سعة الفهم..  في ديوان العرب

بقلم: علي المسعودي

| 8 أكتوبر, 2024

مقالات مشابهة

مقالات منوعة

بقلم: علي المسعودي

| 8 أكتوبر, 2024

سعة الفهم..  في ديوان العرب

للشعراء مراتب وللشعر درجات، العلم بها من أسس فقه النقد.. وعلى الناقد أن يُنزل كل شاعر منزلته، ويضعه  في موضعه.. ويعطي كلاًّ مسمّاه، فيقال للمجيد فحل، ولمن دونه مفلق، ثم شاعر ثم شويعر ثم شعرور…وفق تصنيف الجاحظ.

وللنقد أسس وأصول، ومنابع وفروع، ومنابت ومنافذ، وفيه أحوال وأقوال.. فقد

قيل: إنما يَعرف الشعر من دُفع إلى مضايقه.
وقيل: كن على معرفة الشعر أحرص منك على عقله. 

وقال الفرزدق: لا يكون الشاعر متقدّما حتى يكون باختيار الشعر أحذق منه بعمله.
وقال أبو أحمد بن المنجم:
(ربّ شعر نقدته مثل ما 

ينـقد رأس الصيارف الدينارا)
وقال الأهوازي:
(ويزعم أنه نقّاد شعر 

 هو الحادي وليس له بعيرُ)
وقال آخر:
(قد عرفناك باختيارك إذ

كان دليلا على اللبيب اختياره)

ولأصحاب الصناعة مذاهب مختلفة في نقد الشعر. فمنهم من يميل إلى ما سهل، فيقول: خير الشعر ما لا يحجبه شيء عن الفهم. ومنهم من يقول أن: خير الشعر ما معناه إلى قلبك أسرع من لفظه إلى سمعك. ومنهم من يقول: ما كان مطابقاً للصدق وموافقاً للوصف كما قيل:
(وإن أحسن بيت أنت قائله 

 بيت يقال إذا أنشدته صدقا)
وسئل ذو الرّمة عن أشعر الناس فقال: من خبث جيّده وطاب رديئه. ومنهم من يميل إلى ما انغلق  معناه وصعب استخراجه، كشعر ابن مقبل والفرزدق. وكثير من النحويين لا يميلون من الشعر إلى ما فيه إعراب مستغرب ومعنى مستصعب.
وقال “يزدان المتطبب” أن أبا العتاهيّة أشعر الناس لقوله:
(فتنفست ثم قلت نعم حبا

جرى في العروق عرقا فعرقا)
فقال له بعض الأدباء: إنما صار أشعر الناس عندك من طريق المجسّة  والعروق.

ويضع الأصمعي شرط مانسميّه في النقد الحديث (كبسلة المعنى) والقدرة على التوغل  حد الاستفادة من الفراغ في تفاعيل البيت لإضافة معنى جديداً،  فجاء في باب الإيغال ما أورده صاحب كتاب “العمدة” أن سئل الأصمعي: مَن أشعر الناس؟

قال : الذي ينقضي كلامه قبل القافية فإذا احتاج إليها أفاد بها معنى

قيل: نحو من؟

قال: نحو الأعشى إذ يقول:

(كناطحِ صخرةٍ يوماً ليفلقها

فلم يضرها.. وأوهى قرنه الوعِلُ)

فقد تم المثل بقوله: وأوهى قرنه.. فلما احتاج إلى القافية قال “الوعِل” …. ولم يأت اختيار (الوعل) عبثياً بل لأنه يسقط متدحرجا من قمة الجبل فلا يضيره ذلك.

وقيل: أقسام الشعر أربعة: ضرب حسُن لفظُه ومعناه، وإذا نثر لم يفقد حسنه وذلك نحو:
(في كفّه خيزران ريحه عبِق 

 من كفّ أروح في عرنينه شمم
يغضي حياء ويغضى من مهابته 

فما يكلّم إلا حين يبتسم)

وضربٌ حسُن لفظه وقصُرَ معناه نحو:
(ولمّا قضينا من منى كلّ حاجة 

 ومسّح بالأركان من هو ماسح
أخذنا بأطراف الأحاديث بيننا 

 وسالت بأعناق المطيّ الأباطح)
وضرب جاد معناه وقصّر لفظه نحو:
(خطاطيف حجن في حبال متينة 

 تمدّ بها أيد إليك نوازع)

وضرب قصُر معناه ولفظه نحو:
(إ إنَّ مَحَلاًّ وإنَّ مُرْتَحَلا

وَإنَّ في السَّفْرِ مَا مَضَى مَهَلا)
وقيل: الأشياء كلها ثلاث طبقات: جيد، ووسط، ورديء. فالوسط من كل شيء أجود من الرديء عند الناس إلا الشعر، فإن رديئه خير من وسطه. ومتى قيل شعر وسط فهو عبارة عن الرديء. وقيل: الشعر ثلاثة أصناف: شعر يُكتب ويروى، وشعر يُسمع ويكتب، وشعر لا يكتب ولا يوعى.

 وللفائدة يمكن الرجوع لكتاب محاضرات الأدباء للأصفهاني، وللفائدة الأعمق أقترح  تتبع تعامل النبي عليه السلام مع الشعر والشعراء، وكذلك صحابته الكرام وقد جمعت طرفاً منها في كتابي (ديوان العرب) الذي صدر عن دار روزا قبل بضع سنين..

وللموضوع بقية..

علي-المسعودي

كاتب له مؤلفات في الشعر والنقد والقصة

0 تعليق

إرسال تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابعنا على حساباتنا

مقالات أخرى

رسالة إلى أمريكا

رسالة إلى أمريكا

وقف مراسل شبكة CNN الإخبارية بمنطقة "أيتون" شرقي مدينة لوس أنجلوس الأمريكية، مرتدياً قناعاً واقياً من الغاز، قام بإزاحته عن وجهه، بعد أن طلبت منه المذيعة في داخل الاستوديو أن يصف لها ما يحدث على الأرض. بعيون دامعة، ووجه شاحب مكفهر، تحدث بأسى عن جحيم مروع، تشهده ولاية...

قراءة المزيد
أما آن للوزيرة الألمانية أن تهمد؟!

أما آن للوزيرة الألمانية أن تهمد؟!

أخيراً تحقق لها المراد! فقد صافحت الوزيرة الألمانية أنالينا بيربوك الوزيرَ السوري أسعد الشيباني في الرياض، بعد الضجة الكبرى لعدم مصافحة أحمد الشرع لها، والاكتفاء بالترحيب بها بوضع يده مبسوطة إلى صدره! وكما كان عدم المصافحة في دمشق خبرَ الموسم في الإعلام الغربي، فقد...

قراءة المزيد
غزة وجدليَّتا النصر والهزيمة

غزة وجدليَّتا النصر والهزيمة

على مدى ما يقارب ٤٧١ يوماً، وقفت غزة وحيدةً صامدةً تواجه مصيرها، كآخر بقعة تتموضع عليها القضية الفلسطينية، بعد أن تم تدجين العالم العربي كله وصولاً إلى تدجين فلسطين نفسها بقيادة أكثر صهيونية من الصهيونية نفسها، لا هدف لها سوى أن تُنسي الفلسطينيين والعالم كله شيئاً...

قراءة المزيد
Loading...