لماذا يُكرم القاتل؟!
بقلم: شيرين عرفة
| 30 أغسطس, 2024
مقالات مشابهة
-
خرافة اسمها الحب!
من البديهيات أن المشاعر جزء أصيل لدى الإنسان.....
-
الشكر.. دوامٌ للنعم في الدنيا وفوزٌ في الآخرة
أنعم الله تعالى وتفضّل على عباده بالكثير من...
-
الترامبية المتجددة وأمْوَلَة نظام الحكم في الولايات المتحدة
منذ أن بلور حكماء الإغريق قديما فكرةَ...
-
السياسة الخارجية المتوقعة لإدارة ترامب.. تداعياتها على الشرق الأوسط
خلال حملته لاستعادة رئاسة الولايات المتحدة، قال...
-
ترامب وهاريس.. وجهان لعملة واحدة
نجح دونالد ترامب.. فاز مرشح الحزب الجمهوري...
-
السؤال الكوني وعجز الغرب الفلسفي
كمدخل فلسفي مبسط، يعود السؤال هنا على الفرد...
مقالات منوعة
بقلم: شيرين عرفة
| 30 أغسطس, 2024
لماذا يُكرم القاتل؟!
بعيون باكية، وبصوت متهدج حزين، وقف الطبيب الأمريكي “أحمد يوسف” الذي عاد لتوه من غزة، بعد أن قضى فيها ثلاثة أسابيع، يروي قائلا:رأيت امرأة شابة طرحتها أسرتها بجوار الفتى الصغير الذي كنت أعالجه، كانت تبلغ من العمر 22 أو 23 عاما، تغطي الحروق معظم جسدها ولا تقوى على الكلام، ثم صرخ أحدهم من خارج الباب: “إنها حامل”، فقبلناها بسرعة، ووضع أحدنا المسبار الصوتي على بطنها، كانت في الأسبوع الثامن عشر إلى العشرين، وحينما أجرينا فحصا آخر لنفهم حجم الإصابات، وجدنا كسورا في عظام ظهرها، وتهشما في الساق، نتيجة إصابتها بمتفجرة اخترقت جسدها.رأينا الحروق تغطي أكثر من 70% من جسدها، وهو ما يعتبر حكما بالإعدام في بيئة لا تجد فيها شاشا ولا مياها نظيفة ولا مضادات حيوية، كنا جميعا نعرف ما يعنيه هذا منذ التقيناها أول مرة.. كانت ستموت بالتأكيد، وسيموت طفلها، ولم يكن بوسعنا فعل أي شيء، وذلك ببساطة لأن الحكومة الإسرائيلية والجيش الإسرائيلي قد جعلا من المستحيل رعاية الناس بالقدر الذي يستحقونه، بينما كل إنسان له الحق في الحصول على مساعدة طبية تمكنه من البقاء على الحياة.هي امرأة حامل كانت تجلس في بيتها حين سقطت قنبلة على رأسها، قمنا بنقلها إلى قسم العناية المركزة، وفي كل يوم عاشته حتى وفاتها كانت تتألم بشدة، ولم نكن نملك الأدوية اللازمة للتخفيف من تلك الآلام، وفي كل صباح عندما كنا نتجول نقف أولا على سريرها، نلتزم جميعا الصمت ونحاول حبس دموعنا لأننا ندرك أنه لا شيء يمكننا فعله، وأن الأمر المحتوم قادم، إلى أن دخلنا ذات يوم ووجدنا سريرها فارغا..يضيف الطبيب: هذه القصة المؤلمة هي واحدة من عشرات آلاف القصص التي حدثت في غزة، امرأة لها أسرة حزنت عليها، كما يحزن أي منا على فقدان أفراد من أسرته، هذه المرأة ومعها كل إنسان في غزة يستحقون الدعم والحياة، وهذا يقع على عاتق البشرية جميعها، وعليها توفيره.ثم يختم الطبيب الأمريكي حديثه قائلا: أقف هنا، وأنهي كلامي بأن سبب دموعي التي تتساقط الآن، والنوم الذي أُحرم منه، لم يعد الحزن والأسى، بل الشعور بالحسرة أننا لا نملك القدرة على وقف هذا النزيف من الدماء، والذي تتسبب فيه القنابل التي تسقط على رؤوس هؤلاء الأبرياء، وتوفرها الدولة التي أنتمي إليها، أمريكا، أقوى دول العالم.كانت تلك شهادة اختصاصي في الطب الباطني وطب الأطفال على ما رآه في غزة من فظائع، خلال ندوة عقدها المؤتمر العام للحزب الديمقراطي في أمريكا، وهي واحدة من عشرات الشهادات المروعة التي أدلى بها أطباء عادوا إلى بلادهم، بعد عملهم في غزة لأسابيع أو أشهر.ومن تلك الشهادات المعبرة عن مأساوية الوضع، ما رواه جراح بريطاني، خلال مؤتمر صحفي نقلته عدسات الصحافة العالمية من داخل أروقة الأمم المتحدة، حين قال: “إنه أمر مدمّر للأعصاب أن يُحرق الأطفال الصغار في غزة وتشاهد ذلك بعينيك، لكن هناك طفلة لن أنساها ما حييت، فقد احترقت بشدة حتى برزت العظام، وكنا نعلم أنه لا توجد فرصة للنجاة.. ولأنه لا تتوفر كذلك مسكنات الألم، فهذا يعني أنها لم تكن لتموت فحسب، بل ستموت في عذاب ومعاناة، والأسوأ من هذا كله، أنه لا عائلة بجانبها، ولا مكان تذهب إليه، بل تُركت على الأرض في قسم الطوارئ حتى لفظت ما تبقى لها من أنفاس.أما الجراح الأمريكي “فيروز سيدهوا” فيقول : كنت في غزة من 25 مارس إلى 8 أبريل، ذهبت مع الجمعية الفلسطينية الأمريكية ومنظمة الصحة العالمية، وعملت في المستشفى الأوروبي على الطرف الجنوبي الشرقي لمدينة خان يونس، وأستطيع القول إن الوضع في غزة كارثي، لا يمكن وصفه بأي حال من الأحوال، وإذا أردت أن تفكر في أشياء سيئة أو مخيفة تحدث في هذا العالم، فهي بالطبع تحدث في غزة ولشعب غزة، لكن من أكثر الأمور التي أثرت فيّ بشدة، كان أولا سوء التغذية الشديد، والمجاعة التي تتعمد إسرائيل خلقها لسكان القطاع، وهو أمر واضح للعيان. والثاني، كان هو الأطفال.. لقد كنت أتابع أعداد الأطفال التي يُعلن عن قتلهم في غزة كل يوم، والإحصائيات التي تذكر أرقام الضحايا، لكني كنت أعتقد أنهم لقوا حتفهم نتيجة لقصف عشوائي لا يُميز بين كبير وصغير، ويسعى لإبادة الجميع، لكني رأيت بعيني إصابات نارية متعمدة في رؤوس الأطفال، وهو ما لم أكن أتوقعه على الإطلاق.ويضيف الطبيب: إن إسرائيل تتعمد قتل وإصابة الأطفال، والمؤسف أن هذا يحدث بأسلحة أمريكية، ولقد استمعت بنفسي إلى بنيامين نتنياهو وهو يقول: “لو قطعت أمريكا عنا التمويل والأسلحة، سنقاتل بأظافرنا”، ولذلك أقول له: حسنا، هذا جيد، اذهبوا واستمتعوا بالقتال بأظافركم، لكن دعوا قنابلي وأموالي وأسلحتي وهيبتي وحكومتي الأمريكية بعيدا عن كل هذا، لا تستخدموا أموالنا وضرائبنا في قتل الأطفال.كان هذا الغضب المكتوم، الذي عبر عنه الطبيب الأمريكي، من كون بلاده أمريكا شريكا رئيسيا، وطرفا أصيلا في الحرب الوحشية على قطاع غزة، وإبادة أهلها، هو ما أكدت عليه طبيبة طب الطوارئ الأمريكية “تامي أبو غنيم” في شهادتها على الأوضاع، حيث ذهبت إلى غزة مرتين خلال الأشهر الستة الماضية، ومضت تقول: لقد شاهدت طيفا واسعا من الإصابات خلال عملي في مستشفى ناصر بقطاع غزة، لقد حاولنا علاج مئات من الأطفال والنساء الذين أصيبوا بجراح خطيرة، إما برصاص الجنود الإسرائيليين، الذي يتعمدون استهدافهم بطلقات حية في البطن والرأس، أو بالقنابل والشظايا وحطام المباني التي يتم تفجيرها فوق الرؤوس، فما يقارب الـ 60 إلى 70 في المئة من الجرحى هم من الأطفال والنساء.وتضيف: “لقد رأيت أدلة موثقة على تعمد استهداف المدنيين بالرصاص وقذائف الدبابات، وهجمات الطائرات المروحية، لقد رأيت إصابات بالغة نتيجة ألغام أرضية انفجرت في أطفال يلعبون حول مقبرة.. ما شاهدته كان كارثيا.وتابعت الطبيبة بقولها: “لا أستطيع أن أخبركم كم هو محبط أن أعلم، وأنا أقف أمام مريضة أسحب شظايا من جسدها، أن دولارات الضرائب التي أسددها، هي الثمن الذي دُفع فيها”.مرَّت على عقلي تلك الشهادات، من أطباء أمريكيين، دفعهم ضميرهم الحي، وإنسانيتهم ومروءتهم، لرفض ما تفعله بلادهم من جرائم، بمشاركتها في حرب الإبادة المتوحشة التي تشنها قوات الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة الفلسطيني، وفجرت في عقلي حيرة كبيرة، حينما تابعت مشهد رئيس أركان الجيش المصري، الفريق “أحمد خليفة”، أثناء لقائه بـ”تشارلز براون” رئيس هيئة الأركان الأمريكية المشتركة، والذي زار مصر في الـ 26 من أغسطس/ آب الجاري، بينما أُجريت للأخير مراسم استقبال رسمية بمقر وزارة الدفاع، وعُزف السلام الوطني الأمريكي في بداية اللقاء، وفي نهايته تم تكريمه، فلم أفهم مطلقا معنى أو مغزى ذلك التكريم!فلماذا يُكرم رئيس أركان الجيش المصري، الجنرال الذي يقود جيشه حربا وحشية ظالمة على أكثر من مليوني إنسان، تجمعنا بهم كل الروابط التي عرفتها الإنسانية، والتي تربط وتؤاخي بين الشعوب، حيث تربطنا بهم وحدة الدين والعرق واللغة والثقافة والجغرافيا والتاريخ.. إخوة لنا تتم إبادتهم منذ شهور!كانت الضحكات العريضة والسمجة في هذا اللقاء تشي بالكثير، وتنبئنا بأن الموقف المصري الرسمي المتواطئ في الحرب الإسرائيلية المتوحشة والمتواصلة- لأول مرة في تاريخ المنطقة- منذ ما يقارب السنة، والتي تسببت في أنهار الدماء التي سالت بغزارة على أرض فلسطين.. هذا الموقف لم ينبع من ضعف مخجل، أو تراخٍ مشين، أو حتى فشل ذريع في إدارة مجريات الأحداث، بل ينبع من اتفاق تام للنظام المصري بكل أفراده ورجاله ومسؤوليه، مع الوحشية الصهيونية ورغبتها في استئصال الشعب الفلسطيني العربي المسلم، الذي قدم نموذجا فريدا من المقاومة المذهلة والفريدة، والثبات منقطع النظير في مواجهة أطماعها وخطتها لاحتلال المنطقة.فالنظام المصري بقيادة عبد الفتاح السيسي، ومعه قادة جيشه بمختلف رتبهم العسكرية، وبالرغم من أسمائهم العربية، ما هم إلا ذراع لتلك المنظومة الصهيونية المتوحشة، التي تستولي على منطقتنا، وتتولى نهب خيراتها وسرقة ثرواتها، وتمعن في القمع والقتل والتشريد والتنكيل بكل من يقاوم أدواتها، ولن تتحرر فلسطين، قبل أن تتحرر القاهرة.
كاتبة صحفية وباحثة سياسية
6 التعليقات
إرسال تعليق
تابعنا على حساباتنا
مقالات أخرى
البنتاغون يتوقع اضطرابات كبيرة مع عودة ترامب إلى البيت الأبيض
تتزايد المخاوف في أوساط البنتاغون بشأن عودة الرئيس المنتخب دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، حيث يُخشى أن يسعى لتنفيذ وعود انتخابية قد تؤدي إلى تداعيات خطيرة على الجيش الأمريكي، الذي يُعرف بحياده السياسي. من بين هذه المخاوف، توجيه الجيش للعمل داخل الولايات المتحدة،...
اِجعل لكَ خبيئة!
خرج المسلمون يوماً لقتال الروم، فلما التقى الجيشان خرجَ فارس من جيش الروم يطلب المبارزة، فخرج له رجل ملثَّم من جيش المسلمين فبارزه حتى قتله! ثم خرج فارس آخر من جيش الروم يطلب المبارزة، فخرج إليه الرجل الملثم نفسه من جيش المسلمين فبارزه حتى قتله! ثم خرج فارس ثالث من...
خرافة اسمها الحب!
من البديهيات أن المشاعر جزء أصيل لدى الإنسان.. البعض قسمها إلى مشاعر إيجابية: كالحب، والسعادة، والرضا؛ وأخرى سلبية: مثل الغضب، والاشمئزاز، والخوف. غير أن علم النفس ذهب ليؤكد أن كل المشاعر لها جانبان، واحد سلبي وآخر إيجابي؛ فالغضب -مثلاً- يعد أحد أسوأ المشاعر الإنسانية...
شكرا اختنا الفاضلة
وحسبنا الله ونعم الوكيل
اسأل الله أن يرحم ضعفنا
وأن ينصرنا على القوم الكافرين المعتدين
حسبنا الله ونعم الوكيل ، و الله شعورنا بالعجز و القهر يؤرق مضاجعنا، و لكن لدينا يقين بفرج الله، و أن سُنن الله لا تحابى أحدا، و حتما سيتغير هذا الواقع المؤلم.
جزاك الله خيراً
لن يتحرر الأقصى قبل أن تتحر القاهره
صدقنا وهو كذوب ( السيسى صهيونى اكتر منى ) لولا وجوده على راس السلطة بمصر ما كان حدث ما حدث ولكنها اقدار الله ليميز الخبيث من الطيب
لن يتحرر الاقصى حتى تتحر القاهرة و دمشق و يتحدا كما فعل صلاح الدين و الملك الصالح نجم الدين ايوب من بعده