكامل جورجيا مع الغرب. وعندما استولى بوتين على شبه جزيرة القرم في عام 2014، كان قلقًا بشأن خسارة القاعدة البحرية الروسية هناك. وعندما تدخل في سوريا في عام 2015، كان قلقًا بشأن الإطاحة ببشار الأسد، الزعيم المقرب من روسيا.

إذا كانت الانتهازية هي الدافع وراء بوتين لاجتياح أوكرانيا الأخير، فإن نهجه غير الانتهازي تجاه أوكرانيا من عام 2014 إلى عام 2021 يحتاج إلى تفسير؛ فبعد استيلاء روسيا على شبه جزيرة القرم في مارس/ آذار وأبريل/ نيسان 2014، كانت الحكومة الأوكرانية في حالة من الفوضى، ولكن بدلًا من التحرك بقوة للاستيلاء على أراضٍ إضافية، اختار بوتين إطلاق تمرد منخفض المستوى في شرق أوكرانيا يمكن استخدامه كورقة مساومة للحدّ من خيارات كييف في السياسة الخارجية.

ومن الأفضل فهم الهجوم على أوكرانيا باعتباره حربًا وقائية غير عادلة، شُنّت لوقف ما اعتبره بوتين تهديدًا أمنيًّا مستقبليًّا لروسيا. وفي نظره، كانت أوكرانيا في حالة تحول إلى دولة معادية لروسيا، وإذا لم يتم وقفها، فقد يستخدمها الغرب لتقويض التماسك الداخلي في روسيا، واستضافة قوات حلف شمال الأطلسي التي قد تهدد روسيا نفسها.

إن قرار بوتين بإرسال الجزء الأكبر من الجيش الروسي إلى أوكرانيا في عام 2022، ثم حشد مزيدٍ من القوات عندما فشل هجومه الأولي، يعني أن الحرب مهمة للغاية بالنسبة له بحيث لا يسمح بفشلها. ورغم كل التكاليف المترتبة على قراره بالغزو، فمن الواضح أن بوتين يرى أن تكاليف التقاعس عن هذا العمل ستكون أكبر، أي أن روسيا كانت ستبدو عاجزة عن منع ظهور أوكرانيا المتحالفة مع الغرب، والتي قد تكون بمثابة نقطة انطلاق لـ”ثورة ملونة” ضدّ روسيا نفسها.

وإذا لم ينجح بوتين الآن، فهو يعتقد أن روسيا محكوم عليها بتحمل التكاليف ذاتها، ونظرًا لأن هذه هي الطريقة -على الأغلب- هي التي يزن بها بوتين السيناريوهات أمامه، فمن غير المرجح أن تقترب الضغوط الغربية من إجباره على تغيير رأيه، وإنهاء الحرب بشروط مقبولة لدى كييف وواشنطن.

هكذا تنتهي الأمور

إذا كان بوتين غير راغب في وقف هجومه على أوكرانيا، فإن الحرب لا يمكن أن تنتهي إلا بإحدى طريقتين، الأولى انتهاء قدرة روسيا على مواصلة حملتها، والثانية خروج بوتين من السلطة.

إن تحقيق النتيجة الأولى، من خلال تدهور قدرات روسيا، أمر غير واقعي. ومع التزام بوتين بالحرب وقدرته على الاستمرار في إرسال الجنود والموارد إلى ساحات القتال، فمن غير المرجح أن ينهار الجيش الروسي.

إن هزيمة بوتين على الأرض في أوكرانيا تتطلب زيادة هائلة في الذخائر، والولايات المتحدة لن تبدأ قبل عام 2025 في زيادة إنتاج قذائف المدفعية اللازمة، وحتى هذه الزيادة لن تكون كافية لتلبية متطلبات ساحة المعركة في أوكرانيا، وسوف تحتاج أوكرانيا أيضًا إلى الاستمرار في إرسال الجنود إلى المعركة، وفي حين يمكن للغرب أن يساعد في تدريبهم، فإن الدول الغربية ليست على استعداد لإرسال قواتها للقتال في أوكرانيا.

وهذا يترك لنا الطريق الثاني لإنهاء الحرب، وهو خروج بوتين من الكرملين.. وقد تبدو محاولة تسريع هذه العملية جذابة، ولكنها فكرة غير عملية؛ فقد أظهرت واشنطن لعقود من الزمن ضآلة قدرتها على التلاعب بالسياسة الروسية بنجاح، وإضافة إلى ذلك، فإن بوتين في حالة ملاحظته تصعيدًا في هذا الاتجاه، فإنه قد يكثف الجهود الروسية لزرع الفوضى في المجتمع الأمريكي.

ونظرًا لهذه المخاطر، فإن النهج الأفضل بالنسبة لواشنطن هو أن تلعب اللعبة الطويلة وتنتظر رحيل بوتين، ومن الممكن أن يتنحى طواعية أو يُدفَع إلى التنحي، ولكن المؤكد هو أنه سوف يموت في مرحلة ما، ولن يبدأ العمل الحقيقي لحل الحرب في أوكرانيا بشكل دائم إلا بعد أن يرحل عن السلطة.

اللعب على وتر الوقت

وحتى ذلك الحين، يتعين على واشنطن أن تركز على مساعدة أوكرانيا في الحفاظ على موقفها، ومنع مزيدٍ من التقدم العسكري الروسي، ويتعين عليها أن تستمر في فرض التكاليف الاقتصادية والدبلوماسية على موسكو، ولكن لا يُتوقع أن يكون لها تأثير كبير. وحتى الهجمات الناجحة التي شنتها كييف حتى الآن -بما في ذلك الهجوم المفاجئ على مدينة كورسك الروسية الشهر الماضي- لم يكن لها تأثير يذكر على المسار العام للصراع، ويظل الصراع حرب استنزاف من دون أي علامة على حدوث اختراق قريب لأوكرانيا.

ولكن، عندما يغادر بوتين منصبه، يتعين على واشنطن أن تكون مستعدة بخطة لا تحلّ الحرب بين أوكرانيا وروسيا فحسب، بل تخلق أيضًا إطارًا إيجابيًّا للأمن الأوروبي يخفف التوترات العسكرية، ويقلّل من خطر الصراع، ويقدم رؤية يمكن للقادة الروس الجُدد في موسكو أن يتبنّوها، وسوف يتطلب هذا زعامة جريئة، ودبلوماسية حازمة، واستعدادًا للتسوية في موسكو وكييف وبروكسل وواشنطن.

المصدر: فورن أفيرز | بيتر شرودر
تاريخ النشر: 03/09/2024

0 تعليق

إرسال تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابعنا على حساباتنا

مقالات أخرى

واشنطن تسعى لمزيد من الشفافية من إسرائيل بشأن خططها للرد على إيران

واشنطن تسعى لمزيد من الشفافية من إسرائيل بشأن خططها للرد على إيران

تتزايد حالة القلق في الإدارة الأمريكية إزاء عدم إطلاعها على تفاصيل العمليات العسكرية الإسرائيلية، خاصة فيما يتعلق بالرد المحتمل على إيران. وتأمل واشنطن في تجنب مفاجآت مماثلة لتلك التي واجهتها خلال العمليات الأخيرة في غزة ولبنان. كان من المقرر أن يجتمع وزير الدفاع...

قراءة المزيد
الحالة العامّة للأسرة والمرأة في الجاهليّة قبيل ولادة النبيّ صلى الله عليه وسلم

الحالة العامّة للأسرة والمرأة في الجاهليّة قبيل ولادة النبيّ صلى الله عليه وسلم

عند الإطلالة على حالة عموم النساء في المجتمع الجاهليّ، وما اكتنف الأسرة آنذاك، فيمكننا وصف وتقييم الحالة بعبارة واحدة، وهي: انتكاس الفطرة، وتشوّه معنى الرجولة، وغيبوبة الأخلاق. كان الزواج يتمّ على أنواع عدة، كلّها إلا واحدًا يظهر مدى الانحدار القيمي والظلام الأخلاقي،...

قراءة المزيد
ما بعد الاستعمار.. وفتح الجراح القديمة

ما بعد الاستعمار.. وفتح الجراح القديمة

من الملاحظ أنه في عصرنا، عصر العولمة، نجد أن الثقافات والهويات العربية أصبحت تتعرض لضغوط غير مسبوقة، لكي تكون مغمورة ومنسية ومجهولة، نتيجة الانفتاح الكبير على العالم، وتأثير الثقافة الغربية وغزوها للعقول العربية، لا سيما فئة الشباب؛ فتأثيرات العولمة عميقة ومعقدة...

قراءة المزيد
Loading...