ماذا بعد الغزو الأوكراني لروسيا؟

بقلم: مدونة العرب

| 16 أغسطس, 2024

بقلم: مدونة العرب

| 16 أغسطس, 2024

ماذا بعد الغزو الأوكراني لروسيا؟

لقد فاقت عملية التوغل الخاطفة التي شنتها أوكرانيا في إقليم كورسك الروسي توقعات حتى أولئك الذين خططوا لها، فقد ادعى الجنرال أوليكساندر سيرسكي، القائد العام لأوكرانيا، في 12 أغسطس/ آب، أن قواته تسيطر على نحو ألف كيلومتر مربع من الأراضي الروسية.

وربما يكون وصفه بـ”السيطرة” مبالغًا فيه، إلا أنه في غضون سبعة أيام استولى الأوكرانيون على مساحة من الأراضي تعادل تقريبًا المساحة التي تمكنت روسيا، بتكلفة باهظة، من انتزاعها منهم منذ بداية هذا العام (وهي 1175 كيلومترًا مربعًا).

وفي الأيام القليلة المقبلة، من المحتمل أن تبلغ عملية التوغل ذروتها، حيث سيكون هناك إرهاق للقوات وتمدد خطوط الإمداد. والسؤال هو عن مدى قدرة أوكرانيا على ترجمة المكاسب قصيرة الأجل إلى ميزة استراتيجية.

إن المكاسب قصيرة الأجل التي حققتها أوكرانيا واضحة، فقد شعر فلاديمير بوتين بالحرج الشديد، وفي الثاني عشر من أغسطس/ آب، ظهر على شاشة التلفزيون الحكومي الروسي وهو يوبخ المسؤولين العسكريين والأمنيين والحكوميين المحليين.

ويشير كونراد موزيكا، المحلل العسكري في شركة روشان الاستشارية، إلى أن القوات الأوكرانية غيّرت قواعد اللعبة بعد أشهر عديدة من التراجع، فقد حافظت أوكرانيا على إجراءات أمنية مشددة، وتمكنت من مفاجأة العدو، تمامًا كما فعلت في هجوم الجنرال سيرسكي ضد القوات الروسية في خاركييف قبل نحو عامين. وأظهرت أوكرانيا أن خط المواجهة في الصراع لم يتجمد، وهو ما قد يغير حسابات روسيا والغرب في أي مفاوضات مستقبلية.

ويحذر السيد موزيكا من أن أوكرانيا قد تتكبد خسائر فادحة إذا ما شنّت روسيا هجومًا مضادًا، وحتى الآن لم تحشد روسيا قواتها للقيام بذلك، ولا تزال هناك إشارات قليلة على المقاومة الروسية على الأرض، وقد أسرت أوكرانيا عددًا كبيرًا من السجناء، معظمهم من المجندين المبتدئين أو رجال الحرس الوطني، وهي قوة عسكرية داخلية، واستسلموا سريعًا، كما لم يواجه الأوكرانيون معارضة تذكر من قِبل المدنيين الذين بقوا وراءهم.. ووفقًا لحاكم كورسك، تم إجلاء عشرات الآلاف، وغادر العديد منهم من تلقاء أنفسهم.

‏إن عدم قيام روسيا بشن هجوم مضاد سريع أربك بعض الضباط الأوكرانيين، فربما يخطط الكرملين لردّ غير متكافئ، مثل إطلاق وابل من الصواريخ على المنطقة الحكومية في كييف، بدلًا من نقل القوات من دونباس إلى كورسك. وحتى الآن لا يواجه بوتين ضغوطًا كبيرة من الرأي العام في الداخل، فالروس يعلمون بالتوغل، ولكن وسائل الإعلام التي تسيطر عليها الدولة أفادت بنجاح القوات الروسية في مقاومة التوغل وبدعم المدنيين هناك.

 وحتى المدوّنون العسكريون، الذين ينتقدون أحيانًا إخفاقات الجيش الروسي، رأوا في الاجتياح الأوكراني فشلًا يمكن أن يوحّد الروس في المطالبة بالانتقام. وقد أثارت هذه العملية ردود أفعال متباينة بين الروس المعارضين؛ فقد حمّل إيليا ياشين- وهو سياسي معارض أطلق سراحه في تبادل للأسرى في 2 أغسطس/ آب- بوتين مسؤولية “الوفيات والدمار” في كورسك. وقال ليف شلوسبرج، وهو شخصية معارضة أخرى، إن أي شخص يرحب بالنجاحات العسكرية الأوكرانية لا ينبغي له أن يعتبر نفسه سياسيًا روسيًا.

ماذا ستفعل أوكرانيا بعد ذلك؟ 

لقد تم التقدم الأوكراني بسرعة كبيرة، وفي المقابل فإن الروس كانوا بطيئين للغاية في الاستجابة، وهو ما يسمح لأوكرانيا بإعادة النظر في أهدافها.. كانت الأهداف الأولية هي تعزيز معنويات شعبها، وتجديد ثقة الغرب بأوكرانيا في أنها تستحق مزيدًا من الدعم العسكري. كما أرادت أوكرانيا من الكرملين تحويل القوات عن خط المواجهة، وخاصة في منطقة دونيتسك، حيث تحرز روسيا تقدمًا على طول محور بين بلدات توريتسك وبوكروفسك وتشاسييف يار.

ويقول الخبير الاستراتيجي ميك رايان- وهو جنرال أسترالي متقاعد- إنه على افتراض أن الروس سيبدؤون في نشر قوات أكثر قدرة في المنطقة، فسوف يكون أمام الأوكرانيين ثلاثة خيارات، الأول هو محاولة الاحتفاظ بالأراضي التي استولوا عليها، أو حتى الدفع إلى أبعد من ذلك، من أجل سحب مزيدٍ من القوات الروسية من أوكرانيا، وربح ورقة مساومة في أي مفاوضات مستقبلية.

إلا أن هذا الخيار محفوف بالمخاطر حسب رأي الخبير، فمن الصعب على أوكرانيا الحفاظ على تغطية الحرب الإلكترونية والدفاع الجوي حتى للقوات المحصنة جيدًا عبر هذه المساحات الواسعة. ويعلم الأوكرانيون مدى فتك القنابل الانزلاقية الروسية بالمواقع الثابتة، وسوف تضطر أوكرانيا إلى تحويل الموارد من خط المواجهة داخل أراضيها، وسوف تقوّض خسائر قواتها في كورسك تقدمها الإيجابي.

ويتمثل الخيار الثاني في الانسحاب إلى الحدود، والحفاظ على القوات والمعدّات لمحاولات استعادة الأراضي الأوكرانية العام المقبل.

أما الخيار الثالث فيتمثل في الانسحاب جزئيًا إلى مواقع يمكن الدفاع عنها بالقرب من الحدود الأوكرانية، وهو ما يتطلب عددًا أقل من القوات، ويحظى بدعم أفضل من المدفعية والخدمات اللوجستية، وسوف يشكل هذا أيضًا قاعدة لمزيدٍ من الهجمات عندما تتاح الفرص. وتشير مصادر في هيئة الأركان العامة الأوكرانية إلى أن هذا هو الخيار الأكثر ترجيحًا، فقد تم بالفعل نقل بعض الخدمات اللوجستية، مثل قوات الهندسة والوقود والمستشفيات الميدانية والأغذية، إلى عدة كيلومترات داخل الحدود الروسية.

وعلى الرغم من التقارير الأولية، التي تفيد بأن أوكرانيا قد تسعى إلى الاستيلاء على محطة كورسك للطاقة النووية أو مواقع حساسة أخرى، فإن رد فعل حلفائها كان إيجابيًا بشكل مفاجئ، فقد قالت إدارة بايدن، التي عارضت الضربات الأوكرانية بطائرات بدون طيار على مصافي النفط الروسية، وفرضت قيودًا على استخدام الصواريخ الأمريكية على الأراضي الروسية، إن العملية كانت استخدامًا مقبولًا للأسلحة الأمريكية، بما في ذلك مركبات سترايكر المدرعة. وأشارت ألمانيا، التي عادةً ما تشعر بالقلق إزاء أي شيء قد يدفع روسيا إلى التصعيد، إلى حق أوكرانيا في الدفاع عن النفس.

وأخيرًا، فإن التحدي الذي يواجه الرئيس الأوكراني زيلينسكي الآن هو في ترجمة نجاح الأسبوع الماضي إلى شيء دائم.

المصدر: مقال للصحيفة | ايكونومست
تاريخ النشر: 13/08/2024

0 تعليق

إرسال تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابعنا على حساباتنا

مقالات أخرى

واشنطن تسعى لمزيد من الشفافية من إسرائيل بشأن خططها للرد على إيران

واشنطن تسعى لمزيد من الشفافية من إسرائيل بشأن خططها للرد على إيران

تتزايد حالة القلق في الإدارة الأمريكية إزاء عدم إطلاعها على تفاصيل العمليات العسكرية الإسرائيلية، خاصة فيما يتعلق بالرد المحتمل على إيران. وتأمل واشنطن في تجنب مفاجآت مماثلة لتلك التي واجهتها خلال العمليات الأخيرة في غزة ولبنان. كان من المقرر أن يجتمع وزير الدفاع...

قراءة المزيد
الحالة العامّة للأسرة والمرأة في الجاهليّة قبيل ولادة النبيّ صلى الله عليه وسلم

الحالة العامّة للأسرة والمرأة في الجاهليّة قبيل ولادة النبيّ صلى الله عليه وسلم

عند الإطلالة على حالة عموم النساء في المجتمع الجاهليّ، وما اكتنف الأسرة آنذاك، فيمكننا وصف وتقييم الحالة بعبارة واحدة، وهي: انتكاس الفطرة، وتشوّه معنى الرجولة، وغيبوبة الأخلاق. كان الزواج يتمّ على أنواع عدة، كلّها إلا واحدًا يظهر مدى الانحدار القيمي والظلام الأخلاقي،...

قراءة المزيد
ما بعد الاستعمار.. وفتح الجراح القديمة

ما بعد الاستعمار.. وفتح الجراح القديمة

من الملاحظ أنه في عصرنا، عصر العولمة، نجد أن الثقافات والهويات العربية أصبحت تتعرض لضغوط غير مسبوقة، لكي تكون مغمورة ومنسية ومجهولة، نتيجة الانفتاح الكبير على العالم، وتأثير الثقافة الغربية وغزوها للعقول العربية، لا سيما فئة الشباب؛ فتأثيرات العولمة عميقة ومعقدة...

قراءة المزيد
Loading...