هكذا كان غير المسلمين جزءًا من الجسد الإسلامي
بقلم: احسان الفقيه
| 25 يونيو, 2024
مقالات مشابهة
-
ما بعد الاستعمار.. وفتح الجراح القديمة
من الملاحظ أنه في عصرنا، عصر العولمة، نجد أن...
-
اقتصاد الحرب.. ماذا يعني اقتصاد الحرب؟!
لم يوضح د. مصطفى مدبولي رئيس وزراء مصر ماذا يقصد...
-
انصروا المرابطين أو تهيؤوا للموت!
في كتاب الكامل في التاريخ لابن الأثير: عندما...
-
يوميات بائع كتب عربي في إسطنبول (4)
نساء يقرأن الروايات وحكايات عن الكتب الأكثر...
-
لينينغراد وغزة: بين جنون العظمة وتطلعات الحرية
هتلر، المنتحر، المندحر والمهزوم، دخل التاريخ...
-
التواضع في القرآن الكريم .. قيمة أخلاقية تقود إلى الرفعة في الدنيا والآخرة
التواضع من القيم الأخلاقية العليا التي يحضّ...
مقالات منوعة
بقلم: احسان الفقيه
| 25 يونيو, 2024
هكذا كان غير المسلمين جزءًا من الجسد الإسلامي
لا شك أن هوية أي أمة تحددها الثقافة الأم التي تعتنقها أغلبية هذه الأمة، ومنذ أن أشرقت شمس الرسالة على أرض العرب، أصبح الإسلام يمثل إلى اليوم هويتها المعبرة عن ثقافتها، بعد أن صبغ فيها أوجه الحياة من تصورات وعادات وتقاليد وفنون وعلوم ومعايير رفض وقبول ونحو ذلك.
ومع كل حديث عن الفكرة الإسلامية أو الحكم الإسلامي أو الحضارة الإسلامية، تبزغ إشكالية معاصرة مستحدثة، يطرحها تغريبيون وتنويريون وعلمانيون، وهي وضعية غير المسلمين في هذا السياق، فيطنطنون حول استحالة استيعاب هذه الأقليات في جسد إسلامي محكوم بالأطر الإسلامية، ويعدون ذلك استبدادا وطائفية، ومن ثم يدّعون بأن العلمانية هي المسار الصحيح لدولة جامعة لكل الأطياف.
في البداية أشير إلى أن هذه السطور لا تتضمن الرد عن طريق سرد الأدلة على أن تشريعات الإسلام كفلت إدماج غير المسلمين من رعايا الدولة في الجسد الإسلامي ومسار الحضارة الإسلامية، ولا الحديث عن كون الإسلام قد أرسى حقوق الرعايا من غير المسلمين فيما يعرف اليوم بحقوق المواطنة، كما جاء في وثيقة المدينة التي نظمت شؤون الحياة بين المسلمين واليهود في المدينة ببيان الواجبات والحقوق.
إننا في هذا المقام، نتناول النظرة الموضوعية التي يلتحم بها غير المسلمين في الجسد الإسلامي، أو بالأحرى تتم إعادة التحامهم بهذا الجسد وبالثقافة والحضارة الإسلاميتين، فقد كان هذا هو الأصل الذي طرأ عليه التغيير.
حدثت ثغرة في هذا الجانب إبان الحملة الفرنسية على مصر (1798-1801)م، عندما استطاع نابليون بونابرت استمالة بعض الأقباط، وحاربوا إلى جانبه بقيادة المعلم يعقوب – أو الجنرال يعقوب حنا- ضد بني وطنهم، وهذه الفئة لعنتها وتبرأت منها الكنيسة القبطية وسائر أقباط مصر، إلا أنها تركت بذرة للاستقلال عن المحيط الإسلامي العربي واستبدال النموذج الغربي به.
تناثرت هذه النزعات لدى الأقليات غير المسلمة في الوطن العربي، لتضاف إلى التيار التغريبي الذي ينتمي إلى الإسلام، والذي توجّه أصحابه صوب الغرب قلبًا وقالبًا، فشكل الفريقان من المسلمين وغير المسلمين، فكرًا ينتزع بلادنا من المرجعية الإسلامية.
يقول المفكر الإسلامي الراحل محمد عمارة، وهو أبرز من تناولوا هذه القضية: “إذا كان إسلام العقائد والعبادات خاصًا بالأغلبية المسلمة من أمتنا، فإن إسلام الثقافة والقانون والقيم والحضارة هو صبغة جامعة للأمة كلها على اختلاف مللها وشرائعها”.
وعلى ذلك فإن الإسلام يمثل هوية الأمة العربية بأسرها، المسلمين وغير المسلمين، فالمسلمون يتمثلون هذه الهوية تدينًا وتعبدًا، وغير المسلمين يتمثلون هذه الهوية من خلال البعد الحضاري. وعبر المسار الطويل للحضارة الإسلامية، كان غير المسلمين داخل الأمة جزءًا منها، ولهم إسهاماتهم في هذا التطور الحضاري.
هذه النظرة تجاه الأقليات غير المسلمة في المجتمع المسلم، قد لامست قناعات بعض القوميين كذلك – بمنظورهم القومي قطعًا- وينقل الدكتور عمارة في كتاب مخاطر العولمة على الهوية الثقافية، عن بعض القوميين قولهم “إنه لا يوجد عربي غير مسلم، فالإسلام هو تاريخنا وهو بطولاتنا وهو لغتنا وفلسفتنا ونظرتنا إلى الكون، إنه الثقافة القومية الموحدة للعرب على اختلاف أديانهم”.
انتماء غير المسلمين إلى الجسد الإسلامي بالمفهوم الحضاري، يعزز حقيقة كون هذه الأقليات جزءًا من النسيج المجتمعي ومن أبناء الأرض التي يشترك الجميع في الانتماء إليها والتنعم بخيراتها، وأي محاولة للاستقلال عن هذا الجسد، إنما تمت تحت تأثير المد التغريبي.
وننبه هنا إلى أن أي قانون في الدول التي توصف بالرقي والمدنية يكون نابعا من ثقافة الشعب الأم، ففي أمريكا يمنع الدستور أن يتولى الرئاسة شيوعي، ويمنع قيام حزب سياسي على أساس اشتراكي لأن المرجعية النهائية والهوية الثقافية للغالبية من الشعب هي الرأسمالية الليبرالية.
غير أن الإسلام بتشريعاته ربانية المصدر، يختلف عن النظم الأخرى البشرية، فقد تميزت قِيَمه بالثبات، ومن ثم تضمَّن كفالة الحريات لغير المسلمين، وإقامة العدل بينهم، وعدم التفرقة أمام القضاء وقوانين الدولة بين المسلمين وغير المسلمين.
ربما كانت هذه الكلمات يغلب عليها الطابع التنظيري، حيث إن الأمة التي تداعت عليها الأمم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها غارقة في الأزمات التي تبعدها عن وضع تصورات عودة النظام الإسلامي، لكن تصحيح المفاهيم والتصورات أمر مطلوب، وما تراه الأمة لا يناسب عرضه أحوال اليوم سوف تحتاجه في الغد، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
1 تعليق
إرسال تعليق
تابعنا على حساباتنا
مقالات أخرى
واشنطن تسعى لمزيد من الشفافية من إسرائيل بشأن خططها للرد على إيران
تتزايد حالة القلق في الإدارة الأمريكية إزاء عدم إطلاعها على تفاصيل العمليات العسكرية الإسرائيلية، خاصة فيما يتعلق بالرد المحتمل على إيران. وتأمل واشنطن في تجنب مفاجآت مماثلة لتلك التي واجهتها خلال العمليات الأخيرة في غزة ولبنان. كان من المقرر أن يجتمع وزير الدفاع...
الحالة العامّة للأسرة والمرأة في الجاهليّة قبيل ولادة النبيّ صلى الله عليه وسلم
عند الإطلالة على حالة عموم النساء في المجتمع الجاهليّ، وما اكتنف الأسرة آنذاك، فيمكننا وصف وتقييم الحالة بعبارة واحدة، وهي: انتكاس الفطرة، وتشوّه معنى الرجولة، وغيبوبة الأخلاق. كان الزواج يتمّ على أنواع عدة، كلّها إلا واحدًا يظهر مدى الانحدار القيمي والظلام الأخلاقي،...
ما بعد الاستعمار.. وفتح الجراح القديمة
من الملاحظ أنه في عصرنا، عصر العولمة، نجد أن الثقافات والهويات العربية أصبحت تتعرض لضغوط غير مسبوقة، لكي تكون مغمورة ومنسية ومجهولة، نتيجة الانفتاح الكبير على العالم، وتأثير الثقافة الغربية وغزوها للعقول العربية، لا سيما فئة الشباب؛ فتأثيرات العولمة عميقة ومعقدة...
مقال رائع … سلمت يداك ولا فض الله فاك!
فلا شك أن هوية الثقافة الغالبة أو السائدة هي التي تشكل الأمة وتأثر على مفاهيم الناس بكل اطيافهم مسلمين وغير مسلمين (كثرة أو قلة). وأنا كذلك أتصور المشكلة تكمن في الغزو الفكري العلماني الموجه من الغرب عن طريق عملائهم العلمانيين، وما العلمانية إلا إحدى مخرجات القوميّة العنصرية الغربية القديمة المتجددة في مصطلحات جديدة. فها هي بلاد الغرب ترسي قوانينها وثقافاتها بناء على تصورها الديني والحضاري المبني على الديمقراطية -زعماً بإعطاء الحق للأقلية أو المساواة بين الجميع-، ويجب على الكل التعايش مع الدساتير والقوانين الوضعية ويمتثل لها، الأغلبية والأقلية على حد سواء.
بينما أرسى الأسلام تشريعاته -دستوره وقانونه- على العدل الرباني الثابت الذي لا يحيد ولا يهضم الحقوق لكل اطياف المجتمع كثيرهم وقليلهم، كبيرهم وصغيرهم، ذكر أو انثي، مسلم أو غير مسلم