أين العرب؟!

بواسطة | يونيو 3, 2024

بواسطة | يونيو 3, 2024

أين العرب؟!

كان السؤال سيكون ذا جدوى لو كان العرب اليوم غير العرب، غير أنهم مثل ملوك الطوائف، قد انتحى كلُّ زعيم بِحارةٍ واكتفى بأن يكون له منها الكرسي، وليس له من صوت يجيبه، ولا نداء يلبّيه ولا أمّة ينهض في سبيلها.. وواحسرتاه!!

ينادي أهل غزّة المذبوحون: أين العرب؟ وهو أسهل سؤال كان سيكون لو كان في العرب بقيّة من نخوة ولو كانت جاهلية، لكنه اليوم غدا أصعب سؤال والعرب قد تفرّقوا أياديَ سبأ، وتشرذموا، وتفتّتوا، وتفرقوا، وأعطى الأخ أخاه ظهرَه؛ فتجرّأ عليهم القاصي والداني، وولغ في إنائهم السفَلة والأرذال!

وكيف ينظر الغرب إليهم؟ إنهم لا شيء في ميزان القوى، كأنهم هباء، وكأنهم لو أرداوا أن يرفعوا سيفًا لضحك منهم أعداؤهم، وقالوا: إنّ سيوفكم من خشب، وإنّ طائراتكم من ورق، وإنّ بوارجكم من غثاء، ولَشَدّ ما يصدق فيهم قول نزار قباني:

يا ابن الوليد ألا سـيـف تؤجّــره   فكل أسيافنا قد أصبحت خشبا!!

كانت العرب تُنجِد مَنِ استنجد بها، وترى من العار ألّا تفعل، بل إنها كانت تجرّد سيفها للصريخ إذا أهاب بها، واليوم أهاب بهم كل طفل في غزّة، كل يتيم، كل امرأة، وهم صُمّ بُكْم عُمْي! كانت العرب تعشق الحرية التي فُطِرت عليها، واليوم تُساق إلى المهانة مُطأطئةَ الرؤوس، وتُرغَم على الذلّ ولا تسمع لها رِكزًا، فيا ليت عرب الإسلام اليومَ كانوا عرب الجاهلية أمس! فالعرب في الجاهلية كانت:

لا يسـألون أخـاهم حيـن ينْـدُبهم   في النائبات على ما قال برهانا

واليوم تقدّم لهم غزّة برهانًا قِوامه آلاف الشهداء، ومئات الآلاف من الجرحى، ولا يُحرّك ذلك فيهم ساكِنًا، فيا ليت شعري ما الذي حدث؟!

ما الذي صَيّر العربَ إلى ما صاروا إليه؟ أهو الركون إلى الدنيا، والخوف على الشهوات، والحرص على الملذّات؟! أيجري في دمهم ما يجري في عروق أهل غزّة، أم إنّ الدم صار ماء؟ أليسوا عدد الرمل، وحَصْر النجوم؟ فلماذا ينظرون إلى بني جنسهم تُحَزّ رقابهم، وتُقطّع أوصالهم ولا يرفعون طرفًا كأنما شُدّتْ عروقهم إلى عروق الكلاب؟ أيكون قد صدق فيهم قول الحبيب صلّى الله عليه وسلّم: “يوشك الأمم أن تداعى عليكم كما تداعى الأَكَلَة إلى قصعتها، فقال قائل: ومِن قِلَّة نحن يومئذ؟ قال: بل أنتم يومئذ كثير ولكنكم غثاء كغثاء السيل، ولَينْزِعنَّ الله من صدور عدوكم المهابة منكم، وليقْذفنَّ الله في قلوبكم الوَهَن، فقال قائل يا رسول الله: وما الوهن؟ قال حبّ الدنيا وكراهية الموت”.

لماذا على أهل غزّة أن يصيحوا بعدما رأوا من الخذلان، وعاينوا من البهتان، وتُركوا للوحش والطغيان: “يا وَحْدَنا”؟! ألا يعرف العربي أنه إذا سلّم أخاه لمُدية الجزّار، فإن هذه المُدية التي يمسح عنها العدوّ دم أخيه، ستحزّ دمه عن قريب، وستذبحه من الوريد إلى الوريد؟!

أينتظرون أن يقولوا: “أُكلت يوم أُكل الثور الأبيض”؟. وهل ينفع الندم بعد الفوات؟ وهل ينفع البكاء على الميّت بعد النفاذ؟ وهل يجدي التحسّر على الماء المسكوب؟ ألم يكن في وسعهم ألّا يندموا وألا يبكوا وأن يحفظوا دم إخوتهم وماء وجوههم قبل أن يراق؟!

ولماذا يصدُق (أمل دنقل) بعد ما يقرب من نصف قرن من اتفاقية العار في كامب ديفيد، حين قال: إنّ سهمًا أتاني من الخَلْف… سوف يجيئكَ من ألْف خَلْف”؟

وسيبقى السؤال السهل الممتنع، البسيط في طرحه الوجوديّ في إجابته، كأنه قادم من فم الغيب، صادحًا في فضاء الغموض: “أين العرب؟!”.

1 تعليق

  1. باهي

    غارقون في بحر الملذات.. حب الدنيا قد غشي على وجوههم … وكراهية الموت قد بدت في أعينهم
    فياحسرتا على أمة ضاعت واستبدلت

    الرد

إرسال تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابعنا على حساباتنا

مقالات أخرى

حرب إسرائيل على أطفال فلسطين

حرب إسرائيل على أطفال فلسطين

"رأيت أطفالًا محروقين أكثر مما رأيت في حياتي كلها، رأيت أشلاء أطفال ممزقة".. هذه كلمات الدكتور مارك بيرلماتر، طبيب يهودي أمريكي، في شهادته حول العدوان الإسرائيلي على غزة. في مقابلة له على قناة CBS، قدم الدكتور بيرلماتر وصفًا صادمًا لمعاناة أطفال غزة.. الدكتور...

قراءة المزيد
جريمة اسمها التعليم!

جريمة اسمها التعليم!

قالوا قديمًا: "عندما نبني مدرسة، فإننا بذلك نغلق سجنًا".. وذلك لأن المدرسة في رأيهم تنير الفكر، وتغذي العقل، وتقوِّم السلوك؛ وذهب بعضهم إلى قياس تحضر الدول والشعوب بعدد مدارسها وجامعاتها. ومع إيماني الخالص بقيمة العلم وفريضة التعلم، فإنني أقف موقفًا معاديًا تجاه مسألة...

قراءة المزيد
أيُضلُّ الإنسان نفسه أم يُكتب عليه الضلال جبراً؟

أيُضلُّ الإنسان نفسه أم يُكتب عليه الضلال جبراً؟

لطالما كان اختيار الإنسان لطريق الهداية أو الضلال معضلةً، طرحت الكثير من التساؤلات عن مدى مسؤولية الإنسان نفسه عن ذلك الاختيار في ظل الإيمان بعقيدة القضاء والقدر، وكيف يمكن التوفيق بين مسؤولية الإنسان عن هداه وضلاله، وبين الإرادة والقدرة الإلهية، وما يترتب عليها من...

قراءة المزيد
Loading...