حين يقول شباب بنغلاديش كلمته

بقلم: د. عبد الله العمادي

| 8 أغسطس, 2024

مقالات مشابهة

مقالات منوعة

بقلم: د. عبد الله العمادي

| 8 أغسطس, 2024

حين يقول شباب بنغلاديش كلمته

أثبت طلاب بنغلاديش للعالم أن الشباب هم العامل الحاسم في أي تغيير أو مناهضة لظلم واستبداد في أي مجتمع، أثبتوا الحقيقة التي نؤمن بها، خاصة في عالمنا المسلم، باعتبار وجود ما يؤصل لهذه الحقيقة ويؤكدها، ونجده واضحاً جلياً في قوله تعالى: {إنهم كانوا فتية} في معرض الحديث عن قصة أصحاب الكهف، ودروهم في تغيير مجتمعهم ولو كان بعد حين.

لاحظ أن جل الثورات في العالم- قديماً وحديثاً- عمادها الشباب، وبهم تنجح ثورة ما، أو تخفق إن لم يتم توجيه طاقاتهم وضبطها والسير بها نحو هدف واضح محدد، هم العامل الحاسم في التغيير، وهم العامل الفاعل في مناهضة ومقاومة أي ظلم واستبداد، وهم الركيزة الأساسية في بناء وتنمية أي مجتمع.

خرج مئات الألوف من طلاب جامعات بنغلاديش، أفقر دول العالم ذات الكثافة السكانية العالية، أخرجهم قانون بدا ظاهره حب الوطن وتقدير السواعد السمر التي نهضت بالبلاد، فيما يعشش في باطنه الفساد، قانون ما يسمى بتخصيص نسبة من الوظائف العامة لأبناء الجنود، الذين ضحوا بأرواحهم فيما يُعرف بالاستقلال عن باكستان، لكن تم توظيف القانون لخدمة الشيخة حسينة وحزبها والموالين لها، ما أثار الشعب البنغالي، الذي يعاني فقراً واضحاً، وارتفاعاً كبيراً في نسبة بطالة الشباب فيه.. هذا واقع بنغلاديش.

الخداع التاريخي 

تاريخيّاً، ليت الاستقلال عن باكستان لم يكن، إذاً لكان حال هذه الدولة أفضل نسبياً، وما كان ليتم تمرير مخطط الاستدمار البريطاني الخبيث في تشتيت مسلمي شبه القارة الهندية، ما بين باكستان الحالية (أو الغربية)، وأخرى مصنوعة تسمى باكستان الشرقية، وفيما بعد بنغلاديش، وبينهما كيان ضخم هائل هو الهند الهندوسية، التي كان لها دور حاسم في إنشاء بنغلاديش، لتكون تابعة لها وأداة من أدوات استفزاز وخلخة استقرار باكستان.

إنه تاريخ مضى، لكن الخدعة البريطانية مارست دورها في تشتيت مسلمي شبه القارة، بعد أن خلقت وصنعت مشكلات لا تزال ساخنة تتأجج إلى يوم الناس هذا، من بعد أن تم- وما زال يتم- دعمها وتعزيزها بواسطة مجموعة متنفذة، تبدو عليها ملامح إسلامية، فيما هي في الحقيقة بعيدة عن الإسلام، والشيخة حسينة أحد رموز تلك المجموعة، التي تعمل بكل الوسائل على مسح الهوية الإسلامية عن هذا البلد، في السر وفي العلن، وترمي في الوقت نفسه بكل ثقلها في أحضان الهند.

معركة الشباب الحاسمة  

خاض الشباب البنغالي معركته الحاسمة هذه المرة بشكل مختلف عن المرات السابقة، حيث بدأ في التصعيد التدريجي حتى وصل الأمر إلى الإضراب المدني، وتعطيل شبه تام للحياة في بنغلاديش، وزاد عدد المتظاهرين ضد تعسف واستبداد حزب “عوامي” وحكومة حسينة، ما اضطرها إلى استدعاء قوات خاصة من حليفتها الهند للتدخل وضبط الشارع، بعد أن رفض كثير من ضباط الجيش البنغالي النزول إلى الشوارع لقمع المتظاهرين، فيما استمرت الشرطة في تنفيذ الأوامر وبوحشية، ما أدى إلى مقتل أكثر من 500 شاب.

وتم قطع الإنترنت عن البلاد لساعات عدة، رغبة في التحكم بمجريات الأمور، لكن الحكومة فشلت في هذا الإجراء واضطرت لإعادة الخدمة، فالسيل الشبابي هذه المرة قوي وهادر، إلى درجة أن حشوداً شبابية وصلت إلى مقر إقامة حسينة، التي كانت قد أعدت عدتها للفرار وتنتظر الوقت الحاسم، وكان لها ما أرادت قبل أن تقع في أيدي الثوار، وإلا لكانت اليوم في قبضة الشباب والعدالة التي بدأت ملامحها تتشكل.

الشباب أخذ دوره الحاسم إذن في إزاحة هم وغم وظلم كبير، جثم على صدور الشعب البنغالي عقوداً عدة، وبهذا العمل الجاد المستمر تخلصت بنغلاديش أخيراً من حكومة تابعة للهند، لا حول لها ولا قوة، وارتفعت فوراً أصوات عديدة تنادي بالخلاص من أوامر الخارج، لاسيما الهند والكيان الصهيوني الذي ساءه ما حدث لحسينة، شأنه شأن الهندوس الذين أغرقت أدواتهم وسائل الإعلام بتقارير وأخبار مزيفة كاذبة عن الأوضاع في بنغلاديش، وهدفها إحداث فوضى وإرباك في المشهد البنغالي لبعض الوقت، أملاً في التمكن من لملمة الأوراق والتنسيق بين الهند والكيان الصهيوني وحسينة ومن يقف معها ووراءها لجولة جديدة، فلعل وعسى تتمكن من العودة كما في المرات السابقة، ولا أظن هذه المرة كسابقاتها، فقد طفح الكيل بالشعب البنغالي، ولا يبدو في الأفق ما يشير إلى احتمال أن ينخدع الشعب بالوعود الجميلة الكاذبة مرة أخرى. 

النموذج القدوة 

ما حدث في بنغلاديش المسلمة، يمكن اعتباره نموذجاً قابلاً للاقتداء من قبل الشعوب المضطهدة، لاسيما المسلمة التي تعاني الواقع ذاته، ومنها بعض الشعوب العربية المكتوية بنار حكومات مستبدة فاسدة، والتي لا تختلف أحوالها عن أحوال الشعب البنغالي.

الحدث البنغالي نموذج قابل للاقتداء من قبل الشعوب التي لا تزال تحت نير الأنظمة الديكتاتورية العسكرية.. لابد أن تدرس النموذج البنغالي، وتقتدي به في تغيير الواقع، الذي يحتاج ويتطلب القليل من التضحيات في سبيل الكثير من الإيجابيات والمنافع، واستعادة الحقوق المنهوبة، وما أكثرها!.

والمطالب عادة- كما هي سنن الحياة- لا تُنال بالتمني، كما قال أمير الشعراء أحمد شوقي، ولكن تُؤخذ الدنيا غلابا، أي بالقوة والمنازعة. فما بالك لو كانت تلك المطالب جملة حقوق إنسان أساسية ضرورية، مع مطالب أخرى مثل نشر العدالة والمساواة بين الناس؟ لابد أن الوضع يحتاج بعض الجهد والوقت والتضحيات والتخطيط والتنسيق، ومن ثم التوكل على الله بعد عقد النية والعزم، فهو سبحانه كفيل بكل جميل، وهو حسبنا ونعم الوكيل.

0 تعليق

إرسال تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابعنا على حساباتنا

مقالات أخرى

رسالة إلى أمريكا

رسالة إلى أمريكا

وقف مراسل شبكة CNN الإخبارية بمنطقة "أيتون" شرقي مدينة لوس أنجلوس الأمريكية، مرتدياً قناعاً واقياً من الغاز، قام بإزاحته عن وجهه، بعد أن طلبت منه المذيعة في داخل الاستوديو أن يصف لها ما يحدث على الأرض. بعيون دامعة، ووجه شاحب مكفهر، تحدث بأسى عن جحيم مروع، تشهده ولاية...

قراءة المزيد
أما آن للوزيرة الألمانية أن تهمد؟!

أما آن للوزيرة الألمانية أن تهمد؟!

أخيراً تحقق لها المراد! فقد صافحت الوزيرة الألمانية أنالينا بيربوك الوزيرَ السوري أسعد الشيباني في الرياض، بعد الضجة الكبرى لعدم مصافحة أحمد الشرع لها، والاكتفاء بالترحيب بها بوضع يده مبسوطة إلى صدره! وكما كان عدم المصافحة في دمشق خبرَ الموسم في الإعلام الغربي، فقد...

قراءة المزيد
غزة وجدليَّتا النصر والهزيمة

غزة وجدليَّتا النصر والهزيمة

على مدى ما يقارب ٤٧١ يوماً، وقفت غزة وحيدةً صامدةً تواجه مصيرها، كآخر بقعة تتموضع عليها القضية الفلسطينية، بعد أن تم تدجين العالم العربي كله وصولاً إلى تدجين فلسطين نفسها بقيادة أكثر صهيونية من الصهيونية نفسها، لا هدف لها سوى أن تُنسي الفلسطينيين والعالم كله شيئاً...

قراءة المزيد
Loading...