
من أطلق الرصاص على الحقيقة!
بقلم: كريم الشاذلي
| 28 يونيو, 2024

مقالات مشابهة
-
أما آن للوزيرة الألمانية أن تهمد؟!
أخيراً تحقق لها المراد! فقد صافحت الوزيرة...
-
غزة وجدليَّتا النصر والهزيمة
على مدى ما يقارب ٤٧١ يوماً، وقفت غزة وحيدةً...
-
سوريا وثورة نصف قرن
سيسجل التاريخ أن يوم ٨ ديسمبر ٢٠٢٤م يوم مفصلي...
-
خطر الدوغمائية على مآل “الميثاق الغليظ” في المغرب!
يزداد انشغالي فكريًّا ووطنيًّا بما سيثيره مشروع...
-
ماذا عن القرار العباسي بإغلاق مكتب الجزيرة؟!.. يا لك من نتنياهو!
فعلها محمود عباس (أبو مازن)، وأكد عندما فعلها...
-
وقد استجاب القضاء لدعوة الرئيس.. ماذا ينتظر المستأجرون؟!
ذكّرني القول إن المحكمة الدستورية العليا في مصر...
مقالات منوعة
بقلم: كريم الشاذلي
| 28 يونيو, 2024
من أطلق الرصاص على الحقيقة!
لن تستطيع أن ترى الحقيقة وأنت غاضب، وأنت متحيز، وأنت تمارس ألاعيبك النفسية.. على نفسك!
قرأت يوما قول أحدهم إن الحقيقة هي أسوأ اختراع بشري في التاريخ، إذ من يدعي امتلاكها يمكنه وبسهولة إطلاق الرصاص على الآخرين.. وبدم بارد. ولما لا؟ ألا يمتلك منطق الحقيقة.. قوة الحقيقة؟. عليه إذن ألا يفكر مرتين.. يطلق الرصاص حتى على من يتلمسون طريقها، ويحاولون الوصول إليها!
لا يعرف الأبله المفتون بخمر حقيقته الموهومة أن شرف المرء منا أن يبحث عن الحق، وأن من جهاد الناس المبرور تخبطهم وهم يبحثون عن النور، وأن لا أحد يمكنه أن يدعي الوصول إلى الحقيقة الواضحة وهو مطمئن، عليه أن يتشكك على الأقل في سبله، حتى وإن كان متأكداً من الغاية!
كل هذه الفِكَر وأكثر، دارت في ذهني بعدما انتهيت من مشاهدتي لرائعة المخرج الأميركي سيدني لوميت “اثنا عشر رجلا غاضبا”.. ساعة ونصف من الانتباه والشحذ الكامل للوعي كي يلاحق السيناريو العبقري الذي كتبه “ريجنالد روز”، وكان بطله الأول لفيلم صُوِّر بالكامل داخل غرفة ضيقة، وخلا – تقريبًا- من كل المؤثرات التي يمكن أن تستخدم كعامل جذب.
ولا أخفيكم سرًا، إن الفيلم الذي عُرض عام 1957 أربكني كثيرًا، ذلك أنه تسلل إلى جانب خفي من الضمير، وحاول أن يصنع له مرآة عله يرى فيها نفسه، ويكشف له مساحات العنصرية، والانغلاق، والتشدد، التي تصنع فيه بقعًا سودًا طالما أنكرها!.
يبدأ الفيلم في قاعة المحكمة، ذلك المكان الذي أنشأه أهل الأرض لإرساء العدل عليها، نرى القاضي وهو ينظر مليًا إلى هيئة المحلفين المكونة من اثني عشر رجلا تم اختيارهم ليحكموا في الأمر.. كما نعلم، فإن القانون الأميركي يحتم وجود هذه الهيئة التي تتكون من أشخاص لا يعرف بعضهم بعضًا، ويُشترط فيهم حسن السلوك والنزاهة، ويكون اختيارهم مشروطًا بموافقة كل من الادعاء وهيئة الدفاع، ويتم عزلهم عن متابعة أي شيء عن القضية التي يتابعون جلساتها، لا صحف ولا تلفاز، إنهم ضمير الشعب الذي يقول الكلمة الأخيرة.
ينقل القاضي نظره بين هيئة المحلفين وقفص الاتهام الحديدي قائلًا: هذا الصبي الماثل أمامكم قد قتل والده بعد مشاجرة، وكما رأيتم طوال الجلسات الماضية، فإن لدينا شهودًا أكدوا على رؤيته وهو يقتل، لدينا حجته المهلهلة التي لم يستطع إثباتها، لدينا السكين الخاص به وقد زرع في بطن الأب المسكين، عليكم أن تجمعوا رأيكم.. كما تعلمون، القانون يؤكد أنه لا يمكن تنفيذ الحكم فيه إلا بإجماع آراء الهيئة، نريد قرارًا واحدًا، إما الإدانة وإما البراءة.
وهكذا تم إلقاء الكرة في ملعب هيئة المحلفين، وداخل غرفة خانقة سيئة التهوية، جلس الجمع حول الطاولة وقد أسرّوا في ضمائرهم أن ينتهوا من الأمر سريعًا، ولم التباطؤ والقضية شبه محسومة، عليهم أن يوقّعوا على ورقة الإدانة ليدفعوا بالصبي إلى غرفة الإعدام. قال أحدهم محاولًا أن يكون أكثرهم عملية: كما رأينا جميعًا، الفتى مدان، لكن البروتوكول يقتضى أن نصوت على القرار، الموافق على إدانة الصبي يتفضل برفع يده.
وهنا تبدأ المفاجأة.. ذلك أن رجلا واحدًا خالف رأي الجميع، ورأى أن عليه أن يعيد النظر في كل ما قيل! ووسط نظرات الاستنكار قال موضحًا: ألا تستحق حياة إنسان أن نفرد لها بعض الوقت، نتأمل في كل دليل، ونحاول أن ندير الحجج لنراها من كل جهة، علنا نقف على عوار أو ثغرة ما؟!.
كان رأيه شاذًا، لذا كان منطقيًا أن يواجَه بعاصفة من النقد والتجريج، اتهموه بالسفسطة ومحاولة لعب دور رخيص، ولم لا والتهمة واضحة وثابتة، ولا تستحق دقيقة نقاش واحدة؟. لكن الرجل لم يهتز، وإنما حاول أن يراجع كل الحجج التي تمت مناقشتها في قاعة المحكمة، ولكن بذهنية أخرى مبنية على قاعدة “ولم لا؟”.
لمَ لا نصدّق المتهم ولو لدقائق، ونحاول أن ننظر للأمر من وجهة نظره؟!. لم لا نشكك في الشهود، ونحاول أن نراجع ونناقش ما قيل؟. لم لا نتمهل قبل أن نصدر حكمًا نسمح لأهوائنا فيه أن تتحيز، وتعمى عن رؤية الجانب الآخر من الأمر مهما بدا ضعفه؟. ووسط تذمر ورفض من الجميع، بدأ الرجل في الحديث محاولًا أن يناقش الأمر بهدوء، ملقيًا ببذرة شك حول أول دليل من أدلة القضية.
كان ذكيًا حينما لم يصدمهم باطمئنانه إلى براءة الفتى، لكنه على الجانب الآخر صرح بعدم اطمئنانه كذلك لإدانته، رأى أن ضمير الإنسان القابع بداخله لن يتسامح مع تسرعه في الدفع بالصبي إلى منصة الإعدام، الضمير – ولا شيء غيره- هو الذي يجب أن يقود النقاش ويوجهه.
وهنا تظهر عبقرية العمل الفني، حيث نرى كيف يمكن للتجارب الشخصية، والأحكام السابقة، والطبائع النفسية أن تؤثر على قراراتنا، كيف يمكن أن نتبنى رأيًا لمجرد أنه يوافق معتقداتنا السابقة، ونعمى حينها عن رؤية الحقيقة.. فهذا رجل لديه خصومة سابقة مع ولده، لذا فإنه يميل إلى رؤية جميع الأبناء عاقين، وذاك لديه أعماله الخاصة التي تحتاج منه أن يذهب إليها سريعًا، وذلك لديه مباراة هامة وقد منّى نفسه ببعض المتعة، وآخر إمّعة يميل حيث تميل مجمل الآراء.
كل هذا أثر في قرارهم، وجعلهم مساقين إلى إدانة الصبي، خصوصًا وأن لديهم حججًا ذات وجاهة، وهذا ما لم يكن خافيًا على الرجل المُخالف، والذي قال لهم: عليكم أن تتفكروا ولو قليلًا في الأمر، أعلم أنكم غاضبون من مخالفتي لتوقعاتكم، ورفضي لما ترونه أمرًا مُسلّمًا، أتفهم ذلك جيدًا لعلمي أنه من الصعب دائمًا إبقاء التحيز الشخصي بعيدًا عن أحكامنا تجاه الأمور، إن التحيز يحجب الحقيقة تمامًا، ويجعلنا أسرى لأهوائنا!.
انتهى الفيلم بانتصار المنطق، واستطاع رجل واحد، وهو الذي أدّى دوره الممثل الأميركي “جون فوندا”، أن ينقذ الصبي من حُكم الإعدام. وفي المشهد الأخير من الفيلم، نرى أفراد هيئة المحلفين وهم خارجون من مبنى المحكمة، قبل أن يلتفت أحدهم إلى ذلك الرجل الذي قلب الطاولة وغير رأيهم سائلًا: عفوًا، ولكن لم تخبرنا باسمك!.
نتفاجأ جميعًا أننا وحتى الدقيقة الأخيرة لم نعرف لصوت الحق اسمًا! لا يهم.. المهم أن يكون صداحًا، أن يكون ضميره حاضرًا ليرجح كفة الحقيقة، حتى وإن لم يقل – كما في حالة بطل العمل- أنه يمتلكها!
لَكَم أحببت هذا العمل، إذ وضع مرآة أمام عقلي ليعيد التأكيد على حقيقتين لطالما آمنت بهما، غير أن ارتباك الواقع كثيرا ما يفقدنا الثقة فيما نملك.
الأُولى أن الناس تحب الوهم المريح، تستأنس الضلال ما دام عليه إجماع، تستريح نفوسهم حينما يتم التصويت على الكذبة، تتحول ضمائرهم إلى شبكة صيد، تصطاد الفرص السابحة، غير أنها لا تصلح لستر العورة! وعليه، فلا يجب أن أنظر إلى وجوههم قبل أن أقول كلمتي، هم ليسوا على شيء، فلا يجب أن أخشاهم، أو أفكر مرتين.
الثانية أن شرف المرء منا أن يلتمس طريق الحق في كل شيء، والحق ليس محطة وصول، إنه المنهج الذي تمضي به في الحياة، الحق ليس فكرة نصارع من أجل نصرتها بين الناس كما علمونا، وإنما هو في انتصار الفكرة بداخلك.. حينها تصبح إنسانًا حقيقيًّا، تقول ما تعتقده وتؤمن به، دون أن تخشى من الجماهير الغفيرة ..
الحقيقة في جوهرها أن تفعل ما يرضاه ضميرك وتمضي.. تمضي في سلام وراحة.. حتى دون أن تخبرهم باسمك!.
تابعنا على حساباتنا
مقالات أخرى
رسالة إلى أمريكا
وقف مراسل شبكة CNN الإخبارية بمنطقة "أيتون" شرقي مدينة لوس أنجلوس الأمريكية، مرتدياً قناعاً واقياً من الغاز، قام بإزاحته عن وجهه، بعد أن طلبت منه المذيعة في داخل الاستوديو أن يصف لها ما يحدث على الأرض. بعيون دامعة، ووجه شاحب مكفهر، تحدث بأسى عن جحيم مروع، تشهده ولاية...
أما آن للوزيرة الألمانية أن تهمد؟!
أخيراً تحقق لها المراد! فقد صافحت الوزيرة الألمانية أنالينا بيربوك الوزيرَ السوري أسعد الشيباني في الرياض، بعد الضجة الكبرى لعدم مصافحة أحمد الشرع لها، والاكتفاء بالترحيب بها بوضع يده مبسوطة إلى صدره! وكما كان عدم المصافحة في دمشق خبرَ الموسم في الإعلام الغربي، فقد...
غزة وجدليَّتا النصر والهزيمة
على مدى ما يقارب ٤٧١ يوماً، وقفت غزة وحيدةً صامدةً تواجه مصيرها، كآخر بقعة تتموضع عليها القضية الفلسطينية، بعد أن تم تدجين العالم العربي كله وصولاً إلى تدجين فلسطين نفسها بقيادة أكثر صهيونية من الصهيونية نفسها، لا هدف لها سوى أن تُنسي الفلسطينيين والعالم كله شيئاً...
0 تعليق