فرنسا اللائكية والخواء الأخلاقي!
بقلم: هديل رشاد
| 29 يوليو, 2024
مقالات مشابهة
-
خرافة اسمها الحب!
من البديهيات أن المشاعر جزء أصيل لدى الإنسان.....
-
الشكر.. دوامٌ للنعم في الدنيا وفوزٌ في الآخرة
أنعم الله تعالى وتفضّل على عباده بالكثير من...
-
الترامبية المتجددة وأمْوَلَة نظام الحكم في الولايات المتحدة
منذ أن بلور حكماء الإغريق قديما فكرةَ...
-
السياسة الخارجية المتوقعة لإدارة ترامب.. تداعياتها على الشرق الأوسط
خلال حملته لاستعادة رئاسة الولايات المتحدة، قال...
-
ترامب وهاريس.. وجهان لعملة واحدة
نجح دونالد ترامب.. فاز مرشح الحزب الجمهوري...
-
السؤال الكوني وعجز الغرب الفلسفي
كمدخل فلسفي مبسط، يعود السؤال هنا على الفرد...
مقالات منوعة
بقلم: هديل رشاد
| 29 يوليو, 2024
فرنسا اللائكية والخواء الأخلاقي!
استغلت فرنسا استضافتها حدثا رياضيا بحجم دورة الألعاب الأولمبية للترويج لأفكار ومعتقدات تنافي مبادئ وقيم المعتقدين بالديانة المسيحية، وأصحاب الفطرة السليمة، مستهلة حفل افتتاح دورة الألعاب الأولمبية باريس 2024، بعرض “دراغ كوين” (رجل يرتدي ملابس نسائية ويضع مكياجا) يتضمن تجسيدا ومحاكاة ساخرة للوحة “العشاء الأخير” التي يشير البعض إلى أنها تُصوّر النبي عيسى (عليه السلام) وتلامذته.
ورغم وقاحة وتبجح المنظمين بتجسيد لوحة العشاء الأخير لليوناردو دافنشي، بالعمد إلى الترويج للشذوذ الجنسي من خلال اختيار “دراغ كوين” لتجسيد النبي عيسى عليه السلام كما فسرها بعض رجال الدين المسيحي، الأمر الذي يعد إساءة للمسيحية وللأديان جلها، فإن الأمر لم يقف عند هذا الحد، بل تجاوزه؛ إذ ظهر رجل عار في افتتاح دورة الألعاب الأولمبية الجمعة الماضية، رأى بعضهم أيضا أنه يجسد إله الخمر والاحتفالات الماجنة في الأساطير الإغريقية القديمة، الذي عرف باحتفالاته وطقوسه الوثنية المتحررة من الأخلاق الرفيعة والقيم والمبادئ، وهذا المشهد الذي أقل وصفه أنه انحطاط حضاري وثقافي، يتطلب مقاطعة دورة الأولمبياد لحجم الإهانة للمعتقدات الدينية- لاسيما المسيحية- وكأنها تقبل بذلك.
إنَّ ما قامت به فرنسا في حفل افتتاح دورة الألعاب الأولمبية أفقد الدورة بريقها ووهجها، فتجسيد مشهد العشاء الأخير لم يُثِر حفيظة المعتقدين بالمسيحية، بل لخص موقف فرنسا المتبني لمنهج ازدراء الأديان، مستغلة حدثا بحجم الألعاب الأولمبية، وهو المفترض أنه حدث رياضي يتابعه العالم أجمع، لتمرير أفكارها المبنية على اللائكية، وهو مفهوم يعبر عن فصل الدين عن الفضاء العام للدولة.. إذ العلمانية هي الفصل بين الدين والدولة، أي أنها تعترف بالدين لكنها لا تعتمد عليه في تشريعاتها، أما اللائكية فهي ترى أن الدين اختيار شخصي، فلا دين للدولة.
فاللائكية تعني قطيعة كاملة للدين، لذا تسعى فرنسا من خلال تشريعاتها لمحاربة كل ما له دلالة دينية، مع زيادة جرعة المنع والتقييد على المسلمين في فرنسا، الذي قد يصل عددهم إلى 7 ملايين من أصل 67 مليون فرنسي، فعلى سبيل المثال لا الحصر فإن الأعياد الدينية الكاثوليكية تتعامل فرنسا معها كعطلات رسمية وطنية، اعتبارا للسواد الأعظم من السكان، أما أعياد المسلمين فلا تعامل أعيادهم كعطلات رسمية، ولا يُحتفل بها، بحجة قيم الجمهورية العلمانية اللائكية.
ولم يكن انتقاد المعتقدين بالمسيحية لمجرد لوحة العشاء الأخير، بل لأن اللوحة جاءت لتمرير أفكار كالشذود الجنسي، والترويج للانحلال والإباحية، دون الأخذ بعين الاعتبار والمسؤولية أنَّ حفلا بهذا الحجم يتابعه جميع الفئات، فهذا لا يعد حرية.. فكما أن هناك من يرى الشذوذ الجنسي حرية، هناك من يرى الانحياز للفطرة حرية، فما قام به المنظمون يتنافى مع مبادئ احترام الرأي والرأي الآخر، وتقديس الديانات حتى وإن اختلف أو اتفق من أعطى الضوء الأخضر لهذا السيناريو، الذي أسقط فرنسا في بئر الانحطاط.
وقد وصفت الناطقة باسم الخارجية الروسية حفل الافتتاح بـ”احتفال القاع”، وبدوره شنَّ رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان هجوما لاذعا، منتقدا ضعف الغرب وتفككه، ورأى أن الحفل هدفه إظهار التنوع في فرنسا إلا أنه جسد الخواء الأخلاقي للغرب.. كما انتقدت الحفل سعادة السيدة لولوة الخاطر، وزيرة الدولة للتعاون الدولي في قطر، واصفة المشهد بالمخزي، كما انتقد مثقفون ورجال دين وسياسيون ما جاء في حفل الافتتاح، الذي وصفه غالبيتهم بأنه انتهاك خطير لقدسية النبي عيسى عليه السلام والمقدسات والمعتقدات. وعليه، أصدرت الكنيسة الكاثوليكية في فرنسا بيانا يسجل موقفا رافضا لما تضمنه حفل افتتاح دورة الألعاب الأولمبية.
إنَّ التحفظات على دورة الألعاب الأولمبية تكاد لا تضع نقطة نهاية لها، فقبل انطلاقها واجهت فرنسا انتقادات واسعة عندما حظرت لاعباتها المحجبات من المشاركة في الدورة، على الرغم من عدم وجود قانون موحد لدى اللجنة الأولمبية ضد ارتداء الحجاب، إلا أنَّ تصريح وزيرة الرياضة الفرنسية أميلي أوديا كاستيرا، كان مجحفا بحق اللاعبات الفرنسيات المحجبات، إذ قالت: “إن ممثلات الفرق الفرنسية لن يرتدين الحجاب”، متحججة بتمسك حكومة بلادها بنظام علماني صارم، يطبَّق حتى في المجال الرياضي.
لكن هذا الرأي لا يمت للعلمانية بأي صلة، لا سيما وأن العلمانية- كما سبق أن أشار المقال- تفصل الدين عن الدولةـ أما ما تطبقه فرنسا فهو أبعد من ذلك، وهي بهذا الأمر قد تختلف عن الدول الأوروبية في تطبيقها للائكية، التي ترفض الدين في فضاء بلادها، إلى درجة أن تتجاوز حدودها لتطأ قدما على حريات الآخرين.
ورغم ما لاقاه قرار منع اللاعبات الفرنسيات من ارتداء الحجاب خلال الدورة الأولمبية في باريس 2024 من انتقادات كبيرة من خبراء حقوق الإنسان، فإنَّ فرنسا لم تتراجع عن القرار الذي وصفته منظمة العفو الدولية بالنفاق التمييزي، ورأت أن الحظر المفروض على ارتداء الرياضيات الفرنسيات الحجاب في الألعاب الأولمبية يكشف النفاق التمييزي للسلطات الفرنسية، والضعف الجبان للجنة الأولمبية الدولية، إذ إن منع الحجاب ينتهك قوانين حقوق الإنسان الدولية. هذا فيما كتب المؤرخ الفرنسي فابريس ريسيبوتي “مرحبا بكم في أول أولمبياد معاد للإسلام في التاريخ.”
ختاما
خلال كتابة هذا المقال، أصدر منظمو أولمبياد باريس 2024 بيان اعتذار للكاثوليك، ولطوائف مسيحية أخرى شعرت بالغضب بسبب لوحة كانت ضمن فعاليات افتتاح دورة الألعاب الأولمبية باريس 2024، تحاكي لوحة ليوناردو دافنشي الشهيرة “العشاء الأخير”، وُصفت بالمبتذلة بسبب تجسيدها للنبي عيسى عليه السلام والحواريين، ما أثار استياء مؤسسات دينية، كالكنيسة الكاثوليكية، واليمين الديني في الولايات المتحدة الأمريكية، والأزهر الشريف.
والسؤال هنا: هل كان المنظمون سيعتذرون لو كانت الإساءة طالت سيد الخلق وخاتم الأنبياء سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم؟ وهل سيستجيب حينها المنظمون لاستياء وانتقادات مسلمي العالم؟. بكل تأكيد لا، فتاريخ فرنسا في هذا الجانب جلي وواضح، فكلنا يتذكر موقف الرئيس الفرنسي عندما دعم نشر الرسوم الكاريكاتورية المسيئة للنبي الكريم عام 2020، بل أعلن وقتها أن بلاده لن تتخلى عن الرسوم المسيئة للنبي صلى الله عليه وسلم.
1 تعليق
إرسال تعليق
تابعنا على حساباتنا
مقالات أخرى
البنتاغون يتوقع اضطرابات كبيرة مع عودة ترامب إلى البيت الأبيض
تتزايد المخاوف في أوساط البنتاغون بشأن عودة الرئيس المنتخب دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، حيث يُخشى أن يسعى لتنفيذ وعود انتخابية قد تؤدي إلى تداعيات خطيرة على الجيش الأمريكي، الذي يُعرف بحياده السياسي. من بين هذه المخاوف، توجيه الجيش للعمل داخل الولايات المتحدة،...
اِجعل لكَ خبيئة!
خرج المسلمون يوماً لقتال الروم، فلما التقى الجيشان خرجَ فارس من جيش الروم يطلب المبارزة، فخرج له رجل ملثَّم من جيش المسلمين فبارزه حتى قتله! ثم خرج فارس آخر من جيش الروم يطلب المبارزة، فخرج إليه الرجل الملثم نفسه من جيش المسلمين فبارزه حتى قتله! ثم خرج فارس ثالث من...
خرافة اسمها الحب!
من البديهيات أن المشاعر جزء أصيل لدى الإنسان.. البعض قسمها إلى مشاعر إيجابية: كالحب، والسعادة، والرضا؛ وأخرى سلبية: مثل الغضب، والاشمئزاز، والخوف. غير أن علم النفس ذهب ليؤكد أن كل المشاعر لها جانبان، واحد سلبي وآخر إيجابي؛ فالغضب -مثلاً- يعد أحد أسوأ المشاعر الإنسانية...
طالما الأمة الإسلامية في وهان لن ولم تلقي أحد من الغرب يقوم ويعتذر على أي إساءة تطول ديننا الحنيف .. شكرا أيتها الكاتبه وصاحبة القلم الجميل عروجك على هذا الحدث المخزي