لعنة أهل بابل تحيط بنا!
بقلم: كريم الشاذلي
| 15 نوفمبر, 2024
مقالات مشابهة
-
السياسة الخارجية للرئيس ترامب تجاه الشرق الأوسط
لم تمرّ إلا ساعات فقط بعد إعلان الرئيس الأمريكي...
-
“العرب العثمانيون”.. كيف جسّد الإسلام عمومية النظام السياسي لجميع الأعراق؟
خلال زيارتي لنائب مدير جامعة السلطان محمد الفاتح...
-
في موقعة أمستردام.. لم تسلم الجرّة هذه المرة !
تقول العرب في أمثالها: "ما كل مرة تسلم الجرة".....
-
عمر بن عبد العزيز والتجربة الفريدة
حين ظهرت له أطلال المدينة المنورة، أيقن الشاب...
-
هيكل: حكايات من سيرة الأستاذ الكاهن (2)
هيكل والسادات مضت السنوات وابتعد محمد حسنين هيكل...
-
أعرني قلبك يا فتى!
أعرني قلبك يا فتى، فإن الأحداث جسام، والأمور على...
مقالات منوعة
بقلم: كريم الشاذلي
| 15 نوفمبر, 2024
لعنة أهل بابل تحيط بنا!
يقال إن الله سبحانه وتعالى حينما غضب على أهل بابل أصابهم بلعنة، وذلك أن بَلْبَل لغتهم، فأصبح الناس ذات يوم وكل واحد منهم يتحدث لغة غير التي يتحدثها الآخر، فتوقف العمران، وساح الناس على وجوهم، كل واحد منهم يحمل لغته الخاصة، لكنها لا تسعفه في بناء أي تواصل مع آخر، ويحمل معها كذلك مفرداته التي لا تشبه غيرها!
البعض يُرجع تعدد اللغات إلى هذه الأسطورة، غير أن ما فيها من عمق هو يقيناً أهم من ذلك..!
إذ إن تواصل الناس بعضهم مع بعض مستحيل ما لم نجد لغة مشتركة، ومفردات واضحة المعاني، ومعجماً نتفق عليه.. هذا أمر بديهي جداً، يمكنك أن تتأمل جدواه لبرهة..
غير أن لعنة بابل دارت في فضاء العالم، وقطعت التاريخ ذهاباً وإياباً، ثم استقرت بيننا، وكيف لا، ونحن شعوب تتحدث واحدة من أكثر لغات الكون ثراءً، ووضوحاً، وانضباطاً، ثم ها نحن نقضي العمر نلهث قبل أن نفشل في إخبار من حولنا بما نود قوله!
الناس مختلفون في كل شيء؛ أفكارهم، استنتاجاتهم، رؤاهم.. غير أنهم حينما يعبرون عن هذا الاختلاف، يستخدمون اللغة نفسها التي يتكلم بها من حولهم، بينما العاقل منا -وما أشقاه- حينما يريد أن يُجري نقاشاً مع شخص آخر، فعليه ابتداءً أن يحدد اللغة ومدلولاتها، وما يمكن أن تعطيه من مآلات، وبعد كل هذا ينتظر كي يرى أوُفِّق في هذا أم لا!
خذ مثلاً كلمات تحمل مدلولات المفروضُ أن تكون واحدة، وواضحة، ومباشرة (خائن، وطن، دين).. كلمة خائن قد تعطي مدلولات كثيرة بالرغم من نطقها في البيئة نفسها، إذ ستكون بحاجة لتبيان مقصدك؛ أيكون الخائن هنا من يخون مصلحة وطنه، أم يضاف عليه من يرفض النظام الذي يدير هذا الوطن؟. ثم ستجد نفسك مضطراً لترك الموضوع، والحديث حول المفهوم؛ أمعارضة النظام الذي يدير الدولة يعد خيانة، أم إن الخيانة أن يُترك الوطن نهباً في يد من يحكمون؟!
كلمة الوطن ذاتها، في يقين بعضهم تساوي الرئيس، وفي أذهان البعض الآخر هي الحكومة، وفي وجدان صنف ثالث هي الأرض التي أنبتتنا بكل من فيها وما فيها!
الدين كلمة، تعني عند صاحبي طقساً شخصيّاً، وعند آخر هي أيديولوجيا سياسية واجتماعية، وعند ثالث مساحة صفاء وصوفية..
وأنا هنا -بالمناسبة- لا أعني موقفك من الوطن أو الدين، أنا أعني معنى دلالة الكلمة، المعنى المقصود الذي قد نختلف أو نتفق عليه، إذ المصيبة بعد ذلك ونحن نتحدث عن الحرية، والكرامة، والحب، والعدالة، والديمقراطية، أننا -للأسف الشديد- قد ننفق الوقت والطاقة في الجدال والنقاش، بل والهجر والخصام، ونحن نتحدث عن قضية، لم يقف أيٌّ منا على وضوحها في ذهن الآخر!
للأسف الشديد، إن هذه الأمة -وفق زعمي- قد أصابتها لعنة أهل بابل.. قبائل متنافرة، لكل قبيلة لغتها الخاصة، وتعريفاتها الشخصية، ورؤاها ومبانيها، لدرجة أننا بعد كل هذا الوجع والشقاء ما زلنا لم نتفق على مدلول ما نتعارك بشأنه.. الصراع حول الدين، أم الإنسان؟ وهل ثمة تضارب بينهما أصلاً؟!
أنعرف -ونحن أبناء بيئة واحدة- ما هي الديمقراطية؟ ما معنى العدالة الاجتماعية؟ ما مدلول الحرية! أم إن هناك تعريفات متعددة بتعدد المواقف.. والأشخاص.. والهوى؟!. والأخطر، هل استطاع الليبرالي أن يُفهمنا معنى الليبرالية؟ وهل أخبرَنا الإسلامي ما هي مقومات فكرته؟ وهل أوضح الاشتراكي أو الشيوعي ما الذي يقصده؟!
للأسف، لكل منهم هواه، وسلطانه، وقاموسه، ومعجمه، ومواقفه، وأحكامه.. ونحن تائهون، نحفظ بعض أقوال، وبعض مفاهيم، وبعض الأحرف الهجائية، نكوِّن بها جملاً مضطربة، لا يمكن أن تقدم يد عون في نقاش أو حوار أو تعاون!. ولأننا لا نملك لغة محددة، فالبديل أن نتمركز حول لغتنا الشخصية، ونتعارك مع الآخر وكأنه قد فهم المقصد ووعاه ورفضه، وبدلاً من الشرح والإيضاح نذهب لمحاكمة النوايا، ونملأ فراغ الفهم بالاشتباك الجاهل، وننتصر وننهزم وننام ونصحو على لا شيء.
وبالرغم من أن الله سبحانه وتعالى لم يرسل أبانا آدم إلا بعدما {علَّمه الأسماء كلَّها}، ما يضمن عدم الالتباس وإبعاد الاجتهاد الخاطئ، أو التعثر المتكرر.. بالرغم من ذلك فإننا ونحن نقرأ هذا نظن أن كل ما هنالك أن أبانا قد عرف أن هذه سماء وتلك أرض، وهذا ملاك، وذاك شجر، وتلك جبال!
لا يا صِحابي، الأسماء وحدها لا تغني، وإنما مدلول كل اسم، وكنهه، وطبيعته، وما خلق لأجله، وما يجب أن يكون عليه.. وإلا فإنه -كما يقول الأهل في أمثالهم- “من لا يعرف الصقر يشويه”.. بالنسبة له طائر كأي طائر .. اسمه صقر أو نسر أو حمام أو عقاب لا يهم.. ما دام لا يعرف سوى الاسم فقط، فما الفائدة؟!. وإنما مدلول الاسم وصفة صاحبه، ذلك هو الموضوع الرئيسي، هو الذي سيحدد موقفك منه.
وللأسف الشديد، هذه المعضلة ليس أمامها إلا طريقين لا ثالث لهما..
الأول، أن نشعر بالخطر والتهديد.. سنوات المعارك الخائبة أوصلتنا إلى أن نصبح مهددين، وعليه لا مندوحة إلا الانتباه، وإعادة النظر في لغة تواصلنا، والتواضع كي نفهم، والصبر كي نشرح، وفهم أن هذا الطريق -حال استمرارنا فيه- مظلم، وملعون، وسيوصلنا يقيناً إلى الطريق الثاني!
والثاني، هو التيه، والتشرذم، والضياع!
إذ لا كرامة لتائه، ولا دليل يمكن أن يفيد من يجهل القراءة، ولا بوصلة قادرة على إنقاذ سفينتنا التائهة وكل منا ينظر إليها من اتجاه غير الذي ينظر منه صاحبه.
أنا لست مثاليّاً لأطالب الناس أن يتفقوا على رأي، أو موقف، أو وجهة نظر، بل كل أملي أن نتفق حول اللغة التي سنختلف حولها.. فهل هذا كثير؟!
2 التعليقات
إرسال تعليق
تابعنا على حساباتنا
مقالات أخرى
وقد استجاب القضاء لدعوة الرئيس.. ماذا ينتظر المستأجرون؟!
ذكّرني القول إن المحكمة الدستورية العليا في مصر استجابت لدعوة الرئيس في إصدار حكم، بما مضى. فدائما تذكّرنا القدرات المتواضعة الآن بعهد الرئيس مبارك، فلا يعرف قيمة أمه إلا من يتعامل مع زوجة أبيه، وكثيرون صار شعارهم "رُبّ يوم بكيت منه، فلما مضى بكيت عليه". ولست من هؤلاء...
السياسة الخارجية للرئيس ترامب تجاه الشرق الأوسط
لم تمرّ إلا ساعات فقط بعد إعلان الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب نيته تعيين حاكم أركنساس السابق "مايك هاكابي" ليكون سفيرًا للولايات المتحدة لدى إسرائيل وهو المعروف بدعمه منقطع النظير للاستيطان، خاصة في الضفة الغربية التي يعتبرها جزءاً من أرض الميعاد كما يقول،...
“العرب العثمانيون”.. كيف جسّد الإسلام عمومية النظام السياسي لجميع الأعراق؟
خلال زيارتي لنائب مدير جامعة السلطان محمد الفاتح في إسطنبول، البروفيسور المؤرخ زكريا كورشون، كنت أتحدث معه عن آخر إصداراته، فحدثني عن كتابه "العرب العثمانيون"، ومقصد الكتاب تبيان عمومية النظام السياسي في الإسلام لجميع الأعراق والأجناس في ظل الدولة الواحدة . فالإسلام...
مقال أكثر من رائع كالعادة 👏👏👏
راااائع الله يصون قلبك وقلمك وحسك ولسانك ويبارك لنا فعمرك وعلمك وعملك يارب يااستاذنا اللهم آمين يارب العالمين الراائع يتحدث 🫰❤️