
عزة وهوان (1)
بقلم: إبراهيم الدويري
| 10 يوليو, 2024

مقالات مشابهة
-
أما آن للوزيرة الألمانية أن تهمد؟!
أخيراً تحقق لها المراد! فقد صافحت الوزيرة...
-
غزة وجدليَّتا النصر والهزيمة
على مدى ما يقارب ٤٧١ يوماً، وقفت غزة وحيدةً...
-
سوريا وثورة نصف قرن
سيسجل التاريخ أن يوم ٨ ديسمبر ٢٠٢٤م يوم مفصلي...
-
خطر الدوغمائية على مآل “الميثاق الغليظ” في المغرب!
يزداد انشغالي فكريًّا ووطنيًّا بما سيثيره مشروع...
-
ماذا عن القرار العباسي بإغلاق مكتب الجزيرة؟!.. يا لك من نتنياهو!
فعلها محمود عباس (أبو مازن)، وأكد عندما فعلها...
-
وقد استجاب القضاء لدعوة الرئيس.. ماذا ينتظر المستأجرون؟!
ذكّرني القول إن المحكمة الدستورية العليا في مصر...
مقالات منوعة
بقلم: إبراهيم الدويري
| 10 يوليو, 2024
عزة وهوان (1)
أسميتا سانديب (24 عاما) وسوسميتا مانيش (23 عاما) ابنتا خالة من نيبال، ولدتا في أحد أحياء العاصمة كوتماندو الفقيرة جدا، نشأتا نشأة بوذية، ارتادتا المعابد والمراقص، ودرستا في المدارس الحكومية حتى أكملتا الثانوية، وخططتا لدراسة الجامعة في قسم الضيافة والفندقة قبل أن ترغمهما ظروف الحياة والفقر على البحث عن عمل خارج بلادهما.
قدَّمت الفتاتان لوظائف في أحد مكاتب التشغيل المنتشرة في الدول الآسيوية، لتسهيل سفر الباحثين عن عمل إلى الدول العربية أو أوروبا، وكانت أمنية أسميتا وبنت خالتها أن تجدا فرصة عمل في دولة عربية، ليس حبا في شمائل العرب أو نمط حياتهم أو طبيعة تشغيلهم، ولا بسبب كثرة زميلاتهما اللاتي غادرن إلى دول الخليج، وإنما لأن الذهاب إلى دولة عربية لا يكلف ميزانياتهن الضعيفة جدا أخذ حصص مدفوعة الثمن في اللغة العربية.
بعد أسابيع من الانتظار جاءتهما موافقة عمل سترمي بأسميتا إلى شاطئ الخليج العربي، بينما أخذت سوسميتا إلى العمل نادلة في مقهى على شاطئ نهر السين، لم تجد الفتاتان وقتا للحزن على الفراق وحسرات الاغتراب، فقد كان على المتجهة إلى الخليج أن تتهيأ فورا للسفر؛ فمبادئ اللغة الإنجليزية التي تعلمتها في المدارس ستتيح لها التواصل مع كل أحد في الخليج بطريقة النطق التي تفضل هي، وعلى السامع أن يفهم أو يدبر حاله.
وكان على الذاهبة إلى باريس أن تأخذ دورة في اللغة الفرنسية لمدة ثلاثة أشهر، وأن تجتهد في استعجامها حتى لا تؤذي بلحنها ولكنتها رواد المقهى، فقد حدثتها رفيقاتها عن حدة نظرات العيون الزرق التي ترمق شزرا كل من أخطأ نطقا أو نحوا في اللغة الفرنسية، وقد يصل الأمر حد الفصل من العمل؛ فالفرنسي لا يستعذب قهوة ولا خدمة مغموسة في إهانة لغته والاستهزاء بهويته.
يستدعي المناضل الحضاري أحمد الأموي قصة هاتين الفتاتين في أحاديثه عن ظاهرة “الهوان اللغوي” لدى العرب، وعن غربة لسان الضاد بين أهله، واستمراء العرب إهانة لغتهم، مقارنا بين حالة الطوارئ اللغوية الدائمة في فرنسا التي تريد أن تحكم العالَم بلغة فولتير، وأن تصوغ النخب الإفريقية والعربية صياغة إفرنكفونية تضمن لها دوام التحكم في الأرض إنسانا وموارد.
أحمد الأموي تاجر رحالة من شمال إفريقيا مهتم بالوعي اللغوي ورصد تفاعل الشعوب مع “لغاتها الحية”، يتلكم بكثير من اللغات ويتعصب للعربية وآدابها، ويرى أن من حق أهل كل بلد أن يتعلموا العلوم بلغاتهم الأصلية، ومن ذكائه اللغوي أنه يخاطب كل مقيم في بلد بلغة البلد الأصلية، فهو يخاطب الآسيويين مثلا في المغرب باللغة العربية، وفي فرنسا باللغة الفرنسية، وفي ألمانيا بالألمانية.
ذات زيارة لباريس جلس أحمد في المقهى الذي تعمل فيه سوسميتا على شاطئ نهر السين ينتظر صديقا له، وقبل قدومه كان يحادث النادلة التي أضحت تتكلم الفرنسية بطلاقة واستبشار، حدثها عن زياراته لدول جنوب وسط آسيا وإعجابه بهدوء الآسيويين وجديتهم، وحدثته هي عن الحياة في باريس، وعن أخلاق الأوربيين وطبائع رواد المقهى.
أضحى أحمد وسوسميتا صديقين على إحدى منصات التواصل الاجتماعي، وقادته الخوارزميات إلى صداقة بنت خالتها أسميتا المقيمة في الخليج، وشاءت الأقدار أن يمر التاجر الرحالة أحمد بالمدينة الخليجية نفسها فالتقى أسميتا في المطعم الذي تعمل فيه، حاول أن يكلمها بالعربية لكنه صُدم بأنها لا تعرف من العربية بعد إقامة خمس سنوات في الخليج إلا كلمات قليلة جدا تنطقها بلكنة آسيوية فاستشاط غضبا مما يسميه بـ”الهوان اللغوي”.
وازداد أحمد غضبا حين أرادت أسميتا أن تُبسِّط له موضوع اللغة فقالت له إنها تعتبر أن اللغة العربية مثل اللهجة النيبالية كلاهما لهجة محلية، وأنها تَرُدُّ دائما بالنيبالية على رواد المطعم الذين يكلمونها بالعربية معاملة بالمثل، بينما ترى أن إنجليزيتها المكسرة كفيلة بالتواصل بينها وبين مسؤوليها العرب في العمل، ومع رواد المطعم من مختلف الجنسيات.
ترك أحمد المطعم وكاد يغفل عن مهمته التجارية الأساسية في دبي، وبدأ يسأل كل آسيوي يلتقيه عن تاريخ قدومه إلى جزيرة العرب، فكانت الإجابات بلغة مكسرة هجينة جامعة بين لهجات الأجناس المقيمة والزائرة للخليج، علما أن بعضهم يقيم فيه منذ أكثر من أربعين سنة، وبعضهم يقيم دون ذلك وأقلهم مكث خمس سنوات، والجامع بين الجميع الاستهانة بالعربية تعلما ونطقا.
فكر أحمد كثيرا في مقارنة أسميتا بين اللغة العربية واللهجة النيبالية واستحضر كثرة المكتبات السنسكريتية في العاصمة كاتماندو، واسترجع في ذهنه ما قرأ عن “مكتبة القيصر” النيبالية، وتساءل هل يوجد في اللهجة النيبالية مثل ديوان المتنبي ومقامات الحريري؟ وهل كانت تلك اللهجة يوما لغة العلوم والآداب الأولى في العالم؟. أعرض عن هذه المقارنات الباردة وأخذه فضوله المعرفي إلى النظر في دفاتر الحسابات لدى أصحاب الدكاكين، فكانت المفاجأة أن المعاملات مكتوبة برموز غريبة لا يعرفها إلا صاحب الدكان، فقال في نفسه ما ذا سيفعل باحث عربي إذا أراد بعد مئتي سنة أن يعرف البضائع الرائجة وأسعارها في أسواق الخليج من خلال دفاتر الحسابات ووثائق المعاملات في سنوات الطفرة الخليجية؟، ثم بدأ يفكر -وهو التاجر الرحالة- في ضياع الفرص الاقتصادية المتعلقة بإهمال العرب للغتهم.. وهذا خبره في جزء المقال القادم.
تابعنا على حساباتنا
مقالات أخرى
رسالة إلى أمريكا
وقف مراسل شبكة CNN الإخبارية بمنطقة "أيتون" شرقي مدينة لوس أنجلوس الأمريكية، مرتدياً قناعاً واقياً من الغاز، قام بإزاحته عن وجهه، بعد أن طلبت منه المذيعة في داخل الاستوديو أن يصف لها ما يحدث على الأرض. بعيون دامعة، ووجه شاحب مكفهر، تحدث بأسى عن جحيم مروع، تشهده ولاية...
أما آن للوزيرة الألمانية أن تهمد؟!
أخيراً تحقق لها المراد! فقد صافحت الوزيرة الألمانية أنالينا بيربوك الوزيرَ السوري أسعد الشيباني في الرياض، بعد الضجة الكبرى لعدم مصافحة أحمد الشرع لها، والاكتفاء بالترحيب بها بوضع يده مبسوطة إلى صدره! وكما كان عدم المصافحة في دمشق خبرَ الموسم في الإعلام الغربي، فقد...
غزة وجدليَّتا النصر والهزيمة
على مدى ما يقارب ٤٧١ يوماً، وقفت غزة وحيدةً صامدةً تواجه مصيرها، كآخر بقعة تتموضع عليها القضية الفلسطينية، بعد أن تم تدجين العالم العربي كله وصولاً إلى تدجين فلسطين نفسها بقيادة أكثر صهيونية من الصهيونية نفسها، لا هدف لها سوى أن تُنسي الفلسطينيين والعالم كله شيئاً...
0 تعليق