البسيوني منافحا عن اللغة العربية
بقلم: جعفر عباس
| 19 يوليو, 2023
مقالات مشابهة
-
السياسة الخارجية للرئيس ترامب تجاه الشرق الأوسط
لم تمرّ إلا ساعات فقط بعد إعلان الرئيس الأمريكي...
-
“العرب العثمانيون”.. كيف جسّد الإسلام عمومية النظام السياسي لجميع الأعراق؟
خلال زيارتي لنائب مدير جامعة السلطان محمد الفاتح...
-
في موقعة أمستردام.. لم تسلم الجرّة هذه المرة !
تقول العرب في أمثالها: "ما كل مرة تسلم الجرة".....
-
عمر بن عبد العزيز والتجربة الفريدة
حين ظهرت له أطلال المدينة المنورة، أيقن الشاب...
-
هيكل: حكايات من سيرة الأستاذ الكاهن (2)
هيكل والسادات مضت السنوات وابتعد محمد حسنين هيكل...
-
أعرني قلبك يا فتى!
أعرني قلبك يا فتى، فإن الأحداث جسام، والأمور على...
مقالات منوعة
بقلم: جعفر عباس
| 19 يوليو, 2023
البسيوني منافحا عن اللغة العربية
الدكتور الشيخ عبد السلام البسيوني، علم ترفرف على رأسه بيارق العلم والمعرفة والاستنارة، وكثيرون في دولة قطر يعرفونه كـ”داعية” إسلامي وخطيب مفوه و”إمام جمعة”، ولكن ما قد لا يعرفونه عنه هو أنه متعدد المواهب؛ فهو شاعر وكاتب عمود صحفي مُجيد، وخطاط جهبذ، ورسام؛ وما هو أهم من كل ذلك أن للرجل أكثر من تسعين مؤلفا في مختلف الموضوعات، مبذولة للكافة في جمهورية سايبريا، التي هي عالم السايبر، الذي هو شبكة المعلومات العنكبوتية.
وعطفا على آخر ثلاث مقالات لي هنا في “مدونة العرب” حول اللغة العربية، سأتناول اليوم جوانب من كتابٍ للبسيوني صدر قبل سنوات عن التصحيح (التدقيق) اللغوي في المطبوعات عموما، وقد سبق له أن مارس المهنة لسنوات في عدد من الصحف، ومعلوم أنه ما من كاتب صحفي جاد ومسؤول، إلا وضايقه تدخل المصحح اللغوي في ما يكتب، حتى لو كان التدخل مبررا، لأنه يُذكِّر الكاتب بأن ما حدث كان بسبب “نقص القادرين على التمام”، بينما اكتسب البعض اسم “كاتب” ولحم أكتافهم من خير المصححين اللغويين، أي أنهم يكتبون فسيخا، ليحوله المصحح إلى شربات.
توارد خواطر وقع بيني وبين البسيوني، فقد كتبت في صحيفة الشرق القطرية، في تسعينيات القرن الماضي، وعلى مدى أسبوعين متتاليين، مقالات أستنكر فيها شيوع اللغة “العربيزية”، التي هي هجين تعسفي تم توليده قسريا وقيصريا من اللغتين العربية والإنجليزية
في سياق رصد الأخطاء الشائعة عند العامة وبعض الخاصة، يعرض البسيوني أمثلة منها: “من ثُم” بضم الثاء، و”تَوفى” بفتح التاء وبألف مقصورة في آخرها، بما يوحي بأن الميت فارق الدنيا بقرار شخصي، و”هَرعت -بفتح الهاء- سيارات الإسعاف”، وكأن تلك المركبات الخرساء، تتمتع بحس إنساني، وتهرع من تلقاء أنفسها إلى حيث من هم بحاجة إلى “إسعاف”، إلى جانب “استقريت” (وليس استقررت)، و”اضطريت” (وليس اضطررت)، و”إنشاء الله” (والصواب: إن شاء الله)، و”الله ما” (اللهم)، و”لِما فعلت ذلك”، بدلا من “لِم”، و”السلامو عليكم”، و”أنتي تركت كتابكي في السيارة”، و”فرائظ الوظوء”.
ويسعدني أن توارد خواطر وقع بيني وبين البسيوني، فقد كتبت في صحيفة الشرق القطرية، في تسعينيات القرن الماضي، وعلى مدى أسبوعين متتاليين، مقالات أستنكر فيها شيوع اللغة “العربيزية”، التي هي هجين تعسفي تم توليده قسريا وقيصريا من اللغتين العربية والإنجليزية، ولكن البسيوني يذهب في كتابه إلى أبعد مما ذهبت إليه في مقالاتي تلك، ويستنكر نقل عبارات “بالمسطرة” من الإنجليزية إلى كلامنا المنطوق والمكتوب؛ وانظر مثلا إلى عبارة من شاكلة “تحيات..أشواق حارة”، المنقولة عن العبارة الإنجليزية “greetings..warm reception”..؛ ومثلها “دفء العواطف”، على اعتبار أن الإنجليز يعشقون الشمس والدفء، لأن بلادهم غائمة دوما وتموت من البرد حيتانها، ومن ثم يسعدون بالأيام المشمسة، بل يسمون أيام السعد والعز بالأيام المشمسة “sunny days”، بينما يسعد العرب بالغيوم والمطر، وإذا احتجبت الشمس عندهم نهارا، رأوا ذلك دليلا على حلاوة الطقس، والبرد في معظم الدول العربية حلو ومُشتهى، وهكذا جاءت العبارة العربية “شيء يثلج الصدر/ الفؤاد” و”نزل كلامه على قلبي بردا وسلاما”.
ويمضي البسيوني قائلا: “المترجمون العرب أخذوا عبارات من لغة أهل القمار، مثل قولهم: (خلط أوراق اللعبة) و(كشف الأوراق) وهي عبارات أتت من فعل القَمّار (مدير اللعبة) الذي يخلط أوراق اللعب، ثم يوزعها على المقامرين، فانتقلت من الحانات وصالات الميسر عبر المترجمين إلى لغة السادة “المسقفين” عليهم الرضوان أجمعين!.. ومنها قولهم: (قلب عليه الطاولة)، وهو ما يفعله لاعب القمار إذا خسر، فهو “يقلب الطاولة” لتفويت الفرصة على الرابح، فنُقلت العبارة مستعارة للذي يهيج ويغضب، ويحتد في الخصومة أو يهتاج، أو يقلب الحجة على خصمه؛ ومنها استخدام ألفاظ مثل الآسAce والجوكر Joker وهذا من التجوز في التعبير، ودس مصطلحات (الكوتشينة) أو القمار في لغتنا”. ثم يصعقنا البسيوني باستنتاج أمور كانت غائبة عن معظمنا عندما يقول: ومن المستغرب عندي كذلك استخدامهم اصطلاح: حجر الزاوية/ الأساس، نقلًا حرفيًّا للمصطلح الماسوني الأشهر، والذي يرمز لأول حجر استخدم في بناء أول محفل ماسوني corner stone.
اللغة أهم مستودع للهوية والفكر والثقافة، وليتنا جميعا نعتد بها وننافح عنها كما فعل البسيوني
ومن ابتلاه الله بمتابعة بث بعض القنوات التلفزيونية العربية سمع المذيعين، ولا شك، مرات عديدة وهم يستخدمون لفظ “زيرو” بدلا من “صفر” كقولهم: يمكن الاتصال بالبرنامج على الهاتف أربعة ستة خمسة زيرو زيرو تسعة!.. حرام عليكم يا جماعة، فالصفر -تحديدا- هو أهم إضافة لأسلافنا في علم الحساب، وأتى به محمد بن موسى الخوارزمي، الذي توصل إلى نظريات علمية ورياضية، بعضها ما زال يحمل اسمه، مثل الخوارزمية (وتم تحويرها إلى ألغوريثم في اللغات الأوربية)، وبها عرف العالم الكسور العشرية، وانتقلت كلمة “صفر” من العرب إلى إيطاليا، وصارت زيفيرو، ثم تحولت في الإنجليزية والفرنسية إلى زيرو؛ وبالتالي فالإعلامي العربي الذي يقول “زيرو” بدلا من “صفر” مصاب بعقدة “البضاعة المستوردة”، ولا يثق بالإنتاج “المحلي”. ويتابع البسيوني فيلفت الانتباه إلى مفردات مستوحاة من قواميس غير عربية كقولنا: “فلان متنرفز” و”هذا أمر يسبب النرفزة”، والكلمة تحوير لـ”نيرفاس” الإنجليزية، وتعني “متوتر وعصبي المزاج”.
اللغة أهم مستودع للهوية والفكر والثقافة، وليتنا جميعا نعتد بها وننافح عنها كما فعل البسيوني، وكما هو الشاعر الدكتور أبو الحسن بن محمد هازع الذي قال فيها:
نزلـت فـي كـل نفـس .. وتـمشّـت في دمـاهـا
فـبِـهــا الأم تـغــنّـت .. وبـها الـوالـد فــاهـا
وبـهـا الـفـن تـجــلّـى .. وبهــا الـعلـمُ تـبـاهـى
كـلــمـا مـرّ زمــان .. زادهـا مـدحـا وجـاهـا
لـغــة الأجـداد هــذي .. رفــع الله لـــواهـــا
فـأعـيـدوا يـا بـنـيـهـا .. نهـضة تحـيي رجاهـا
لـم يمت شعـب تفانى .. في هواها واصطفاها
تابعنا على حساباتنا
مقالات أخرى
وقد استجاب القضاء لدعوة الرئيس.. ماذا ينتظر المستأجرون؟!
ذكّرني القول إن المحكمة الدستورية العليا في مصر استجابت لدعوة الرئيس في إصدار حكم، بما مضى. فدائما تذكّرنا القدرات المتواضعة الآن بعهد الرئيس مبارك، فلا يعرف قيمة أمه إلا من يتعامل مع زوجة أبيه، وكثيرون صار شعارهم "رُبّ يوم بكيت منه، فلما مضى بكيت عليه". ولست من هؤلاء...
السياسة الخارجية للرئيس ترامب تجاه الشرق الأوسط
لم تمرّ إلا ساعات فقط بعد إعلان الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب نيته تعيين حاكم أركنساس السابق "مايك هاكابي" ليكون سفيرًا للولايات المتحدة لدى إسرائيل وهو المعروف بدعمه منقطع النظير للاستيطان، خاصة في الضفة الغربية التي يعتبرها جزءاً من أرض الميعاد كما يقول،...
“العرب العثمانيون”.. كيف جسّد الإسلام عمومية النظام السياسي لجميع الأعراق؟
خلال زيارتي لنائب مدير جامعة السلطان محمد الفاتح في إسطنبول، البروفيسور المؤرخ زكريا كورشون، كنت أتحدث معه عن آخر إصداراته، فحدثني عن كتابه "العرب العثمانيون"، ومقصد الكتاب تبيان عمومية النظام السياسي في الإسلام لجميع الأعراق والأجناس في ظل الدولة الواحدة . فالإسلام...
0 تعليق