الشرق الأوسط وسوق الصراعات الدينية
بقلم: د. جاسم الجزاع
| 3 نوفمبر, 2024
مقالات مشابهة
-
السياسة الخارجية للرئيس ترامب تجاه الشرق الأوسط
لم تمرّ إلا ساعات فقط بعد إعلان الرئيس الأمريكي...
-
“العرب العثمانيون”.. كيف جسّد الإسلام عمومية النظام السياسي لجميع الأعراق؟
خلال زيارتي لنائب مدير جامعة السلطان محمد الفاتح...
-
في موقعة أمستردام.. لم تسلم الجرّة هذه المرة !
تقول العرب في أمثالها: "ما كل مرة تسلم الجرة".....
-
عمر بن عبد العزيز والتجربة الفريدة
حين ظهرت له أطلال المدينة المنورة، أيقن الشاب...
-
هيكل: حكايات من سيرة الأستاذ الكاهن (2)
هيكل والسادات مضت السنوات وابتعد محمد حسنين هيكل...
-
أعرني قلبك يا فتى!
أعرني قلبك يا فتى، فإن الأحداث جسام، والأمور على...
مقالات منوعة
بقلم: د. جاسم الجزاع
| 3 نوفمبر, 2024
الشرق الأوسط وسوق الصراعات الدينية
كما نعلم، الشرق الأوسط هو موطن الديانات والثقافات المتعددة، حيث نزلت فيه الأديان الإبراهيمية الثلاثة الكبرى: اليهودية، والمسيحية، والإسلام.
على مر العصور، تشكلت المجتمعات متعددة الديانات في هذا الإقليم، وخاضت تجربة التعايش السلمي بين الأطياف المختلفة، فنجحت حيناً وفشلت في أحيان كثيرة؛ فهذا التعايش كان مصحوبًا بتوترات مستمرة، لا تخلو من الصراع الدموي والعنف الفكري. وبالرغم من أن بعض هذه التوترات تعود جذورها إلى خلافات عقائدية أو فكرية سابقة، فإننا نلاحظ أن معظم الصراعات في الشرق الأوسط قد أُضفي عليها طابع ديني لأسباب “سياسية” وأسباب أخرى مختلفة، ما أدى إلى تعقيد الوضع الراهن أمام محاولة إيجاد حلول لهذه الصراعات .
وعند النظر في تاريخ الشرق الأوسط نجد أن الحضارات جاءت متعاقبة في إدارته؛ ففي العصور القديمة شكلت منطقة الشرق الأوسط -كما هي الآن- ملتقىً للديانات القديمة، حيث تعايش مثلاً اليهود مع البابليين والفينيقيين والآشوريين. ومع ظهور المسيحية في القرن الأول الميلادي، أصبحت المنطقة مركزًا لنشر الدين المسيحي الجديد، وبدأت تظهر مجتمعات مسيحية متفرقة في فلسطين وسوريا وبلاد ما بين النهرين.
وبعد ذلك بقرون، جاء الإسلام ليصبح الدين السائد في معظم منطقة الشرق الأوسط، ومع توسع الخلافة الإسلامية، أصبح الشرق الأوسط موطنًا لعدد كبير من الأقليات الدينية بتنوعها الشامل، بما في ذلك اليهود والمسيحيين وطوائف أخرى من أتباع الديانات غير السماوية، مثل المجوس وغيرهم .
نعم، كانت هناك فترات من التعايش النسبي، خصوصًا في ظل الخلافتين العباسية والعثمانية، حيث كان الانفتاح الواسع نتيجة ضخامة عدد السكان والمواطنين وتنوعهم العميق، إذ عاش المسلمون والمسيحيون واليهود معًا، وتشاركوا في حياة اقتصادية وثقافية مزدهرة. وما لبثت الأمور بعد استقرار أن تعكرت، حيث أخذت تظهر بين الحين والآخر صراعات دينية، كانت تتأجج نتيجة للصراعات السياسية والطموحات الإمبراطورية.
ولعل الحروب الصليبية كانت من أبرز تلك الأمثلة على الصراع الحضاري الشرق- أوسطي مع الغرب، وتُعتبر صراعاً بين الكاثوليكية والإسلام، وكانت في الوقت ذاته تستغل الصراع السني الشيعي الفاطمي بين الحكومات العربية آنذاك.. قامت الحروب الصليبية على سلسلة من الحملات العسكرية، التي بدأت في أواخر القرن الحادي عشر، واستمرت حتى القرن الثالث عشر، أطلقتها القوى المسيحية الأوروبية لاستعادة السيطرة على الأراضي المقدسة، خاصة القدس، من المسلمين.
نشأت هذه الحروب بدوافع دينية وسياسية، حيث دعا البابا أوربان الثاني المسيحيين في أوروبا للمشاركة في هذه الحملات بعد توسع السيطرة الإسلامية في المناطق المسيحية التقليدية. شهدت هذه الفترة تحالفات متقلبة وصراعات طويلة، أثرت بشكل كبير على الشرق الأوسط وأوروبا، وقد تركت الحروب الصليبية آثاراً اجتماعية وثقافية عميقة.
ومع بداية الحقبة الاستعمارية في القرن التاسع عشر، استغلت القوى الأوروبية الانقسامات الدينية في المنطقة لتحقيق مصالحها الخاصة، فقد قامت بريطانيا وفرنسا بتقسيم المنطقة وفقًا لحدود رسمتها بناءً على اعتبارات استراتيجية، دون مراعاة التركيبة الديموغرافية والدينية المعقدة للسكان. فعلى سبيل المثال، ساهمت اتفاقية سايكس-بيكو المشؤومة في تقسيم الأراضي الشامية بين بريطانيا وفرنسا، ما خلق انقسامات جديدة بين الطوائف الدينية والعرقية، وأدى إلى تصعيد التوترات، وجعلها ورقة في جيب القوى الاستعمارية تستخدمها وقت الحاجة.
وبعد الاستقلال عن القوى الاستعمارية، بدأت دول الشرق الأوسط تسعى لتكوين هويتها الوطنية، إلا أن الانقسامات الدينية كانت لا تزال تبرز كعائق أمام الوحدة الوطنية. ومثال ذلك واقع الأقباط في مصر، والأكراد في العراق وسوريا، ما أدى إلى تزايد العنف الداخلي وتغذية مشاعر الاستياء.
وكذلك أدت هذه الانقسامات في العراق وسوريا إلى صراعات أهلية طويلة الأمد. فالثورة السورية -على سبيل المثال- بدأت كحراك سياسي ضد ممارسات السلطة الطائفية في نظر مؤيدي الثورة، إلا أنها تحولت إلى نزاع طائفي معقد، يضم مختلف الطوائف الدينية والمذهبية. والأمر ذاته حدث في العراق، حيث أدى الغزو الأميركي عام 2003 إلى تصاعد التوترات الطائفية، وأدى إلى نشوء تنظيمات متطرفة مثل تنظيم الدولة الإسلامية، الذي استخدم الدين كذريعة لتحقيق أهداف سياسية.
رغم أن الانقسامات الدينية في الشرق الأوسط لها جذور تاريخية عميقة، فإن الحلول ليست مستحيلة إن وُجدت الإرادة العامة العربية.. من تلك الحلول تعزيز قيم المواطنة والانتماء الوطني في الأقطار العربية، وجعلها فوق الانتماءات الطائفية والدينية، من خلال التربية والتعليم والتوعية الإعلامية. كما يجب تعزيز دور القانون وتطبيقه بشكل عادل على الجميع دون تمييز، لضمان حماية حقوق الأفراد والجماعات ومنع أي نوع من التمييز أو الإقصاء. كذلك، تُعد الحوارات الوطنية الشاملة بين مختلف الفئات الاجتماعية وسيلة فعالة لتعزيز الوحدة وتجاوز الخلافات.
أكاديمي كويتي
تابعنا على حساباتنا
مقالات أخرى
وقد استجاب القضاء لدعوة الرئيس.. ماذا ينتظر المستأجرون؟!
ذكّرني القول إن المحكمة الدستورية العليا في مصر استجابت لدعوة الرئيس في إصدار حكم، بما مضى. فدائما تذكّرنا القدرات المتواضعة الآن بعهد الرئيس مبارك، فلا يعرف قيمة أمه إلا من يتعامل مع زوجة أبيه، وكثيرون صار شعارهم "رُبّ يوم بكيت منه، فلما مضى بكيت عليه". ولست من هؤلاء...
السياسة الخارجية للرئيس ترامب تجاه الشرق الأوسط
لم تمرّ إلا ساعات فقط بعد إعلان الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب نيته تعيين حاكم أركنساس السابق "مايك هاكابي" ليكون سفيرًا للولايات المتحدة لدى إسرائيل وهو المعروف بدعمه منقطع النظير للاستيطان، خاصة في الضفة الغربية التي يعتبرها جزءاً من أرض الميعاد كما يقول،...
“العرب العثمانيون”.. كيف جسّد الإسلام عمومية النظام السياسي لجميع الأعراق؟
خلال زيارتي لنائب مدير جامعة السلطان محمد الفاتح في إسطنبول، البروفيسور المؤرخ زكريا كورشون، كنت أتحدث معه عن آخر إصداراته، فحدثني عن كتابه "العرب العثمانيون"، ومقصد الكتاب تبيان عمومية النظام السياسي في الإسلام لجميع الأعراق والأجناس في ظل الدولة الواحدة . فالإسلام...
0 تعليق