السيسي والنسخة المُصغّرة منه في التشكيل الوزاري الجديد
بقلم: شيرين عرفة
| 4 يوليو, 2024
مقالات مشابهة
-
السياسة الخارجية للرئيس ترامب تجاه الشرق الأوسط
لم تمرّ إلا ساعات فقط بعد إعلان الرئيس الأمريكي...
-
“العرب العثمانيون”.. كيف جسّد الإسلام عمومية النظام السياسي لجميع الأعراق؟
خلال زيارتي لنائب مدير جامعة السلطان محمد الفاتح...
-
في موقعة أمستردام.. لم تسلم الجرّة هذه المرة !
تقول العرب في أمثالها: "ما كل مرة تسلم الجرة".....
-
عمر بن عبد العزيز والتجربة الفريدة
حين ظهرت له أطلال المدينة المنورة، أيقن الشاب...
-
هيكل: حكايات من سيرة الأستاذ الكاهن (2)
هيكل والسادات مضت السنوات وابتعد محمد حسنين هيكل...
-
أعرني قلبك يا فتى!
أعرني قلبك يا فتى، فإن الأحداث جسام، والأمور على...
مقالات منوعة
بقلم: شيرين عرفة
| 4 يوليو, 2024
السيسي والنسخة المُصغّرة منه في التشكيل الوزاري الجديد
في ظهيرة الجمعة 26 من مارس/ آذار انتشر على مواقع التواصل الاجتماعي فيديو بث مباشر، قام بنشره شاب صعيدي، أرسل من خلاله استغاثة، وهو على متن قطار مصري اصطدم بآخر، فسقط به من الضحايا العشرات.
بدا الشاب بعيون زائغة، والغبار يلف وجهه وشعره، وهو يصرخ بشدة، قائلاً “الحقونا.. الحقونا.. الناس بتموت”، ومن جانبه سُمعت صرخات الناجين، وهمهمات لمصابين يتألمون بين مقاعد القطار المحطمة، والجميع يستغيث ويئن من تأخر وصول الإسعاف وفرق الإنقاذ إليهم. وقد ناشد الشاب الجميع بإعادة نشر البث المباشر لكي تتحرك وسائل الإغاثة، مضيفا: لا نستطيع الخروج، والناس “معجونة” أسفل مقاعد القطار”.
كان ذلك حادث اصطدام قطار مصري متجه من أسوان إلى القاهرة، بقطار ركاب من الخلف كان متوقفًا بمركز طهطا بمحافظة سوهاج، ما تسبب بخروج 3 عربات عن القضبان.
لاحقا، أعلنت وزارة الصحة المصرية عن مصرع 32 شخصًا وإصابة 108 آخرين في ذلك الحادث المؤسف، بينما قال شهود عيان من موقع الحادث إن عدد الضحايا يتجاوز الـ 400 بين قتيل وجريح، وقد اعتُبر واحدا من أفدح حوادث القطارات بمصر. وكان أول تعليق لـوزير النقل “كامل الوزير” على هذا الحادث قوله في برنامج “على مسؤوليتي” المذاع على قناة “صدى البلد” مساء الجمعة، في بيان مقتضب إنه ستتم محاسبة المقصرين أو المخطئين في حادث تصادم قطاري سوهاج.
اعتبر المصريون تصريح الوزير ينم عن إحساسه العميق بأنه فوق المساءلة والمحاسبة، وهو ما أشعل الغضب تجاهه على مواقع التواصل الاجتماعي. وزاد من الغضب بشاعة الحادث، مع زيادة وتيرة حوادث القطارات منذ توليه حقيبة وزارة النقل، وهو ما دفع الوزير للتصريح مجددا عبر مداخلة هاتفية مطولة مع الإعلامي عمرو أديب ببرنامج “الحكاية”، مساء السبت 28 مارس/ آذار، كشف فيها عن تحمله مسؤولية ما حدث واعتذاره عنه، معترفا بأنه كان السبب المباشر فيه.
وأشار إلى أنه أصدر تعليمات سابقة لسائقي القطارات، بشأن التخلي عن تقنيةATC ؛ وهي التقنية التي من شأنها السيطرة على سرعة القطار وإيقافه إذا حدث أي ظرف عارض، وتقليل سرعة القطار إلى 8 كيلومترات، وأوضح قائلا: “لما حصل تأخير في القطارات ومواعيدها، جلسنا مع السوّاقين وقلنا لهم أنتم سائقين كبار وعندكم خبرة، ففي بعض الأماكن التي سيعطلك فيها الـATC استغني عنه وامشي بسرعة قليلة تمكنك من السيطرة على القطار”.
وبالرغم من اعتراف الوزير بخطئه الكارثي – الذي لم يكن هو الأول بالطبع، وكذلك لم يكن الأخير، فقد تَلتْه حوادث أخرى عديدة- فإنه أكد عدم نيته الاستقالة من وزارته، قائلا: “أنا موجود في وزارة النقل تحت أمر شعبنا، وتحت أمر رئيسنا الذي وثق فيَّ، فليس في أبجديات ثقافتي، ولا في قاموس حياتي إني أنسحب أو أتقهقر”.
وأكد وزير النقل أن الدولة لم تُقصر بشأن ملف القطارات، وأنه قد تم تخصيص 225 مليار جنيه لتطوير قطاع السكك الحديدية الممتد بطول 10 آلاف كيلومتر في طول البلاد وعرضها، وأن وزارته قد حصلت على 1.5 تريليون جنيه لتطوير كافة قطاعات النقل المختلفة، وأنهم سيواصلون جهدهم في التنمية والتطوير.
بعد ذلك أعلنت وزارة النقل عن تسليمها لسائقي القطارين، وخمسة موظفين آخرين للنيابة العامة، التي أمرت بحبسهم لحين انتهاء التحقيقات. بينما خرج الشاب الصعيدي الذي نشر فيديو البث المباشر في فيديو جديد، يعتذر فيه عما اعتبره سوء ظن من المتابعين، ونفى عن نفسه الاتهامات التي وجهت إليه بالإرهاب والانتماء لجماعة الإخوان المسلمين، وعاتب من طالبوا في التعليقات باعتقاله بتهمة تشويه مجهودات الدولة، مبررا الفيديو بأنه كان استغاثة لطلب المساعدة، بعد أن تأخرت سيارات الإسعاف والدفاع المدني في الوصول إليه، ورأى الضحايا من حوله وقد تحول كثيرون منهم إلى أشلاء.
كان اللواء كامل الوزير يشغل منصب رئيس الهيئة الهندسية للقوات المسلحة، قبل أن يتولى وزارة النقل خلفا لسابقه المهندس “هشام عرفات”، الوزير المدني الذي تمت الإطاحة به بسبب حادث مماثل، وهو حادث قطار محطة مصر، يوم 27 فبراير/ شباط 2019، عندما اصطدم جرار القطار بالحاجز الخرساني لمحطة رمسيس، متسببا في حدوث انفجار وحريق كبير أودى بحياة 21 مواطنا وإصابة 52 آخرين.
حينها أسند عبد الفتاح السيسي – رئيس النظام المصري الذي وصل إلى الحكم في بلاده عبر انقلاب عسكري- مهمة وزارة النقل إلى أحد رجاله العسكريين وهو كامل الوزير، مبشرا بزوال عصر حوادث القطارات وحقن دماء المصريين، قائلا: “سأعطي مرفق النقل لواحد من أفضل ضباط الجيش”.. جاء ذلك خلال كلمته في الندوة التثقيفية للقوات المسلحة احتفالا بيوم الشهيد، في العاشر من مارس/ آذار 2019، وقد تمت ترقية “الوزير” أيضا إلى رتبة فريق.
طارت وسائل إعلام النظام آنذاك فرحا بالخبر، وقبلها بأيام كانت تروج بأن مشاكل وزارة النقل لن يحلها سوى رجل عسكري، تربى على الانضباط والالتزام.. إلا أن حوادث الطرق والقطارات زادت وتيرتها خلال السنوات الأولى من تولي “كامل” للوزارة؛ ففي أبريل/ نيسان 2020، انحرف قطار متجه من محافظة كفر الشيخ إلى مدينة “بيلا” عن مساره، ما تسبب في وقوع عشرات الإصابات، وفي 23 سبتمبر/ أيلول 2020 اندلع حريق هائل في أحد القطارات بمحطة قطار المنيا.
وفي 18 أبريل/ نيسان 2021 خرج قطار متجه من القاهرة إلى المنصورة عن القضبان قرب محطة سكة حديد “طوخ”، وأدى إلى مصرع 11 شخصا وإصابة ما يقرب من 103 آخرين، وفي 17 يونيو/ حزيران 2022 شهدت مدينة ملوي بالمنيا مصرع 4 أشخاص دهساً تحت عجلات القطار بمزلقان شرق المحطة، وفي 7 مارس/ آذار 2023 اصطدم قطار ركاب بنهاية السكة بمحطة قطار مدينة قليوب، ونتج عنه وفاة أربعة أشخاص وإصابة 23 آخرين، وفي 28 مايو/ أيار 2023 نشب حريق بمحطة سكك حديد مغاغة، في شمال محافظة المنيا.
ومن الحوادث المأساوية التي بكاها المصريون بشدة واقعة مقتل الشاب “محمد عيد” في 30 أكتوبر/ تشرين الأول 2019، بعد أن قفز مع زميل له من أحد القطارات أثناء سيرها، بناء على طلب من مشرف القطار، لأنهما لا يملكان ثمن التذكرة.
وقد استدعى الشعب المصري واقعة، تم تداولها لـ “كامل الوزير” في 4 أبريل/ نيسان 2019، حيث يعشق “كامل” الظهور الإعلامي، وتنشر وزارته على موقعها جولاته التفقدية واتصالاته الهاتفية بالبرامج التليفزيونية والمذيعين؛ فقد ظهر في مقطع مصور أثناء جولة تفقدية له بإحدى محطات القطارات، وهو يلقي تعليماته المباشرة إلى محصل التذاكر “الكمسري” قائلا: “لو تركت الناس تتهرب من دفع ثمن التذكرة، سأفصلك من عملك وأوفر مرتبك”.
ويضاف إلى تلك واقعة أخرى أثارت غضب الشارع المصري، وقد أوضحت ذلك الجانب شديد القسوة والوحشية في شخصية “كامل الوزير”؛ حيث ظهر في مقطع مصور، في 22 أكتوبر/ تشرين الأول 2019، أثناء مناشدة سيدة له بتخفيض ثمن تذكرتها، نظرا لكونها مرافقة فقط لابنها المصاب بمرض التوحد.. حينها بدا “الوزير” غاضبا، ورافضا بشدة تقديم أية مساعدة للمواطنة المصرية، قائلا: “إن الإعفاء يشمل ابنها فقط، وعليها دفع ثمن التذكرة كاملا، كأي مواطن”؛ وذكر في حديثه الذي وجهه للمرأة أن “عدم امتلاكها ثمن التذكرة لا يعطيها الحق بالركوب، كما لا يعطيها الحق في طلب تخفيض ثمنها، أو الإعفاء منها”.
وقد اعتبر المصريون مواقف كامل الوزير السابقة هي السبب الأول في مقتل الشاب، فسياساته المتوحشة في البحث عن تحصيل الأموال هي التي دفعت بالكومسري “عديم الضمير” أن يطلب من الشاب أن يلقي بنفسه من القطار.
ومن المآسي التي شهدتها الفترة الوزارية لـ “كامل الوزير” حادث تعطل قناة السويس، وتوقف حركة الملاحة البحرية فيها، بسبب جنوح سفينة الحاويات “إيفرغيفن” في 23 مارس/ آذار 2021، التي لم تتمكن مصر من تعويمها إلا بعد 6 أيام كاملة، وبسببها تعطلت خطوط شحن البضائع في العالم بأسره، وكان لها تأثير كبير على الاقتصاد.
وفي الخامس من يونيو/ حزيران 2024، وبعد الإعلان عن تغيير وزاري جديد، تم تكليف رئيس الحكومة المصرية “مصطفى مدبولي” بتشكيلها مجددا، وقبل معرفة أسماء الوزراء، تعرض وزير النقل “كامل الوزير” لهجوم عنيف في مجلس النواب بعد مطالبته بالموافقة على التسهيلات الائتمانية (القروض) بين مصر وإسبانيا، لاستيراد 7 قطارات نوم فاخرة بـ200 مليون يورو.
وأعلن النائب “عبد المنعم إمام”، أمين سر لجنة الخطة والموازنة، عن رفضه القاطع لتلك الاتفاقية، متهما وزارة النقل بمسؤوليتها الأولى عن الكم الهائل من القروض والديون التي تكبل مستقبل مصر، وتخرب اقتصادها، حيث قال: “إن الهيئة القومية للسكك الحديدية والهيئة القومية للأنفاق والطرق والكباري ديونهم 35 مليار دولار، بخلاف قرض اليوم”؛ ووجه النائب حديثه لوزير النقل قائلا: “رقم مفزع! لم تحدث مثل هذه الاستدانة من قبل، والأزمة يتحمل كامل الوزير 80% من أسبابها”، وختم بالقول: “ليس في بقائك خير ولا في رحيلك ندم”.
إلا أنه مع الإعلان عن التشكيلة الجديدة للحكومة المصرية، صباح الأربعاء في الثالث من يوليو/ تموز، كان اسم الفريق “كامل الوزير” هو المفاجأة الأبرز، حيث أٌسندت إليه وزارة الصناعة بجانب وزارة النقل، بالإضافة إلى توليه منصب نائب رئيس الوزراء.
ذلك لنعلم ونوقن أن السيد “كامل الوزير” بفشله الذريع في إدارة وزارة النقل، واستهتاره الفظيع بأرواح المصريين، وتسببه في سفك دمائهم في حوادث النقل والقطارات، وقسوته المفرطة في سعيه لتحصيل الأموال، ورغبته المَرَضيّة في الظهور وحب الكلام، وإهداره المتعمد والكارثي لميزانية البلاد، وهوسه المحموم بالقروض والديون، وتكبيله لمستقبل بلادنا باستدانة تُقدر بعشرات المليارات من الدولارات، إنما هو نسخة مصغرة طبق الأصل عن رئيسه “عبد الفتاح السيسي”، وأنه لا عجب مطلقا في أن يسند إليه الأخير كل تلك المناصب والوزارات.
لله الأمر من قبل ومن بعد.
كاتبة صحفية وباحثة سياسية
8 التعليقات
إرسال تعليق
تابعنا على حساباتنا
مقالات أخرى
وقد استجاب القضاء لدعوة الرئيس.. ماذا ينتظر المستأجرون؟!
ذكّرني القول إن المحكمة الدستورية العليا في مصر استجابت لدعوة الرئيس في إصدار حكم، بما مضى. فدائما تذكّرنا القدرات المتواضعة الآن بعهد الرئيس مبارك، فلا يعرف قيمة أمه إلا من يتعامل مع زوجة أبيه، وكثيرون صار شعارهم "رُبّ يوم بكيت منه، فلما مضى بكيت عليه". ولست من هؤلاء...
السياسة الخارجية للرئيس ترامب تجاه الشرق الأوسط
لم تمرّ إلا ساعات فقط بعد إعلان الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب نيته تعيين حاكم أركنساس السابق "مايك هاكابي" ليكون سفيرًا للولايات المتحدة لدى إسرائيل وهو المعروف بدعمه منقطع النظير للاستيطان، خاصة في الضفة الغربية التي يعتبرها جزءاً من أرض الميعاد كما يقول،...
“العرب العثمانيون”.. كيف جسّد الإسلام عمومية النظام السياسي لجميع الأعراق؟
خلال زيارتي لنائب مدير جامعة السلطان محمد الفاتح في إسطنبول، البروفيسور المؤرخ زكريا كورشون، كنت أتحدث معه عن آخر إصداراته، فحدثني عن كتابه "العرب العثمانيون"، ومقصد الكتاب تبيان عمومية النظام السياسي في الإسلام لجميع الأعراق والأجناس في ظل الدولة الواحدة . فالإسلام...
لله الأمر من قبل ومن بعد
وحسبنا الله ونعم الوكيل في هؤلاء المجرمين المنقلبين وان شاء الله قريبا هيجى اليوم اللي هننتقم فيه لدماء شهدائنا رحمهم الله
شيرين عرفة أسطورة صحفية كبيرة و انا من محبى مقالاتها الكبيرة والتى توصف فيه المشهد كما هو واكنها عاشت الأحداث بنفسها فجزاها الله عن المصريين خيرا وبارك بها وباولادها امين
كل الشكر والتقدير لحضرتك أستاذ فهد
هذا شرف لي، أعزكم الله ورفع قدركم
دراسة توثيقية هامة لتكرار حوادث القطارات رغم ضخامة حجم الأموال، ولكن الخلاصة تكمن فى النتيجه التى أشارت إليها الأستاذة شرين عرفة بأن كامل الوزراء هو صورة من السيسى ،
كل الشكر والتقدير لحضرتك، حياكم الله
انا من متابعين شرين عرفه الصحفيه المحترمه الخلوقه ذات الفكر النموزجى المدافع عن الحقوق .مقالك لا غبار عليه
جعلك الله وقلمك سلاحا فى نحورهم
أشكرك جزيل الشكر ، تحياتي
دراسة توثيقية متميزة
تحياتى