شخصيات عرفها حسين أحمد أمين

بقلم: محمد عبدالعزيز

| 17 أغسطس, 2024

مقالات مشابهة

مقالات منوعة

بقلم: محمد عبدالعزيز

| 17 أغسطس, 2024

شخصيات عرفها حسين أحمد أمين

كلما أمسكت بالقلم- آسف.. أمسكت بلوحة المفاتيح- للكتابة، شعرت بصعوبة الحصول على مطلع مناسب يعبِّر عن همومي في زماننا، حزني على أحوال أمتنا المكلومة وغزة الجريحة، وكلما هممت بالكتابة في شأن ثقافي أو تاريخ شخصية أدبية شعرت بوجلة الخوف من السكن في البرج العاجي، الذي يحكون أن الأدباء يسكنونه، والكتابة هي حكاية تشغل بال الكاتب، والقصة التي لا تغادر عقلي هي أهلي في غزة.. كل يوم أتطلع إلى خبر يعلن وقف إطلاق النار، وينقذ هذا الشعب المسكين.. ملعونٌ أبو العجز!

وفي أجواء الحزن، كنت أخفِّف عن نفسي- من سأم الحياة والملل من البشر والهرب من آلام العجز السياسي- بالنظر في التاريخ الثقافي، وأبحث عن كتاب يحكي قصصًا، أو ينزه روحي في عالم آخر أفضل من عالمنا الواقعي، وكان حظي كتاب حسين أحمد أمين، الذي أعيد قراءته حاليًّا، ولا بد أن أصدِّعَك بخواطري عنه.

فقد انتقلت ذات مرة من بلد إلى بلد، وقررت التخفف من مكتبتي، وأخذت أهدي عناوين الكتب إلى رفاق القراءة في إسطنبول، وفي لحظة أهديت أحد القراء كتاب حسين أحمد أمين “شخصيات عرفتها”، ثم كتبت عن هذه الإهداءات على تويتر، فردَّ عليَّ الشاعر والأديب علي المسعودي بقوله: “سوف تندم”!. ولكني في حماسة الانتقال من مدينة إلى أخرى كنتُ لا أفكر في الندم، بل في الأمل، خصوصًا أنني بقدر شغفي بالكتب معتادٌ على خسارتها كثيرًا بسبب الأسفار وعدم الاستقرار.

ثم احتجْتُ كتاب حسين أحمد أمين للتأكد من معلومة ورد ذكرها في مقال سابق، فلم أجد الكتاب في مكتبتي، فقد أهديته، وهنا تذكرت الندم الذي حكى عنه كاتبنا علي المسعودي، وهذا رجل يقابلني كلما تصادفنا بالبشاشة والود والترحاب، وعندما أطلب منه كتابًا مثل كتاب “وجوه من الذاكرة” لسليمان فيَّاض يسارع- وهو الكريم- بإرسال نسخة إلكترونية منه، وكذلك “قصص عجيبة” لماركيز.. وهذه فرصة لأخبره أنني ندمت فعلًا، والحل الذي وصلت إليه أنني كلمت صديقي “الكُتُبيّ” في مصر وطلبت منه تصوير كتاب “شخصيات عرفتها” لحسين أحمد أمين حتى أعود إلى قراءته.

سِيَر آل أحمد أمين

لقد قصَّ علينا حسين أمين في كتابه “في بيت أحمد أمين” جوّ البيت، فقد عبّر بأن الأدب في أسرتهم لم يكن درسًا يتلقونه في ساعات معينة من أيام معينة، وإنما كانوا يتنسّمون عبيره في جو المنزل نفسه، يدق جرس التليفون فيُهرع الأطفال إلى الرد: “ألو! مَن حضرتك؟”؛ فيجيب المتكلم بأنه عباس العقاد، أو توفيق الحكيم، أو محمود تيمور، ويسمع الأولاد حديث الوالد أحمد أمين بك عن جلسة المجمع اللغوي، ثم يسرد له تيمور في الهاتف ما دار خلالها، وكيف اقترح فيها إقرار المجمع الكلمة العامية “محَنْدق” لخُلوّ معاجم اللغة من كلمة تعبِّر عن المعنى ذاته بدقة.

وهنا تحضرني طرائف اقتراحات تيمور للكلمات، فقد دعا محمود تيمور في مجمع اللغة العربية إلى ضرورة القضاء على الكلمات العامية، أما الكلمات وبدائلها فكانت: الروب (الطَّيلسان)، المترو (قطار النَّفق)، السوتيان (المنهدة)، الجاتوه (اللفة الرقاقية)، الإيشارب (اللفاح)، الكوشة (منصة العروس)، المانيكور (التدريم).

كان أطفال أحمد أمين في بيته تتناهى إلى أسماعهم أسماء ابن خلدون والجاحظ والغزالي وابن رشد، تُنطق في أُلفة غريبة، وتتكرر على لسان أحمد أمين كثيرًا كأنهم أقارب أو جيران، وتهتف زوجة أحمد أمين، إذ يفرغ من المحادثة التليفونية، مخيِّرة إياه بين أن يشرح لها مَن هو ابن عبد ربه أو ألا يأتي بسيرته، لأن تكرار نطقه بهذا الاسم قد بدأ يغيظها حقًّا.

وعاد الأستاذ أحمد أمين إلى منزله، فسأل زوجه: هل اتصل بي أحد؟ فقالت: نعم، اتصل بك ابن خلدون مرتين! فيجيب مبتسمًا: وهل ترك رسالة؟ فتقول: نعم، يقول إنه بدأ يتململ في قبره من كثرة تناولك سيرته بالحديث!

وقد استمتعت مؤخرًا بقراءة كتاب “أخي العزير.. مراسلات حسين وجلال أمين”، تحرير كمال صلاح أمين، وأزعم أني قرأت معظم مذكرات أسرة أمين، من “حياتي” لأحمد أمين وذكريات جلال أمين، التي وزعها في ثلاثة كتب (ماذا علمتني الحياة- رحيق العمر- مكتوب على الجبين)، وحكى كثيرًا من قصص حياته في كتب مثل “شخصيات مصرية فذة” و”شخصيات لها تاريخ”. أما حسين أحمد أمين فقد كتب “في بيت أحمد أمين”، ولم يكتب سيرة ذاتية، لكن كتابه “شخصيات عرفتها” فيه كثير من الحكايات عن حياته.

وعندما وصلت إليَّ نسخة إلكترونية من كتاب حسين أحمد أمين عاودت القراءة فيه.

مشاغبات صافيناز كاظم مع حسين أحمد أمين

لفت نظري، وأنا أقوم بسياحة حول حسين أمين في أرشيف الشارخ العظيم، مقال بعنوان “دردشة مع أحمد بهاء الدين حول حسين أحمد أمين!” تحكي فيه الكاتبة صافيناز كاظم أنها قرأت مقالة لحسين أمين من البداية إلى النهاية دون أن تقف لُقمة واحدة في المريء، وهي ترجو أن يكون المريء هو المعادل الفصيح لـ”الزور”، ثم تحلِّل صافيناز علاقتها بما يكتبه حسين، وأنقل هنا أجواء المقال لأني أتمَتْرس وراء الكاتبة الكبيرة وهي تصف علاقتها بصديقها اللدود حسين أمين، فهي عبَّرت عمَّا يجيش داخل نفسي ناحية كتابة حسين أمين، وهذا ما أشعر به تمامًا جهة ما يكتب، إعجاب واختلاف في نفس الوقت كأنه صديقي اللدود كما وصفته!. لنرَ وصْف صافيناز كاظم:

“عادة أنا أقرأ ولا أقرأ حسين أحمد أمين، فهو يحيّرني على المستوى الثقافي والفكري وعلى المستوى الإنساني الاجتماعي الشخصي، لا آمن له البتة، لكني لا أستطيع أن ألغيه كذلك، بأن أطبق معه سياسة الإلغاء… التي تتلخص في إسقاط كل ما يفوّر دمي وأواصل حياتي بعده كأنه لم يكن… مع حسين أمين تشدُّني قدماي من طريق الإلغاء إلى ضرورة إعطاء الفرصة لعلّي أستطيع مصاحبته ولو لبضعة أسطر.. ربما لأنه دائمًا له مدخل طيب دمث مسالم جذاب خفيف الظل لا يسع انحرافه بعد ذلك سياسة التلطيش التي تدهمك فجأة وأنت في معمعة المقال”.

وبعد اللطشة التي تُغضب صافيناز تكتشف أن حسين عاد ولملم حول نفسه عباءة الطيب الدمث المسالم الجذاب خفيف الظل، الذي لا يبيّت أي سوء نية، وحين يفلقها حسين أمين تهرب صافيناز إلى الدكتور جلال أمين، فحسين أمين ليس له كبير تشتكي إليه سوى شقيقه الأصغر الأقرب مودة للذين هم من أمثال صافيناز، فتقول له: شايف يا دكتور جلال ماذا يقول حسين أحمد أمين؟

توضح الكاتبة صافيناز كاظم محبتها لميراث أحمد أمين وآله، وهذا يقيّد رغبتها في التجهُّم بوجه حسين أمين كلما لقيته في مناسبة أو بيت أو مكان، فهي ترى ابتسامته العريضة التي يلقاها بها، لكنْ بمجرد أن تطمئن كاتبتنا وتريح ظهرها من انحناءة التحفز يبادرها حسين بلطشة تؤذيها في عزيز لديها، وتجعلها تندم على كل كلمات الود التي صاغتها بحرص السائر في طرقات سكة العلمين، المملوءة بألغام الحرب العالمية الثانية، كما تصفها في مقالتها بـ”الهلال” عدد أكتوبر 1996م.

تحكي لنا الكاتبة صافيناز أنها قرأت مقالة حسين أمين عام 1996م، في جريدة الحياة، وكانت المقالة عن السعادة وتملأ نصف صفحة، وهال الكاتبة الحيز الكبير فحايلت نفسها وقالت: “أذوق المطلع” فاستطعمته الكاتبة وإذا بقضماتها تتوالى حتى أكلت الطبق، الذي استكثرت امتلاءه إلى نهايته في البداية، وصافيناز فرحة بالطزاجة والمزج والتسبيك، وأمام هذه الوجبة الشهية، قررت الكاتبة ممارسة تقليدها المعتاد مع كل كتابة جميلة، أن ترسل برقية شكر إلى كاتبها أو تخابره هاتفيًّا، فاتصلت الكاتبة بحسين أمين:

– السلام عليكم حلواني السعادة

– حلواني السعادة؟

– حضرتك حسين أمين؟

أي…. ثم التقط حسين النكتة على الفور وضحك بفرح، وقالت له صافيناز إن مقاله سرْحة فكرية تأمُّلية لها طعم ورصانة مقالات الأربعينيات التي يكتبها كبار الكتاب، ثم قالت له: أنت عدوي الفكري، لكني ضعيفة أمام الكتابة المحكمة الجميلة.

وتحلِّل صافيناز شخصية حسين بأنه مثل الطفل الشرير، هذا الذي لا يحب جلسة الصالون أو لياقات المائدة أو أصول التنزه في الحدائق، ولو ذهب إلى متحف فيكون من أجل أن يضع لبورتريه المرأة شنبًا، ولصورة الكاتب مصطفى لطفي المنفلوطي أحمر شفاه، ولا يرتاح إلا إذا نكّد على من يُلاطفه.

ولقد حمسني مقال صافيناز كاظم للبحث في مقالة أخرى لها تحكي عن شخصية حسين أحمد أمين، فهي تقول في مقال بعنوان “نقد ونقض مقال حسين أحمد أمين”، عندما كتب حسين أمين عن السفير شكري فؤاد، إنها لم تجد مبررًا لذلك المقتطف الذي اختاره حسين ليبدأ به مقالته من مسرحية يوليوس قيصر لويليام شكسبير، وإن ضحكت صافيناز كاظم من تلك الطفولة الكامنة في شخصية حسين أحمد أمين، ورغبته الدائمة لإثبات أنه الأول على الفصل، و(الأَلْفا) في الإنجليزي، وأن شكسبير لعبته وطوع بنانه، “واللي يحصّلني يكسّرني”.. ثم تقول صافيناز إنها هي كذلك تملك الطفولة الكامنة والغلاسة ذاتها، وتحب أن تساير التحدي، وتبدأ مقالها بكلمات قالها هاملت عن صديقه هوراشيو في مسرحية لويليام شكسبير، تجعلها وصفًا لصديقها السفير شكري فؤاد.

يعجبني قلم الكاتبة صافيناز كاظم الساخر، فهي تحكي عن سجنها في سجن القناطر للنساء، كلما دعت ظروف الدولة إلى إثارة قضية أمن دولة وهمية ضدها وضد رفاقها، وتعرضهم للمرمطة بتهم الشغب وقلب نظام الحكم التي أثارت سخرية إحدى السجَّانات، فكانت تمر على الزنازين صائحة: “فيه تفتيش… اللي قالبة نظام الحكم تعدله بسرعة يا بنات”!

ثم أخذتُ أبحث في أرشيف مقالات “الهلال” عن مشاغبة من مشاغبات صافيناز كاظم لحسين أمين، وعثرت على مقالة بعنوان “جناية حسين على أبيه أحمد أمين”، وهو تنويع على عنوان زكي مبارك، جناية أحمد أمين على الأدب العربي، تأليف زكي مبارك، ففي عام 2004م مع الذكرى الخمسين لرحيل الأديب أحمد أمين (المتوفَّى عام 1954م)، كتب حسين مقالًا رآه حسنًا، ورأته صافيناز كاظم “جناية” على واحد من كبار رواد الأدب والنقد والثقافة في النصف الأول من القرن الماضي.

لقد اختارت صافيناز في مقالها عن أحمد أمين أن تجمع شهادات أبناء جيل أحمد أمين عنه، مثل الأستاذ محمد فريد أبو حديد، والدكتور أحمد زكي، والدكتور عبد الرزاق السنهوري، والدكتور عبد الوهاب عزام، لتدفع عن أحمد أمين “جناية” ما كتبه عنه ولده المغرم بالوقوع في الأخطاء.. لو كان أحمد أمين على قيد الحياة وقرأ ما كتبه سيادة ابنه السفير حسين، لفعل به كما فعل حين سمعه يفشل في القراءة السليمة، ضربه بالجريدة ثلاث ضربات على فمه، وهو يكرر في حزن: “كسفتني يا ولد…كسفتني..”، كما تخيَّلت ذلك صافيناز كاظم.

وقد لاحظ الكاتب محمود أحمد في مقاله طابع الود في ثنايا مشاغبات حسين أمين وصافيناز كاظم، فقد روى حسين أمين واقعة توضح ما تكنُّه صافيناز ناحيته، فقد التقيا في إحدى المناسبات، وفجأة اقترب منهما شخص ثالث هو الدكتور سعد الدين إبراهيم، فإذا بصافيناز كاظم تبادر القادم قائلة بصراحتها المشهورة ما معناه إنها تختلف مع حسين أمين، ولكنها لا تكرهه، أما أنت “فإنني أكرهك وأكره أفكارك ولا أطيق أشوف وشك”، وهي تقصد سعد الدين إبراهيم.

أصارحك بأنني حين فتحتُ عدد مجلة “الهلال” الذي عثرت فيه على مقالة محمود أحمد، التي يعلّق فيها على هذه المشاغبات، هالتني جودة المقالات في أغسطس عام 2004م، بين مقالة عن بيجوفتش بقلم محمد يوسف عدس، ومقالة عن صورة صلاح الدين الأيوبي في الأدب الإيطالي بقلم الطاهر أحمد مكي، ورؤية جديدة للشاعر البارودي بقلم محمد رجب البيومي، ومقالات لوديع فلسطين وماهر شفيق فريد وصافيناز كاظم ويونان لبيب رزق ولطيفة سالم وأحمد حسين الطماوي، فهل أستغلُّها فرصة لرثاء الصحافة الثقافية، والإشارة إلى ضعف المقالات الأدبية الممتعة، وخلو صحافتنا من مواد ثقافية رفيعة؟!

رد حسين أمين على اتهامات صافيناز

لقد كتب حسين أحمد أمين تحليلًا لشخصية صافيناز في كتابه “شخصيات عرفتها”؛ يقول حسين:

“هذه المرأة الموهوبة الفذّة، لا في مجال النقد المسرحي والسينمائي والأدبي فحسب، ولا في ميدان الكتابة وحده، بل وفي محاكاتها البديعة للشخصيات التي تعرفها، من صوت وحركات ومسلك، بحيث تنفذ بك خلال ثوانٍ قليلة من هذه المحاكاة إلى أعمق أغوار الشخصية التي تقلّدها، وإلى حقيقة جوهرها ولبّ موقفها من الحياة.. هذه المرأة التي لا تستمع إلى غنائها إلّا وآمنت بأنّه كان بوسعها أن تصبح من أبرز المغنيات، ولا تجلس منصتًا إلى حديثها إلا أثارت من الضحك ما تدمع له عيناك، أو تمسك بطنك بكلتا يديك…. هذه المرأة التي تحدَّث يومًا مصطفى نبيل، رئيس تحرير مجلّة “الهلال” إليَّ وإلى أخي “جلال” فقال: “كلّكم، كلّكم يا معشر كُتّاب مجلّة الهلال أستطيع أن أخمّن من خلال عناوين مقالاتكم- وقبل أن أقرأها- ما ستكتبونه فيها، إلا صافيناز كاظم، ليس بمقدوري أبدًا أن أخمِّن ما ستقول!” .

ويكمل حسين قوله: “هذه المرأة الفريدة، وهذه الفنانة من قمّة رأسها إلى أخمص قدميها، نسيج وحدها، تلك التي خلقت الرعب بمقالاتها النقدية في قلوب الجميع، فأضحَوا يعملون ألف حساب لها خشية الوقوع في براثنها، أو أن تصيبهم لسعة من لسانها.. هذه المرأة، كيف تسنَّى لها مع قوّة قريحتها أن تضلَّ الطريق على ذلك النحو الذي لمسناه في قصة (أناتول فرانس)، فتحسب أن كتاباتها الضحلة في الإسلام، ومجادلاتها المتعثرة حوله، وأحاديثها الغثَّة فيه، هي أهم ما سيبقى لها في الرصيد الختامي لحسابها، وأنّها إنّما حققت ذاتها ووجدت نفسها حين ارتدت الحجاب، وأبت أن تصافح الرجال”.

ثم يستطرد الدكتور حسين في ذكر مَن تحوَّلوا إلى الكتابة الدينية، مثل تولستوي وباسكال وبنجامان كونستان، ويعود حسين إلى قصف صافيناز بقوله:

“قد نسيت صافيناز كاظم قولة عليّ بن أبى طالب (قيمة كل امرئ ما يُحسن).. وما كنّا ننعى عليها كتاباتها الإسلامية لو أنّها كانت متمكنة من موضوعها تمكُّنها من النقد والكتابة الأدبية”.

وقد ضاق حسين أمين بما تكتبه صافيناز كاظم من ازدراء ومقت لكثير من الشخصيات الثقافية، وما تقوم به من لعن لهذا وتنديد بذاك، وهو أمر دفعه في لقاء معها إلى أن يروي لها قصة وردت في رواية “كانديد” لفولتير، عن كيف انبهر “كانديد” في أثناء زيارته مع أستاذه “بانجلوس” لأحد المشاهير، إذ يسمع الضيف طعنًا في كل ما يرد ومَن يرد ذكره في الحديث، فإذا هو يهتف بعد خروجه في إعجاب: ما أعظمه من فيلسوف! ما من شيء يعجبه أو يرضى عنه! فأجابه “بانجلوس”: “لا يا صديقي.. أقوى المعدات ما تهضم كل ما دخل إليها، لا ما تلفظ كل لقمة تصل إليها”!.

ثم يحكي حسين أنه وصافيناز يتناولان العشاء يوميًّا معًا، إما عنده وإما عندها، ثم تكتب المقال اللاذع ضدّه في اليوم التالي، ثم يتصل حسين بها تليفونيًّا ليهنئها على توفيقها في سبابها إياه، فترد وهي تضحك: موش كده بذمّتك؟ موش بذمّتك مسحت بيك الأرض؟!

وتُهدي صافيناز حسينًا أحد كتبها الضَّحلة في الإسلاميات، كما يقول عنها، فتكتب في إهدائها: “إلى ابن عمّى حسين أحمد أمين.. والهدف الرئيسي من إهدائه إليك إغاظتك.. فإذا تمَّ المراد، تمَّ الهناء، وإذا أعجبك الكلام، أمري إلى الله”!

وقد تقابلت مصادفة مع الأستاذ عارف حجاوي بين فترات استراحته وهو يصور برنامج “سيداتي سادتي” في التليفزيون العربي، وتكلمنا عن الكتب، وكان كتاب حسين هو الأكثر “طزاجةً” من الكتب التي وصل إليَّ، فتحتُ الفهرس وحكيت له عن الشخصيات التي يحتويها الكتاب، فقال افتح فصل حسن الكرمي، مذيع بي بي سي المشهور، وأخذت أقرأ على الأستاذ عارف حكايات عن الكرمي بعيون حسين أمين، حكايات تُسلّينا في زمن الغم والنكد وفقدان الأدب.

2 التعليقات

  1. حمد الجنيبي

    انت مبدع للتو كنت انتهيت من سيرة طة حسين ومررت على اغلب الشخصيات وتجاوزت الكرمي وصافيناز وسوف اعود لهما

    الرد
  2. بهاء الدين ابراهيم

    رائع

    الرد

إرسال تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابعنا على حساباتنا

مقالات أخرى

من زمزم إلى الذّبيح عبدالله.. إرهاصات بين يدي الولادة

من زمزم إلى الذّبيح عبدالله.. إرهاصات بين يدي الولادة

"إنّي لنائمٌ في الحِجر إذ أتاني آت فقال: احفر طَيبة؛ قال: قلت: وما طَيبة؟ قال: ثمّ ذهب عني، فلمّا كان الغد رجعتُ إلى مضجعي فنمتُ فيه، فجاءني فقال: احفر برّة؛ قال: وما برّة؟ قال: ثمّ ذهب عني، فلمّا كان الغد رجعت إلى مضجعي فنمت فيه، فجاءني فقال: احفر المضنونة، قال:...

قراءة المزيد
 هيكل.. حكايات من سيرة الأستاذ الكاهن (1)

 هيكل.. حكايات من سيرة الأستاذ الكاهن (1)

علاقتي مع كتابات الصحفي الكبير محمد حسنين هيكل معقدة، قد تأخذ موقفًا مما يكتبه وتتهمه بكثير، ابتداءً من التحايل على المعلومة وتعديل تفسيرها، إلى عدم إيمانه بالديمقراطية.. لكني أعود إليه كمصدر وشاهد عيان في قضايا تاريخية كثيرة، والأهمّ كواحد من أجمل الأقلام الصحفية في...

قراءة المزيد
البنتاغون يتوقع اضطرابات كبيرة مع عودة ترامب إلى البيت الأبيض

البنتاغون يتوقع اضطرابات كبيرة مع عودة ترامب إلى البيت الأبيض

تتزايد المخاوف في أوساط البنتاغون بشأن عودة الرئيس المنتخب دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، حيث يُخشى أن يسعى لتنفيذ وعود انتخابية قد تؤدي إلى تداعيات خطيرة على الجيش الأمريكي، الذي يُعرف بحياده السياسي. من بين هذه المخاوف، توجيه الجيش للعمل داخل الولايات المتحدة،...

قراءة المزيد
Loading...