صراعات المنطقة ومعضلاتها بعد حسن نصر الله
بقلم: إبراهيم الدويري
| 2 أكتوبر, 2024
مقالات مشابهة
-
اِجعل لكَ خبيئة!
خرج المسلمون يوماً لقتال الروم، فلما التقى...
-
خرافة اسمها الحب!
من البديهيات أن المشاعر جزء أصيل لدى الإنسان.....
-
الشكر.. دوامٌ للنعم في الدنيا وفوزٌ في الآخرة
أنعم الله تعالى وتفضّل على عباده بالكثير من...
-
الترامبية المتجددة وأمْوَلَة نظام الحكم في الولايات المتحدة
منذ أن بلور حكماء الإغريق قديما فكرةَ...
-
السياسة الخارجية المتوقعة لإدارة ترامب.. تداعياتها على الشرق الأوسط
خلال حملته لاستعادة رئاسة الولايات المتحدة، قال...
-
ترامب وهاريس.. وجهان لعملة واحدة
نجح دونالد ترامب.. فاز مرشح الحزب الجمهوري...
مقالات منوعة
بقلم: إبراهيم الدويري
| 2 أكتوبر, 2024
صراعات المنطقة ومعضلاتها بعد حسن نصر الله
الموقف من شخص حسن نصر الله ومسارات حياته من القضايا التي لن يصل أغلب مسلمي هذا العصر والعصور اللاحقة فيها إلى نقطة اتفاق؛ فهو عند مبغضيه من القتلة المجرمين سفاكي الدماء الطائفيين الذين تسلطوا على أهل السنة في سوريا واليمن والعراق ظلما وعدوانا، وعند محبيه من الصديقين الشهداء المرتقين مساء الجمعة على يد الصهاينة دفاعا عن المسرى ووفاء لغزة يوم خذلها الجميع، وقد عُرف أن حدة الخلاف حول أي شخص دليل على قوة تأثيره بغض النظر عن الوصف المستحق لذلك التأثير.
وثمة صنف من الناس ينكر جرائم الرجل وحزبه أشد النكران، ويعترفون ببلائه في قراع الصهاينة بداية حياته ونهايتها، لكن ثمة أمر لن يختلف حوله العقلاء وهو دور الرجل في تاريخ المنطقة المعاصر وأثر رحيله على مستقبل الصراعات المحتدمة فيها منذ عقود، فهو وحزبه ظلا لعقود متتالية نقطة ارتكاز والتقاء أساسية في قضايا المنطقة الرئيسية، وهي: الحرب مع الصهاينة، والمشكل الطائفي، وتحرر الشعوب من طغاتها.
في القضية الأولى وهي الحرب مع الصهاينة رحل حسن نصر الله عن بلاده لبنان وهي تستعيد أجواء تموز 2006، وقد رحل معه أغلب قادة تلك الحرب التي رسخت صورة الانتصار، والغالب أنه رحل وهو موزع بين شعورين؛ الأول: الأسى العميق لقوة الضربة وشراسة الاختراق الأمني لحزب قاده أكثر من ثلاثة عقود، وخاض صراعا عنيفا مع حكومة السنيورة عام 2008 بسبب “شبكة اتصالات” الحزب الذي كان يعتبر الشبكة مكملا لسلاحه فكان الاختراق القاتل منها عام 2024.
ومما جاء في مؤتمر لنصر الله 8 مايو 2008 ردا على قرار حكومة السنيورة في محاولتها السيطرة على شبكة الاتصالات، قال نصر الله:” هذا القرار هدفه تجريد أهم عنصر يحمي قيادة المقاومة وكوادرها وبنيتها التحتية، ويهدف إلى كشفها كمقدمة للاغتيال، والقتل وتدمير البنية التحتية”، وكان ما خافه نصر الله على يد اليهود والعملاء.
والشعور الثاني: ارتياح الضمير لأنه لم يتراجع عن إسناد غزة رغم الضريبة، وترك سكان الشمال الإسرائيلي مشردين، وهي آخر مراهنة له مع نتنياهو عدوه اللدود، وقد ترك ساحات المقاومة موحدة تتناهب إسرائيل بالصواريخ والمسيرات من عواصم المحور وغزة، وهذا لا شك مدعاة السرور لرجل نذر نفسه لفلسطين كما يقول محبوه.
الرمزية التي احتلها نصر الله بسبب مقاومته الطويلة لإسرائيل تجعل رحيله وهو على ذات الطريق وعلى يد العدو الإسرائيلي نفسه سببا للتشبث بمبدأ المقاومة والثأر من الكيان؛ فكل الطامحين لخلافته في قيادة الحزب، أو محاكاة نموذجه القيادي من قادة الفصائل الشيعية الأخرى مجبرون تلقائيا على استحضار هذا البعد الرمزي في حياته، وهي محاكاة ستكلف إسرائيل كثيرا من الصواريخ والإزعاج طلبا للثأر وإثباتا للذات.
كما أن الضربة الأمنية الاستباقية الكبيرة التي مُنِي بها الحزب تجعل المواجهة الشاملة بين جبهات الإسناد لغزة والكيان احتمالا راجحا يتجاوز البعد الإسنادي إلى المعركة الشخصية، لا سيما أن الحزب وسع في السنوات الماضية دائرة منتسبيه خلال تورطه في المأزق السوري، وأضحى كشكولا عابرا للقارات والأجناس، ملهما للفصائل الشيعية المسلحة المتنامية بكثرة، وهذه كلها محفزات للصراع تضاف للعداوة الأصلية بين المسلمين عموما والصهاينة، وبين ما قامت عليه الثورة الإيرانية بالخصوص من عداء لإسرائيل.
القضية الثانية وهي الأكثر التباسا، قضية المشكل الطائفي بين السنة والشيعة في المشرق الإسلامي، وهو مشكلة المشاكل عقب رحيل حسن نصر الله، فهو بعمامته وكاريزماه القيادية وحضوره القوي على مسرح أحداث المنطقة جعل منه مصدر إلهام للتشيع الحركي حتى ” كأن الليالي جددت فيه حيدرا”، وهو الإلهام الذي يقض مضاجع الأنظمة المتاجرة في الصراع الطائفي والمؤججة له في الوقت ذاته.
كما أن حضور نصر الله وانتشار أفكار حزبه في الأوساط الشيعية وسيطرة الفصائل الدائرة في فلكه على عواصم عربية مزعج للتيارات السنية المنافسة التي تشعرها قوة الحزب ونفوذه بالعجز الكامل، في الحين الذي أقام بعضها خطاباته ورؤاه منذ عقود على التصدي للتمدد الشيعي وعلى الحساسية المفرطة منه.
وهي حساسية لها أسبابها الموضوعية في ظل تورط الحزب والتشيع الحركي عموما في الصراعات الدموية التي قادت إلى جرائم الحرب، لكنها حساسية ظلت عند الجانب السني تعبر عن نفسها بالصراخ وجمع المثالب الكثيرة للحزب والطائفة أكثر من تأسيس مشروع سني عملي جاد يستثمر عدالة القضية وإمكانيات الأمة في إقامة العدل وحماية البيضة، ويتجاوز الانفعال اللحظي لبعض الأحداث الأليمة.
نقطة الصراع الطائفي ألقت بظلالها الكثيفة على حياة نصر الله ومماته وما بعد رحيله، وأثرت على القضيتين الأخريين، ويكفي من كثافتها مستوى الشماتة والتشفي في رحيله وإن كان على يد الصهاينة في أهم حروب تحرير فلسطين، وأغرب ما في التعليقات على حادث اغتيال نصر الله بعض الإشارات الرغائبية إلى أن رحيله سيكون بداية لانحسار التشيع الحركي والنفوذ الإيراني في المنطقة، وكأن نتنياهو ولي دماء أهل السنة وناصر التوحيد.
هذا التعليقات الرغائبية في أن رحيل نصر الله سيكون سببا في انحسار التشيع لا يعرف أصحابها الأبعاد الوجدانية لدى الشيعة الذين أقاموا مذهبهم على تقديس الشهادة ورمزية الفناء في سبيل العقيدة، بل إن هذا الرحيل سيكون ذا تأثير قوي في الحشد ودافعا للتمسك بالمذهب وتجنيد شبابه عبر العالم لما عرف عن الشيعة بالتعلق بالرموز والشعارات.
وبإلقاء نظرة سريعة على أدبيات الشيعة في المراثي والنواح يدرك أن موسم ازدهار جديد بدأ في المشهد الشيعي يوم اغتيال حسن نصر الله برمزيته الطاغية، كما قوي حزب الله قديما باستشهاد نجله هادي؛ ففي كتاب “حزب الله -المنهج-التجربة-المستقبل” لقاسم نعيم نائب نصر الله أن شهادة هادي 1997 “أعطت للحزب زخما كبيرا لمسيرة الحزب، فهو ابن الأمين العام الذي أعطى كل حياته لهذه المسيرة، وأفسح في المجال أمام ولده ليعبر عن اختياره الطوعي لهذا الخط”. (حزب الله ص 186)، فإذا كان رحيل النجل أعطى للحزب ذلك الزخم الذي كان ينمو باستمرار فإن رحيل والده سيكون زخمه أكبر في ظل حشد يتمدد في فراغات المنطقة.
أما القضية الثالثة المرتبطة برحيل حسن نصر الله فهي تحرر الشعوب من طغاتها، أو “الثورات العربية”، وعلاقة هذه القضية بنصر الله ذات بعدين؛ البعد الأول هو تورط حزبه في سوريا، وهي ورطة كبيرة سيترك رحيله فيها شبه فراغ مع استنزاف الحزب في الحرب مع إسرائيل، وستكون الاستفادة من ذلك الفراغ بحسب جاهزية ثوار سوريا وتماسكهم وتوحدهم على أهداف كبرى بدل التشرذم الذي قضى على الثورة في جولاتها الأولى.
والبعد الآخر هو معاداته للدول التي رعت الثورات المضادة، وهي معاداة ظلت تنمو باستمرار، وعبرت الحرب في اليمن عن أحد تجلياتها الكبيرة، فسيكون لرحيله تأثير على هذه القضية، وقد يكون تأثيرا عاصفا لا سيما أن الأنباء تتداول بشأن تورط مخابرات دولة عربية في حوادث اختراقات حزب الله، وقد عبرت بعض المليشيات الشيعية في العراق عن جاهزيتها لقصف بعض الدول التي تعتبر قاعدة متقدمة للكيان الصهيوني، وهي معطيات تؤشر كلها أن العواصف التي تضرب دولا في المنطقة آخذة بالازدياد.
يطرح رحيل نصر الله على محبيه أسئلة كثيرة في تحدي خلافته ومستقبل حزبه وطائفته في المنطقة، كما يطرح على خصومه أسئلة أكثر في تحويل الرؤى إلى برامج عملية في التنظيم والأداء والأدوار.
تابعنا على حساباتنا
مقالات أخرى
هيكل.. حكايات من سيرة الأستاذ الكاهن (1)
علاقتي مع كتابات الصحفي الكبير محمد حسنين هيكل معقدة، قد تأخذ موقفًا مما يكتبه وتتهمه بكثير، ابتداءً من التحايل على المعلومة وتعديل تفسيرها، إلى عدم إيمانه بالديمقراطية.. لكني أعود إليه كمصدر وشاهد عيان في قضايا تاريخية كثيرة، والأهمّ كواحد من أجمل الأقلام الصحفية في...
البنتاغون يتوقع اضطرابات كبيرة مع عودة ترامب إلى البيت الأبيض
تتزايد المخاوف في أوساط البنتاغون بشأن عودة الرئيس المنتخب دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، حيث يُخشى أن يسعى لتنفيذ وعود انتخابية قد تؤدي إلى تداعيات خطيرة على الجيش الأمريكي، الذي يُعرف بحياده السياسي. من بين هذه المخاوف، توجيه الجيش للعمل داخل الولايات المتحدة،...
اِجعل لكَ خبيئة!
خرج المسلمون يوماً لقتال الروم، فلما التقى الجيشان خرجَ فارس من جيش الروم يطلب المبارزة، فخرج له رجل ملثَّم من جيش المسلمين فبارزه حتى قتله! ثم خرج فارس آخر من جيش الروم يطلب المبارزة، فخرج إليه الرجل الملثم نفسه من جيش المسلمين فبارزه حتى قتله! ثم خرج فارس ثالث من...
0 تعليق