الجزيرة والاتجاه المعاكس الجديد
بقلم: مهنا الحبيل
| 12 مايو, 2024
مقالات مشابهة
-
السياسة الخارجية للرئيس ترامب تجاه الشرق الأوسط
لم تمرّ إلا ساعات فقط بعد إعلان الرئيس الأمريكي...
-
“العرب العثمانيون”.. كيف جسّد الإسلام عمومية النظام السياسي لجميع الأعراق؟
خلال زيارتي لنائب مدير جامعة السلطان محمد الفاتح...
-
في موقعة أمستردام.. لم تسلم الجرّة هذه المرة !
تقول العرب في أمثالها: "ما كل مرة تسلم الجرة".....
-
عمر بن عبد العزيز والتجربة الفريدة
حين ظهرت له أطلال المدينة المنورة، أيقن الشاب...
-
هيكل: حكايات من سيرة الأستاذ الكاهن (2)
هيكل والسادات مضت السنوات وابتعد محمد حسنين هيكل...
-
أعرني قلبك يا فتى!
أعرني قلبك يا فتى، فإن الأحداث جسام، والأمور على...
مقالات منوعة
بقلم: مهنا الحبيل
| 12 مايو, 2024
الجزيرة والاتجاه المعاكس الجديد
لم يكن فيصل القاسم حملاً وديعاً في حلقة أثير، لكنه ذكي مبدع، اختار مدخل الحلقة بكل قوة، حتى أصبح هو مذيعها وضيفها معاً!
كان أبو صبا يدرك أن الجمهور الواسع، الذي اختطفته شاشته لحظة ميلاد الجزيرة، ينتظر الرواية الأخرى، بل يريد أن يسمع الاتجاه المعاكس عن فيصل القاسم نفسه.. ماذا تقول حكايته؟ وكيف نقيس رحلته وشخصيته الحقيقية؟.
هو كشف حساب انتظره الناس مع فيصل القاسم، فروى عطشهم، لم يكن فيصل بسيطاً في حديثه وإن لم يتكلف، لكنه كان صريحاً؛ وأول صدمة شجاعة ذكية، هي بيانه أنني فيصل ابن الطبقات المحرومة المهمشة، أعتز بكفاحي وأعرضه بكل شفافية.. بذلك اختطف مسرح العرض لا الصورة، وهناك فرق كبير بين مسرح العرض لشاشة التلفزيون، حين يدخل فيها المشاهد، وبين لقطة الصورة التي تجذبه.
تابع فيصل قصته التي كانت تحتاج إلى وقفات، فالمسألة هنا ليست حكاية شخصية أو سيرة ذاتية مقطوعة، لكن برنامجا فجّر المياه الراكدة، وفرض على طاولة العلاقات العربية توترات سياسية لم تكن وجع رأس فقط، بل أبعد من ذلك، كان فيصل يشير في نهاية الأمر الى قواعد اللعبة.. ما علاقة برنامجك بسياسة الدولة المضيفة، بتوجهاتها.. بخلافاتها؟
كان يردّد دون أن ينتبه له البعض “إنه بالمسار العام، الأمور عفوية، ولا يوجد تدخل، لكن في أصل الحكاية إنها السياسة، ويردد لمضيفه أنت عارف.. أنت عارف إنها السياسة”، فكيف نحكم على فيصل القاسم، في هذا الأمر؟
ما أراه هو أن فيصل القاسم أشار إلى دور الدولة، والتي حضر في ظرف استثنائي في حياتها السياسية وتحديات وجودها، ولا يزال، ولذلك دوماً أقول إن قرار الميلاد للجزيرة – مع كل نجاحه وتبعاته- يُحال لديّ أولاً إلى المؤسس الثاني لدولة قطر، الأمير الوالد الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، وسواء اختلفت مع الجزيرة أو اتفقت، فقد حققت القناة توازناً استراتيجيا ضخما لصالح الدولة، ثار حوله جدل كبير، في تقلب توجهات الجزيرة من الثورة السورية، حتى المشروع الأخير للثورة الإيرانية.
لكنه أثبت أن الجزيرة قوة ناعمة شرسة للدولة، مثّلت لها جبهةً لا يملكها كثيرون، وتعاملت معها كل الأطراف مُحبّةً أو كارهة، مستثمرة أو انتهازية أو مستقلة، رأت فيها خدمة تقاطعية لكفاحها، أو بلاغها الفكري، وخاصة حين كانت الجزيرة قناة جامعة، تعطي للفكر والثقافة والحوار خارج الصراع السياسي مساحة معتبرة. أما عن قيمة المعطى للحرية الإعلامية، وتقديم المادة الفكرية المنوعة، مع حشد من الشخصيات والأفكار والمواقف، فقد مثلت الجزيرة نقلة قوية في ذلك.
كانت مشكلة فيصل القاسم أنهُ فتيل التفجير للجدل، ولكن ليس مدير استكمال العرض، ولا الفهم، وهذه ليست مهمته بحسب برامج (cross fir)؛ ثم جاء بيان فيصل القاسم المهم هنا، وهو أن بعض الحلقات، كانت تدور تحت قاعدة لعبة مباشرة، طرفها الآخر هو النظام الرسمي، وممثل جهازه الأمني الخاص، بحيث يعمل على إفساد الحلقة والتشويش على الضيف الآخر. وهو مؤشر مهم لدور القناة في التأثير على توجهات الرأي العام العربي، وانخراط النظام الرسمي مضطراً في التعامل مع منهجية الجزيرة في فتح النوافذ للجميع.
صراحة د. فيصل القاسم أن البرنامج نصب في أولى حلقاته فخاً للدكتور عبد الله يعقوب بشارة، فاختير في الطرف المقابل له شخصيةً معروفة بعدائها الشرس للخليج العربي، ليس كحكومات ولا كمجلس تعاون رسمي مرتبط بالعمق الأمريكي، ولكن كمنظومة إنسان وجغرافيا اجتماعية وعروبة إسلامية.. تلك الصراحة ربما يُسجل لفيصل اعترافه بها، وتُترك لحكم الناس عليها. لكن ما يثير الاهتمام هنا، أن د. بشارة تساءل: هل تبث الحلقة من الدوحة؟ فأكد له د. فيصل ذلك! وفيها قصة معاناة الشعوب العربية في الخليج، عن الخليج والعرب، عن الرواية الثانية المدفونة التي لا يُسمح لهم أن يطلعوا عليها، فأوصلتهم الجزيرة لها. كما أن الجزيرة منحت مساحة لعرض إخباري ومواد إعلامية، خارج نطاق التقاليد الرسمية الرتيبة لخطاب الإعلام، والذي لا يزال حاضراً وإن تطور بعض الشيء.
يرافع د. فيصل عن برنامجه بأنه صوت المهمشين، ومنصة الأسئلة المحرّمة، وآلة بعثرة الملفات لصالح الرأي العام، وكشف الحسابات المفاجئة للأنظمة، وأحسب أن كل ما قاله صحيح، إلا أن المستويات تختلف، ومآل تفجير القضية – بل ونتيجتها- نحتاج للتوقف عنده. لكن اليقين أن عصمة الأئمة المستبدين أريقت مراراً في البرنامج، نعم تبعاً للتوجه السياسي ومداره، ولكن الناس كانوا متعطشين لفضح تلك الأبنية المغلقة، التي مزق أستارها الاتجاه المعاكس.
التمزيق لم يكمل المهمة، فهل فتح الباب للإصلاح؟
هنا، بعيداً عن مسؤولية الجزيرة، نحتاج أن نتوقف عند حصيلة الإفادة من الاتجاهات المعاكسة بين أطياف الوطن العربي؛ كيف ننظر لها؟ وكيف نُنظم بنيانها وحواراتها؟ هل نعيش اليوم مرحلة مراجعات كبرى، نسعى فيها لجمع الصف العربي بعد أن مُزِّقنا كل ممزق، وكان هولوكوست غزة شاهداً على واقع الصراعات؟.
وأثر نفوذ الاتجاه المعادي لا المعاكس في توجهات هذه الدولة أو تلك، ولكن من أجل وجود الدولة واستقرارها، ووقوع هويتها العربية بين الاستقطابين الصهيوني الإمبريالي والطائفي الإيراني – وكلاهما روح استعمارية- ينشأ السؤال: أين هي طاولة الحوار؟ وأين هي مفاهيم العمل العربي المشترك، لا على مستوى الأنظمة، بل النخب الثقافية ذاتها؟.
لعل هناك سؤالاً جديداً ومهماً حول مستقبل قناة الجزيرة: هل من سبيل للحفاظ على قوتها عبر إطارٍ آخر غير السياق الإخباري، لا يُسقط الأخير، ولكن يُحيي الأول؟ وعلى سبيل المثال، هل مشروع الشيخة موزة، سيدة قطر الأولى، لكسر احتكار الغرب لصورة الإنسانية الحقيقية، بعد جريمة غزة وبعد مجازرها، وفي لحظة إفاقة إنسانية في الغرب ذاته، يمكن لشركة الجزيرة أن تكون فيه فاعلاً مميزاً؟
يكون ذلك عنما تتحوّل دعوات المنبر الجديد إلى طاولة حوار عالمية، تبدأ أولا من العالم الجنوبي ثم تمتد، تماماً كما امتدت في خطاب قطر فاونديشن الأخير، فيُضم الرأي العام الغربي لهذه الطاولة ليدور جدل الحوار الفكري، وصناعة مستقبل تعليمي مستقل عن إرادة الغرب ومنظماته، تعرض الجزيرة حكاياته، وتقدم برنامجاً متخصصاً فيه.. فتبدأ مسيرة مختلفة للقناة، تَستمع فيها الشعوب إلى صوت الحقيقة من منبر هادئ، لكنه في النهاية يحكي قصة الاتجاه المعاكس، بين حضارة تخدم الإنسان وحضارة تهدمه وتستخدمه.
رئيس المركز الكندي للاستشارات الفكرية
تابعنا على حساباتنا
مقالات أخرى
وقد استجاب القضاء لدعوة الرئيس.. ماذا ينتظر المستأجرون؟!
ذكّرني القول إن المحكمة الدستورية العليا في مصر استجابت لدعوة الرئيس في إصدار حكم، بما مضى. فدائما تذكّرنا القدرات المتواضعة الآن بعهد الرئيس مبارك، فلا يعرف قيمة أمه إلا من يتعامل مع زوجة أبيه، وكثيرون صار شعارهم "رُبّ يوم بكيت منه، فلما مضى بكيت عليه". ولست من هؤلاء...
السياسة الخارجية للرئيس ترامب تجاه الشرق الأوسط
لم تمرّ إلا ساعات فقط بعد إعلان الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب نيته تعيين حاكم أركنساس السابق "مايك هاكابي" ليكون سفيرًا للولايات المتحدة لدى إسرائيل وهو المعروف بدعمه منقطع النظير للاستيطان، خاصة في الضفة الغربية التي يعتبرها جزءاً من أرض الميعاد كما يقول،...
“العرب العثمانيون”.. كيف جسّد الإسلام عمومية النظام السياسي لجميع الأعراق؟
خلال زيارتي لنائب مدير جامعة السلطان محمد الفاتح في إسطنبول، البروفيسور المؤرخ زكريا كورشون، كنت أتحدث معه عن آخر إصداراته، فحدثني عن كتابه "العرب العثمانيون"، ومقصد الكتاب تبيان عمومية النظام السياسي في الإسلام لجميع الأعراق والأجناس في ظل الدولة الواحدة . فالإسلام...
0 تعليق