خطباء السلطان.. حينما يلعنون اليهود ويدعون بطول العمر للمتواطئين مع الصهاينة!

بقلم: شريف عبدالغني

| 16 يوليو, 2024

بقلم: شريف عبدالغني

| 16 يوليو, 2024

خطباء السلطان.. حينما يلعنون اليهود ويدعون بطول العمر للمتواطئين مع الصهاينة!

على امتداد وطننا العربي العامر من شرقه إلى غربه، ومن شماله إلى جنوبه، نشاهد على منابر خُطب الجمعة نموذجاً يكاد يكون مستنسخاً لخطيب يخصص فقرة ثابتة للدعاء على اليهود.

 ولعلّنا نلاحظ أنه حينما يصل إلى ذكرهم تزداد نبرة صوته ارتفاعاً، ويتخشب جسده، ويخرج دعاؤه متشنجاً: “اللهم قضّ مضاجعهم.. اللهم  زلزل الأرض من تحت أقدامهم.. اللهم  اقطع نسلهم.. ورمِّل نساءهم.. ويتـّم أطفالهم”.. والكل يردد خلفه بصوت جهوري:”آااااامين”.

كل هذا دون أن يوضح الخطيب أو أيٌّ من نسخه المتكررة سبب كيْل كل هذا الدعاء على أهل كتاب، ممن أوصانا القرآن بحسن معاملتهم “ما لم يقاتلونا”، فضلاً عن أن هذه الفئة من الخطباء لا تعرف الفرق بين “اليهودية” المُنزّلة من عند الله وبين “الصهيونية”، الحركة العنصرية التي يعمل معتنقوها على طرد العرب من أراضيهم، ويرتكبون المذابح بحق الفلسطينيين منذ قبل قيام كيانهم في 1948، وحتى حرب الإبادة على غزة، المتواصلة منذ 7 أكتوبر 2023.

هذا النموذج من الخُطباء غالباً لا يتطرق إلى “مذبحة غزة”، خصوصاً أنهم يعلمون أنها تجري بدعم أو تواطؤ أو صمت الحكام والمسؤولين أنفسهم، الذين يدعون الله في آخر الخطبة أن يوفقهم لخدمة الأمة، ويعينهم على قيادة سفينتها إلى بر الأمان، وتحمل رزالة الشعوب.

أحد هؤلاء تجاهل الأحداث المشتعلة في غزة، والمذابح اليومية ضد الأشقاء، وراح يتحدث عن “المؤامرة الإسرائيلية المتجددة لقطع نسل العرب”، وأكد أن دعوات “تنظيم الأسرة” هي خطة خبيثة يتبناها “اليهود الأنجاس” لتقليل عدد العرب والمسلمين، حتى لا يستطيعوا مواجهة “أحفاد القردة والخنازير”؛ ثم راح يدعو المصلين إلى زيادة الإنجاب استعداداً للدفع بالطلائع الوليدة وتجييشها لتحرير “المسجد الأقصى” و”القدس الأسيرة”.

لكنه – كالعادة- لم يوضح للجالسين أمامه في إنصات سبب الحاجة للمواليد الجدد مع كون المسلمين والعرب – ما شاء الله- يسدون عين الشمس، ويتخطون ملياري نسمة وفقا لدراسة أجريت العام الماضي، ويشكلون 25% من سكان العالم، غير أنهم لا يستطيعون المضي في “الزحف المقدس” لتحرير الأقصى والقدس من “الملاعين الأنجاس”، الذين لا يزيدون عن عدة ملايين.

كما أنه اكتفى بطمأنة الناس الذين يعانون صعوبات اقتصادية جمة، لا يستطيعون معها تلبية مطالب من لديهم بالفعل من أولاد، فما بالك بالقادمين الجدد، وقال لهم العبارة الأثيرة: “مفيش حد بيبات من غير عشا”!.

لا شك أن تأثير خطباء المساجد في عامة الناس كبير، لأسباب متعددة لا مجال لسردها الآن، لكن أهمها “الأمية الثقافية” التي تضرب بجذورها في عالمنا العربي. وكم من مفكرين عظام وكتاب كبار، خسروا معارك مهمة لتنوير العقول، بعدما نقلت تلك النوعية من “خطباء الجهل والسلطان” أمر هؤلاء إلى المنابر، واتهموهم بـ”الكفر” ودعوا الله أن يُخلـّص الأمة منهم! وكالعادة، كان صوت المصلين يرتفع جهورياً “آااااامين”.

لكن..

هل زيادة نسل الأمة – كما يعتقد كثيرون- كفيلة حقاً بالقضاء على إسرائيل، في ظل الظروف التي تعانيها معظم دول العالم الإسلامي، من تدني مستوى المعيشة، وانحدار جودة التعليم، وشيوع الأمراض المستعصية؟

الإجابة سنجدها في ندوة عقدت في واشنطن، قبل سنوات، دار على هامشها نقاش بشأن التحديات التي تواجه إسرائيل، وشارك فيها كمتحدثين مجموعة من الدارسين الإسرائيليين والأميركيين والأوروبيين. وقد أشار أحدهم بجدية إلى أن “إسرائيل محظوظة بأعدائها” قاصداً عدداً من خصائصنا التي يعتبرها هو من عناصر قوة الكيان الصهيوني؛ وذكر المتحدث أربعة من هذه الخصائص على وجه التحديد:

أولاً: الانقسامات العربية- العربية، “بما يؤدي إلى الاعتماد على قوى غير عربية كطرف خارجي لحسم هذه الخلافات، وفي الوقت ذاته تعميقها”.

ثانياً: غياب الديمقراطية مع “ما يعنيه من تراجع المحاسبة وشيوع الفساد”.

ثالثاً: عدم التوازن في توزيع الموارد العربية، فـ”حيث توجد الموارد الطبيعية توجد الصراعات السياسية والانقسامات القبلية، ويغيب رأس المال البشري”.

رابعاً: وهنا “مربط الفرس”: الزيادة السكانية غير المنضبطة.

وقد ناقش أحد الحضور المتحدثَ في مسألة الزيادة السكانية، باعتبارها واحدة من أدوات الفلسطينيين في حربهم ضد إسرائيل.

والغريب أن معظم الباحثين الإسرائيليين قدموا وجهة نظر جديدة بهذا الشأن؛ فهم يرون أن الزيادة السكانية بدون درجة عالية من التعليم المتقدم، وفرص عمل منتجة وتدريب عسكري رفيع، لا تشكل أي تهديد لإسرائيل، بل هي في مصلحتها لأنها تعني زيادة في معدل الإفقار، وفي نسب الإعالة، على اعتبار أنه “بدلاً من أن تحمل على كتفيك طفلين ستحمل على كتفيك خمسة أو ستة، ما سيُعقّد قدرتك على الحركة والإبداع، لأنك ستظل طول الوقت مشغولاً فقط بمجرد البقاء حياً”، حسب قول أحدهم.

وأعطى الباحث مثالاً، اعتبره دليلاً على أن الثقافة الشعبية العربية تخدم إسرائيل من هذه الزاوية، ونوّه بشائعة راجت في مصر خلال التسعينيات من القرن الماضي، بأن إسرائيل تُصدّر لمصر أنواعاً من الخضراوات تؤدي إلى عقم الرجال! وهو ما سخر منه، مؤكداً أنه لو استطاعت إسرائيل أن تقدم للرجال المصريين أنواعاً من الخضراوات التي تجعلهم ينجبون أكثر وأكثر لفعلت!!

 وأعطى الباحث مثالاً لمليارات الدولارات التي تخسرها مصر سنوياً بسبب الازدحام الشديد في شوارعها، واعتمادها على استيراد غذائها من الخارج بمعدلات متزايدة، لإطعام الأعداد المتزايدة من الناس.

أتمنى أن يأتي اليوم الذي أسمع فيه أن أحد هؤلاء الخطباء المتشنجين يقرأ ما يُنشر في الصحف ويبثه الإعلام، ويرد عليه بالعقل والمنطق والحجة، وهي الأسس الصحيحة للدين، وأن يوضح لجموع مستمعيه – بدلاً من التركيز على “المؤامرة الإسرائيلية” لقطع خلف الأمة- أن زيادة سكانية بلا تعليم وتربية وحسن إعداد يتوافق مع مستجدات العصر، تجعل المسلمين بالفعل كغثاء السيل.

ويضاف إلى هذا أن أمراضنا الأخرى من تخبط الإدارة وسوء توزيع الموارد إلى ضعف التخطيط والمحاسبة، مروراً بالتخلف الحضاري وقلة الإنتاج والاعتماد كلياً على اختراعات عقول “الغرب الفاجر” – بحسب تعبير أمثال هؤلاء الخطباء- كلها أمور تجعل زيادة أعداد الأمة العربية والإسلامية نقمة لا نعمة.

لكن..

ما أخشاه أن يطـّلع أحدهم صدفة على هذا المقال، وغيره من المقالات المختلفة مع فكره وقناعاته، وبدلاً من أن يجادل بالتي هي أحسن، أن يصعد المنبر، ويتهم أصحاب المقالات بالفسق والفجور؛ ثم يرفع صوته بالدعاء: “اللهم قض مضاجعهم.. وخيّب رجاءهم.. وأثقل خطاهم.. وأفشل مسعاهم.. وعجّـل بمنتهاهم”.

أما المصيبة، فهي أن يرفع المصلون أكف أذرعهم، ويرددوا خلفه دون تفكير: “آاااااااااااااامين”!

1 تعليق

  1. Lady Gaga

    منذ أن تم فصل الدين عن الدولة ، والإسلام في تقلص وانحسار . حتى أن خطباء عصرنا هذا أصبحوا لايقفون على المنابر إلا بموافقة الوالي و أصبحت الخطبة عبارة عن ورقة بموضوع محدد و يمنع منعا باتا الخروج عن النص.
    آخر ما استفزني في شعيرة من أكبر وأخم شعائر الله ، يُحرم فيها الناسكون من الدعاء على العدو أو الدعاء لنصرة المستضعفين من المسلمين ، و تأكيد الخطيب في هذا اليوم المبارك على ذلك ، بأننا هنا للعبادة و ليس للسياسة هنا مكان .
    و الغريب أن الجميع رفع أكفه بالدعاء و أمنّوا على خطبة الشيخ العصماء .

    الرد

إرسال تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابعنا على حساباتنا

مقالات أخرى

واشنطن تسعى لمزيد من الشفافية من إسرائيل بشأن خططها للرد على إيران

واشنطن تسعى لمزيد من الشفافية من إسرائيل بشأن خططها للرد على إيران

تتزايد حالة القلق في الإدارة الأمريكية إزاء عدم إطلاعها على تفاصيل العمليات العسكرية الإسرائيلية، خاصة فيما يتعلق بالرد المحتمل على إيران. وتأمل واشنطن في تجنب مفاجآت مماثلة لتلك التي واجهتها خلال العمليات الأخيرة في غزة ولبنان. كان من المقرر أن يجتمع وزير الدفاع...

قراءة المزيد
الحالة العامّة للأسرة والمرأة في الجاهليّة قبيل ولادة النبيّ صلى الله عليه وسلم

الحالة العامّة للأسرة والمرأة في الجاهليّة قبيل ولادة النبيّ صلى الله عليه وسلم

عند الإطلالة على حالة عموم النساء في المجتمع الجاهليّ، وما اكتنف الأسرة آنذاك، فيمكننا وصف وتقييم الحالة بعبارة واحدة، وهي: انتكاس الفطرة، وتشوّه معنى الرجولة، وغيبوبة الأخلاق. كان الزواج يتمّ على أنواع عدة، كلّها إلا واحدًا يظهر مدى الانحدار القيمي والظلام الأخلاقي،...

قراءة المزيد
ما بعد الاستعمار.. وفتح الجراح القديمة

ما بعد الاستعمار.. وفتح الجراح القديمة

من الملاحظ أنه في عصرنا، عصر العولمة، نجد أن الثقافات والهويات العربية أصبحت تتعرض لضغوط غير مسبوقة، لكي تكون مغمورة ومنسية ومجهولة، نتيجة الانفتاح الكبير على العالم، وتأثير الثقافة الغربية وغزوها للعقول العربية، لا سيما فئة الشباب؛ فتأثيرات العولمة عميقة ومعقدة...

قراءة المزيد
Loading...