مدن لا تزال على قيد الذاكرة.. “قرطبة “

بواسطة | أبريل 28, 2024

بواسطة | أبريل 28, 2024

مدن لا تزال على قيد الذاكرة.. “قرطبة “

رغم ما أصاب مدننا الإسلامية العريقة في بلاد الأندلس من طمس لتاريخها، وتشويه لأيامها، فإنها لا تزال شاخصة في سماء تلك الجزيرة بمعالمها وسماتها الإسلامية الفريدة والمميزة.. ومن هذه المدن مدينة «قُرْطُبة»، التي كانت عاصمة المسلمين في الأندلس، وكانت من أكبر مدن العالم آنذاك.

وقرطبة.. مدينة تقع على الضفة اليُمنى لنهر الوادي الأكبر بجنوب إسبانيا، وهي مدينة قديمة تضرب بجذورها في أعماق التاريخ، تأسست على يد القرطاجيين قبل الميلاد، حسب آراء بعض المؤرخين، ثم استولى عليها الرومان، ثم البيزنطيون، ثم وقعت في يد القوط الغربيين، ثم جاء الفتح الإسلامي لها على يد القائد «طارق بن زياد» عام 93هـ/ 711م.

وبالفتح الإسلامي لمدينة قرطبة بدأ فيها عهد جديد، وتدشين لميلاد مدينة مُبدعة في كل ألوان الحضارة، من فنون وعلوم وعمارة وثقافة، ففي عهد ولاية «السمح بن مالك» سنة 101هـ، زمن الخليفة «عمر بن عبد العزيز»، تم بناء قنطرة قرطبة فوق نهر الوادي الكبير، والتي هي من أعظم آثار الأندلس وأجملها، وما زالت باقية في الأندلس حتى وقتنا الحالي.

وفي عهد «عبد الرحمن الداخل» صارت قرطبة مركزًا للعلم والثقافة في أوربا، فقد أنشأ فيها مكتبة حوت ما يقرب من نصف مليون كتاب، وبنى جامعها الكبير، والذي مازال قائمًا حتى وقتنا الحالي، وقد صنفته اليونسكو ضمن مناطق التراث الثقافي العالمي.

وفي عهد الخليفة «عبد الرحمن الناصر»، بلغت قرطبة أوج تقدمها وتحضُّرها، وبلغت مستوىً عاليًا من الرخاء والثراء لم تبلغه من قبل، فقد نافست بغدادَ عاصمة العباسيين، والقاهرةَ عاصمة الفاطميين، والقسطنطينية عاصمة البيزنطيين؛ وقد وصل سفراء قرطبة إلى كل دول العالم البعيدة، ووفد عليها مبعوثون من كل حدب وصوب.

اشتهرت قرطبة بمساجدها، ومكتباتها، ومدارسها، وجامعاتها، فقد كانت جامعة قرطبة من أشهر المؤسسات الثقافية في العالم المتحضر. ووصلت الحركة العلمية في قرطبة ذروتها في زمن الحكم المستنصر بالله، ثاني خلفاء الأندلس؛ فقد كان قارئًا مُحبًّا للعلم، اشترى نفائس المخطوطات، وأنشأ مكتبة تحتوي على مئات الكتب، واهتم بمسجد قرطبة، وأدخل عليه كثيرًا من الإضافات المعمارية والزخرفية.

ومن علماء قرطبة الذين أضاؤوا الدرب: يحيى بن يحيى (عازل القضاة)، ويحيى الغزال (أبو نواس الأندلس)، وعباس بن فرناس (رائد التجربة الأولى في الطيران)، وبَقيّ بن مخلد (محدث الأندلس)، ومنذر بن سعيد البلوطي (حاكم الحكام)، وابن حزم الأندلسي (فارس المناظرات)، وعبد الملك بن حبيب السلمي (عالم الأندلس)، والإمام القرطبي، والشاعر ابن زيدون، والفيلسوف ابن رشد، وغيرهم من العلماء الذين أضاؤوا سماء قرطبة.

لذلك نجد أن الحضارة الإسلامية في قرطبة قد تركت إرثًا ثقافيًا وعمرانيًا غنيًا، كان شاهدًا على تقدم قرطبة في عهد المسلمين، ولا يزال هذا الإرث موجودًا حتى يومنا هذا شاهدًا على ذلك.

0 تعليق

إرسال تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابعنا على حساباتنا

مقالات أخرى

تاريخ القراءة وسيرة مجانين الكتب

تاريخ القراءة وسيرة مجانين الكتب

من الكتب التي بَهَرتني في بدايات دخولي عالم القراءة كتاب "تاريخ القراءة"، للمؤلف الأرجنتيني ألبرتو مانغويل؛ دلَّني عليه صديقي يوسف عبد الجليل، وقرأته أكثر من مرة، وصوَّرت نسخةً غير شرعية منه في مكتبة كانت تطبع الكتب في طنطا. وقد عُدت إليه مؤخرًا وأنا أفكر في سر جماله،...

قراءة المزيد
لا تخدعنَّك مظاهر التقوى!

لا تخدعنَّك مظاهر التقوى!

في الحكايات الشعبية لبلاد الفرس، أن صيادًا كان يصطاد الطيور في يوم عاصف، فجعلت الريح تُدخل في عينيه الغبار، فتذرفان الدموع! وكان كلما اصطاد عصفورا كسر جناحه وألقاه في الكيس. وقال عصفور لصاحبه: ما أرقه علينا، ألا ترى دموع عينيه؟ فرد عليه الآخر: لا تنظر إلى دموع عينيه،...

قراءة المزيد
الضحالة والمعرفة السائلة

الضحالة والمعرفة السائلة

عُرف الفيلسوف وعالم الاجتماع البولندي زيجمونت باومان (١٩٢٥-٢٠١٧)م، بأنه صاحب مصطلح السيولة، التي أصدر تحتها سلسلته الشهيرة السيولة، من الحداثة السائلة والثقافة السائلة والحب السائل، والشر السائل والأزمنة السائلة والمراقبة السائلة، وهلم جرا من سيولات باومان المثيرة،...

قراءة المزيد
Loading...