
معضلة الإعلام عن غزة بين الحياة والموت
بقلم: خالد صافي
| 5 نوفمبر, 2024

مقالات مشابهة
-
أما آن للوزيرة الألمانية أن تهمد؟!
أخيراً تحقق لها المراد! فقد صافحت الوزيرة...
-
غزة وجدليَّتا النصر والهزيمة
على مدى ما يقارب ٤٧١ يوماً، وقفت غزة وحيدةً...
-
سوريا وثورة نصف قرن
سيسجل التاريخ أن يوم ٨ ديسمبر ٢٠٢٤م يوم مفصلي...
-
خطر الدوغمائية على مآل “الميثاق الغليظ” في المغرب!
يزداد انشغالي فكريًّا ووطنيًّا بما سيثيره مشروع...
-
ماذا عن القرار العباسي بإغلاق مكتب الجزيرة؟!.. يا لك من نتنياهو!
فعلها محمود عباس (أبو مازن)، وأكد عندما فعلها...
-
وقد استجاب القضاء لدعوة الرئيس.. ماذا ينتظر المستأجرون؟!
ذكّرني القول إن المحكمة الدستورية العليا في مصر...
مقالات منوعة
بقلم: خالد صافي
| 5 نوفمبر, 2024
معضلة الإعلام عن غزة بين الحياة والموت
منذ طوفان الأقصى، ومواقع التواصل تحتفي بأخبار إبداعات أهل غزة، ومبادراتهم التي تنهض وسط الإبادة والحصار، وتطرق جدران الخزان لتبعث برسائل التحدي، بهدف إظهار تمردهم على الواقع الصعب الذي فرضه الاحتلال، وإعطاء الأمل للعالم في أن هذه الثلة الصابرة المحاصَرة المرابطة قادرة على صناعة النصر، وتؤكد أن في غزة من يريد أن يصنع الحياة ويستحقها، وسط سياق ملتهب يتحول فيه الإبداع إلى مقاومة، والحياة إلى جبهة مفتوحة، وهنا تأتي المعضلة الكبرى: أيُعتبر نشر قصصهم استهدافًا لهم، ويجعل حياتهم مهددة من قِبل من لا يريد لأمل أن ينمو، أم إن إبراز الألم وحده سيحجب بريق الحياة الذي ما زال ينبض في عروق غزة، لتبدو كما لو كانت محطمة بلا أفق؟! هو صراع بين ضرورة نقل نضالهم والرغبة في حمايتهم، بين أن يكون الإعلام جسر أملٍ أو باب خطر.
حياة تحت النار
حين تتردد كلمة “غزة”، ترتسم في المخيلة صور الدمار، والحصار، والألم، لكن الحقيقة أعمق من هذا؛ هناك شعب يقف أمام كل محاولات القمع كأشجار تتحدى النار.. رغم مسيّرات الموت وزخات الرصاص يستمر أبناء غزة في نسج خيوط الأمل، في مواجهة طائرات وقناصين، وأرواحهم رهينة لحظة تشبه معجزة التحدي. إن نشر قصصهم يثير دهشة المتابعين، ولكنه يتضمن مخاطر جسيمة؛ فقد شهدنا استهداف عقول ومواهب من غزة منذ بدء العدوان، طحن العدو في رحى الموت أكثر من مائة وثلاثين عالمًا وباحثًا وأكاديميًا. وهنا ينكشف السؤال الأخلاقي: كيف لنا أن نحكي قصص صمودهم دون أن نقع في فخ استهدافهم؟ كيف نروي حكاياتهم دون أن نكون سببًا في أذى جديد لهم؟
الكتمان الموجع
لكن على الضفة الأخرى، إذا توارينا عن نشر هذه القصص، فإن الصورة ستبقى مبتورة، لا تروي سوى الألم والشقاء، كأنّ غزة وُجدت فقط لتكون ضحية دائمة. إذا أُخفيت إبداعاتهم وصمودهم، فهل سيؤمن العالم بقدرتهم على البقاء والنصر؟ سيبدو الأمر كما لو أننا ندعو للاستسلام، كما لو أن إخفاء تلك النبضات الإبداعية هو محو لهويتهم الثقافية ومشروع مقاومتهم، وكأن الصمود ليس أكثر من انتظار الموت.. وإن اكتفينا بالألم، دون نشر قصص الإرادة والنجاح، فسنظلم الصورة، ونحجب حقيقة شعب لا يزال يواجه بصلابة، ويبعث برسائل لا تموت، ويتحدى الاحتلال بسلاح الإبداع، وروح متمردة نقية.
نصر مستتر أم سراب يتلاشى؟
تعيش المقاومة المعضلة ذاتها، فعلى حافة النشر والكتمان تتأرجح الحقيقة؛ نشر انتصارات المقاومة يثبت القلوب، ويحفز المحبين لدعمها، ويزيد من عزم الواثقين في نهجها، ولكنه في المقابل يجعل المقاومين أهدافًا واضحة، وقد يسرب الاستكانة لقلوب القاطنين في دول الجوار بأن المقاومة تقوم بواجبها، وهي قادرة على لجم العدو، ولن تنهار أمام التحالف العالمي. وفي المقابل، الصمت قد يُعطي انطباعًا مغلوطًا بأن العدو قد أخمد نيران المقاومة، ورغم التضحية المستمرة، فإن الكتمان قد يوحي للبعض أن جذوة المقاومة انطفأت، لكن الحقيقة أعمق؛ المقاومة التي تشق صخر التحديات تؤكد أن هذا الشعب باقٍ في معركته، وأنه ماضٍ في صنع التاريخ.
بين فرح الحياة وجلال الحزن
ليست حياة غزة دماء ودمارًا فقط، إنها حياة تقف على حافة الموت، وتصر أن تُبقي على شيء من النور وسط دمار شامل!. هي حكاية أفراح حزينة؛ هنا تخرج رسالة ماجستير، وهناك زواج يعبر خيمة الصمود، ولكن بين مشاهد الأفراح الصغيرة، تبرز الجنازات، وتصف طوابير الانتظار السرمدية، ونسأل في ذواتنا: هل يمكننا أن ننشر أفراحهم الصغيرة؟ هل نتجرأ أن نبث هذه المشاعر وسط الشقاء؟ وهل يتقبل ذوو الشهداء أن يروا بهجة في مكانٍ آخر؟ في كل صورة حكاية، وفي كل فرحة رسالة، لعلها تعيد التوازن وتقول للعالم إن غزة ترفض الموت.
كيف نحكي القصة دون أن نؤذي أهلها؟
الحل يكمن في أسلوب حكيم للنشر، يحافظ على التوازن بين سرد الحقائق وبين صون الأرواح، وإليك بعض المقترحات:
1. التوازن في المحتوى: ينبغي أن نجمع في القصة بين الحياة والمقاومة والمعاناة، بحيث يظهر النضال دون التركيز على أفراد بعينهم.
2. استخدام الرمزية: نستطيع أن نعبر عن المقاومة والإبداع برموز، تخفف من حدة التفاصيل، وتُبعد الخطر عن الأفراد.
3. بناء منصات آمنة: نحتاج إلى منصات بعيدة عن السيطرة الأجنبية، لتحافظ على خصوصية وأمان أهل غزة.
4. التعاون مع الإعلام العالمي: بناء شبكات إعلامية بديلة، قادرة على نقل الحقيقة باحترافية دون المساس بأمان أهل غزة.
5. نشر القصص الإنسانية العامة: إبراز قصص الصمود الجماعي دون الكشف عن تفاصيل الأفراد، كي تبقى الروح الجماعية حاضرة دون تعريض أحد للخطر.
الأمل المتوازن
إن النشر عن غزة ليس مجرد سرد للحقائق أو عرض لمظاهر الألم، بل هو جزء من المقاومة، جزء من كفاح الشعب الفلسطيني نحو الحرية، علينا أن نوازن بين سرد الحقائق ونشر الأمل، بين عرض الواقع المرير وإبراز الأمل الذي يلوح في الأفق، إن أصوات أهل غزة يجب أن تصل للعالم، ولكن بحذر وبتخطيط، كي نسهم في دعمهم بدلاً من أن نكون سببًا في زيادة معاناتهم.
النشر أمانة
إن النشر أمانة عظيمة، والألم لا يُخفف بالسكوت، وإننا جميعًا -حيثما كنا- شركاء في هذا الحق الإنساني، مؤتمنون على صوت الحق، على وجه الطفلة التي تنظر إلى السماء، على دمعة الأم، على شهقة الأب الذي غُلب على أمره، ليس لنا أن نَعتاد المشهد، فالتعود على الظلم أول مراحل الاستسلام، وإننا حين نُخفق في نقل الصورة، وحين نتوقف عن النشر، فكأنما نسحب من هذا الشعب الجريح حقه في الحياة، نمدّ أيدي العدو لتقبض أكثر على الروح، ونترك الحصار يضيق أكثر على القلوب.
فكن أنت الرئة التي يتنفس بها الصامدون، كن النافذة التي يطل منها العالم على أحوال أهل غزة، كن الحارس الذي لا ينام حتى لا يُمحى الأمل من عيونهم، إذْ هم تحت الحصار يقاومون، وأنت في الخارج تقاوم بصوتك وقلمك وفكرك.. لا تظن أن الكلمات تذهب هباءً، ولا تستقل تأثير القلم والصورة والتغريدة والمنشور، فقد تغدو صرختك اليوم نورًا يضيء للضعفاء طريقهم في ظلام هذا العالم المتواطئ.
لذا، اكتب عن أهل غزة، تحدث عنهم، نافح عن مقاومتهم، افضح العدوان ولا تملّ، فإننا بهذا نوقد شعلة الانتصار ونصنع من الحروف دروعًا، نبني بها أملًا، ونوقظ بها جيلاً قبل أن نفقده.

استشاري إعلام وتسويق رقمي
تابعنا على حساباتنا
مقالات أخرى
رسالة إلى أمريكا
وقف مراسل شبكة CNN الإخبارية بمنطقة "أيتون" شرقي مدينة لوس أنجلوس الأمريكية، مرتدياً قناعاً واقياً من الغاز، قام بإزاحته عن وجهه، بعد أن طلبت منه المذيعة في داخل الاستوديو أن يصف لها ما يحدث على الأرض. بعيون دامعة، ووجه شاحب مكفهر، تحدث بأسى عن جحيم مروع، تشهده ولاية...
أما آن للوزيرة الألمانية أن تهمد؟!
أخيراً تحقق لها المراد! فقد صافحت الوزيرة الألمانية أنالينا بيربوك الوزيرَ السوري أسعد الشيباني في الرياض، بعد الضجة الكبرى لعدم مصافحة أحمد الشرع لها، والاكتفاء بالترحيب بها بوضع يده مبسوطة إلى صدره! وكما كان عدم المصافحة في دمشق خبرَ الموسم في الإعلام الغربي، فقد...
غزة وجدليَّتا النصر والهزيمة
على مدى ما يقارب ٤٧١ يوماً، وقفت غزة وحيدةً صامدةً تواجه مصيرها، كآخر بقعة تتموضع عليها القضية الفلسطينية، بعد أن تم تدجين العالم العربي كله وصولاً إلى تدجين فلسطين نفسها بقيادة أكثر صهيونية من الصهيونية نفسها، لا هدف لها سوى أن تُنسي الفلسطينيين والعالم كله شيئاً...
0 تعليق