الحرس الثوري الذي لا يُقهر

بقلم: مدونة العرب

| 20 أغسطس, 2024

بقلم: مدونة العرب

| 20 أغسطس, 2024

الحرس الثوري الذي لا يُقهر

كيف يمنع الحرس الثوري الرئيسَ الإيراني رسم مسار جديد؟

إن نهايات الرؤساء الإيرانيين ليست سعيدة عادة، فهم يدخلون مناصبهم كأبطال، ويقدمون وعودًا بتغييرات كبيرة لتحسين حياة مواطنيهم، لكنهم يغادرونها في كل الأحوال تقريبًا بخيبة أمل.

وكثيرًا ما تُثبت مشاكل إيران أنها أكثر صعوبة مما يتوقعه قادتها الجدد، فالمشكلة التي يواجهها الرؤساء الإيرانيون هي أنهم يتحملون مسؤولية دون سلطة؛ فقد ترشح مسعود بزشكيان كإصلاحي، ووعد بقدر كبير من الشفافية الحكومية، والنمو الاقتصادي، والاستقلال الشخصي. وتُظهر المؤشرات الأولية أنه يسعى إلى اتباع مسار عملي، إذ يعمل على بناء تأييد شعبي لأجندته في حين يُظهِر ولاءً خالصًا للمرشد الأعلى علي خامنئي، ويبدو أن رهان بزشكيان يتلخص في قدرته على أن ينتزع من المؤسسة الدينية بعض التنازلات، التي من شأنها أن تعزز الحياة اليومية للإيرانيين.

يدر الاقتصاد الإيراني الخاضع للعقوبات الشديدة مليارات الدولارات من عائدات التهريب التي يهيمن عليها الحرس الثوري، وهو أول الجهات -داخل إيران- المستفيدة من عزلتها الدولية، وهذه الأموال بدورها تدعم شبكات المحسوبية المحافظة، وتمول وكلاء إيران في جميع أنحاء الشرق الأوسط الذين يشكلون ما يسمى بـ”محور المقاومة”، حيث يدير الحرس الثوري مخططًا معقدًا يديم سلطة ونفوذ قلة مختارة على حساب الإيرانيين العاديين.. هذه الحقيقة، ستشكل العقبة الأكثر أهمية أمام أي جهد يبذله الرئيس الجديد نحو الإصلاح والاعتدال.

ولادة الثورة

بعد الثورة الإيرانية عام 1979، أنشأ آية الله الخميني، أول مرشد أعلى للبلاد، الحرس الثوري الإسلامي لحماية الجمهورية الإسلامية الفتية.

ونما النفوذ السياسي للحرس الثوري الإسلامي جنبًا إلى جنب مع توسعه الاقتصادي، كما يتولى عديد من أعضاء الحرس الثوري السابقين مناصب داخل الحكومة (بما في ذلك مجلس الوزراء والبرلمان)، ويعملون أيضًا محافظين للمحافظات الايرانية. ويشرف الحرس الثوري أيضًا على العديد من المؤسسات الأمنية الكبرى ويؤثر حتى على المحاكم الثورية، التي تنظر في القضايا المتعلقة بالأمن القومي.

مارس الحرس الثوري الإيراني دورًا بارزًا في قمع المعارضة المحلية؛ بدءًا من اندلاع المظاهرات الطلابية في عام 1999، واستمر في كل مظاهرة على مدى السنوات العشرين الماضية، بما في ذلك الاحتجاجات الشعبية في أعوام 2009 و2017 و2019 و2022.

ومع ذلك، فإن الحرس الثوري الإيراني ليس متجانسًا، فرغم درجات الولاء العالية والانضباط فقد شهد -مثل أي مؤسسة كبيرة- توترات داخلية، وظهرت الخلافات والفروقات بين الأجيال حول المشاركة في الصراعات الإقليمية، والعلاقات مع الغرب، والتعامل مع الاحتجاجات؛ حيث بدا البراغماتيون الأصغر سنًّا أقل أيديولوجية وأكثر انفتاحًا على المشاركة والتحرر الاجتماعي من القدامى الأكبر سنًّا.

ومع ذلك، ليس هناك شكٌّ في أن الحرس الثوري الإيراني سيعمل كضامن للاستقرار عندما يرحل المرشد عن المشهد. ومن المؤكد أن المنظمة ستأخذ دورًا في عملية الخلافة، وتدعم النتيجة التي ستحمي مصالحها الخاصة، وتصون دورها كمهندس ومدير رئيسي لمحور المقاومة. وسوف يأتي هذا الترسيخ المستمر لدورها على حساب النفوذ الديني المتراجع أصلًا.

جيش لن يتراجع

ولأخذ فكرة عمّا قد تؤول إليه الأمور في إيران في فترة ما بعد خامنئي، حيث يفرض الحرس الثوري الإيراني قبضته، يمكن النظر إلى مصر، فقد تولى العسكر القيادة في مصر وهيمنوا على حكومتها منذ أن أطاحت مجموعة من الضباط بالنظام الملكي في عام 1952. وفي العقود التي تلت ذلك، كان الحكم المدني الشكلي واجهة أنيقة للقوى الحقيقية في البلاد.. المؤسسة العسكرية والأجهزة الأمنية.

لقد كان للبلاد رئيس مدني واحد، وهو محمد مرسي، الإسلامي الذي انتُخِب في أوائل عام 2012، بعد ثورات الربيع العربي، والذي ساعدت المؤسسة العسكرية والأجهزة الأمنية في إزاحته في يوليو/ تموز 2013.

والرجل الذي حكم البلاد منذ ذلك الحين، وهو عبد الفتاح السيسي، جنرال سابق كان جزءًا من المؤسسات العسكرية منذ أن كان في السادسة عشرة من عمره، ويحتفظ بثقته العميقة في المؤسسة العسكرية. وأكثر من نصف محافظي المحافظات المصرية هم من الجنرالات المتقاعدين، وقد جنّد السيسي ضباطًا لرئاسة عدد كبير من المؤسسات الاقتصادية الحكومية وشبه الحكومية. ويمارس الجيش أيضًا دورًا مباشرًا في الاقتصاد من خلال مؤسسات مثل وزارة الإنتاج الحربي، وهيئة الهندسة للقوات المسلحة المصرية، والهيئة العربية للتصنيع (وهي شركة تصنيع أسلحة أساسية).

في سبعينيات القرن العشرين، في عهد الرئيس أنور السادات، الضابط السابق، أصبحت مصر قوة مستقلة في الشرق الأوسط، ويرجع هذا جزئيًّا إلى أن المصالح الاقتصادية للقيادة العسكرية أصبحت مرتبطة ارتباطًا عميقًا بالاستثمار الغربي، وقد حافظ خلفاء السادات- حسني مبارك (الجنرال السابق) ثم السيسي- على هذه السياسة.

لكن الحرس الثوري في إيران سوف يأخذ دورًا مختلفًا تمامًا، ففي حين أن وجود النخبة البريتورية أدى بمرور الوقت إلى تعديل موقف مصر الدولي، فإن ذلك في إيران سوف يكون له التأثير المعاكس، ولم تخضع مصر نهائيًّا لعقوبات صارمة، ولم يعتمد نموذج الأعمال العسكري المصري أبدًا على عزل مصر عن الاقتصاد العالمي.

وعلى النقيض من ذلك، يستفيد الحرس الثوري الإيراني من عائدات خرق العقوبات، ويتولى إدارة كثيرٍ من الاستثمارات التي يتلقاها من الصين، التي لديها مصلحة في الحفاظ على عزلة إيران عن الغرب.

البراغماتية والضغط

عادة ما ينتبه المراقبون الغربيون إلى العوامل الخاطئة في السياسة الإيرانية، فهم يصبون غضبهم على كوادر إيران من رجال الدين الملتحين، ويعلقون آمالهم على الرؤساء من التيار الإصلاحي، لكن الواقع يشير إلى أن القوة الحقيقية تكمن على نحو متزايد في أيدي الحرس الثوري الإسلامي، وأن مصالحه ونموذج أعماله يتعارضان مع التكيف مع العالم الخارجي.

وعلى هذا، فإن القوى الغربية التي تأمل في تشجيع تحول أعمق لا ينبغي لها أن تضع ثقتها في بزشكيان وحده، بل يتعين عليها بدلًا من ذلك أن تجد السُبل لإعادة تشكيل مصالح الحرس الثوري. واحد من هذه السبل هو مضاعفة العقوبات الدولية وتصنيفات الإرهاب، على أمل التعجيل بانهيار النظام؛ وهذا غالبًا هو المسار الأقل رفضًا في واشنطن، ويرجع هذا جزئيًّا إلى أن كثيرًا مما تفعله إيران لا يمكن الدفاع عنه.

لكن من المهم أن نلاحظ أمرين.. أولًا، نادرًا ما أسقطت العقوبات التي تقودها الولايات المتحدة نظامًا، فالأنظمة تتكيف مع هذه العقوبات بمرور الوقت، والأنظمة المعاقبة- مثل الحرس الثوري- تتعلم استخدام المواجهة لخدمة احتياجاتها السياسية والاقتصادية. وفي المدى القصير، فإن العقوبات تستمر في تقوية الحرس الثوري بدلًا من إضعافه.

ثانيًا، يدفع مسار المواجهة الحرسَ الثوري الإيراني إلى الردّ بالسلوك ذاته الذي تجده الولايات المتحدة أكثر تأثيرًا، وهو خنق الاقتصاد المحلي على حساب الشعب الإيراني، وتعزيز محور المقاومة لإظهار أنه غير خاضع للضغوط الأمريكية.

قد يكون النظام الإيراني في آخر أيامه، وقد يحل محله نظام أكثر قربًا لمصالح الولايات المتحدة. وإذا كان الأمر كذلك، فيجب على الولايات المتحدة الترحيب بمثل هذا النظام، مع ملاحظة أن بصمات الولايات المتحدة في تغيير النظام من المرجح أن تنزع الشرعية عن حكام إيران الجدد بدلًا من مساعدتهم، خاصة إذا ما نظرنا إلى التأثير طويل الأمد للجهود الأمريكية لتغيير النظام في إيران عام 1953.

لذلك، فإن السياسة الأفضل هي الجمع بين الضغط والاستقطاب والمشاركة، بهدف تشكيل الخيارات والنتائج الإيرانية الداخلية، ويجب أن يعلم سماسرة السلطة في إيران أن سلوكهم الخبيث سيؤدي إلى عقوبات شديدة، وفي المقابل فإن الولايات ستتجاوب معهم بشكل إيجابي إذا توقفوا عن مثل هذا السلوك الخبيث.

المصدر: مجلة فورن أفيرز | جون بي الترمان وسانام وكيل
تاريخ النشر: 15/08/2024

0 تعليق

إرسال تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابعنا على حساباتنا

مقالات أخرى

وقد استجاب القضاء لدعوة الرئيس.. ماذا ينتظر المستأجرون؟!

وقد استجاب القضاء لدعوة الرئيس.. ماذا ينتظر المستأجرون؟!

ذكّرني القول إن المحكمة الدستورية العليا في مصر استجابت لدعوة الرئيس في إصدار حكم، بما مضى. فدائما تذكّرنا القدرات المتواضعة الآن بعهد الرئيس مبارك، فلا يعرف قيمة أمه إلا من يتعامل مع زوجة أبيه، وكثيرون صار شعارهم "رُبّ يوم بكيت منه، فلما مضى بكيت عليه". ولست من هؤلاء...

قراءة المزيد
السياسة الخارجية للرئيس ترامب تجاه الشرق الأوسط

السياسة الخارجية للرئيس ترامب تجاه الشرق الأوسط

لم تمرّ إلا ساعات فقط بعد إعلان الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب نيته تعيين حاكم أركنساس السابق "مايك هاكابي" ليكون سفيرًا للولايات المتحدة لدى إسرائيل وهو المعروف بدعمه منقطع النظير للاستيطان، خاصة في الضفة الغربية التي يعتبرها جزءاً من أرض الميعاد كما يقول،...

قراءة المزيد
“العرب العثمانيون”.. كيف جسّد الإسلام عمومية النظام السياسي لجميع الأعراق؟

“العرب العثمانيون”.. كيف جسّد الإسلام عمومية النظام السياسي لجميع الأعراق؟

خلال زيارتي لنائب مدير جامعة السلطان محمد الفاتح في إسطنبول، البروفيسور المؤرخ زكريا كورشون، كنت أتحدث معه عن آخر إصداراته، فحدثني عن كتابه "العرب العثمانيون"، ومقصد الكتاب تبيان عمومية النظام السياسي في الإسلام لجميع الأعراق والأجناس في ظل الدولة الواحدة . فالإسلام...

قراءة المزيد
Loading...