يهودي في القاهرة.. شحاتة هارون وصداقة عمر مع ألبير آريه

بقلم: محمد عبدالعزيز

| 31 أغسطس, 2024

مقالات مشابهة

مقالات منوعة

بقلم: محمد عبدالعزيز

| 31 أغسطس, 2024

يهودي في القاهرة.. شحاتة هارون وصداقة عمر مع ألبير آريه

عندما فكّرتُ في كتابة مقالي لهذا الأسبوع خطر في بالي ثلاث فِكَر، الأولى دعاية عما أكتب، والثانية مقلب حدث لي، والثالثة قصة أحكيها لكم عن يهودي في القاهرة.

أما الدعاية، فقد لاحظتُ مرور عام على هذه الزاوية التي أكتبها عن الشخصيات أو «الضحايا» كما يدعوهم صديقي تندرا. وللمفارقة، فقد كانت بداية مقالاتي عن سيد قطب وصورته في مذكرات أدباء عصره، وهذه المقالة عن شحاتة هارون، واحد من يهود مصر. وهذه الدعاية تذكرني بنكتة عن شخص يهودي نشر نعيا لابنه في الجريدة وكتب: «كوهين ينعى ابنه، ويصلح ساعات»! فهو يعلن وفاة الابن، ويستغل الفرصة ليعلن عن مهنته، انطلاقا من روح البخل اليهودي.. ويمكن اعتبار المقالة حكاية عن ذكرى عام في الكتابة، وقصة عن شخصية عجيبة ظلت في مصر إلى عام 2001.

وأما المقلب، فقد لفت نظري اسم يرد في مذكرات ألبير آريه «يهودي مصري»، التي نشرتها دار «الشروق»، والتي تعتبر وبحق شهادة تاريخية مهمة. الاسم هو «شحاتة هارون»، ويرد في قصة ألبير آريه حديث عنه يصل إلى ستين مرة، لم أعدَّها لكن عرفت ذلك من خلال تطبيق «أبجد»، وقرأت عند ألبير في مذكراته أن لشحاتة كتابا بعنوان «يهودي في القاهرة»، وعلى الفور بدأت البحث عن هذا الكتاب، وطلبت من زميل لي تصويره من مصر، وأنا متشوق لقراءة روايته وشهادته عن حياته في مصر التي لم يغادرها وظل فيها إلى وفاته. ثم وصل إلي الكتاب ولم أجد السيرة المتوقعة، بل وجدت أوراقا مجمعة وبعض الحوارات معه.. كنت أتوقع سيرة من طراز كتاب ألبير آريه، وهنا كان مقلبي مع الكتاب، الذي كان مخيبا للآمال، خصوصا أن حكايات شحاتة طويلة بين الشيوعية واليهودية.

يهودي شيوعي في مصر الملكية

عدت ساعتها إلى مذكرات ألبير آريه أحاول قراءة حياة المحامي شحاتة هارون كما حكاها صديقه، فضلا عن العودة إلى الكتب التي كتبت عن اليهود المصريين، فقد ولد شحاتة عام 1920 في أسرة يهودية بسيطة، وكان والده يعمل في محل «شيكوريل»، وهو محل شهير يملكه تاجر يهودي.

كان شحاتة هارون وهو شاب صغير يلعب الورق والبوكر ويجلس مع الفتيات، دخل عليه صديقه دافيد ناحوم، وناوله كتابا وهو عاقد الحاجبين، فقال له شحاتة: «ألا ترى أننا نلعب البوكر؟»، فقال له دافيد: «خذ واقرأ هذا»، وكان الكتاب «نصوص لينين».. أما ألبير فقد كان كتاب «الأم» لمكسيم جوركي، الذي أحضرته أخته إلى المنزل، البداية التي غيرت مجرى حياته، واكتشف ألبير أن كثيرا ممن قرؤوا رواية «الأم» تحولوا إلى الشيوعية. وعندما ترجمت الرواية إلى العربية انضم كثير من المصريين إلى الشيوعية.. لقد حفظ ألبير مقدمة الرواية عن ظهر قلب، وجعلت قلبه يخفق للاتحاد السوفييتي.

يورد ألبير آريه في مذكراته أن أول ضربة نوعية من البوليس ضد الشيوعيين كانت في 11 يوليو 1946، وكانت تلك التي سميت بالقضية الشيوعية الكبرى، ففي هذا اليوم تحرك البوليس بتوجيه أمني من الإنجليز وأغلقوا كل الأندية الثقافية، ما عدا الأندية اليونانية، وكانت الحملة معروفة باسم «حملة صدقي»، إذ قبضوا على أكثر من مئة شخص من الشيوعيين على اختلاف اتجاهاتهم، ولأول مرة دخل الشيوعيون في مصر السجن.

وصدرت جريدة «أخبار اليوم» بصورة كبيرة لهنري كوريل، زعيم الحركة المصرية للتحرر الوطني المعروفة باسم «حمتو»، وهو يرتدي شورتا وصندلا، ومنعت المجلات التقدمية كلها من الصدور، وقبضوا على أغلب الشيوعيين، وأصدر رئيس الوزراء إسماعيل صدقي مرسوما بتعديل المادة 98 من قانون العقوبات، وهذا التعديل اعتبر الشيوعية تنظيما يسعى لقلب نظام الحكم وسيطرة طبقة على طبقة.. وكان ممن تضمنتهم القضية شحاتة هارون ونعمان عاشور.

العدوان الثلاثي واليهود في مصر

يحكي ألبير آريه عن فترة العدوان الثلاثي على مصر عام 1956، وكان ألبير في السجن بتهمة الشيوعية، وطلبوا من إدارة السجن الإفراج عنهم للمشاركة في المقاومة، وحاولت الإدارة في السجن تهدئة المساجين، لكن بعد انتهاء العدوان الثلاثي طُرد كل رعايا فرنسا وإنجلترا، وألقي القبض على اليهود الذين لديهم جنسيات أجنبية، والذين لا يحملون جنسية، وجرى عمل معتقل لليهود ووضعوهم فيه لفترة قصيرة، وهنا بدأت الهجرة اليهودية وبيع الممتلكات، ووضعت الدولة محل والد ألبير آريه تحت الحراسة، وبعد خمسة عشر يوما رُفعت الحراسة، ووضعوا مكتب المحاماة الخاص بشحاتة هارون تحت الحراسة أيضا.

بداية جديدة.. نسمات الحرية

استمر ألبير آريه في السجن في العهد الناصري أحد عشر عاما، ودخل منزله في نحو الساعة الحادية عشرة مساء، في الخامس من أبريل عام 1964، وكانت أول ليلة ينام فيها في فراشه بعد سنوات طويلة من النوم على البرش في السجن، وهو يخبرنا بأنه لا شيء يشعرك بالحرية مثل أن تكون في منزلك على فراشك، تغفو في أي وقت تحب، وتستيقظ عندما تريد، وتتقلب في فراشك بحرية آمنا دافئا. وبدأ ألبير يكتشف عالمه من جديد، الذي تغير فيه كل شيء بعد سنوات السجن.

كانت الموضة تغيرت والملابس اختلفت، وكانت القاهرة التي تركها ألبير عام 1953 قد تغيرت، وعديد من الأشخاص الذين كان يعرفهم قد سافروا إلى الخارج، وهنا أخبرته والدته أن الخواجة مستر سيليفره كان يزورها بشكل دوري للاطمئنان عليها، وأنه يود زيارة ألبير بعد خروجه من السجن.. وكان المقصود هو شحاتة هارون.

سمع ألبير رنين جرس البيت، وعرف على الفور أن هذا هو شحاتة، العضو في تنظيمه السياسي. وكان أول سؤال ألقاه شحاتة بعد مقابلة ألبير: «ماذا نفعل من الناحية السياسية؟»، فقال له ألبير: «لا أعلم، فأنا خارج من السجن حديثا، ولم يتصل بي أحد». وفهم ألبير من شحاتة هارون أن بقية المساجين الشيوعيين على وشك الخروج، وأنه سوف يفرَج عن كل المعتقلين والمساجين قبل زيارة خروتشوف- زعيم الاتحاد السوفييتي- لمصر لافتتاح السد العالي، وهو الذي اشترط الإفراج عن الشيوعيين قبل زيارته.

كان شحاتة هارون يرسل إلى المعتقل كتبا عن الشيوعية تصل إليه من مجموعة روما، وهم شيوعيون خارج مصر، لكن الكتب لم تكن تصل إلى ألبير، فقد كان يسطو عليها تنظيم شيوعي آخر في المعتقل، وكانت الكتب عن التجارب الشيوعية الجديدة في الستينيات. وفي تلك الفترة بدأت صداقة بين ألبير وشحاتة، استمرت من عام 1964 حتى وفاة شحاتة عام 2001.

بدأ ألبير استعادة حياته الاجتماعية عام 1965، إذ أخذ يخرج في رحلات ويذهب إلى السينما، وتعرف إلى محمد خان وسعيد الشيمي وسمير فريد، ومعهم شحاتة هارون، بل إن آل هارون أخذوا يبحثون لألبير عن عروسة، لكن لم تعجب ألبير. وهاجرت والدة ألبير من مصر عام 1965، وكان شرط سفر اليهود من مصر التنازل عن الجنسية المصرية، وقد سافرت الأم إلى ابنتها في فرنسا.

تعرف ألبير بعد ذلك إلى زوجته سهير شفيق، وقرر تغيير ديانته إلى الإسلام حتى يتزوجها، وقد علم شحاتة هارون بشأن تغيير ديانة ألبير واعترض على قراره، وطبقا لرواية ألبير فقد كان اعتراضه سياسيا لا دينيا، فقد فهم أن ألبير يتهرب من الأوضاع السياسية التي تضيق على اليهود.

نكسة 67 ويهود مصر

مع نكسة عام 1967 قبضت الدولة على شحاتة هارون وبقية اليهود في حملة كبيرة، وأرسلوهم إلى المعتقل، وأفرجوا عن شحاتة بعد ثلاثة أشهر، بعد تدخل لطفي الخولي الذي كان على اتصال بالجهات الأمنية، ودافع عن شحاتة ومواقفه الوطنية، فأطلق سراحه. وعندما عاد إلى بيته ليلا اتصل بألبير وحكى له ما حدث له، وكان يحمل معه ملابسه التي مزقت ولطخت بدمائه في أثناء ضربه في السجن.

حكى شحاتة كيف قبضت السلطات على مئات من اليهود، ووضعوا في معتقل أبي زعبل في ظروف سيئة جدا وتعرضوا للتعذيب، وكانت أعمار اليهود بين الثامنة عشرة والستين، ولم يفرج عن معظمهم إلا في عهد السادات وبعد وفاة عبد الناصر، طبقا لشهادة ألبير، وجرى القبض على يهود الإسكندرية، ومنهم حاخام الإسكندرية، ورحلوهم بالقطار إلى القاهرة، وفي محطة مصر أشيع أنهم أسرى حرب إسرائيليون، وبدأت الحشود التي تجمعت تقذفهم بالحجارة، وجرى تعذيبهم.

وكان أحد الصحفيين المقبوض عليهم على علاقة مع الحركة الديغولية في فرنسا، وتدخلت الخارجية الفرنسية للإفراج عنه، وكان بينهم أيضا طبيب أسنان تدخلت السفارة السوفييتية للإفراج عنه، والباقون خرجوا عبر إثبات أنهم أجانب، إذ كانت السفارة الإسبانية تمنحهم وثائق تقول إنهم مواطنون إسبان فيجري ترحيلهم، ومن كان يحمل الجنسية المصرية أجبروه على التنازل عنها. وهذا التهاون من الدولة في ملف يهود مصر جعل بعضهم يقرر الهجرة إلى إسرائيل.

خرج شحاتة هارون من المعتقل بعد ثلاثة أشهر وطلب مقابلة وزير الداخلية شعراوي جمعة، وحكى له عن ظروف المعتقلين اليهود، وكان تعليق شعراوي: «أظن أنه من الصعب في هذه الظروف أن تظل تؤيد الاشتراكية»، ولم تتغير المعاملة مع البقية، ورفعوا عن شحاتة منع السفر، وكان يقابل الوفود التي تأتي إلى مصر ويدين إسرائيل.

شحاتة هارون في عهد السادات

في عام 1975 حدثت عمليات قبض على مجموعة من الشيوعيين القدامى، مثل زكي مراد ومحمود توفيق وفوزي حبشي ونبيل الهلالي وشحاتة هارون، وكان سبب حملة الاعتقالات أن السادات لم يكن يريد أي نقد لسياسة الانفتاح، أو للعلاقة مع أمريكا، وكان لا يزال للطلبة نشاط جامعي.

ومع «انتفاضة الخبز»- التي أطلقت عليها الدولة «انتفاضة الحرامية»- في عام 1977، نشرت جريدة «أخبار اليوم» أخبارا عن المتظاهرين، وادعت أنهم كسروا المحال وأتلفوا البلاد، وأن ذلك كان بتحريض الشيوعيين ومنهم المحامي شحاتة هارون. ويوضح ألبير في شهادته أن شحاتة لم يشارك في الأحداث من الأساس، ورفع قضية على الجريدة.

قرر السادات أن يذهب إلى الكنيست وأن يجلس مع الإسرائيليين كالأصدقاء، وكان هناك رفض من اليسار والناصريين للسلام مع إسرائيل، وفي عام 1978 عادت حملة الاعتقالات للشيوعيين، وفي عام 1979 صدر أمر بالقبض على شحاتة هارون، ولكنه لم يكن في منزله بسبب وجوده في المصيف، واختبأ شحاتة في منزل ألبير آريه.

وتحت بيت شحاتة كان يجلس مخبر، وكان يتلطف معه ويقول له: «أنا نظامي اليوم كالآتي: المكتب، ثم المحكمة، ثم كذا، عشان لا تتعب نفسك»، فكان صديقا للمخبر.

شحاتة هاون والحزب الشيوعي في عهد مبارك

مع اغتيال السادات وتولي محمد حسني مبارك تغيرت الأوضاع وأفرجوا عن المعتقلين، وعاد حزب التجمع إلى نشاطه، وانضم شحاتة هارون إلى الحزب لكن ألبير آريه لم ينضم. ومن الطرائف التي يحكيها ألبير أنه سافر في الثمانينيات إلى سويسرا، واكتشف محلا لبيع أجهزة لمكافحة التجسس، وبعد عودته إلى مصر أحضر جهازا بطلب من رفعت السعيد، وعندما استخدموه في مقر حزب التجمع بدأ يصفر دون انقطاع لوجود أجهزة تجسس، وأصاب رفعت الجنون. والظريف أن رفعت السعيد رئيس الحزب أبلغ الأمن بأنه على علم بأنهم يتجسسون على الحزب.

ولقد تعرف ألبير وشحاتة على الحزب الشيوعي الذي أعيد تأسيسه، وفي أواخر الثمانينيات كان شحاتة وألبير يقرأان نشرات الحزب بانتظام عن طريق محمد الجندي، وفي بداية التسعينيات أعطى محمد الجندي لشحاتة وثائق الحزب الشيوعي المصري، وقرأها ألبير ووجدها في منتهى التخلف وعلى غير دراية بما يحدث في العالم. ومن الأشياء الطريفة أنهم كانوا لا يزالون يؤيدون شعار ديكتاتورية البروليتاريا، في حين أن معظم الأحزاب الشيوعية في العالم تخلى عن هذا الشعار الذي اخترعه الاتحاد السوفييتي بعد الثورة.

وكان تعليق الحزب الشيوعي على البروسترويكا، أي «إعادة الهيكلة»، وهي برنامج للإصلاحات الاقتصادية أطلقه رئيس الاتحاد السوفييتي ميخائيل غورباتشوف، بأنها مؤامرة صهيونية عالمية. وكانت هذه نظرة طفولية كما يعبر ألبير آريه، ويكمل قوله إن ما حدث داخل الاتحاد السوفييتي من سقوط كان نتيجة لأوضاع داخلية تراكمت عبر سنين طويلة بسبب الحزب والنظام. وشعر ألبير بالضيق، وبعد ذلك مزق هذه الوثائق وانقطعت علاقاته مع الحزب الشيوعي.

يقول ألبير آريه عن صديق عمره إن أهم ما ميز شحاتة هارون هو أنه كان عمليا للغاية، فهو يعرف دائما ماذا يفعل، ولا يميل إلى التنظير، وتخصص في براءة الاختراع والعلامات التجارية، واشتغل معظم حياته بالمحاماة. كان يتشارك مع ألبير شراء جريدة «لوموند» مرتفعة الثمن، يقرؤها ألبير ثم يرسلها إلى شحاتة، وبعدها يرسلها إلى جريدة الأهالي ليستفيد محرروها منها.

اختار شحاتة البقاء في مصر وعدم الهجرة، وظل في كتابه «يهودي في القاهرة» يردد شعارات شيوعية، رغم سقوط الاتحاد السوفييتي، وأتذكر هنا طرفة حكتها أروى صالح في كتابها «المبتسرون»، إذ قالت: «كان أحدهم يسأل بالفعل الرفاق القدامى بعد انهيار الاتحاد السوفييتي حين يقابل الواحد منهم: أما زلت محتفظا بإيمانك؟».

لكن شحاتة هارون- كما حكت ابنته ماجدة لمحمد أبو الغار في كتابه عن يهود مصر- تأثر بسقوط الاتحاد السوفييتي، وكان يجلس في غرفته يحملق في السقف، وتدخل عليه ابنته وتقول له: «لا تكتئب، واحمد الله أنك لم تمت على عماك، وأنك عرفت الحقيقة»، وكان هذا يغضبه جدا فيقذف بكتاب في وجهها.

وعندما أراد جيل بيرو، الكاتب الفرنسي، كتابة قصة حياة هنري كوريل، أحد الآباء المؤسسين للحركة الشيوعية في مصر، تقابل مع ألبير آريه وشحاتة هارون، وبعد تأليف الكتاب قرر الرفاق ألبير وشحاتة هارون ويوسف حزان ورفعت السعيد ترجمته إلى العربية وتقسيم تكلفة الترجمة عليهم، وصدر الكتاب بعنوان «هنري كورييل.. رجل من نسيج خاص».

وفي بداية الألفية زاد الاهتمام بالتراث اليهودي، وذهب شحاتة هارون إلى معبد عدلي في أثناء وجود نائب رئيس الوزراء الإسرائيلي للصلاة فيه، وجلس وراءه وقال له إنه يحتج على سياسة إسرائيل بخصوص الفلسطينيين، فشحاتة هارون يهودي وكان من حقه دخول المعبد، وسرعان ما قام الأمن بطرد شحاتة من المعبد.

كان أصدقاء شحاتة هارون يسمونه «آخر الموهيغان»، وهي قبيلة من الهنود الحمر في الولايات المتحدة. وتظل هناك أسئلة مهمة حول علاقة اليهود بالشيوعية في بداية القرن العشرين في مصر، فمعظم الشيوعيين الأوائل في مصر من أصول أجنبية، لكن أسماءهم الحركية عربية، مثل هنري كورييل الذي كان اسمه الحركي يونس، وكان يطلق على أتباعه اليونسيين، وحركة «إيسكرا» أي «الشعلة» ورئيسها هليل شفارتز الذي كان اسمه الحركي بشندي، وحركة تحرير الشعب التي رأسها مارسيل إسرائيل، الذي كان اسمه الحركي مرسي. وهذا الاختيار السياسي للحركة الشيوعية يستحق وقفة أخرى نحاول فيها فهم سبب اختار اليهود الانضمام إلى الحركة الشيوعية في مصر.

يحكي جيل بيرو في كتابه عن سنوات نضال شحاتة هارون الخمس والثلاثين التي جعلته يمر على كل سجون مصر، بحيث يمكنه وضع دليل للسجون، وعندما تمر ثلاثة أشهر هادئة يقول شحاتة في نفسه: «خذ حذرك؛ سوف يقبضون عليك». وعندما مات شحاتة لم تعرف عائلته كيف تضع نعيا له على صفحات جريدة «الأهرام»، ولم تعرف ما العبارة التوراتية المناسبة للنعي، ولم يجدوا حاخاما للصلاة عليه، فقد غادر آخر حاخام مصر عام 1971، كما تروي أمينة شفيق في مقال عنه.

عندما تعود إلى كتابه «يهودي في القاهرة»، تجده يؤمن بنفس قناعات الأحزاب الشيوعية العربية التي رحبت بقرار تقسيم فلسطين، وقد ظل على إيمانه بالاتحاد السوفييتي، ولم يقدم شحاتة هارون في كتابه الصغير مراجعات فكرية أو نظرة نقدية لتاريخ الحركة الشيوعية في مصر.

محمد عبدالعزيز

مهتم في مجال السير الذاتية والمذكرات

0 تعليق

إرسال تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابعنا على حساباتنا

مقالات أخرى

رسالة إلى أمريكا

رسالة إلى أمريكا

وقف مراسل شبكة CNN الإخبارية بمنطقة "أيتون" شرقي مدينة لوس أنجلوس الأمريكية، مرتدياً قناعاً واقياً من الغاز، قام بإزاحته عن وجهه، بعد أن طلبت منه المذيعة في داخل الاستوديو أن يصف لها ما يحدث على الأرض. بعيون دامعة، ووجه شاحب مكفهر، تحدث بأسى عن جحيم مروع، تشهده ولاية...

قراءة المزيد
أما آن للوزيرة الألمانية أن تهمد؟!

أما آن للوزيرة الألمانية أن تهمد؟!

أخيراً تحقق لها المراد! فقد صافحت الوزيرة الألمانية أنالينا بيربوك الوزيرَ السوري أسعد الشيباني في الرياض، بعد الضجة الكبرى لعدم مصافحة أحمد الشرع لها، والاكتفاء بالترحيب بها بوضع يده مبسوطة إلى صدره! وكما كان عدم المصافحة في دمشق خبرَ الموسم في الإعلام الغربي، فقد...

قراءة المزيد
غزة وجدليَّتا النصر والهزيمة

غزة وجدليَّتا النصر والهزيمة

على مدى ما يقارب ٤٧١ يوماً، وقفت غزة وحيدةً صامدةً تواجه مصيرها، كآخر بقعة تتموضع عليها القضية الفلسطينية، بعد أن تم تدجين العالم العربي كله وصولاً إلى تدجين فلسطين نفسها بقيادة أكثر صهيونية من الصهيونية نفسها، لا هدف لها سوى أن تُنسي الفلسطينيين والعالم كله شيئاً...

قراءة المزيد
Loading...