الشيطان لا ينسى

بقلم: د. عبد الله العمادي

| 24 أكتوبر, 2024

مقالات مشابهة

مقالات منوعة

بقلم: د. عبد الله العمادي

| 24 أكتوبر, 2024

الشيطان لا ينسى

مكائد الشياطين لا تنتهي، فإن أسبقيتهم مقارنة بالبشر إلى الظهور في هذه الدنيا، جعلت خبراتهم وألاعيبهم تتراكم وتتنوع، فلا يستوعب الإنسي مكيدة شيطانية إلا ويجد أخرى خرجت أمامه، ضمن عمليات مستمرة لا تتوقف، تطبيقاً وتنفيذاً لتعليمات زعيم الجن والشياطين إبليس، من بعد أن طرده الله من رحمته. 

بعد تأكد إبليس من قرار الطرد الذي لا رجعة عنه، وليس له بعده توبة أبداً، طلب من الله أن يمد في عمره ولا يموت كباقي الخلائق إلى يوم البعث! لماذا كان ذلك الطلب الغريب؟  لكي يتمكن من إغواء بني آدم ودفعهم لاتباع خطواته.. يريد أن ينتقم من ذرية هذا الإنسي الذي بسببه خرج من الملأ الأعلى، خرج من مكانة لا يصل إليها أي مخلوق سوى الملائكة، خرج بعد أن صدر قرار طرده من الرحمة الإلهية.. أعطاه ربنا تبارك وتعالى ما طلب؛ فهو موجود منذ أن خلقه الله، وباقٍ إلى أن تموت كل الخلائق والموجودات مع نفخة إسرافيل الأولى. 

بدأ من فوره في عمليات الإغواء والإضلال، بدءاً من آدم ومن سيأتي من ذريته، ودفعهم عن جادة الصواب والصراط المستقيم. هذا هو ما حدث ولا يزال يحدث من إبليس وذريته، منذ إغوائه لأبينا آدم- عليه السلام- إلى يوم الناس هذا، وإلى ما شاء الله أن يستمر إغواء الشياطين لبني آدم.

من هنا، لا تظنن أيها الإنسان- مهما كنت صاحب إيمانيات عالية- أن الشيطان تاركك على صراط الله المستقيم.. لا بد أن يدفعك دفعاً للخروج عنه، وسلوك طرق أخرى معروفة نهاياتها. إن استطاع دفعك بالإغواء فلن يتردد لحظة واحدة في سبيل ذلك، فإن لم يستطع أشغلك حتى النسيان، فإن عجز عن ذلك قام بالتشويش عليك، فإن فشلت عملية التشويش قام بتخويفك ونسج خيالات وأوهام متعلقة بعملك أو حياتك أو أهلك أو مالك.

لن يعجز الشيطان في الإتيان بكل ما هو جديد عليك من مسالك ودروب ومداخل وخطوات.. كلها تؤدي إلى الهدف نفسه، وهو إخراجك عن الصراط المستقيم. 

القرآن يحذّر   

الآيات القرآنية التي تحذّرنا من الشيطان وألاعيبه كثيرة، فهذا الشيطان تكمن قوته في مهارته وقدرته على الإغواء والوسوسة والإيحاء ليس أكثر.. بمعنى أنه لا يملك سلطة عليك، ولا يقدر أن يأمرك مباشرة بفعل الشر، بل هو يدرك مسألة التحدي عند بني آدم حين يأتي وقت التحدي. 

الإنسان منا إن وجد نفسه في موقف قد ينتج عنه فعل يقلل من الشأن ويصيب بالإهانة، تجده يصمد ويتحدى ويتعالى على الموقف، فتصعب عملية إذلاله، سواء دفعه إلى ذلكم التحدي إيمانُه القوي بالله، أو دفعته اعتبارات أخرى شخصية أو اجتماعية أو غير ذلك لأن يمنع نفسه الأبية من أن تنزل منازل هابطة ويرضى بها. هذا ما يحصل بالمجمل أو بشكل عام، إلا ما ندر فيما يصدر عن نفوس تكون بالأساس قد نشأت في بيئات المذلة والإهانة، فهذه نفوس تحتاج إلى جهود جبارة لتشكيلها من جديد. 

حتى لا يضيع منا خيط الموضوع.. أقول:

 إن الشيطان يتجنب وضع الإنسان في مواقف تثير عنده روح التحدي والتصدي، لأنه سيخسر معه جولاته وسيضطر لمحاولات عدة متنوعة، وهو في الواقع- أي الشيطان- يرغب أن تقع ضحيته من أول جولة كي يتابع عمله مع آخرين.  

إن إثارة روح التحدي عند الإنسان غالباً تكون مرتبطة بعقيدة قوية، وإيمان راسخ، بغض النظر عن ماهية تلك العقيدة أو ذلك الإيمان. فكيف لو كانت تلكم العقيدة وذلكم الإيمان يربطه بالله سبحانه؟ لا شك أن الشيطان سيبذل جهوداً جبارة في عملياته ضد صاحب تلك الروح المؤمنة الصادقة. 

بالطبع، لن يتركه هكذا يسير مستريحاً على صراط الله المستقيم.. لكن، ولأنه عاش أزمنة عديدة اكتسب خلالها مهارات ومعارف فقد تراكمت عنده خبرات السنين الطوال، فهو يبدأ في ممارسة تكتيكاته مع هذا الشخص.. إن نفع التكتيك الأول قام بتعزيزه فترة ثم يتركه ليتفرغ لآخر. أما إن فشل، فيبدأ في طرق وأساليب أخرى متنوعة، لا يهدأ له بال، ولا يستريح ليلاً أو نهارا. 

البداية عنده أن يدفع بالإنسي إلى عالم الشرك، فإن لم يقدر عليه دفعه إلى عالم البدع والخرافات، فإن لم ينجح أدخله عالم الضلال والانحراف، فإن تجاوز الإنسي ذلك، بدأ الشيطان في إشغاله عن الصالحات من الأعمال، لا سيما العبادات كالصلاة والصيام والصدقة، فإن لم ينجح تراه يشغله بالفاضل عن الأفضل، أو يزين له التعمق في عالم المباحات، أو التساهل في المتشابهات، أو تحقير صغائر الذنوب.. وهكذا هو الشيطان في عمل دؤوب مستمر، لا يكلّ ولا يملّ.   

وصايا نبوية

وصايا النبي الكريم لأمته في الدعوة إلى الثبات على الأذكار في الصباح والمساء، وتلاوة القرآن والمداومة عليها، إنما هي بمثابة إرشاد لنا إلى الأدوات والأسلحة اللازمة من أجل الاستمرار أقوياء صامدين في حروبنا مع شياطين الجن، ومعهم شياطين الإنس كذلك.

الله عز وجل يحذّرنا من هذا الكائن في مواضع عديدة من القرآن؛ {ولا تتّبعوا خطوات الشَّيطان إنّه لكم عدوٌّ مبينٌ}.. نداء إلهي إلى عباده المؤمنين، يحذرهم من عدوهم الذي لا يكل ولا يمل، أن يا عبادي الذين آمنوا بي حق الإيمان، انتبهوا إلى عدو أبيكم آدم وعدوكم أنتم ومن يكون معكم من المؤمنين إلى يوم الدين. 

انتبهوا يا عبادي المؤمنين ولا تتبعوا خطوات الشيطان، وإن خطواته هي طرائقه في الغواية والوسوسة، وأساليبه ومسالكه في تزيين الشر، حيث عمله القديم المتجدد إلى ما شاء الله له أن يعيش.. انتبهوا يا عبادي من هذا العدو، ولا يغرنكم بالسير معه أو وراءه في طرق ومسالك لن تكون عاقبتها ونتائجها سارة لكم. فمتى زيّن هذا العدو الخير للمؤمنين وعباد الله الصالحين؟

إن من يضعف أو يغفل لحظة عن هذا العدو، فيتبعه هنا أو هناك، فلا شك أنه الخاسر. لا يضعفن أحدكم فيسير في النميمة والغيبة وأحاديث الإفك والوشاية والإشاعة، أو أحاديث اللهو والباطل من تلك التي تميت القلب أو تجعله قاسياً، لا يتأثر بذكر الله. 

إنها أفعال وأقوال وسلوكيات، يدفع إليها الشيطان بكل ما أوتي من قوة، ويزينها بأجمل ما عنده من وسائل وطرائق.. إنه يأمر بالفحشاء والمنكر، ولولا رحمة الله بعباده المؤمنين ما سلِم من أذى الشيطان ورجسه أحد؛ ذلك أن فضل الله عليهم كبير وكثير، فإن هدايتهم إلى الاستغفار والتوبة، تُعد من أجمل وأزكى فضائل الله على عباده المؤمنين، وهي تستحق الحمد والشكر بالقول والعمل.

والله سميع عليم، غافر الذنب، وقابل التوب، ومجيب الدعوات.

2 التعليقات

  1. عبد الله

    أعوذ بالله من الشيطان الرجيم.
    جازاك الله خيرا ،
    عندي ملاحظتين ،
    ورد في المقال أن أبليس هو زعيم الجن و الشياطين ، و هذا ربما
    قد لا يكون صحيحا.. ، رغم أني و أنا أكتب الآن خطر في بالي قوله تعالى :
    ‏{ و أنه كان يقول سفيهنا
    على الله شطاطا } الجن ،
    و المتحدث هم نفر من الجن المؤمن ، و اللافت
    هنا أنهم نسبوا إبليس السفيه إليهم..، و لكن
    فيما أعلمه أن أبليس هو زعيم الشياطين و هو من الجن ، و ليس هو بزعيم الجن عامة.. و هذا بحاجة لنظر و مزيد من الأدلة من الشرع..، و الله أعلم..،
    أما خطاب ربنا تبارك تعالى فهو ليس للمؤمنين
    خاصة كما ورد، بل للناس كافة ، فالآية التي ذكرت من سورة البقرة تبدأ ب:
    { يا أيها الناس كلوا مما في الأرض حلالا طيبا و لا تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدو مبين }‏‎ 168 ‎‏..، فالشيطان عدو لكافة ‏
    البشر دون استثناء..‏‎
    أختم بأن الشيطان له
    نصيب من كل إنسان
    مهما قل أو كثر ، لا محال ، و لكن سلطانه يتفاوت
    بحسب الإنسان و مدى
    قوة إيمانه بالله سبحانه
    و تعالى، مثال قوله
    تعالى: { و إذا قرأت القرءان فاستعذ بالله
    من الشيطان الرجيم ،
    إنه ليس له سلطان على
    الذين ءامنوا و على ربهم
    يتوكلون ، إنما سلطانه
    على الذين يتولونه
    و الذين هم به مشركون }
    (أي الذين أطاعوه قد أشركوا بالله).،
    اللهم علمنا ما ينفعنا،
    و انفعنا بما علمتنا..،
    اللهم إنا نعوذ بك من
    علم لا ينفع و قلب لا يخشع و دعاء لا يسمع،
    و نفس لا تشبع.،
    و الحمد لله رب العالمين.

    الرد
  2. عبد الله

    السلام عليكم،
    أعوذ بالله من الشيطان
    الرجيم.
    أخطأت في بداية الآيات
    من سورة النحل ،
    استغفر الله.. فالآية تبدأ
    ب: { فإذا قرأت القرءان
    فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم..} النحل 98. ،
    أما الآية التي تبدأ ب : ‏
    ‏{ و إذا قرأت القرءان جعلنا بينك و بين الذين لا يؤمنون بالأخرة حجابا مستورا } فهي من سورة
    الإسراء45‎ ‎‏.. ، جل من
    لا يخطئ و لا ينسى ،
    فهو الله رب العالمين ،
    أما المخلوق فلا بد أنه ينسى..،
    (اللهم إني أعوذ بك أن
    أشرك بك و أنا أعلم و استغفرك لما لا أعلم).

    ‏(اللهم إني أعوذ بك من الشك بعد اليقين ، و أعوذ بك من مقارنة الشياطين و أعوذ بك من عذاب يوم الدين).
    و الحمد لله رب العالمين.‏‎ ‎

    الرد

إرسال تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابعنا على حساباتنا

مقالات أخرى

البنتاغون يتوقع اضطرابات كبيرة مع عودة ترامب إلى البيت الأبيض

البنتاغون يتوقع اضطرابات كبيرة مع عودة ترامب إلى البيت الأبيض

تتزايد المخاوف في أوساط البنتاغون بشأن عودة الرئيس المنتخب دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، حيث يُخشى أن يسعى لتنفيذ وعود انتخابية قد تؤدي إلى تداعيات خطيرة على الجيش الأمريكي، الذي يُعرف بحياده السياسي. من بين هذه المخاوف، توجيه الجيش للعمل داخل الولايات المتحدة،...

قراءة المزيد
اِجعل لكَ خبيئة!

اِجعل لكَ خبيئة!

خرج المسلمون يوماً لقتال الروم، فلما التقى الجيشان خرجَ فارس من جيش الروم يطلب المبارزة، فخرج له رجل ملثَّم من جيش المسلمين فبارزه حتى قتله! ثم خرج فارس آخر من جيش الروم يطلب المبارزة، فخرج إليه الرجل الملثم نفسه من جيش المسلمين فبارزه حتى قتله! ثم خرج فارس ثالث من...

قراءة المزيد
خرافة اسمها الحب!

خرافة اسمها الحب!

من البديهيات أن المشاعر جزء أصيل لدى الإنسان.. البعض قسمها إلى مشاعر إيجابية: كالحب، والسعادة، والرضا؛ وأخرى سلبية: مثل الغضب، والاشمئزاز، والخوف. غير أن علم النفس ذهب ليؤكد أن كل المشاعر لها جانبان، واحد سلبي وآخر إيجابي؛ فالغضب -مثلاً- يعد أحد أسوأ المشاعر الإنسانية...

قراءة المزيد
Loading...