حياة الماعـز.. رواية ناقصة
بقلم: د. عبد الله العمادي
| 29 أغسطس, 2024
مقالات مشابهة
-
السياسة الخارجية للرئيس ترامب تجاه الشرق الأوسط
لم تمرّ إلا ساعات فقط بعد إعلان الرئيس الأمريكي...
-
“العرب العثمانيون”.. كيف جسّد الإسلام عمومية النظام السياسي لجميع الأعراق؟
خلال زيارتي لنائب مدير جامعة السلطان محمد الفاتح...
-
في موقعة أمستردام.. لم تسلم الجرّة هذه المرة !
تقول العرب في أمثالها: "ما كل مرة تسلم الجرة".....
-
عمر بن عبد العزيز والتجربة الفريدة
حين ظهرت له أطلال المدينة المنورة، أيقن الشاب...
-
هيكل: حكايات من سيرة الأستاذ الكاهن (2)
هيكل والسادات مضت السنوات وابتعد محمد حسنين هيكل...
-
أعرني قلبك يا فتى!
أعرني قلبك يا فتى، فإن الأحداث جسام، والأمور على...
مقالات منوعة
بقلم: د. عبد الله العمادي
| 29 أغسطس, 2024
حياة الماعـز.. رواية ناقصة
أزعجني- وكثيرين غيري ربما- ذلكم الضجيج المثار حول فيلم هندي سينمائي عنوانه “حياة الماعـز”، وهو الذي تم إنتاجه مأخوذًا عن رواية صدرت في 2008، ربما لم ينتبه لها كثيرون إلا بعد أن تحولت إلى فيلم درامي سينمائي، تم عرض نسخة مترجمة منه على منصة “نيتفليكس”، فجذب الاهتمام والأنظار وزاد من شعبيته !
الفيلم، وإن حكى قصة حقيقية وقعت في السعودية قبل سنوات مضت، لا تخلو أرقى وأعدل المجتمعات منها، لم أجد أنه يحتاج لكل هذا التفاعل من الجانب العربي المسلم، سوى ما كان بالشكل الذي يتم عبره توضيح حقائق وخفايا أمور، دون رفض محتوى الفيلم جملة وتفصيلا في الوقت نفسه، لأن الجانب الإنساني في الفيلم- والمتعلق بظلم الإنسان لأخيه الإنسان- قضية مستمرة منذ الأزل، ولابد من الوقوف ضد الظلم في كل زمان ومكان.. هذه نقطة أولى.
نقطة ثانية مهمة في هذه المقدمة هي أن الفيلم، وإن أظهر الجوانب الإنسانية في مشاهد العامل وهو بالصحراء، تناسى عن قصد جوانب إنسانية أخرى ظهرت لدى أهالي حفر الباطن، حيث جرت أحداث القصة في عمق صحرائها، بعد أن تعاضدوا لجمع دية المقتول وهو الظالم، بعد أن تم اعتقال العامل وسجنه لخمس سنوات نتيجة القتل الخطأ، حيث لم يتطرق الفيلم إلى تلك الجوانب الإنسانية لدى الأهالي. كذلك لم يتطرق إلى إنسانية أبناء الظالم الذي قُتل والدهم على يد العامل، بتنازلهم عن الدية، بل ومنحها للعامل كاملة مع عشرين ألفاً أخرى، كنوع من تعويضه عن سنوات عشر أمضاها العامل في السعودية بلا أجر.
كما لم يتطرق منتج الفيلم إلى أن العامل غير المسلم، وهو يرى إنسانية الأهالي ومن ضمنهم أبناء ظالمه الجاهل، قد أعلن إسلامه قبل مغادرته السعودية، من بعد أن رأى وعاين سماحة هذا الدين التي ظهرت في سلوكيات الأهالي، الذين صورهم الفيلم على أنهم عديمو رحمة، وقساة غلاظ مع العامل في أحد المشاهد داخل المدينة. وجاء صوت مؤذن ينادي “الله أكبر”، والكاميرا موجهة في تلك الثواني نحو مسجد، كي يتم ترسيخ وربط فكرة القسوة والغلظة بالإسلام في وجدان وعقل المشاهد!
لو نظرنا- كنقطة ثالثة مهمة في هذه المقدمة- وبشكل أوسع إلى مسألة الظلم كما يريد الفيلم أن يظهرها، ودققنا النظر في عالم الواقع، لوجدنا اعتداءات الهندوس الممنهجة والمستمرة على المسلمين في الهند نفسها، نموذجاً يمكن به الرد على منتجي الفيلم ومن يقف وراء إنتاجه، وأن الظلم في الهند أبشع وأوسع مما هو في بلدان المسلمين، وأنه ربما احتجنا مئات الأفلام وآلاف الروايات للحديث عنها. هذا إن أردنا الدخول في سباق مع الآخر، وبيان ما عنده من مساوئ ومظالم وشرور، لكن- كما تقول العرب- ما هكذا تورد الإبل، لأن المسألة تحتاج منهجية وعملًا واضحًا منظمًا لا يعتمد على ردود أفعال، وهذا هو المحور الرئيسي الذي يدور حديثنا حوله في هذا المقال.
لكن هناك نقطة أخرى أخيرة مهمة في هذه المقدمة الطويلة، ومن باب التذكير بالشيء فقط ، هي أنه لا يوجد مجتمع ملائكي الصفات بين البشر، والظلم بأنواعه موجود في أرقى المجتمعات والأمم، وليس عند العرب فقط ، كما يريد أن يقول هذا الفيلم كواحدة من رسائله غير المباشرة. كما أن العمل الفني لن يكون آخر الأعمال في سلسلة الانتاجات الفنية الموجهة، سواء الهندية أو غيرها من تلك التي تسير على درب هوليوود، والتي فعلت أكثر مما تفعله بوليوود ونظيراتها آلاف المرات.
صناعة السينما
لكن السؤال الذي يفرض نفسه دوماً في مثل هذه المناسبات والأحوال: أين هي السينما العربية؟ أين هو الإنتاج الفني الإعلامي العربي المسلم، الذي يكشف الحقائق دون مبالغات أو إساءات؟
لا تجد أثراً أو إجابة مقنعة، وإن وجدت بعض أعمال فنية هنا وهناك، فهي غالباً لا تجد ذلكم الدعم الذي يوصلها للعالمية أو إلى الساحات التي يمكن عبرها توصيل رسالتنا للعالم. وهذا ما يدعونا للتساؤل المستمر: لماذا لا تنشط المؤسسات الفنية والإعلامية في إنتاج دراما فنية هادفة تخدم قضايا الأمة، أو تنشط في الوثائقيات وتكشف المستور في تلك المجتمعات التي تتفنن منذ عقود طويلة في الإساءة لنا كعرب ومسلمين، كالمجتمع الأمريكي أو الغربي بشكل عام، ومعهم الآن المجتمع الهندوسي والصهيوني، وغيرها من مجتمعات معادية؟
الفن السينمائي، أو صناعة السينما إن صح التعبير، تحتاج إلى كثير رعاية واهتمام في عالمنا الإسلامي.. لا أقصد بذلك السينما الترفيهية العبثية، إنما تلك التي تحمل رسالة واضحة، وتسير وفق رؤى ومنهجية محددة ضمن عمل إعلامي واسع. هذا الفن الإعلامي ما زال مدار بحث ونقاش طويل مفصل، يتجدد بين الحين والحين في أوساط علماء الشرع، منذ أن عرف العالم الإسلامي فن التمثيل وإنتاج المسلسلات والأفلام. وما خرجنا من نقاش تلك المسألة بإجماع، أو -على أقل تقدير- برأي يتفق عليه عدد لا بأس به من العلماء، يكون موجهاً أو معياراً لهذا العمل المهم في زمن الإعلام والمعلومات.
التخلف السينمائي غير مقبول
نعود إلى الموضوع مدار البحث، ونحن نعيش عصراً متسارعاً في أفكاره وعلومه وتقنياته، والفن السينمائي واحد من المجالات التي اختلفنا عليها فتأخرنا، لنؤكد بأن التخلف في هذا المجال أمر غير مقبول البتة، ونحن- كما أسلفنا- نعيش زمن الإعلام والمعلومات، ومنها السينما، فيما غيرنا مستمر في إبداعاته وإتقانه في هذا المجال، حتى ساروا بعيداً، بل صار هذا الفن سلاحاً فاعلاً بأيديهم لا يقل فعالية وكفاءة وأثراً عن الأسلحة العسكرية والاقتصادية وغيرها.
ما يحدث إلى الآن مع الفن السينمائي هو تكرار لسيناريوهات ماضية، وقعت ولم نستفد منها الدروس والعبر؛ فقد ظهر الراديو حتى هابه الناس في مجتمعاتنا، وأدخلوه في عالم البدع والضلالة، وكل ضلالة في النار، إلى أن استأنس الناس به وعرفوا أنه ليس أكثر من صندوق يسمعون فيه القرآن والأخبار وغيرها، فما المشكلة؟ ولماذا تم تحريمه وتفسيق وتبديع من يمتلكه ويستخدمه؟!
تكرر الأمر تارة أخرى مع ظهور التلفاز، ثم مع التطورات المصاحبة له من فضائيات وأطباق لاقطة، واستمر الجدال سنوات ما بين الحل والتحريم، حتى تبين أن هذا التلفاز الذي تم تحريمه لأنه يعرض الهابط من الأعمال وما شابه، هو نفسه الذي يعرض الدعاة وبرامج تدعو للدين والأخلاق، وينقل خطب الجمعة وما شابه من أعمال نافعة، حتى صار من كان يحرم هذه البدعة يستخدمها لاحقاً، ما يعني أن الإشكالية ليست في العصر واختراعاته، بقدر ما هي في العقليات التي لا تستطيع التعامل مع كل جديد بشكل مرن وسريع، فتلجأ للتحريم والمنع زمناً حتى يطمئن قلبها، ولكن بعد أن يكون الركب قد فات وسار زمناً، فيما نظل كعادتنا في ذيل ذاك الركب !
الآن يتكرر الأمر مع العمل السينمائي الذي- كما أسلفنا- لم نتوحد على رأي بشأنه، رغم مرور أكثر من قرن من الزمان على ظهوره. هذا الفن، أو هذه الصناعة إيجابياتها تفوق سلبياتها، وليس لأن البعض يستخدمها في الشر فهي شر كلها، وبالتالي نترك جلها!. لا، الأمر أوسع من هذا بكثير. إن الكاميرات السينمائية التي تصور الأفلام الهابطة هي نفسها التي تصور أفلام الاستقامة.. هي آلات صماء تأتمر بأمرك، وأنت من يحركها ويديرها وليس العكس.
إنها هي نفسها الكاميرات التي قام مصطفى العقاد- رحمه الله- باستخدامها لتصوير فيلمي “الرسالة” و”عمر المختار”، واستخدمها تلفزيون قطر لإنتاج أروع المسلسلات التاريخية مثل “عمر الفاروق” و”الإمام ابن حنبل” وغيرهما من الكثير النافع.
السينما سلاح مؤثر
لا شيء يمنع أبداً استخدام فن السينما في تحقيق مقاصدك الطيبة وأهدافك الإنسانية النبيلة، وتقديم نفسك للعالمين بالصورة التي أرادها الله وأرادها رسوله الكريم محمد ﷺ. هذا فن وصناعة، وأنت من يسيطر ويحدد الأطر والضوابط له.. إن إنتاجاً فنياً على غرار مسلسل “عمر” أو فيلم “الرسالة”- كأبرز نموذجين- يمكنه فعل الكثير من التأثير في الآخرين.
وعلى غرارهما يستمر الإنتاج السينمائي بهذا المستوى وأفضل، وفق رؤى واضحة وأهداف محددة، من أجل التوعية أو التعريف بتراثنا وحضارتنا، ومن أجل مواجهة المخالف الراغب في التشويه والإساءة بالسلاح ذاته الذي يستخدمه، لكن ليس بالتشويه طبعاً، وإنما عبر إنتاج أعمال راقية بديعة، تكون قادرة على كشف رداءة بضاعة المهاجم حين يأتي وقت المقارنة من الآخرين.
وبمثل هذا التفكير وهذه المنهجية نخدم ديننا، دون أن نشتت الجهود والأوقات والأموال في ردود أفعال قد تصيب، أو تخيب غالب الأحيان.
تابعنا على حساباتنا
مقالات أخرى
وقد استجاب القضاء لدعوة الرئيس.. ماذا ينتظر المستأجرون؟!
ذكّرني القول إن المحكمة الدستورية العليا في مصر استجابت لدعوة الرئيس في إصدار حكم، بما مضى. فدائما تذكّرنا القدرات المتواضعة الآن بعهد الرئيس مبارك، فلا يعرف قيمة أمه إلا من يتعامل مع زوجة أبيه، وكثيرون صار شعارهم "رُبّ يوم بكيت منه، فلما مضى بكيت عليه". ولست من هؤلاء...
السياسة الخارجية للرئيس ترامب تجاه الشرق الأوسط
لم تمرّ إلا ساعات فقط بعد إعلان الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب نيته تعيين حاكم أركنساس السابق "مايك هاكابي" ليكون سفيرًا للولايات المتحدة لدى إسرائيل وهو المعروف بدعمه منقطع النظير للاستيطان، خاصة في الضفة الغربية التي يعتبرها جزءاً من أرض الميعاد كما يقول،...
“العرب العثمانيون”.. كيف جسّد الإسلام عمومية النظام السياسي لجميع الأعراق؟
خلال زيارتي لنائب مدير جامعة السلطان محمد الفاتح في إسطنبول، البروفيسور المؤرخ زكريا كورشون، كنت أتحدث معه عن آخر إصداراته، فحدثني عن كتابه "العرب العثمانيون"، ومقصد الكتاب تبيان عمومية النظام السياسي في الإسلام لجميع الأعراق والأجناس في ظل الدولة الواحدة . فالإسلام...
0 تعليق