طمأنينة الشك!
بقلم: كريم الشاذلي
| 5 يوليو, 2024
مقالات مشابهة
-
السياسة الخارجية للرئيس ترامب تجاه الشرق الأوسط
لم تمرّ إلا ساعات فقط بعد إعلان الرئيس الأمريكي...
-
“العرب العثمانيون”.. كيف جسّد الإسلام عمومية النظام السياسي لجميع الأعراق؟
خلال زيارتي لنائب مدير جامعة السلطان محمد الفاتح...
-
في موقعة أمستردام.. لم تسلم الجرّة هذه المرة !
تقول العرب في أمثالها: "ما كل مرة تسلم الجرة".....
-
عمر بن عبد العزيز والتجربة الفريدة
حين ظهرت له أطلال المدينة المنورة، أيقن الشاب...
-
هيكل: حكايات من سيرة الأستاذ الكاهن (2)
هيكل والسادات مضت السنوات وابتعد محمد حسنين هيكل...
-
أعرني قلبك يا فتى!
أعرني قلبك يا فتى، فإن الأحداث جسام، والأمور على...
مقالات منوعة
بقلم: كريم الشاذلي
| 5 يوليو, 2024
طمأنينة الشك!
لستُ بحاجة إلى مقدمات طويلة أمهد بها قولي، وأشرح فيها مقصود عنوان مقالي.. نعم، طمأنينة القلب والفؤاد، وراحة الذهن والبال، التي لا تتأتى إلا عن يقين يولد بعد مخاض طويل، ورحلة شاقة في أودية الشك!
الشك الذي ظلموه كثيراً، واعتبروه شارة خطر، ودلالة على ارتباك ومراهقة وتخبط، هو نفسه ما كان يبحث عنه نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، في رحلته بين الناس!
أنت لن تصبح مسلماً إلا بنطق الشهادتين، والتي تبدأ بنفي.. “أشهد أن لا إله إلا الله” نفي لآلهة لطالما عبدناها، وإيمانا بإله واحد علينا أن نعرفه، ونصدقه، ونخضع له..
ونبينا رجل يحب الفطنة في الرجال، وعليه، كانت رسالته حاضرة بمنطقها قبل عاطفتها، منطق يجيب على سؤال الشك الذي طرحه نبينا، أن ما يعبده الناس ابتداءً ليسوا آلهة.. إرثك ليس صحيحاً، وطمأنينتك كاذبة، وحياتك بحاجة لتغيير كامل…
قوة الرسالة كانت في قدرتها على الإجابة عن جميع الأسئلة، الغيبية منها والمشهودة، طقوس العبادة وأخلاق المعاملات.. وعليه، التف حول نبينا العشرات من الأفذاذ أصحاب الرأي، والذين أكملوا باجتهاداتهم الشخصية مسيرة النبي الخاتم بعد وفاته، مع اعترافنا البديهي بأن كُلًّا له وعليه، وإلى الله مرجعنا جميعاً..
الشاهد، أن رسالةً يبدأ الإيمان بها بالرفض، بالإنكار، بالكفر، هي رسالة تحترم العقل الذي يسأل الأسئلة دون خوف، رسالة تؤمن بقوتها، والتاريخ لطالما أكد أن منحنى التطور والازدهار في حياة المسلمين يبدأ وينتهي حين يفكر الناس بحرية، لا خوف من اجتهاد، ولا خصومة مع التفكير، ولا قلق من طرح الأسئلة.
وأنا ابن زمن قتل الأسئلة غير المرغوب فيها.. في العُرف عام بالنسبة لهم، أسئلة الدين وماهية الله، وأسئلة الجنس، وغيرها، مناطق محظورة.. ربما لم يدرك أهلنا أن عدم الإجابة عن الأسئلة لا يعني وأدها، ستظل هائمة تبحث عن إجابة، غير أن النظام الاجتماعي بدوائره فيه تواطؤ كي لا نسأل، ونشاكس.
كبرنا ونحن نسأل الأسئلة الآمنة، اجتماعياً ودينياً وسياسياً.. أما الأسئلة المفخخة، فتعلمنا أن نقذفها بعيداً، مهما كانت وثيقة الصلة بنا، ومهما كان فهمنا لها ضرورياً وملحّاً، لقد خوفوا العقل من ممارسة مهامه، فأصبح كسولاً خاملاً.. وجباناً أيضاً!
الكارثة التي يهتز لها كيان كثيرين هي أن تلك الدوائر لم تعد قوية، وسائل التواصل جعلت فضاء الأسئلة رحباً، وصارت للسؤال قوته، وتمردت عقول كثيرة على النظم القديمة، وغير قليل من هذا الكثير يتمرد ضجراً وضيقاً، وليس نضجاً وفهما.
لقد بدأت ثورة الشك، وتلك لعمري أعظم الثورات، آن الأوان أن يسأل أناس، أن يشعر عقل هذه الأمة بالخطر فيستيقظ، النائم لا يستطيع أن يوقظ نائماً، على أحدهم أن يستيقظ ثم يوقظ صاحبه..
آن للناس أن تبحث عن طمأنينتها في غابات الشك، آن الأوان أن يسأل الناس عن معنى الله، وهل ما نحن عليه إيمان حقيقي؟ على الناس أن تسأل عن الوطن، وهل يجتمع والخوف في أرض واحدة؟ على الناس أن تسأل عن الدنيا، وهل تستحق كل هذا العنت؟.
لقد خوّفونا كثيراً من التفكير بحجة أننا غير مطمئنين إلى عمق إيمان الناس بالله، وأن التفكير، والجدل، والشك، سيزعزع اليقين المتصدع بداخلهم.. كذب!
إنهم يخافون من الشك والتفكير، لأن فرعون بلا سحرته لا شيء، إذ السحر مهما كان قوياً لا يبطله مثل الشك، لا يربكه إلا أن يراك ثابتاً، لا تؤمن بتعاويذه.
لأن قارون والجشع والرأسمالية لن يبيعونا بضاعتهم إلا إذا آمنا بقيمهم، فأصبحنا أكثر أنانية وفردانية وجوعا، الشك هنا سيوقظنا من ألاعيب التسويق والإعلان، سنسأل السؤال الذي تواطأ الكل على قتله “هل يستحق ما يبيعونه لنا كل هذا الثمن؟”..
فرعون يريدك مؤمنا، قارون يريدك مؤمنا، هامان يريدك مؤمنا!.. إبراهيم عليه السلام هو الذي علمنا الشك، وموسى عليه السلام لم يزعجه إلا عودة قومه إلى الإيمان القديم مهما رأوا من آية، ومحمد عليه الصلاة والسلام بدأها بالنفي، فلا إله إلا الله.
الشك يا سادة هو النجاة، لاسيما وأن لا شيء حولنا – رغم إيماننا الذي ندعيه- ينبئ بأننا على خير، أو أننا نمضي في الطريق السليم.
لن تصل إلى الله يا صاحبي إلا إذا تشككت في كل الآلهة الأخرى التي نصبتها في قلبك، وراحة الطمأنينة لن تذوق طعمها، إلا بعدما ينفد متاعك في صحراء الأسئلة..
الشك خطير.. نعم.. ليس لأن الله يشعر بالقلق – حاشاه-، بل لأنه يهدم كل الصروح الكاذبة التي حاصرت عقول الناس..
الشك سيتعبك.. أعلم.. ليس لأنك أضعف أو أغبى من فهمه والإحاطة به، وإنما لأنه سيضعك أمام الحقيقية .. وتلك مواجهة صعبة، غير أن فيها الشفاء..
الشك يا صاحبي هو الأب الشرعي للإيمان.. فلا تؤمن – ناشدتك الله- إلا بعدما تتشكك ..
حينها ستؤمن.. وبيقين!.
تابعنا على حساباتنا
مقالات أخرى
وقد استجاب القضاء لدعوة الرئيس.. ماذا ينتظر المستأجرون؟!
ذكّرني القول إن المحكمة الدستورية العليا في مصر استجابت لدعوة الرئيس في إصدار حكم، بما مضى. فدائما تذكّرنا القدرات المتواضعة الآن بعهد الرئيس مبارك، فلا يعرف قيمة أمه إلا من يتعامل مع زوجة أبيه، وكثيرون صار شعارهم "رُبّ يوم بكيت منه، فلما مضى بكيت عليه". ولست من هؤلاء...
السياسة الخارجية للرئيس ترامب تجاه الشرق الأوسط
لم تمرّ إلا ساعات فقط بعد إعلان الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب نيته تعيين حاكم أركنساس السابق "مايك هاكابي" ليكون سفيرًا للولايات المتحدة لدى إسرائيل وهو المعروف بدعمه منقطع النظير للاستيطان، خاصة في الضفة الغربية التي يعتبرها جزءاً من أرض الميعاد كما يقول،...
“العرب العثمانيون”.. كيف جسّد الإسلام عمومية النظام السياسي لجميع الأعراق؟
خلال زيارتي لنائب مدير جامعة السلطان محمد الفاتح في إسطنبول، البروفيسور المؤرخ زكريا كورشون، كنت أتحدث معه عن آخر إصداراته، فحدثني عن كتابه "العرب العثمانيون"، ومقصد الكتاب تبيان عمومية النظام السياسي في الإسلام لجميع الأعراق والأجناس في ظل الدولة الواحدة . فالإسلام...
0 تعليق