
تحدث الأزمات حين يتسلم اللص مفتاح “الكرار”
بقلم: شيرين عرفة
| 11 يوليو, 2024

مقالات مشابهة
-
أما آن للوزيرة الألمانية أن تهمد؟!
أخيراً تحقق لها المراد! فقد صافحت الوزيرة...
-
غزة وجدليَّتا النصر والهزيمة
على مدى ما يقارب ٤٧١ يوماً، وقفت غزة وحيدةً...
-
سوريا وثورة نصف قرن
سيسجل التاريخ أن يوم ٨ ديسمبر ٢٠٢٤م يوم مفصلي...
-
خطر الدوغمائية على مآل “الميثاق الغليظ” في المغرب!
يزداد انشغالي فكريًّا ووطنيًّا بما سيثيره مشروع...
-
ماذا عن القرار العباسي بإغلاق مكتب الجزيرة؟!.. يا لك من نتنياهو!
فعلها محمود عباس (أبو مازن)، وأكد عندما فعلها...
-
وقد استجاب القضاء لدعوة الرئيس.. ماذا ينتظر المستأجرون؟!
ذكّرني القول إن المحكمة الدستورية العليا في مصر...
مقالات منوعة
بقلم: شيرين عرفة
| 11 يوليو, 2024
تحدث الأزمات حين يتسلم اللص مفتاح “الكرار”
استيقظ المصريون صباح الخميس، الأول من سبتمبر/ أيلول عام 2016 على واقعة لم تشهد لها البلاد مثيلا من قبل، حين اصطفت عشرات من النساء والأمهات اللاتي يحملن بأيديهن أطفالا رضع، أمام أبواب الشركة المصرية لتجارة الدواء في أحد شوارع محافظة القاهرة، وهن يصرخن وينددن بعدم توافر ألبان الأطفال، ليكسرن بهذا الحاجز الحديدي الذي فرضه نظام السيسي ضد التظاهر في مصر، منذ وصوله إلى السلطة عبر انقلاب عسكري.
مشهد مؤلم، لا يُرى أبدا، سوى في أوقات الحروب والنزاعات.. النساء كنَّ يبكين ويتوسلن الإعلام، الذي هرع لتسجيل الحدث النادر والمهم، ويطالبنه بتوصيل أصواتهن للحكومة، كي توفر لأبنائهن الحليب الذي يعيشون عليه، ومن دونه قد يتعرضون للوفاة.
وعقب ضجة إعلامية كبرى، أعلن وزير الصحة المصري “أحمد عماد الدين راضي” في رده على أسئلة الإعلام، أن الأزمة المؤسفة سيتم حلها فورا، من خلال توزيع القوات المسلحة المصرية لثلاثين مليون عبوة حليب، قامت بشرائها ثم وضعت عليها الشعار الخاص بمنتجات الجيش، وأنه سيتم بيعها في الصيدليات والوحدات الصحية بسعر 30 جنيها للعبوة الواحدة.
حينها، تفجرت في مصر موجة أكبر من الجدل والتساؤلات: لماذا يمتلك الجيش المصري تلك الكمية الضخمة من عبوات ألبان الأطفال؟ هل يحتاج الجيش في إمداداته لتخزين ألبان الصغار؟! كم – يا تُرى- يبلغ سن التجنيد في مصر، طبقا لهذا الحال؟.
وبعد أن تحول التعاطف المزيف من الجيش إلى فضيحة، اضطر العميد محمد سمير، المتحدث العسكري الرسمي، ليصرح بأن القوات المسلحة، من منطلق إحساسها بمعاناة المواطن المصري، قد تعاقدت بالتنسيق مع وزارة الصحة على استيراد عبوات حليب للأطفال الرضع، بدءاً من منتصف شهر سبتمبر/ أيلول هذا العام، وأنه لا يوجد في مخازنها ألبان للأطفال، وأن على المصريين ألا يستمعوا لمثل تلك الشائعات.
وبالرغم من أنه كان تصريحًا رسميًا لوزارة الصحة، ولم يكن مجرد شائعات، فإنه بعد أيام من انتهاء الأزمة، وانتشار صور لألبان الأطفال التي قام الجيش بتوزيعها تحت اسم “تحيا مصر”، ومن خلال رصد تاريخ الاستيراد على العبوات، عرف المصريون أن عملية الشراء قد سبقت الأزمة بوقت طويل، وأنه لا تفسير لما حدث سوى أن الأزمة مفتعلة، أو أن الجيش المصري على علم بالغيب.
وتحدثت تقارير صحفية لاحقة عن أن مساعد وزير الصحة، وهو لواء سابق بالجيش، قد قام بسحب توكيلات استيراد ألبان الأطفال من بعض مستوردي القطاع الخاص والشركات الحكومية، ومنح حق استيراده حصرا للقوات المسلحة، التي تعمدت تعطيش السوق قبل طرحها لعبوات الألبان بسعر 30 جنيها بدلا من 18 بينما كانت عبوات الحليب المدعمة من قبل الحكومة، تُباع منذ سنوات قليلة بثلاثة جنيهات؛ وأن شركة “فارما أوفر سيز” التي تولت مهمة توزيع ألبان الجيش، يديرها “أحمد جزارين”، زوج “عزة مميش” شقيقة الفريق “مهاب مميش” رئيس هيئة قناة السويس.
وقد شهدت مصر كذلك، في ذات التوقيت، أزمة حادة في المحاليل الطبية، كانت قد تفاقمت عبر أشهر يوليو وأغسطس وسبتمبر من العام 2016، ما خلق سوقا سوداء للمحاليل، وهي التي تعد جزءا مهما من بروتوكولات العلاج، ويعتمد عليها بشكل أساسي مرضى الأورام، ومن يُجرون الغسيل الكلوي، وتستخدم كذلك لإذابة بعض الأدوية ذات التركيز العالي، بالإضافة إلى استخدامها في العمليات الجراحية.
وقد أدى شح وندرة المحاليل الطبية إلى ارتفاع أسعارها بشكل كبير، وتفاقمت معها معاناة المرضى، وإغلاق أقسام العمليات ببعض المستشفيات، ووُجهت اتهامات للحكومة وقتها بتعمد خلق الأزمة، من خلال التعنت في غلق أحد أهم مصانع إنتاج المحاليل الطبية في مصر، والمماطلة في السماح له بالعودة للإنتاج.
حدث ذلك في أكتوبر/ تشرين الأول من عام 2015، في أعقاب واقعة وفاة أطفال من محافظة بني سويف، نتيجة التسمم بمحاليل طبية منتهية الصلاحية، وبالرغم من مناشدات العاملين في الصحة وصناعة الدواء لإعادة ترخيص المصنع، الذي لا يتحمل الخطأ البشري في إعطاء تلك المحاليل للأطفال، فإن الأزمة ظلت مشتعلة، حتى أعلن وزير الصحة المصري في نوفمبر/ تشرين الثاني 2016 عن أن وزارته قد تعاقدت مع وزارة الدفاع لشراء جميع احتياجات مصر من المستلزمات الطبية، ومنها المحاليل.
وقد دافع الوزير عن سيطرة الجيش المصري على سوق المستلزمات الطبية بالأمر المباشر، قائلا: إنما هو أمر يصب في “صالح المواطن المصري”، وأوضح أن تلك التجارة الجديدة ستديرها إدارة الخدمات الطبية بوزارة الدفاع، وهي إحدى الإدارات التابعة لهيئة الإمداد والتموين بالقوات المسلحة، المسؤولة عن المستشفيات والمراكز الطبية الخاصة بالجيش. إلا أن أصواتا في قطاع صناعة الدواء في مصر اتهمت الجيش بافتعال أزمات كبرى في سلع حيوية، من أجل رفع أسعارها ومضاعفتها عدة أضعاف، حيث ارتفع سعر عبوة المحلول الطبي بعد تلك الأزمة، من 4 جنيهات إلى 20 جنيها.
وفي الـ 22 يناير/ كانون الثاني 2017 نشرت الجريدة الرسمية المصرية قرارا أصدره رئيس مجلس الوزراء “شريف إسماعيل”، يُرخّص للجيش المشاركة في تأسيس شركة للمستحضرات الدوائية، ليقتحم الجيش لأول مرة في تاريخه، مجال صناعة الدواء.
وفي الـ 20 من يوليو/ تموز 2020، أصدر مجلس الوزراء المصري قرارا بالترخيص للهيئة المصرية للشراء الموحد والإمداد الطبي، التابعة للجيش، بتأسيس شركة مساهمة، تحمل اسم “الشركة المصرية للاستثمارات الطبية”، تحتكر وحدها إمداد المستشفيات الحكومية وهيئات التأمين الصحي بما تحتاجه من أدوية ومستلزمات، بالإضافة إلى كونها تتولى عملية النقل والتوزيع، وتدير كذلك منظومة المخازن الاستراتيجية للدواء؛ ما نتج عنه إحكام القوات المسلحة المصرية قبضتها على قطاع الأدوية والمستلزمات الطبية الحكومية بشكل تام.
ومنذ شهور طويلة، ما زال المصريون يعانون أجواء أزمة خانقة في مجال صناعة الدواء، تتنوع ما بين زيادات كبيرة في الأسعار تصل إلى عدة أضعاف، وما بين نقص شديد – وأحيانا اختفاء- لبعض الأصناف المهمة من الصيدليات.
وقد وجه رئيس شعبة الأدوية بالاتحاد العام للغرف التجارية، الدكتور “علي عوف”، في مايو/ أيار الماضي نداءً عاجلا إلى مجلس الوزراء وهيئة الدواء، حذر فيه من نقص غير مسبوق في الأدوية، يشكل تهديداً خطيراً لصحة المواطنين، وأضاف: إن الأدوية الناقصة تصل إلى 1000 نوع تقريبا، تتعلق بمضادات حيوية وأدوية السكر وأدوية الضغط، مشيرا إلى أن السوق المصرية فيها 14 ألف نوع من الأدوية، بينها 4 آلاف نوع هي الأكثر شيوعا، تتصدرها الأنواع الألف التي فيها النقص الحاد في الأسواق.
وقد فوجئ المصريون أول أمس، الثلاثاء 9 يوليو/ تموز 2024 بإعلان رئيس الوزراء “مصطفى مدبولي” عزم حكومته فرض زيادات جديدة في أسعار بعض المجموعات الدوائية، ضمن خطة لرفع أسعار الكهرباء والمحروقات.
التصريح فجر غضبا لدى قطاعات عريضة من المصريين، الذين رأوا أن زيادة الأسعار بهذا الشكل المتواصل منذ أكثر من عام في قطاع حيوي واستراتيجي، يرتبط بصحة وحياة المصريين، دون مراعاة لظروفهم الاقتصادية، والرواتب المتدنية التي يحصل عليها العامل المصري، والتي تدخل ضمن قائمة الأجور الأقل في العالم، إنما هو تعمد من الحكومة للإضرار بالمواطنين من محدودي الدخل والفقراء.
والمتتبع للسياسات المتكررة والمريرة للجيش المصري، يعلم أن ما حدث من نقص في قطاع الدواء، إنما هو نتيجة لسعيه المحموم لتحقيق أكبر قدر من المكاسب والأرباح، حتى لو ظهر بشكل جشِع وانتهازي، من خلال رفعه لأسعار المنتجات التي يقتحم مجال تصنيعها واستيرادها، وأن المؤسسة العسكرية، التي تسيطر بقوة السلاح على حكم مصر ومراكز صنع القرار، حين تقرر منافسة القطاع الخاص والمواطنين في تحقيق الأرباح، ثم لا ترضى بالمنافسة العادلة، بل تلجأ لسياسة القوة لفرض قوانين وتشريعات، تسمح لها بابتلاع الاقتصاد على حساب صحة المصريين وحياتهم، وتدمير أرزاقهم وصناعتهم وتجارتهم، فهذا إنما هو تحويل مؤسسة وطنية إلى ما يشبه لصّاً جشعاً مُسلحاً، قاموا بتسليمه مفتاح “الكرار”.
والكرار في الموروث الشعبي يعني مخازن المؤن، التي تُبنى أسفل المنازل كي يخزن المصريون فيها طعامهم، الذي سيحتاجون إليه طوال العام.
فهل من عاقل، يعيد لمؤسسة الجيش في مصر هيبتها ومكانتها ودورها المفقود؟

كاتبة صحفية وباحثة سياسية
1 تعليق
إرسال تعليق
تابعنا على حساباتنا
مقالات أخرى
رسالة إلى أمريكا
وقف مراسل شبكة CNN الإخبارية بمنطقة "أيتون" شرقي مدينة لوس أنجلوس الأمريكية، مرتدياً قناعاً واقياً من الغاز، قام بإزاحته عن وجهه، بعد أن طلبت منه المذيعة في داخل الاستوديو أن يصف لها ما يحدث على الأرض. بعيون دامعة، ووجه شاحب مكفهر، تحدث بأسى عن جحيم مروع، تشهده ولاية...
أما آن للوزيرة الألمانية أن تهمد؟!
أخيراً تحقق لها المراد! فقد صافحت الوزيرة الألمانية أنالينا بيربوك الوزيرَ السوري أسعد الشيباني في الرياض، بعد الضجة الكبرى لعدم مصافحة أحمد الشرع لها، والاكتفاء بالترحيب بها بوضع يده مبسوطة إلى صدره! وكما كان عدم المصافحة في دمشق خبرَ الموسم في الإعلام الغربي، فقد...
غزة وجدليَّتا النصر والهزيمة
على مدى ما يقارب ٤٧١ يوماً، وقفت غزة وحيدةً صامدةً تواجه مصيرها، كآخر بقعة تتموضع عليها القضية الفلسطينية، بعد أن تم تدجين العالم العربي كله وصولاً إلى تدجين فلسطين نفسها بقيادة أكثر صهيونية من الصهيونية نفسها، لا هدف لها سوى أن تُنسي الفلسطينيين والعالم كله شيئاً...
انا كصيدلي معاصر لهذه الحقيبه الزمنيه ،لم أرى في حياتي ،كمية الا مات التي حدثت منذ انقلاب ٢٠١٣ حتى الآن
تم محاصرة القطاع الصيدلي وتجارة الادويه بالكامل والإصرار على الأضرار المتعمد للصيادله وجعلهم يخسرون كل رؤوس أموالهم ،،
الصيادله أصبحوا شحاتين حاليا وسنرى في الشهور المقبله اغلاق كامل للصيدليات بسبب إفلاسها لإحلال بديل جديد قد يكون اماراتي أو سعودي بالشراكه مع الجيش أو اي جهه مما يسمونها جهات سيادية
تحياتي لك يا استاذه لكن ياريت تكتبي تقرير عن أحوال الصيادله في مصر لأننا اصبحنا من البؤساء