هيكل: حكايات من سيرة الأستاذ الكاهن (2)
بقلم: محمد عبدالعزيز
| 16 نوفمبر, 2024
مقالات مشابهة
-
السياسة الخارجية للرئيس ترامب تجاه الشرق الأوسط
لم تمرّ إلا ساعات فقط بعد إعلان الرئيس الأمريكي...
-
“العرب العثمانيون”.. كيف جسّد الإسلام عمومية النظام السياسي لجميع الأعراق؟
خلال زيارتي لنائب مدير جامعة السلطان محمد الفاتح...
-
في موقعة أمستردام.. لم تسلم الجرّة هذه المرة !
تقول العرب في أمثالها: "ما كل مرة تسلم الجرة".....
-
عمر بن عبد العزيز والتجربة الفريدة
حين ظهرت له أطلال المدينة المنورة، أيقن الشاب...
-
هيكل: حكايات من سيرة الأستاذ الكاهن (2)
هيكل والسادات مضت السنوات وابتعد محمد حسنين هيكل...
-
أعرني قلبك يا فتى!
أعرني قلبك يا فتى، فإن الأحداث جسام، والأمور على...
مقالات منوعة
بقلم: محمد عبدالعزيز
| 16 نوفمبر, 2024
هيكل: حكايات من سيرة الأستاذ الكاهن (2)
هيكل والسادات
مضت السنوات وابتعد محمد حسنين هيكل عن رئاسة الدولة ومركز اتخاذ القرار أيام الرئيس محمد أنور السادات، ولكن بقي له موقع فريد في الحياة السياسية، وظلّت كتابات هيكل مهمة وحاضرة، وهذا دليل على أنه صحفي مهمّ بعيدًا عن علاقته مع الرئيس جمال عبد الناصر.
يروي الصحفي محمد كريشان في مذكراته “وإليكم التفاصيل” أن علاقة الصداقة والود الخاصة بين عبد الناصر وهيكل جعلت العاهل السعودي، الملك عبد الله بن عبد العزيز، يقول لهيكل إن أكثر ما لفته في علاقته بعبد الناصر هو الوفاء، فما كان من هيكل إلا أن ردّ ضاحكًا: ولكن الوفاء يقال عادة عند الحديث عن خصال الكلاب!
بعد قطيعة هيكل مع السادات وتركه رئاسة تحرير الأهرام عام 1974، توجه إلى تأليف الكتب بالإنكليزية ونشرها في لندن، ما أدرّ عليه أرباحًا جيدة، أتاحت له فرصة شراء شقة صغيرة في لندن بعد إلحاح من زوجته السيدة هدايات، التي كانت تريد أن يكون لهما مكان ما يذهبان إليه إذا تعكّرت العلاقة أكثر بين هيكل والرئيس. أول شيك تَسلَّمه من دار نشر بريطانية كان يحتوي على عدد لا بأس به من الأصفار لم تصدّقه حتى زوجته.. كان هيكل وقتها في الخمسين من عمره عندما ترك المسؤوليات الصحافية، وانصرف إلى الكتابة والنشر.
يُورِد الكاتب خالد عبد الهادي في كتابه “علامات على طريق طويل” قصة عن محمد حسنين هيكل ذات دلالة، ذكر له خالد كلمة مأثورة عن رئيس الوزراء الفرنسي جورج كليمنصو، حين قال بأسلوبه اللاذع: “إن الحرب مسألة أخطر من أن نتركها للجنرالات!”. يقول خالد: “ولم أفرغ حتى بادرني هيكل بقوله: وأخطر من أن نتركها في أيدي الساسة؛ هل طالعت الكتاب الأخير عن مجريات ووقائع ما جرى في كامب ديفيد (ثلاثة عشر يومًا في سبتمبر)، وهو للكاتب لورانس رايت؟ كانت في يد الرئيس السادات 12 ورقة رابحة لكنه آثر المشي نحو السراب!”.
عدّ الأستاذ هيكل على أصابعه الأوراق الرابحة التي كانت بحوزة السادات:
1- التعزيزات العسكرية القادمة من الاتحاد السوفييتي بعد وقف إطلاق النار يوم الاثنين 22 أكتوبر.
2- طول الخطوط الإسرائيلية من سعسع (الجبهة السورية) إلى السخنة (الجبهة المصرية).
3- الاقتصاد الإسرائيلي معطَّل مع استمرار التعبئة العامة.
4- الخلاقات الداخلية في إسرائيل متفجرة بين العسكريين والمدنيين، وبين العسكر، وبين المدنيين.
5- العالم العربي مستنفَر خلف سوريا ومصر.
6- سلاح البترول دخل مساندًا.
7- تنبه الاتحاد السوفييتي لتغير موازين القوى في الشرق الأوسط، مع عدم حرصه على سياسة الوفاق.
8- الأسرى الإسرائيليون، ومن ضمنهم 36 طيارًا.
9- حصار باب المندب.
10- شرعية دولية مؤيدة للقرار رقم 338 (الرجوع إلى خطوط يوم 22 أكتوبر)، مع إرادة أوروبية نشطة للعب دور.
11- فتح قناة السويس.
12- عودة العلاقات الدبلوماسية مع الولايات المتحدة.
وأعرب الأستاذ هيكل عن امتعاضه العامّ من طريقة العرب في لعبة السياسة (وشؤون حياتهم كافة)، وقال: “نحن نلعب الطاولة (النرد) والإسرائيليون يلعبون الشطرنج”، ثم أخذ يشرح الفرق بين سياسة الطاولة التي تعتمد على الحظّ والشطرنج الذي يعتمد على التخطيط.
يحكي صلاح عيسى في كتابه “شخصيات لها العجب” عن اعتقاله مع هيكل في نهاية حكم الرئيس محمد أنور السادات، وفي خطبة للسادات في أثناء اعتقالات سبتمبر عام 1981، انفعل وقال إن علاقة هيكل بالمراسلين الأجانب لن تحميه من المحاسبة، ثم قال “وهيكل عاش كفاية”! خاف هيكل من هذه العبارة واعتبرها نية من السادات لقتله.
بعد خروج هيكل من السجن عقب الإفراج عن المعتقلين في سبتمبر 1981، ذهب إلى جيهان زوجة السادات في منزلها بالجيزة، لتعزيتها في وفاة الرئيس السادات، شدّت على يده وقالت: “وصيّتي ألا تهاجم الرئيس أنور”، ووعدها هيكل، ولم ينتظر طويلًا، وأصدر كتابه “خريف الغضب”، الذي هاجم فيه السادات.
مبارك وزمانه
قزّم هيكل مبارك في كتابه “مبارك وزمانه”؛ أظهره جاهلًا ورئيسًا أصغر من الكرسي الذي وصل إليه ومُحدَث نعمة منبهرًا بالسلطة الجديدة ومتلهفًا على أيام العزّ… صورة مبارك بقلم هيكل تجعله صغيرًا، وهو كذلك. يخبره مبارك أنهم كانوا في بعثتهم إلى الاتحاد السوفييتي يخفون الورقة أم 100 دولار تحت الجورب مُغلَّفة بورق تواليت، ثم يغيّرونها في السوق السوداء، كل دولار بـ21 روبلًا. يقول مبارك: «الواد بتاع المكتب العسكري كان جِنّ». ومبارك يدخّن السيجار الذى رشَّه عليه هيكل ويقول: “يا أخي عاوزين نتعلم العِزّ”!
يقول الروائي والكاتب أحمد خالد توفيق في أحد مقالاته عن هذا الكتاب: “يلجأ هيكل إلى حيلة معيَّنة في الكتابة، وهى حيلة يصعب الإمساك بها؛ كل ما يقوله مبارك يُقال بالعامية، بينما كلام هيكل يُقال بالفصحى، فمثلًا يقول مبارك: «ياه! إنتو جامدين قوى»، أو «الصحفيين دول عالَم لبط وسيبهم يغلطوا»، أو «مقالك بينتهى دون أن نرسى على برّ»، بينما هيكل يتكلم بالفصحى طيلة الوقت وبكلام متزن جدًّا، ويقول لمبارك في حزم: «سيادة الرئيس، لا تكرر هذا الكلام أمام أحد ولا حتى أمام نفسك». النتيجة هي أنك تكتشف أن مبارك سوقيّ جدًّا وجاهل جدًّا، وهذا شيء نعرفه طبعًا، لكن هل هيكل لا يستعمل العامية أبدًا؟ دعك من هذه المقولة الرائعة التي قالها مبارك لخالد عبد الناصر، وتصلح أغنية لنانسي عجرم: “شوف يا بني، تبسبس آه، تهلّس آه… تسيّس لا”. وترجمة القول: تبسبِس من بيزنس، وتهلّس (أي مسخرة وهي مفهومة بلا ترجمة)، وتسيِّس من السياسة! وبالتالي فالحكمة المقصودة -كما يقول هيكل- هي أن كل المجالات حلال، أمَّا مجال السياسة فهو الحرام شخصيًّا!
وقد نقلت فقرة من الكاتب صقر أبو فخر عن هيكل، يقول عنه فيها: غير أن كتابات هيكل تواجه دائمًا الشكوك، فجميع شهوده أموات، وهو كثيرًا ما يستشهد بصانعي القرار في روايات شفهية، وقلَّما يستند إلى المراجع والوثائق في غير كتبه، الأمر الذي أوقعه أحيانًا في مغامرات استنتاجية، كاتهامه القوميين الصرب بعملية 11/9/2001، ولم تمضِ عدة أيام، حتى كان أسامة بن لادن يعلن مسؤولية “القاعدة” عن هذه العملية البشعة والهمجية. وكذلك اتهم هشام شرابي بأنه قناة سرية بين وزارة الخارجية الأمريكية وحركة فتح، وهو أمر غير صحيح على الإطلاق. وأطرف منقولاته أن الإسرائيليين أخذوا بول حافظ الأسد حين كان يشارك في جنازة الملك حسين، وفحصوا البول ليكتشفوا أنه مريض. وقد تَبيَّن لاحقًا أن الرئيس الأسد لم يبُل في أثناء الجنازة ألبتة، وهو المعروف بإدارة “مفاوضات المثانة”، وأن الإسرائيليين لم ينضحوا بوله من الحمام، وكل ما في الأمر أن جريدة بريطانية نشرت الخبر من مقالة لصقر أبو فخر بعنوان “هيكل تاريخ يمشي على الأرض”.
وعندما نشرت هذا التعليق، علق على المنشور الأستاذ معن البياري رئيس تحرير جريدة العربي الجديد بقوله: “ليس صقر على حقّ تمامًا في ملحوظته، فلطالما نقل هيكل عن شهود أحياء، ثم إن حكاية بول الأسد في أثناء جنازة الملك حسين أوردتها الصنداي تايمز وهيكل نقلها عن مصدرها هذا، وصحيح ما كتبه صقر عن ذهاب هيكل إلى مسؤولية الصرب عن 11 سبتمبر”.
بيت من زجاج.. بطرس غالي
وعلى سبيل المثال عثرت على مثال من جدل هيكل في كتبه مع شخصيات حية، فهو يكتب عن رأيه فيهم وهم على قيد الحياة، يقول هيكل عن بطرس غالي، أمين الأمم المتحدة: “إن وساوس بطرس غالي جارية على لسانه، وهو يُجمِلها في عبارة مؤدَّاها أنه رجل محكوم عليه مقدَّمًا، فهو مسيحيّ في بلد مسلم، وهو من عائلة اشتهرت بالخيانة في تاريخ مصر، ثم هو متزوج بيهودية!”.
وفي أحد فصول كتاب هيكل “كلام في السياسة” نقد رائع لمذكرات غالي، كتبه في حياة غالي لا كما يقال من أن هيكل يكتب عن أموات… المهمّ أن هيكل يقول عن فرص بطرس غالي في عالَم السياسة: “وبالعكس، فالواضح من متابعة حياة بطرس غالي أن آلهة الحظ عملت دائمًا لبطرس وفتحت أمامه الطرق، ليس فقط بأكثر مما هيأت له وساوسه، وإنما بأبعد مما زيّنت له أحلامه في الأوقات التي كان ينسى فيها نفسـه ويترك شراعه للرياح السعيدة”.
هيكل يحكي عن الروايات والأدب وسلمان رشدي
يعتمد هيكل على متابعة الكتب وقراءة جديد الإصدارات، ففي كتابه “كلام في السياسة (عام من الأزمات)” حكايات تدلّ على شدة حبه للكتب ومتابعته لها، ففي خريف عام 1988 تصادف أن هيكل كان في لندن، وفي مطار هيثرو متوجهًا نحو بوابة الخروج إلى الطائرة المسافرة إلى القاهرة، مرّ كاتبنا بإحدى مكتبات ذلك المطار المزدحم بالحركة، وتوقف هناك كالعادة، ألقى نظرة أخيرة على الكتب المستجدة، ليتأكد أنه لم يَصدُر في الساعات الأخيرة، ومنذ زار آخر مكتبة، مطبوع جديد في موضوع يهمّه، ولَفَـتَ نظره وجود رَفٍّ بأكمله رُصَّت عليه نُسَخٌ من قصة جديدة للكاتب الهندي سلمان رشـدي عنوانها «آيات شيطانية»، ولم يكُن هيكل سمع بها من قبل، واشترى نسخة وضعها في حقيبة يده.
كان دافع هيكل إلى شراء القصة بالدرجة الأولى معرفةً سبَقَت بكاتبها سلمان رشدي، وقد التقاه مرات في مكتب ناشره البريطاني في ذلك الوقت أندريه دويتش.
وكان هيكل مُعجَبًا بقوة أسلوب رشدي وتَميُّزه، وإن لاحظ تأثُّره بالروائي الكولومبي الأشهر غابرييل غارسيا ماركيز، و”كان أسلوب سلمان رشدي تَجلَّى في أعمال قرأتُها له سابقًا، خصوصًا قصـة «أبناء منتصف الليل»، ووقائعها تدور في أجواء المأساة الإنسانية التي جرت عند تقسيم الهند الأصلية (إلى هند وباكستان سنة 1946)، ثم اقتضت أسباب الفصل بين الدولتين نقل ملايين البشر بالاقتلاع كي تتّسق الخطوط السياسية مع مواقع التجمعات البشرية، وكانت تلك أكبر جراحة إنسانية عرفها التاريخ المعاصر حتى تلك اللحظة، فقد كان من السهل رسم الخطوط على خريطة، لكن تطبيق الخريطة على الحياة كان مأساة من الدم والدموع، ومن المرارة والحقد! وفي هذه الأجواء المضطربة رسم سلمان رشدي صوره ونحت شخصيات قصته!”.
هكذا اشترى هيكل «آيات شيطانية»، على قيمـة وصِيت «أبناء منتصف الليل». لكن في أثناء تلك الرحلة من لندن إلى القاهرة، لم يتمكن من قراءتها، فقد شغلته عنها قراءات سياسية وجدها أَوْلى.
وقد عرضت دار “هاربر كولينز” على هيكل تأليف كتابٍ عن «الإسلام السياسي»، وقضى هيكل أكثر من سنة في الإعداد، لكنه وجد أن غيره قد يستطيع أن يقوم على هذا الموضوع خيرًا منه، قال له المحرر: ألا تظن أن مليون قارئ يريدون أن يعرفوا عن بن لادن؟ ردّ هيكل: ربما، لكني أفضِّل أن يعرفوه من غيري.
هيكل والملك الحسين على دراجته
كنت أتصفَّح عددًا من مجلة “الكتب وجهات نظر” وأقف عند عبارات هيكل في وصف شخصية الملك حسين، حيث يحكي عن مبالغة الناس في وصف الملك حسين بعد وفاته، يقول هيكل: “إن كثيرًا من الكلام الذي قيل في مناسبة الجنازة وبعدها تجاوز ما يخصّ الملك حسين نفسه، والحاصل أن الملك كان إنسانًا يملك صفات تلفت النظر، وله مواقف شديدة الأهمية، ومحاولات أخذته جريئًا إلى مهاوي الخطر. ولكن بعض العبارات والشهادات التي احتوى عليها النص الثالث الجنائزي بدت تزيُّدًا على السياق ومبالغة لا يقتضيها حواره، ومن ذلك أن يقال إن الملك حسين كان عميد السياسة في الشرق الأوسط، وكان أعظم شخصية في القرن العشرين، وكان ملاذ الشعوب يتجه إليه الجميع لطلب الرشد حين الحاجة إلى النصح… وكلها تجاوزات تسيء إلى الرجل بغير ذنب، لأنه لا شيء يسيء إلى رجل أو إلى حدث مثل المبالغة حين تجمح عن حدودها المنطقية”.
ثم يكمل هيكل قوله: “وأحسب أن الملك حسين نفسه لو عاد إلى الحياة بمعجزة فسوف يكون أول مستغرب لما قيل عنه بعد وفاته ولم يسمع منه شيئًا في حياته. ولعله كان يفعل كما فعل ونستون تشرشل، رئيس وزراء بريطانيا، حين ذهب إليه مساعده ويليام ديكون يحمل مقالًا عنه كتبه الأستاذ إيشيا برلين، أستاذ الفلسفة بكلية «جميع القديسين» في جامعة أوكسفورد، وكان المقال مغاليًا في إشادته بمزايا تشرشل والتحدث عن عظمته وعبقريته، ويظهر أن برلين كتبه في ساعة نشوة وانبهار، وقرأ تشرشل المقال وأعاد قراءته، ثم كتب على هامشه بخط يده جملة واحدة نصها: “Too good to be true”، وترجمتها “أجمل من أن يكون حقيقيًّا”.
ولا يفوت هيكل أن يحكي في بداية المقال أن معرفته بالملك تعود إلى عهد قديم منذ طفولته: “وربما استطردت من هنا لأقول إن معرفتي بالملك حسين كانت وثيقة، وأظن أن ذلك كان تقديره أيضًا، وأزعم أنني خالطته من قُرب ومن زمن. فقد لقيته لأول مرة وسِنُّه اثنا عشر عامًا، وكان ذلك عندما ذهبت لمقابلة صحفية مع والدته الأميرة زين (وهي سيدة شديدة الذكاء شديدة الطموح) في فندق شبرد القديم في القاهرة، سنة 1947، وكانت يومها زوجة وليّ عهد الأردن الأمير طلال (وأصبحت في ما بعد ملكة على الأردن، وظلّ لها اللقب رسميًّا حتى توُفّيَت).
ثم صادفت الملك حسين بعد ذلك مرات عديدة يركب دراجته في حديقة قصر «رغدان» مقر جده، وكنت وقتها مراسلًا متجولًا لأخبار اليوم في الشرق الأوسط متنقلًا باستمرار بين عمان والقدس وبيروت. وكان قصر «رغدان أهمّ بؤرة في السياسة العربية في ظروف حرب فلسطين سنة 1948، ولذلك کثر تردُّدي عليه للقاء الملك عبد الله، وكثرت رؤيتي لحفيده ووقوفي مرات عديدة معه”.
ماذا يقرأ هيكل في المصيف؟
يحكي هيكل في كتابه “العربي التائه” عن رحلته إلى الساحل الشمالي في الصيف واصطحابه 10 كتب معه، ثم اكتشف أن أربعة عناوين عن الحرب العالمية الثانية… وهنا يعلّق عن سر تعلقه بهذه الحرب: “إجازات الصيف عادةً فرصة حرة للقراءة، والقراءة في هذه الأوقات متأنية، لأنها ليست محصورة ولا مُحاصَرة، وكذلك فهي فسحة مفتوحة للتأمل والتحليق في سماء عريضة، بشراع عالٍ، على موج وريح، كلاهما يحمل الشاطئ ومَن فيه إلى سفر بغير قيد، نحو أفق بغير حد… لاحظت أنني ما زلت مفتونا بالحرب العالمية الثانية، والسبب: أن تلك الحرب العالمية الثانية كانت آخر مواقع الصراع الكبرى على مسرح التاريخ الإنساني. كانت بالفعل آخر حرب إنسانية؛ بشر أمام بشر، وجيوش أمام جيوش، وسلاح يستعمله رجال أمام سلاح يستعمله رجال، ومواقع القتال ظاهرة، فيها نار ودم ولحم وعظم، وأهم من ذلك كله عواطف ومشاعر وغرائز، وهواجس حية، ويَقْظَى ومؤثّرة… وتلك الحرب العالمية الثانية، كانت البيئة التي ظهرت فيها القوى الغالبة في هذا العصر لأنها القادرة عليه. كان ذلك العصر هو الذي صنع تلك القوى، وقد حاولت بما اكتسبته أن تصنع العصر كما صنعها.
كانت الولايات المتحدة الأمريكية هي القوة التي انتصرت في تلك الحرب، وكان شريكها الأكبر في تحقيق النصر هو الاتحاد السوفييتي، لكن وسيلة النصر لدى كل منهما حدَّدَت وحسمت أيهما يملك الزمان الجديد، أو على الأقل يسيطر عليه”.
لقد توقفت أمام قراءات هيكل طويلًا، فقد كان يهتمّ بما يَصدُر في الغرب من دراسات وكتب من نوع التحقيقات الاستقصائية ومذكرات الزعماء وشهادات السياسيين في الغرب، فقد “كان آخر كتابين يقرأ فيهما الأستاذ: “البحر العظيم: تاريخ إنساني للبحر الأبيض المتوسط” للمؤرخ البريطاني ديفيد أبو العافية، أما الكتاب الثاني فهو “من يدفع للزمّار: المخابرات الأمريكية والحرب الباردة“، للكاتبة فرانسيس ستونور سونديرز”. والمعلومة من مقال لمحمد شعير عن مكتبة هيكل. ويشترك هيكل مع المرشد الإيراني علي خامنئي في الإعجاب بكتاب “مَن يدفع للزمّار“.
وقد نصح مرشد إيران خامنئي وزير الثقافة محمد حسين صفار بقراءة الكتاب، ويرصد الكتاب تَدخُّل المخابرات الأمريكية في مجال الثقافة، ونصيحة المرشد في ظنِّي دلالة في وعيه بارتباط الثقافة بالمخابرات الأجنبية واستخدام المؤلفين والمفكرين في أيدي أجهزة خارجية، وهي نظرة موجودة تاريخيًّا، لكن خطر تعميم هذه النظرة يجعل أي معارضة داخلية هي خدمة لأجندة المخابرات الأجنبية، هذه فرصة لفهم عقلية الرقيب.
ويحكي خالد عبد الهادي في كتابه عن هيكل أن الأستاذ قرأ كتاب “جندي أمريكي“، وهو سيرة للجنرال تومي فرانكس القائد العامّ في الجيش الأمريكي، كتاب جعل هيكل لا ينام وهو يقرأ تفاصيل غزو العراق، وعندما تصفحت الكتاب فهمت سبب الأرق، فالكتاب يكشف تواطؤ مبارك، إذ جزم لتومي بوجود أسلحة دمار شامل في العراق، وأرسل تومي المعلومة إلى دونالد رامسفيلد… هذا النوع من الكتب التي ترصد تاريخ الملفات العربية وما يخصّ إسرائيل والولايات المتحدة كان أحد مصادر هيكل قبل التفكير في ترجمة هذا النوع من الكتب إلى العربية، وهذه نقطة تتعلق بمتابعاته الأجنبية أكثر من حصوله على وثائق سرية.
مهتم في مجال السير الذاتية والمذكرات
تابعنا على حساباتنا
مقالات أخرى
وقد استجاب القضاء لدعوة الرئيس.. ماذا ينتظر المستأجرون؟!
ذكّرني القول إن المحكمة الدستورية العليا في مصر استجابت لدعوة الرئيس في إصدار حكم، بما مضى. فدائما تذكّرنا القدرات المتواضعة الآن بعهد الرئيس مبارك، فلا يعرف قيمة أمه إلا من يتعامل مع زوجة أبيه، وكثيرون صار شعارهم "رُبّ يوم بكيت منه، فلما مضى بكيت عليه". ولست من هؤلاء...
السياسة الخارجية للرئيس ترامب تجاه الشرق الأوسط
لم تمرّ إلا ساعات فقط بعد إعلان الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب نيته تعيين حاكم أركنساس السابق "مايك هاكابي" ليكون سفيرًا للولايات المتحدة لدى إسرائيل وهو المعروف بدعمه منقطع النظير للاستيطان، خاصة في الضفة الغربية التي يعتبرها جزءاً من أرض الميعاد كما يقول،...
“العرب العثمانيون”.. كيف جسّد الإسلام عمومية النظام السياسي لجميع الأعراق؟
خلال زيارتي لنائب مدير جامعة السلطان محمد الفاتح في إسطنبول، البروفيسور المؤرخ زكريا كورشون، كنت أتحدث معه عن آخر إصداراته، فحدثني عن كتابه "العرب العثمانيون"، ومقصد الكتاب تبيان عمومية النظام السياسي في الإسلام لجميع الأعراق والأجناس في ظل الدولة الواحدة . فالإسلام...
0 تعليق