النصر في ظلال الشهادة
بقلم: أدهم أبو سلمية
| 16 أغسطس, 2024
مقالات مشابهة
-
اِجعل لكَ خبيئة!
خرج المسلمون يوماً لقتال الروم، فلما التقى...
-
خرافة اسمها الحب!
من البديهيات أن المشاعر جزء أصيل لدى الإنسان.....
-
الشكر.. دوامٌ للنعم في الدنيا وفوزٌ في الآخرة
أنعم الله تعالى وتفضّل على عباده بالكثير من...
-
الترامبية المتجددة وأمْوَلَة نظام الحكم في الولايات المتحدة
منذ أن بلور حكماء الإغريق قديما فكرةَ...
-
السياسة الخارجية المتوقعة لإدارة ترامب.. تداعياتها على الشرق الأوسط
خلال حملته لاستعادة رئاسة الولايات المتحدة، قال...
-
ترامب وهاريس.. وجهان لعملة واحدة
نجح دونالد ترامب.. فاز مرشح الحزب الجمهوري...
مقالات منوعة
بقلم: أدهم أبو سلمية
| 16 أغسطس, 2024
النصر في ظلال الشهادة
عندما تزهر الأماني من دماء الشهداء، وتستحيل الدماء زهورًا تنبت في كل حقل من حقول المقاومة، تتجسد آيات النصر في أبهى صورها.
ارتقت روحٌ طاهرةٌ إلى بارئها، مضمخةً بدماء الشهادة، تاركةً خلفها صدى يزلزل أركان الظلم، ويغمر قلوب الأحرار بزوبعةٍ من التساؤلات.. استشهد إسماعيل هنية فارسًا على درب الحرية، التي لا تُنال إلا بالتضحيات الجسام، فهل سقطت معه راية المقاومة؟ هل انطفأ بغيابه شعاع الأمل؟ أم إن استشهاده بزوغ فجرٍ جديد يشرق من رحم المعاناة، ليضيء طريق النصر الموعود؟.
لم تسقط راية المقاومة، ولن ينطفئ نور الأمل؛ فاستشهاد القادة هو النار التي تشتعل في قلوب المجاهدين، ودماء الشهداء هي البذور التي تُنبت أجيالًا من المقاومين.. إن استشهاد الياسين والرنتيسي والجعبري وغيرهم من القادة الأبرار، هو دليلٌ على أن طريق الحرية مفروشٌ بالتضحيات، وأن النصر لا يتحقق إلا بالثبات.
إن مفهوم النصر في الإسلام أسمى وأعمق من مجرد هزيمة عدو أو سحق جيش، إنه انتصار الروح على المادة، وانتقال الحق من النظرية إلى الواقع، وثبات الإيمان أمام رياح الشك.. إنه التمسك بالمبدأ، والوفاء للعقيدة، والصمود في سبيل الله حتى النهاية.
غزة، هذه الأرض المباركة، تجسد اليوم أعظم معاني النصر! منذ أكثر من عشرة أشهر، تقف شامخةً أمام آلة الحرب الصهيونية المتوحشة، صامدةً كالجبل في وجه جبروت لا يُقهر إلا بعون الله وبثبات الأبطال في الميدان.. لقد أثبتت للعالم أجمع أن الإرادة الصلبة، المستمدة من الإيمان، قادرةٌ على هزيمة أقوى الجيوش وأعتى الطغاة.
إن صمود غزة ليس مجرد مقاومة عسكرية، بل هو صمودٌ روحي وإيماني، صمودٌ يُعيد تعريف معاني التضحية والفداء، ويُظهر قوة الشعب الفلسطيني بإيمانه وبصموده الذي لا يُقهر.. إنها حكاية داود في مواجهة جالوت، كما وصفها أبو عبيدة في مطلع معركة “طوفان الأقصى”.
يتوهم الصهاينة، في غيهم وضلالهم، أنهم بقتل هنية قد حققوا نصرًا، وأنهم قد أسكتوا صوت المقاومة، وقضوا على الروح المعنوية لأهل غزة، لكنهم لم يدركوا أنهم أشعلوا نارًا من الغضب، وأيقظوا بركانًا من الانتقام، وأن كل قطرة دمٍ لشهيد تُنبت آلاف المقاومين.
لقد جاء الإسلام ليغير مفاهيم العرب عن النصر والهزيمة، فلم يعد النصر يُقاس بعدد القتلى أو الغنائم، بل أصبح يعني رفع راية الحق، ونشر كلمة الله، والدفاع عن المستضعفين.. أصبحت الشهادة في سبيل الله أسمى مراتب الفوز، وأعلى درجات النعيم؛ فما النصر إلا أن تعيش عزيزًا أو تموت شهيدًا.
تأملوا في استشهاد الأنبياء والمرسلين! هل كان هزيمةً؟ وهل كان استشهاد الصحابة والتابعين في سبيل نشر دين الله هزيمةً؟ حاشاهم، بل كان نصرًا مبينًا وفوزًا عظيمًا. كم من نبيٍ قُتل ثم انتصر دينه! كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “فرأيْتُ النبيَّ ومعه الرُّهَيْط، والنبيَّ ومعه الرجل والرجلان، والنبيَّ ليس معه أحد”. فالنصر مع الصبر، ولو طال الزمن.
إن سير الأنبياء والمرسلين تمثل دروسًا وعبرًا في معنى النصر الحقيقي.. مع موسى (عليه السلام) كان هلاك فرعون ونجاة المؤمنين، ومع نوح (عليه السلام) جاءت النجاة من قومه الظالمين، وزكريا (عليه السلام) نُشر بالمنشار، ويحيى النبي ذُبح قربانًا لبغيّ، وعيسى (عليه السلام) رُفع إلى السماء.. النصر ليس مجرد صورة واحدة، بل هو ثباتٌ على الحق، ولو كلف ذلك الأرواح والمهج!.
كذلك، كم من شهيدٍ قُتل ثم ارتفعت رايته! كمثل الصحابي الجليل حرام بن ملحان، الذي طُعن برمح حتى أنفذه، فقال: “فزت ورب الكعبة”! فكان استشهاده فوزًا له. إن هذه هي المعاني التي تربى عليها الصحابة؛ أن المؤمن منصور لا محالة وفائز بإذن الله، وهذا ما لا يفهمه أهل الكفر.
لقد سطّر التاريخ الإسلامي ملاحم من النصر تحققت بالصمود والجهاد والشهادة؛ من بدر إلى الخندق، ومن فتح مكة إلى القدس، ومن تحرير الأندلس إلى القسطنطينية، كان النصر يتجلى في الثبات والشهادة. وغزة اليوم، بصمودها وثباتها، تعيد كتابة التاريخ، وتُثبت أن الإرادة الصلبة قادرةٌ على هزيمة الطغاة.. إن صمود غزة هو صمودٌ ضد الظلم، ضد الطغيان، ضد كل من يحاول أن يكسر إرادة الشعب الفلسطيني.
اليوم، تقف غزة شامخةً كالطود العظيم، تُلقّن العالم درسًا في الصمود والمقاومة! من رحم المعاناة يُولد الأمل، ومن قلب الموت تُبعث الحياة. غزة، بصمودها، تُبرهن أن الاحتلال إلى زوال، وأن الحرية قادمة لا محالة، إنها تُخبرنا أن الشعوب لا تموت، بل تُبعث من جديد بفضل تضحيات أبنائها.
النصر قادم بإذن الله، لا ريب فيه؛ فقد وعدنا الله في كتابه العزيز: ﴿إنَّا لننصر رسلنا والَّذين آمنوا في الحياة الدُّنيا ويوم يقوم الأشهاد﴾. وعد الله حق، ونصره آتٍ لا محالة، فلا تيأسوا من رحمة الله، ولا تقنطوا من روحه، فإن ظننا بالله نصر وفتح وتمكين بإذنه.
يا أهل غزة الأبطال، اصمدوا واثبتوا، فإن النصر مع الصبر، والفرج مع الكرب، وإن مع العسر يُسرًا.. صمودكم هو الضمانة لانتصاركم، وثباتكم هو السبيل لتحرير فلسطين، كل فلسطين.
سيذكر التاريخ أن غزة كانت رمزًا للصمود والمقاومة، ومنارةً للحرية والكرامة.. وستظل أسماء شهدائها الأبرار خالدة في ذاكرة الأجيال كرمزٍ للتضحية والفداء، وسيبقى اسم القائد إسماعيل هنية خالدًا في صفحات التاريخ، شعلةً تُضيء درب النصر الموعود لكل من يتوق إلى الحرية.
سلامٌ عليكم يا أهل غزة، سلامٌ على صمودكم ورباطكم وثباتكم في وجه الطغيان، سلامٌ على أرواح شهدائنا وأطفالنا الأبرياء وأهلنا المظلومين، سلامٌ على دمائكم التي ستحلق يومًا في سماء قدسنا وأقصانا المحرر. سلامٌ على دمائكم التي ستلعن كل قاتل مجرم وكل متخاذل وجبانٍ ومدّعٍ للإنسانية.
وما النصر إلا من عند الله العزيز الحكيم.
تابعنا على حساباتنا
مقالات أخرى
هيكل.. حكايات من سيرة الأستاذ الكاهن (1)
علاقتي مع كتابات الصحفي الكبير محمد حسنين هيكل معقدة، قد تأخذ موقفًا مما يكتبه وتتهمه بكثير، ابتداءً من التحايل على المعلومة وتعديل تفسيرها، إلى عدم إيمانه بالديمقراطية.. لكني أعود إليه كمصدر وشاهد عيان في قضايا تاريخية كثيرة، والأهمّ كواحد من أجمل الأقلام الصحفية في...
البنتاغون يتوقع اضطرابات كبيرة مع عودة ترامب إلى البيت الأبيض
تتزايد المخاوف في أوساط البنتاغون بشأن عودة الرئيس المنتخب دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، حيث يُخشى أن يسعى لتنفيذ وعود انتخابية قد تؤدي إلى تداعيات خطيرة على الجيش الأمريكي، الذي يُعرف بحياده السياسي. من بين هذه المخاوف، توجيه الجيش للعمل داخل الولايات المتحدة،...
اِجعل لكَ خبيئة!
خرج المسلمون يوماً لقتال الروم، فلما التقى الجيشان خرجَ فارس من جيش الروم يطلب المبارزة، فخرج له رجل ملثَّم من جيش المسلمين فبارزه حتى قتله! ثم خرج فارس آخر من جيش الروم يطلب المبارزة، فخرج إليه الرجل الملثم نفسه من جيش المسلمين فبارزه حتى قتله! ثم خرج فارس ثالث من...
0 تعليق